رئيس الحكومة الفلسطينية: إسرائيل تخوض 4 حروب ضدنا

رئيس الحكومة الفلسطينية: إسرائيل تخوض 4 حروب ضدنا
Spread the love

عميره هاس – مراسلة المناطق الفلسطينية المحتلة/

عندما قدّم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى محمد اشتية كتاب تعيينه رئيساً للحكومة في آذار/مارس 2019، قال له: “لو كنت مكانك لما قبلت”. هذا ما يرويه اشتية نفسه بابتسامة صغيرة، رداً على سؤال لماذا قبِل مرغماً أفضل منصب في المنظومة السياسية الفلسطينية.
في الشهر عينه، وقبل أن يأخذ مكانه في مبنى رئاسة الحكومة في ساحة إميل حبيبي جنوبي رام الله – نشر المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والاستطلاعات استطلاعاً للرأي العام أظهر أن أغلبية الذين شملهم الاستطلاع تشكك في قدرته على تغيير شيء ما نحو الأفضل. استطلاع نشره المركز نفسه الشهر الماضي، أثمر تقريباً النتائج عينها: أغلبية من 58% في مقابل 33% تعتقد أن حكومة اشتية لن تمضي قدماً باتجاه المصالحة مع غزة و”حماس”؛ و55% يتوقعون أنها لن تقدر على تحسين الوضع الاقتصادي، في مقابل 37% يعتقدون العكس.
لدى اشتية سيرة سياسية وتنفيذية محترمة، تضمنت، بالإضافة إلى عضويته منذ سنوات طويلة في “فتح”، تولّيه مناصب اقتصادية متعددة. عُين مرتين وزيراً للإسكان والعمل الاجتماعي؛ وأقام المجلس الاقتصادي للتنمية والإعمار الذي يترأسه؛ وشارك أيضاً في مراحل متعددة من المفاوضات مع إسرائيل.
فور تولّيه منصبه كرئيس للحكومة، شمّر عن ساعديه، وأدخل إلى قاموس الكلمات اليومية ثلاثة مصطلحات: فك الارتباط، تنوع، مجموعات (clusters). وعندما يفسر ما يقصده، نجد في صوته قدراً من الحماسة والحزم. يتحدث بطلاقة وبسرعة، ومن الصعب قطع كلامه، يقول: “تبنيت استراتيجية محاولة فك الارتباط بالتبعية الاستعمارية لإسرائيل. لهذه الغاية، يجب علينا تعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني، في الأساس في الزراعة والصناعة. ومن أجل فك الارتباط يجب تقوية علاقاتنا وصلاتنا الاقتصادية بالدول العربية. كنا في العراق وفي الأردن ومصر، وسنذهب إلى عُمان، وقطر، وأيضاً إلى السعودية”.
ويضيف: “كذلك سنتواصل أكثر مع أسواق دولية، سنستورد مباشرة من الخارج ونصدّر للأسواق نفسها. لا يوجد سبب لأن تقتصر علاقاتنا الاقتصادية بإسرائيل فقط. التنوع هو اسم اللعبة، ونحن ننوّع مصادرنا”.
توصل اشتية إلى اتفاق مع العراق على أن يبيع السلطة الفلسطينية وقوداً بسعر رخيص. يقول: “نحن نشتري يومياً من إسرائيل ثلاثة ملايين ليتر من الوقود، وندفع شهرياً مقابلها 650 مليون شيكل. الوقود الرخيص من العراق سيخفف كثيراً من ميزانيتنا”.
من التنوع ينتقل اشتية إلى النقطة الثانية في خطته: “تعزيز وتحسين القدرة الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية. ماذا يعني ذلك؟ ”
قسّم اشتيه وطاقمة الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب ميزة كل منطقة وخصوصيتها “من أجل إيجاد ميزة تنافسية”. في كل منطقة سيكون هناك تنمية مشابهة للبنى التحتية بصورة “أفقية” بحسب تعبيره (طرقات، كهرباء، مياه، مدارس) وتنمية “عمودية”- تتلاءم مع الطابع الاقتصادي الأساسي لها. محافظات قلقيلية، وطولكرم، وجنين، وطوباس، وأريحا (أي في غور الأردن أيضاً)- هي المجموعات الزراعية. نابلس والخليل هي مناطق صناعية. خصوصية بيت لحم هي في إمكاناتها السياحية. رام الله هي مدينة الإدارة العامة والمال. غزة مقسمة إلى ثلاث مجموعات: بحرية، صناعية، وزراعية. محافظة القدس مشمولة أيضاً في خطة التنمية الاقتصادية، وهذا تعهد يُستقبل بكثير من الشكوك من جانب سكان المدينة الذين يشتكون من التخلي عنهم تماماً.
أربع حروب

قبل المقابلة، طلبت من عدة رفاق ومعارف من الفلسطينيين أن يقترحوا أسئلتهم على اشتية. الجواب عن طلبي كان: “ليس لدينا ما نسأله لأننا نعرف أنه ليس هو من يقرر”. عندما يقولون:”ليس هو من يقرر” يقصدون أن هناك طرفين يحسمان: الحكم الإسرائيلي وبصورة مختلفة-عباس.
يصف اشتية الواقع الذي كان في استقباله عند توليه منصبه بـ”أربع حروب” تخوضها إسرائيل في آن معاً ضد الفلسطينيين: حرب جغرافية- تقليص الأراضي الفلسطينية لمصلحة توسيع المستوطنات- ممارسة ضغط “ضعيف” و”شديد”، بحسب كلامه، على فلسطينيي القدس وفي المناطق ج كي يغادروا؛ حرب مالية تقوم على مصادرة أموال فلسطينية في ظروف متعددة؛ وحرب على السردية، يقول اشتية: “من خلال اقتحام المسجد الأقصى وقبر يوسف والحرم الإبراهيمي، تحاول إسرائيل فرض سرديتها التاريخية علينا”.
يشير إلى أن هذه الحروب كلها تتجلى أيضاً من خلال البطالة والفقر، والعزلة في غزة. يجب أن نضيف إلى ذلك الانخفاض الكبير في أموال المساعدات، ووقف الدعم الأميركي للسلطة وللأونروا، والضربات الدبلوماسية التي وجهتها الولايات المتحدة: نقل السفارة الأميركية إلى القدس وإغلاق سفارة منظمة التحرير في واشنطن.
عندما سألته عن الفساد والانطباع لدى الجمهور بتفشّيه في كل مؤسسات الدولة، قال: “الفساد موجود في كل مكان في العالم، المهم هو أن لدينا آليات للكشف عنه ومحاربته، وحجمه أصغر مما يعتقدون”. سألته عن المشاحنات بين أعضاء فتح، فقال: الخلافات في الرأي أمر صحي”.
يشكك الفلسطينيون كثيراً في فرص نجاح فك الارتباط وحجمه، وهناك من يفسر خطوات اشتية بصورة سلبية. هل فعلاً هناك حاجة إلى فنادق جديدة ؟ تساءل من رأى صوره وهو يضع الحجر الأساسي في الأسبوع الماضي لأربعة فنادق جديدة في بيت لحم، مَن المستفيد منها؟ المدينة التي تعاني جرّاء التقنين في حصص المياه مع وجود 3 مخيمات للاجئين، هل هذا الاستثمار عقلاني؟
قرار وقف استيراد العجول من إسرائيل يفسره البعض أيضاً بأنه لتقوية مستوردين فلسطينيين كبار مقربين من “فتح” (يستطيعون تمويل شحنات ضخمة من البرتغال وأستراليا) على حساب تجار صغار اعتادوا الاستيراد من إسرائيل. “هذا لا يتعلق بتجارة كبيرة أو صغيرة، بل بالتنويع وتقليص اعتمادنا على إسرائيل”، قال اشتية بصرامة، وشدد مجدداً على أن الاتفاق الاقتصادي مع إسرائيل لا يمنع الاستيراد من مصادر أُخرى. وتابع” نحن نستورد من إسرائيل 5611 منتوجاً مختلفاً. بعضها لا يوجد بديل منه، لكن هناك أمور نستطيع أن نصنعها بأنفسنا، والباقي – نستورده بأنفسنا”.
مثل سلام فياض الذي قال في سنة 2009 إن الحرف ج ليس موجوداً في قاموسه، يقول اشتية إنه لا يفرق بين المناطق أ وب وج في التنمية المخصصة لكل مجموعة، وإن السلطة تسعى لمحو خطوط الترسيم المصطنعة هذه. وشدد : “ليس لأننا نريد ذلك، بل لأن إسرائيل هي التي قررت أن تفعل ذلك. تدمير حي وادي الحمص في سور باهر كان القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة إلينا”. وذكّر بأن “إطار علاقتنا مع إسرائيل هو اتفاقات أوسلو. وإسرائيل هي التي تخرقها. إذا كانت الضفة الغربية كلها بالنسبة إليها منطقة ج، فبالنسبة إلي، كل الضفة هي منطقة أ”.
سألته ما الجدوى الاقتصادية من عمليات بناء أو تنمية في مناطق هي كلها منطقة أ بالنسبة إليكم، لكن إسرائيل تدمرها فوراً؟” أجاب اشتية: “الموضوع ليس اقتصادياً بل هو إرادة سياسية بالنسبة إلينا. لو أجرينا فقط حساب الجدوى الاقتصادية والخسائر المالية، لما فعلنا شيئاً. من جهتنا، لدينا إرادة سياسية للمحافظة على وحدة الأراضي الفلسطينية. هذا هو الأمر الأكثر أهمية. “وكرر تمسكه بتفسيره اتفاقات أوسلو التي، بحسبه، تسمح للفلسطينيين بـ “زرع كل دونم من المنطقة ج. عندما يدمر الإسرائيليون حقلاً، هم يخرقون الاتفاقات. لا يستطيع أحد منعنا من زراعة حقولنا، وتحسين البنية التحتية للمياه. إلى أي حد سننجح فيما نفعله. هذه قصة أُخرى”.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole