ماذا يجري في المستوطنات؟

ماذا يجري في المستوطنات؟
Spread the love

بقلم: شاوول أريئيلي – كاتب إسرائيلي |
أظهرت نتائج انتخابات الكنيست الـ21 في المستوطنات وداخل الخط الأخضر مرة أُخرى الحقيقة الثابتة التي لا تستطيع أي معركة انتخابية التنصل منها: وجود أقلية متطرفة تؤمن أن من حق الشعب اليهودي فقط تقرير مصيره في أرض إسرائيل، تخرب فرص أكثرية ساحقة من المستوطنين كي يصبحوا شرعيين وجزءاً من إسرائيل ذات السيادة. يعرف المستوطنون كيف يحتضنون اليد الحكومية التي تُحسن إليهم. وفي الحقيقة، فإن رفض الحكومة والكنيست المنتهية ولايته حل الدولتين واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، والدعم غير المسبوق الذي تمنحه إدارة ترامب إلى حكومة نتنياهو، عززا قوة الأطراف المتطرفة المسيانية – ذات الصفات الفاشية والتي تقود عمليات الإقصاء – وجعلاها الجهة الأكثر تأثيراً والقائدة.
التجاوزات في مجال فرض القانون في الضفة الغربية، والتقديمات المذهلة والاستثمارات الهائلة عززت في وسط أغلبية الإسرائيليين الذين يعيشون في المستوطنات الوعي بأن الواقع الحالي مربح. مع ذلك يكشف تفحص بسيط للأرقام الحقيقة التي لم تتبدل: الجزء من مشروع المستوطنات الذي يشكل عقبة في وجه التسوية الدائمة يجري الدفع به قدماً من قبل حزب واحد، يمثل جزءاً صغيراً جداً من مجموع المستوطنين.
المقارنة بين تصويت المستوطنات في 2015 وبين نتائج الانتخابات الأخيرة تدل على أن حجم تصويت المستوطنين قفز تقريباً 20%. السبب الأساسي لذلك هو زيادة عدد الناخبين وسط الجمهور الحريدي، الذي يشكل حوالي 40% من مجموع المستوطنين. انقسام البيت اليهودي إلى اتحاد أحزاب اليمين واليمين الجديد رفع عدد الناخبين لصالحهما من 37.550 ناخباً إلى 53.161، وحافظ على تقدم هذين الحزبين في 62 من أصل 127 مستوطنة.وكما هو متوقع، فاز حزب بتسلئيل سموتريتش في 48 مستوطنة بينما فاز بينت وشاكيد في 14 فقط.
عزز حزب الليكود قوته وقفز من مقعد واحد في 2015 إلى 1.3 وأصبح الحزب الأكبر في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. كما عزز قوته وحافظ على المكان الأول في المدينة الثالثة من حيث الحجم ، معاليه أدوميم، وفي أريئيل، المدينة الرابعة من حيث الحجم، اللتين يعيش فيهما حوالي 60 ألف نسمة. وأيضاً في المجلس المحلي الأكبر، غفعات زئيف (17 ألفاً)، وفي المجالس الصغيرة جداً، معاليه إفرايم، وفي 20 مستوطنة صغيرة.
قفزة مشابهة حققها حزب يهدوت هتوراه الذي حافظ على الصدارة المطلقة في أكبر مدينيتن حريديتين في المستوطنات، موديعين عيليت وبيتار عيليت، اللتين يسكنهما 125 ألف شخص. أيضاً زاد حزب شاس قوته من ربع مقعد إلى نصف مقعد، واحتل الصدارة في غاني موديعين وفي كوخاف يعقوب.
الاندماج بين حزبي يوجد مستقبل ومناعة لإسرائيل الذي أدى إلى ولادة حزب أزرق أبيض زاد عدد مؤيديه نحو 12 مرة. فقد تقدم أزرق أبيض على الليكود في المجالس المحلية الموجودة على الخط الأخضر، أورانيت، وألفي منشيه، وعلى حزب العمل في هار أدار (ثلاث مستوطنات مرتاحة اقتصادياً). وفي 16 مستوطنة سجل أزرق أبيض تقدماً في عدد الأصوات التي حصل عليها بالمقارنة مع مستوطنة واحدة (جلجل) تقدم بها حزب يوجد مستقبل في انتخابات 2015.
خسر حزب العمل تقدمه في 12 وحتى 13 مستوطنة كان قد حصل فيها على الأغلبية في انتخابات 2015 (باستثناء مستوطنة نيران في وادي الأردن). أغلب المستوطنات الصغيرة في وادي الأردن والبحر الميت، أيدت أغلبية الناخبين فيها أزرق أبيض، والليكود.
تشير هذه الأرقام إلى انجراف المستوطنين نحو اليمين: بالإضافة إلى اختفاء حزب العمل، طرأت زياد في قوة أحزاب اليمين وارتفاع كبير في قوة الأحزاب الحريدية.
في 62 مستوطنة يسكنها مؤيدو اتحاد أحزاب اليمين واليمين الجديد، يعيش فقط 30% من الإسرائيليين في منطقة يهودا والسامرة. وتعيش أغلبيتهم المطلقة في الهضاب وفي المستوطنات المعزولة الواقعه خارج “الكتل” الاستيطانية وفي بؤر استيطانية غير قانونية. سكان هذه المستوطنات هم الجزء من السكان الذي يمنع عن قصد نشوء تواصل جغرافي ضروري لقيام دولة فلسطينية .
في المستوطنات التي فازت فيها الأحزاب الحريدية والليكود وأزرق أبيض يعيش 70% من المستوطنين، أغلبيتهم بالقرب من الخط الأخضر، وباستثناء مستوطنات وادي الأردن جميعهم يعيشون في “الكتل الاستيطانية”. أي ضمن اطار الاتفاق الدائم الذي سيجري فيه تبادل أراض لا يتعدى الـ4%، و80% من الإسرائيليين الذين يعيشون ما وراء الخط الأخضر يستطيعون أن يصبحوا جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وأن يعترف بهم العالم كله. من أجل تحقيق هذه الامكانية، التي يوافق عليها الفلسطينيون برئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، ستضطر إسرائيل إلى أن تستوعب من جديد داخل الخط الخضر أو في “الكتل” التي ستُضم اليها، سكان المستوطنات المعزولة والبؤر الاستيطانية غير القانونية التي يسكنها ناخبو اتحاد أحزاب اليمين واليمين الجديد، وزهوت.
الخريطة السياسية المناطقية لم تتغير منذ 52 عاماً مضت على سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية. يسكن ناخبو الليكود والعمل الذين نقلوا أصواتهم إلى أزرق أبيض في مناطق المستوطنات التي حددتها خطط حكومية – خطة آلون (1967) وخطة شارون (1977) – واعتبر وجودها حينها ضرورياً أمنياً أو لأسباب اقتصادية. ناخبو الأحزاب الحريدية انتقلوا إلى الضفة بسبب أزمة المساكن التي يعانيها الجمهور الحريدي في القدس، وفي بني براك وفي بيت شيمش. في مقابلهم، سكن مستوطنو غوش إيمونيم على مدى سنوات في المناطق بصورة متعمدة وصريحة – بخلاف الخطط الحكومية وفي أحيان كثيرة بصورة مخالفة للقانون – من أجل فرض وقائع على الأرض في الروابي التي يسكنها الفلسطينيون بكثافة، وأرادوا منع قيام تواصل بين الأرض الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
من المؤسف أن نرى مرة أُخرى من جديد كيف تنجح أقلية صغيرة في تقييد أغلبية ومنعها من العمل من أجل المصلحة العامة في إسرائيل والانفصال عن الفلسطينيين باتفاق من أجل المحافظة على هويتها وديمقراطيتها وأمنها، وسلطة القانون فيها ومكانتها بين شعوب العالم.

المصدر : صحيفة هآرتس الاسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole