صفقة القرن التي لم تولد بعد

صفقة القرن التي لم تولد بعد
Spread the love

بقلم إيال زيسر – نائب رئيس جامعة تل أبيب —

في الأسبوع الماضي ارتاح الرئيس ترامب فترة وجيزة من وجع رأس الذي شغله في الساحة الداخلية – الأميركية وعاد الى الاهتمام بصفقة القرن، صفقة الأحلام التي يحضرها رجاله من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وأعلن أنه سيتعين على إسرائيل دفع ثمن أكبر مما سيدفعه الفلسطينيون في مقابل الدفعة المسبقة التي حصلت عليها، الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لها.
جرى هذا في الوقت الذي توصل محاميه ورجل أسراره مايكل كوهين إلى صفقة مع النيابة العامة في ولاية نيويورك، اعترف في إطارها بأنه دفع “ثمن سكوت” بعض النسوة اللواتي كان الرئيس على علاقة بهن في الماضي. أثارت هذه الصفقة العديد من المعلقين في وسائل الإعلام، الذين لم يكونوا حتى في أوقات عادية من المؤيدين له، إلى البدء بحساب نهايته السياسية، والتنبؤ أنه فور الانتهاء من انتخابات مجلس النواب في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل سيحرك المشرعون الديمقراطيون عملية تنحيته.
على أي حال، لم تتغير مسألة إلى أي حد ترامب مصرّ على الدفع قدماً بصفقة بين إسرائيل والفلسطينيين لا يتحمس لها الطرفان، ومن غير الواضح أيضاً إلى أي حد ستسمح له التحديات التي تواجهه في الداخل يغرق، كما هو معروف عنه كمبادر ورجل أعمال، في الدفع قدماً بهذه الصفقة.
كعادتها سارعت منظمة التحرير إلى اتهام ترامب بأنه ورجاله يرتكبون “عار العصر” في حق الفلسطينيين. ويبدو أن المنظمة مصممة على رفض أي اقتراح سلام أميركي، حتى ذلك الذي يحظى بموافقة صامتة من جانب الأردن، ومصر والسعودية. صحيح أنه من الصعب وجود زعيم فلسطيني يوافق على صفقة تطلب منه الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، والتنازل عن حق العودة، والاكتفاء بالقليل الذي بقي لديه بعد 100 عام من النزاع. ففي النهاية طُرِحت على الفلسطينيين اقتراحات تشبه صفقة ترامب وربما أفضل منها من جانب إدارات أميركية وحتى من جانب حكومات إسرائيلية على مر السنوات، لكن الفلسطينيين رفضوها على أمل الحصول على اقتراح أفضل.
لكن للفلسطينيين أيضاً انشغالات أُخرى ملتهبة أكثر، ليس بسبب عيد الأضحى الذي انتهى الآن، وأيضاً ليس في ظل عملية التسوية التي تدفع بها مصر قدماً بين “حماس” وإسرائيل في غزة، والتي لا وجود للسلطة الفلسطينية فيها إطلاقاً. على ما يبدو يستعدون في رام الله اليوم لما بعد أبو مازن. ووفقاً لتقليد شرق أوسطي معروف، يجند المرشحون، مثل “سيد كرة القدم” جبريل رجوب، ورئيس الاستخبارات العامة في السلطة ماجد فرج، عصابات مسلحة لضمان انتخابهم. في الشرق الأوسط يُحدد الفائز أو الوريث، ليس وفقاً لنتائج فرز الأصوات في صناديق الاقتراع، بل بحسب عدد البنادق الموجودة خارجها.
أيضاً في إسرائيل ليس هناك من ينتظر الأخبار القادمة من واشنطن. في الأسبوع الماضي زارنا جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي. لقد كانت زيارة مهمة لم تتناول فقط صفقة القرن، بل مسألة أكثر إلحاحاً بالنسبة إلى إسرائيل، المسألة الإيرانية. لا يقول ترامب الكلام الصحيح فقط، بل نراه يعمل في هذا المجال، على سبيل المثال العقوبات التي فرضها على طهران التي تضر بشدة بالاقتصاد الإيراني. لكن في الخلاصة ثمة شك في أن إعلان العقوبات الاقتصادية كافٍ لمنع إيران من أن تصبح نووية، وأكثر من ذلك، لإخراجها من سورية والعراق.
ليس لدى واشنطن جواب واضح عن هذه المسائل. في الأسبوع الماضي نُقل عن الرئيس الروسي بوتين بأنه يرغب في رؤية إيران خارج سورية، لكن الأمر ليس في يده وهو يحتاج إلى مساعدة من أجل هذا الغرض. وكان يقصد أنه يتوقع من واشنطن أن تقترح عليه “صفقة قرن”، تضمن المصالح الروسية في سورية وتمنح شرعية وتأييداً لبشار الأسد، وفي الوقت عينه تبعد الإيرانيين عن هذه الدولة.
هنا صفقة أُخرى يجدر بالأميركيين أن ينشغلوا بها، صفقة يمكنهم الدفع بها قدماً بصورة أسهل ويمكن أن تساهم في الاستقرار الإقليمي وأيضاً في التوصل إلى اتفاق، على الأقل تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين.

صحيفة “يسرائيل هَيوم”، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole