مارتين إنديك: خطة ترامب للتسوية لا تترك شيئاً للتفاوض

مارتين إنديك: خطة ترامب للتسوية لا تترك شيئاً للتفاوض
Spread the love

تتجاهل خطة ترامب الصيغ الأخرى التي تم التفاوض بشأنها بعناء لصالح صيغ غير عادلة وغير متوازنة.

ترجمة: د.هيثم مزاحم/

كتب مارتن إنديك، الذي شغل سابقاً منصب المبعوث الأميركي الخاص للمفاوضات الإسرائيلية -الفلسطينية، وكمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، والسفير الأميركي لدى “إسرائيل”، مقالة في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية انتقدت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، والتي عُرفت بـ”صفقة القرن”، معتبرة أنها لم تترك شيئاً للفلسطينيين كي يتفاوضوا بشأنه، فهي تسوية مفروضة عليهم من جانب واحد، كما تفرض الاتفاقات على الطرف المهزوم في الحرب. 
ورأى إنديك أن فريق خطة السلام في الشرق الأوسط التابع للرئيس الأميركي دونالد ترامب قد اقترح “حلاً شاملاً وخلاقاً” للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وأشار إلى أنه برغم مسارعة ترامب يسارع إلى انتقاد الجهود الفاشلة للإدارات السابقة، فقد استند فريقه في الواقع إلى المفاهيم والمبادئ وحتى إلى صياغات الخطط السابقة. إذ حاول الوسطاء الأميركيون السابقون إرساء أساس لاتفاق عن طريق سد المواقف المتباينة للجانبين. لقد قام فريق ترامب ببساطة بحل القضايا بخفة: لقد قرروا كلاً من قضايا الوضع النهائي التالية: الحدود، الأمن، القدس، اللاجئون، والاعتراف المتبادل، لصالح إسرائيل حتى قبل بدء المفاوضات.
فعلى سبيل المثال، لطالما أولى المفاوضون الأميركيون “اهتماماً خاصاً لتأمين الحدود بين الأردن ودولة فلسطينية مستقبلية، وذلك خشية أن تصبح هذه الحدود بوابة للجيوش أو الإرهابيين الذين يعبرون الضفة الغربية ومن ثم إلى إسرائيل”. أثناء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، قام فريق من خبراء الأمن الأميركيين، بالتشاور مع نظرائهم الإسرائيليين والفلسطينيين، بوضع خطة يمكن من خلالها لقوات الأمن الفلسطينية السيطرة تدريجياً على الحدود؛ خلال سنوات عديدة، بحيث تكون للقوات الفلسطينية فرصة لإظهار التزامها وقدراتها.
وأضاف إنديك أن فريق ترامب قد استعار مفهوم إنشاء معايير الأمن ومقاييس لقياس التقدم الفلسطيني، لكن طبقه بدلاً من ذلك على الأمن داخل الدولة الفلسطينية، مع اعتبار “إسرائيل” هي الحكم النهائي حول الأداء الفلسطيني. فقد حل هذا الفريق مسألة أمن الحدود ببساطة بمنح غور الأردن إلى “إسرائيل”. فخطة ترامب ستؤدي إلى حصار الدولة الفلسطينية بأراضي إسرائيلية، قاطعة جوارها مع الأردن، ومحولة أريحا إلى جيب فلسطيني والدولة الفلسطينية إلى بانتوستانات (أي على غرار مناطق الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً).
وتابع إنديك أن المفاوضين الأميركيين السابقين قد جهدوا للتوفيق بين المطالب المتنافسة بالسيادة على القدس، وخاصة في الحوض المقدس الذي يشمل المدينة القديمة والمقدسات المسيحية والإسلامية واليهودية فيها. وقد سعى المفاوضون سابقاً إلى حل مسألة السيادة لصالح الحكم المشترك للمدينة القديمة. وبدلاً من ذلك، قام فريق ترامب بحل هذه المسألة من خلال منح “إسرائيل” السيادة للأبد على كامل المنطقة، بما في ذلك الأحياء المسيحية والإسلامية والمسجد الأقصى.
فخلال الـ52 سنة الماضية، كان اليهود قادرين على زيارة الموقع المعروف عند اليهود بـ”جبل الهيكل” وعند المسلمين بـ”الحرم الشريف”(القدسي)، لكن بسبب الحساسيات الدينية، سمحت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فقط للمسلمين بالصلاة هناك. وقد أصبح ذلك جزءاً من الأمر الواقع الذي يحكم إدارة الأماكن المقدسة. إن خطة ترامب تلتزم بالحفاظ على هذا الوضع القائم، ولكنها تسمح بصلاة اليهود في “جبل الهيكل” (الحرم القدسي)، الأمر الذي سيكون في الواقع انطلاقة تحريضية.
كتعويض عن رفض مطالبتهم بالسيادة على “الحرم الشريف”، وهو ثالث أقدس موقع في الإسلام، يُعرض على الفلسطينيين مركز سياحي شمال القدس والوصول الخاضع لسيطرة “إسرائيل” من هناك إلى الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة. هذا هو نوع العرض الذي رفضه ياسر عرفات في كامب ديفيد في تموز/يوليو 2000، وأبلغ الرئيس بيل كلينتون بأنه إذا قبل ذلك، فلن ينتظر شعبه لقتله وإنه يفضل قتل نفسه.
تتجاهل خطة ترامب الصيغ الأخرى التي تم التفاوض بشأنها بعناء لصالح صيغ غير عادلة وغير متوازنة بشكل واضح. مثلاً، منذ إدارة كلينتون، كان الأساس العادل لجميع المقترحات الأميركية الخاصة بالقدس هو الإقرار بأن الضواحي العربية في القدس الشرقية يجب أن تخضع للسيادة الفلسطينية بينما تخضع الضواحي اليهودية للسيادة الإسرائيلية. غير أن خطة ترامب تضع تقريباً كل الضواحي العربية في القدس الشرقية تحت السيادة الإسرائيلية، تاركة للفلسطينيين في ضاحية عربية واحدة ومخيم للاجئين على الجانب الشرقي من الجدار الذي تخلت عنه “إسرائيل” خلال الانتفاضة الثانية. على هذا الجزء من القدس الشرقية، يُقال للفلسطينيين الآن إن بإمكانهم بناء عاصمتهم، التي قطعها الجدار عن كل من المسجد الأقصى وعن 300.000 فلسطيني من سكان القدس الشرقية.
أما بالنسبة للمستوطنات، فقد نظر المفاوضون الإسرائيليون والفلسطينيون السابقون في ضم “إسرائيل” للكتل الاستيطانية الرئيسية الواقعة على طول حدود عام 1967 بين “إسرائيل” والضفة الغربية، طالما سيحصل الفلسطينيون على ما يعادل هذه الأراضي من “إسرائيل” كتعويض. 
 ويشرح إنديك أنه بموجب هكذا الترتيب، سيتم استيعاب 85 ​​في المائة من المستوطنين في حوالى 3 إلى 5 في المائة من مساحة الضفة الغربية في “إسرائيل”. لكن المستوطنات النائية في قلب الضفة الغربية سيتم إخلاؤها للسماح بقيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً. غير أن فريق ترامب للسلام قد تبنى فكرة تبادل الأراضي، لكن خطته تعرض أراضي قاحلة على الحدود المصرية للتعويض عن دمج جميع مستوطنات الضفة الغربية في “إسرائيل”، بما في ذلك المستوطنات النائية. ستكون النتيجة دولة فلسطينية على غرار الجبن السويسري (المخروم) مع عدم وجود إمكانية للتواصل الجغرافي (بين أجزاء الدول). وبدلاً من ذلك، تقترح خطة ترامب التواصل “الانتقالي”، من خلال أنفاق تربط بين جزر السيادة الفلسطينية. وستكون هذه الأنفاق، بالطبع، تحت السيطرة الإسرائيلية.
يتفق الكثير من الإسرائيليين والأميركيين وحتى بعض زعماء الخليج من ذوي النوايا الحسنة، مع كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز” بريت ستيفنز، الذي قال أخيراً إن “الرفض الفلسطيني اليوم سيؤدي حتماً إلى الحصول على أقل غداً”. ديفيد بن فوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، أخذ قطعة الدولة اليهودية التي عرضتها الأمم المتحدة في عام 1947 وبنى عليها. هذا العرض لم يشمل حتى شريحة من القدس لعاصمة “إسرائيل”. كانت المدينة كلها لتكون تحت إشراف دولي. يقول هذا الاحتجاج أن على الفلسطينيين أن يتبنوا نهجاً مماثلاً: يجب أن يأخذوا قطعة الدولة الفلسطينية التي عُرضت عليهم الآن والمساومة من أجل شروط أفضل. في الواقع، صرح جاريد كوشنر، المهندس الرئيسي لخطة ترامب، أنه إذا كان الفلسطينيون لا يحبون جوانب الخطة، فيمكنهم المجادلة من أجل إجراء تغييرات.
ويذهب إنديك إلى أن “هذا الاحتجاج يتجاهل الخلل الكبير في الخطة كنقطة انطلاق للمفاوضات. وهو يتجاهل حقيقة أن القليل الذي تقدمه خطة ترامب مشروط: فمن أجل الحصول على هذا القدر القليل، يتعين على السلطة الفلسطينية أولاً أن تفي بمعايير الديمقراطية الغربية؛ ثم عليها السيطرة على قطاع غزة ونزع سلاح جميع العناصر الإرهابية هناك، وهو أمر لا تملك أي وسيلة للقيام به. ومن الذي سيحكم على ما إذا كانت الحكومة الفلسطينية قد أوفت بهذه المتطلبات؟ إسرائيل”.
يضيف إنديك: “حتى الأسوأ من ذلك، تم تقديم خطة ترامب باعتبارها تسوية مفروضة من جانب واحد diktat. يتحدث فريق ترامب كما لو أن كل شيء تم الاتفاق عليه بالفعل بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكل ما تبقى هو لفريق تفاوض أميركي-إسرائيلي – وليس فريقاً إسرائيلياً-فلسطينياً – لترسيم الخطوط الدقيقة لخريطة ترامب المحددة سلفاً. هذه المهمة، وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 آذار / مارس المقبل، كلاهما على ما يبدو يصبان في صالح ضم إسرائيل لغور الأردن وجميع المستوطنات، بغض النظر عما إذا كانت هناك أية مفاوضات إسرائيلية-فلسطينية. إسرائيل تدين بمثل هذه الغنائم، كما يشرح مهندسو خطة ترامب، في مقابل قبولها فكرة الدولة الفلسطينية والتخلي عن 30٪ من الضفة الغربية. يمكن للفلسطينيين أن يسألوا بشكل معقول: إذاً، ماذا تبقى كي تفاوض عليه؟”.
لسنوات، عارضت الحكومات الإسرائيلية الحل المفروض، والتزمت الإدارات الأميركية رسمياً بتجنب الحل. الآن قام فريق ترامب – بالتشاور الوثيق مع نتنياهو ومن دون أي تشاور على الإطلاق مع المسؤولين الفلسطينيين – بوضع حل شامل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني يبدو أنه عازم على فرضه على الفلسطينيين. لا عجب في أنه عندما ينظر الفلسطينيون إلى خطة ترامب، فإنهم غير مستعدين للجلوس على طاولة مفاوضات لا تميل فقط بشكل دراماتيكي نحو “إسرائيل”، بل تم توزيع جميع أوراق اللعب العليا عليها بالفعل إلى الجانب الآخر.
ويرى إنديك أن الفلسطينيين لا يمكنهم “التغلب على شيء من دون شيء. إن رفضهم لخطة ترامب، التي تبدو لا يمكن تجنّبها في ضوء الشروط المعروضة، سوف يوفر لنتنياهو المبرر للمضي قدماً في الضم الذي باركه ترامب”. ويقترح أنه “بدلاً من ذلك، يجب على القيادة الفلسطينية تجاوز خطة ترامب وإعلان استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة إسرائيلية جديدة بعد انتخابات 2 آذار/مارس المقبل”.
ويختم إنديك قائلاً: “يجب أن تفعل القيادة الفلسطينية ذلك على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي المتفق عليها مسبقاً والتي تنص على حل الدولتين ومقايضة الأراضي بالسلام. يمكن للقادة الفلسطينيين أن يستشهدوا بمبادرة جامعة الدول العربية، التي ستجعل 22 دولة عربية تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” بمجرد إتمام الاتفاق مع الفلسطينيين. مثل هذه الخطوة قد تعزز الدعم العربي الهش وتولد دعماً من المجتمع الدولي. ومن يدري؟ – قد يجبر عرض فلسطيني مضاد للمحادثات المباشرة مع “إسرائيل” ترامب على التخلي عن خطته واختيار مقاربة أكثر توازناً وواقعية لحل صراع القرن”.


*مارتن إنديك هو باحث متميز في “مجلس العلاقات الخارجية” ومؤلف الكتاب الذي سيصدر قريباً “هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط”. وقد شغل إنديك مناصب المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية -الفلسطينية، ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، والسفير الأميركي لدى “إسرائيل”.

المصدر: الميادين نت

Optimized by Optimole