“هآرتس” تشك في نتائج ورشة البحرين

“هآرتس” تشك في نتائج ورشة البحرين
Spread the love

بقلم: عاموس هرئيل – محلل عسكري إسرائيلي —
ثمة شك في أن يكون في وسع الورشة الاقتصادية التي بادرت إدارة دونالد ترامب إلى عقدها في البحرين هذا الأسبوع أن تقود الإسرائيليين والفلسطينيين نحو مستقبل أفضل، على الرغم من الإمكانات الرائعة لالتقاط الصور في هذه الدولة التي تبدو مثل لوحة جميلة. لكن يبدو، بنظرة من بعيد، أن هذه الورشة تمخضت عن بضع نتائج إيجابية. إن مجرد إبراز الثمار الاقتصادية المحتملة التي قد تنتج عن السلام، من شأنه تشجيع أوساط من الجمهور الفلسطيني على تأييد تسوية سلمية مستقبلية. كما أن المقابلتين اللتين أجرتهما قناتا التلفزة الإسرائيليتان “أخبار 13″ [القناة العاشرة سابقاً] و”كان 11” [تابعة لهيئة البث الجديدة] مع وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، تضمنتا تصريحات ودية تثير الأمل بإمكان حدوث تطبيع مستقبلي في المنطقة.
لكن المشكلة تكمن، منذ زمن بعيد، في المركّب السياسي من “صفقة القرن” التي تعاني نقصاً أولياً، بل مسبقاً، من وجهة النظر الفلسطينية، والتي أعلنت الإدارة الأميركية الآن تأجيل عرضها إلى أجل غير معروف. حتى أن مبعوث الرئيس ترامب إلى المفاوضات، جيسون غرينبلات، رفض، أمس، الادعاء بمجرد وجود احتلال في الضفة الغربية. ويشكل مثل هذا التصريح سبباً للرضى في اليمين الإسرائيلي، لكنه يعزز الادعاء الفلسطيني بأن ترامب ومساعديه لا يمكن أن يكونوا وسطاء منصفين في مسيرة حل هذا النزاع. وبعض التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الأميركيون في ورشة البحرين بشأن الوضع في المناطق [المحتلة] كانت غريبة، إن لم نقل مقطوعة تماماً عن الواقع الموضوعي.
كما حققت السلطة الفلسطينية أيضاً نجاحاً لا بأس به في حملتها التخويفية التي استهدفت ردع رجال أعمال فلسطينيين عن المشاركة في ورشة المنامة. أمّا مشاركة رجل أعمال من الخليل يحظى بحضن دافئ وشاذ من المستوطنين في المدينة خلال السنوات الأخيرة فلا يمكن اعتبارها إنجازاً للإدارة الأميركية ونجاحاً في تجنيد الفلسطينيين لهذه المبادرة.
ثمة شبه ما بين استراتيجيات الإدارة الأميركية ـ وربما يفضَّل القول: أسلوبها التجاري ـ حيال المسألة الإيرانية وحيال القضية الفلسطينية. فهي تمارس، في كلتيهما، الحد الأقصى الممكن من الضغوط، إلى جانب التلويح بإمكان الحصول على الحد الأقصى الممكن من المردود في حال الاستجابة إلى اقتراحاتها. لكن لا بد من القول إن ورشة البحرين عُقدت بعد سلسلة من الإجراءات الاقتصادية الحادة التي اتخذتها الإدارة الأميركية بحق الفلسطينيين أدت، سوية مع الخلاف بشأن أموال الأسرى، إلى تدهور حاد وخطر في وضع السلطة الفلسطينية. وأصبح التنسيق بين الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وتلك التابعة للسلطة الفلسطينية أشبه بطبقة رقيقة من الثلج قد تنكسر في أي لحظة جرّاء حادث ما على خلفية دينية أو صدام محلي بين الفلسطينيين والمستوطنين. كما أن أوضاع العمال الفلسطينيين الذين يعودون إلى بيوتهم كل شهر بنصف راتبهم المستحق، بل أقل من نصفه أحياناً، لا تساعد على حفظ الاستقرار.
أمّا في قطاع غزة، فالأوضاع أكثر خطورة بكثير. ولم تعد حركة “حماس” تتظاهر حتى بأنها تحاول المحافظة على الهدوء التام أكثر من أيام قليلة تعقب دخول التحويلة الشهرية من الأموال القطرية. وفي المقابل، يتعمق الإحباط ويتصاعد لدى قيادة الحركة حيال الانطباع بأن إسرائيل تعوق تطبيق التسهيلات التي تم الاتفاق عليها بوساطة مصر والأمم المتحدة.
الإيرانيون يريدون امتلاك أوراق مساومة

على هامش مسلسل التقلبات والتحولات الذي دخلت إليه المنظومة السياسية الحزبية في إسرائيل هذا الأسبوع [القصد: موضوع الانتخابات الجديدة للكنيست الإسرائيلي ومحاولات إلغائها]، جرت أيضاً سلسلة من التطورات الأمنية المهمة في الأيام الأخيرة. فالمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران لا تزال بعيدة عن نهايتها، والتوتر في منطقة الحدود مع سورية يشهد تصعيداً، والمستوطنات الإسرائيلية في “غلاف غزة” تتعرض لموجة جديدة من الحرائق التي تسببها البالونات المفخخة التي يتم إطلاقها من قطاع غزة. كما أن الأزمة الاقتصادية التي ورطت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية نفسها فيها، جرّاء الجدل مع إسرائيل بشأن استمرار دعم السلطة السجناء الأمنيين، لا يلوح لها حل في الأفق.
ثمة إغراء غير قليل لمحاولة الربط بين الأحداث المنفصلة هذه ووصلها في خيط واحد مترابط يمكنه تفسير كل شيء بجرة قلم سخية: الأحداث في الخليج، والتغريدات التهديدية التي نشرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والخبر (في موقع “واللّا”) بشأن الحضور المكثف لرجال حزب الله قرب الحدود الإسرائيلية ـ السورية في هضبة الجولان، بل وحتى الأعطال الغامضة التي أصابت أجهزة “نظام التموضع العالمي” (GPS) في الطيران المدني الإسرائيلي ـ هذه كلها قد تتجمع معاً لتشكل إشارات دالّة، نواقيس حرب تتورط فيها إسرائيل أيضاً. ولهذا التفسير ثمة دلالة سياسية ـ حزبية أيضاً. فلئن كانت الحالة الأمنية الحالية على هذه الدرجة من الحساسية ـ لكن، متى لم تكن كذلك، في كل سنة خلال العقد الأخير؟ ـ فلماذا لا نقبل الاقتراح الجديد الذي تقدم به حزب الليكود لإلغاء الانتخابات الجديدة المقررة للكنيست يوم 17 أيلول/سبتمبر المقبل، ولإقامة حكومة طوارئ/ حكومة وحدة قومية مع حزب “أزرق أبيض”؟
عملياً، يبدو أن تسلسل الأحداث الأمنية يعكس تقاطع بضع سيرورات منفصلة معاً، تتجند جميعها لتصب في خدمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في إطار معركة الوجود التي يخوضها من أجل البقاء في منصبه وإبعاد سيف لوائح الاتهام الثلاث المسلط على رقبته. وقد اعترف مسؤولون في الليكود أمس بما كان واضحاً تماماً للعيان: مبادرة رئيس الكنيست، يولي إدلشتاين، إلى إلغاء قانون حل الكنيست ومنع الانتخابات الجديدة لم تكن سوى بالون اختبار يبدو، في هذه الأثناء، أن الجميع قد تخلى عنه وتنصل منه بعد أن اتضح أنه لا يحظى بتأييد كاف من الأحزاب السياسية. ومع ذلك، يمكن التكهن بأن بالونات أُخرى شبيهة ستُطلـَق مرات أُخرى خلال الصيف الحالي، وخصوصاً وبالتأكيد إذا ما استمرت استطلاعات الرأي في تنبؤ فشل نتنياهو في تجنيد ائتلاف من 61 عضو كنيست من دون أفيغدور ليبرمان. وسيتم توظيف الحجة الأمنية في المرات المقبلة أيضاً، أو كما كتبنا هنا أكثر من مرة: لدينا إيران، كل الوقت.
لم تُنشَر أي تقارير عن وقوع أحداث استثنائية في مياه الخليج هذا الأسبوع. لكن في المقابل، وقعت سلسلة هجمات جديدة استهدفت مطارات سعودية، نفذتها طائرات من دون طيار أطلقها المتمردون الحوثيون في اليمن، المدعومون من إيران. وتبادل الرسائل بين طهران وواشنطن لم يكن حركياً، بل كلامياً فقط. فقد أعلن ترامب اعتماد سلسلة جديدة من العقوبات ضد إيران، تشمل هذه المرة مسّاً بممتلكات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي (الذي سمّاه الرئيس، على نحو طبيعي، “خميني”). يبدو أن القيمة الفعلية للمسّ بخامنئي هامشية فقط، لأنه ليس لديه ممتلكات عينية في الغرب، غير أن الإهانة قد تحققت. في اليوم التالي، أعلن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن البيت الأبيض يعاني “قصوراً ذهنياً” و”عجزاً ذهنياً”، فشعر ترامب، أيضاً، بالإهانة، فغرّد على “تويتر” بأن الإيرانيين لا يفهمون سوى لغة القوة فقط. وإجمالاً، أكثر الرئيس الأميركي من التصريح بشأن المسألة الإيرانية، هذا الأسبوع. فقد انتقد، مثلاً، النزعات العدوانية لدى مستشاره لشؤون الأمن القومي، جون بولتون، بينما كان الأخير في القدس للمشاركة في القمة مع نظيريه الروسي والإسرائيلي.
يمكن الافتراض أن خيار استئناف المفاوضات بين الجانبين لا يزال مطروحاً في الكواليس ولم يجر التخلي عنه تماماً، ولو في قناة رسمية عبر سلطنة عُمان، كما حدث في الاتصالات التي سبقت توقيع الاتفاق النووي المرحلي سنة 2013. وقد كتب الباحث الأميركي من أصل إيراني والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، راي تقية، في موقع “بوليتيكو” هذا الأسبوع، أن السبب الحقيقي وراء عدم إسراع إيران نحو استئناف المفاوضات بشأن التعديلات في الاتفاق النووي التي يطالب الأميركيون بإدخالها، هو أن النظام الإيراني يريد الوصول إلى هذه المفاوضات من نقطة قوة وبعد أن يكون قد بلور لنفسه “رواية نجاح”. فإيران، كما يقول تقية، لا تريد حرباً بواسطة الهجمات التي نُسبت إليها في الخليج، بل الوصول إلى المفاوضات بعد أن تكون ـ من وجهة نظرها ـ قد صدّت الضغوط الأميركية بشجاعة. ومن شأن قرار ترامب التراجع، في اللحظة الأخيرة، عن خطة شن هجوم عقابي ضد إيران في إثر إسقاطها طائرة التجسس من دون طيار الأميركية قبل أسبوع، أن يوفر لإيران السلم الذي قد يؤدي إلى استئناف المفاوضات.
عملياً، على أرض الواقع، لم يحقق الإيرانيون أي انتصار، كما يؤكد تقية. إدارة ترامب هي التي انسحبت من الاتفاق النووي قبل نحو سنة، من دون أن تدفع أي ثمن لقاء ذلك، ثم أوقعت على إيران سلسلة من العقوبات الاقتصادية المؤلمة التي حدّت من قدرة الشركات الأوروبية على التجارة معها وسببت للاقتصاد الإيراني أذى كبيراً. ويرى تقية أن الإيرانيين يؤمنون بأنهم كانوا الطرف المنتصر في المفاوضات مع إدارة باراك أوباما، وبأنهم إذا ما عاودوا الاتصالات الآن فسيكون بمقدورهم وضع العقبات أمام الإدارة الحالية. لكن العودة إلى المحادثات تتطلب منهم العودة لاستجماع أوراق مساومة جديدة. وتسعى إيران لتحقيق هذا الهدف بواسطة سلسلة من الوسائل والإجراءات، بينها تهديد الملاحة البحرية في الخليج الفارسي والخرق التدريجي للاتفاق النووي (من خلال امتلاك كميات من اليورانيوم المخصب بمستوى منخفض أكبر من تلك التي يسمح بها الاتفاق).
أثار ضرب حاويات النفط في مياه الخليج، مجدداً، خشية ترامب الدائمة من الصرف المالي على ما يعتبره هو مكرمات زائدة عن الحاجة تقدمها الولايات المتحدة إلى المجتمع الدولي. والرئيس لا يعتبر بلاده الشرطي الدولي. وقد أوضح هذا الأسبوع أنه لا ينبغي للولايات المتحدة الاستمرار في تحمل مسؤولية وعبء حماية الملاحة البحرية في الخليج، لأنها لا تعتمد على النفط العربي لسد حاجاتها في مجال الطاقة. هذا الموقف العاطفي الذي يعبّر عنه ترامب قد يكون مفهوماً، لكنه يتناقض مع مركّب آخر في سياسته الخارجية، الساعية للحدّ من التأثير الصيني في العالم ومحاصرته. ويبدو أن بكين ستكون سعيدة بالدخول وملء الفراغ الذي ستتركه واشنطن خلفها، كجزء من جهودها الرامية إلى تعزيز مكانتها الدولية.
أصبحت أغلبية سفن الأسطول الأميركي تفضل، منذ الآن، عدم الدخول إلى الخليج الفارسي نفسه، وإنما البقاء على مقربة من خليج عُمان الجنوبي، المتصل مع المحيط الهندي. ذلك بأن الخليج الفارسي أشبه بحوض استحمام ضيق نسبياً قد تكون السفن الأميركية فيه ـ مثل حاويات النفط ـ عُرضة للإصابة، سواء بهجمات قوارب الكوماندوز التابعة للحرس الثوري الجمهوري أو بصواريخ يتم إطلاقها من الشاطئ.
وثمة مشكلة إقليمية أُخرى تتعلق باستمرار الحرب الأهلية في سورية. فنظام الأسد يركّز جهوده الآن على محاولة دحر المتمردين من منطقة إدلب في الشمال، وهي المنطقة المركزية الأكثر أهمية التي لا تزال تحت سيطرة هؤلاء. وتقود الطائرات الروسية هذا الهجوم، بينما لا تظهر إيران في الصورة إطلاقاً هذه المرة. وهو تطور يربك تحليلات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وخصوصاً في مدى ما يعكسه من خصام محتمل بين روسيا وإيران.
شهد هذا الأسبوع محاولة لتصوير القمة الثلاثية في القدس بين مستشاري الأمن القومي الأميركي والروسي والإسرائيلي، بأنها اتفاق على إخراج القوات الإيرانية من سورية. لكن مستشار الأمن القومي الروسي، نيكولاي بتروشيف، سارع إلى التوضيح أن بلاده لا تزال حليفة لإيران. وقال بتروشيف “إننا نؤمن بأنه من غير المقبول وصف إيران بأنها تهديد إقليمي”، وخفف إلى حد كبير من الحماسة التي رافقت القمة التي شارك فيها.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole