ترامب يحضّر زفافاً في البحرين لكنه نسي دعوة العريس والعروس

Spread the love

بقلم: نعه لنداو – محللة سياسية إسرائيلية —

مؤتمر السلام الاقتصادي الذي ستعقده إدارة ترامب في البحرين في نهاية الشهر القادم، أو بحسب اسمه الرسمي الأقل إثارة بكثير: “ورشة اقتصادية”، يبدو حتى الآن كحفل زفاف ينقصه تفصيل صغير، لكنه مهم جداً في الأعراس: وجود العريس والعروس اللذين يُراد تزويجهما. من المتوقع أن يواصل ممثلو السلطة الفلسطينية مقاطعتهم الولايات المتحدة، ولذلك دُعي رجال أعمال فلسطينيون من القطاع الخاص كممثلين للشعب الذي تدّعي الإدارة الأميركية أنها تريد أن تساعده.
مَن يتابع حتى الآن العلاقات العكرة بين السلطة الفلسطينية وإدارة ترامب، طبعاً لن يتفاجأ بتصريحات رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية بأن السلطة لن تشارك في الحدث الذي من المفترض أن يرمز إلى إطلاق خطة السلام الأميركية. أوضح اشتية: “القيادة الفلسطينية لن توافق في أي وضع على صيغة لتحسين حياة المواطنين تحت الاحتلال الإسرائيلي. إن أي خطة اقتصادية لا تحمل أفقاً سياسياً لن تسفر عن شيء. الفلسطينيون لن يقبلوا خطة لا تضمن لهم قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية”.
قرار الإدارة الأميركية استهلال إطلاق “صفقة السلام” للرئيس ترامب بالفصل الاقتصادي يتلاءم جداً مع نظرته إلى العالم بصفته عالم صفقات، والمنتشرة عموماً في تاريخ العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، والتي تقول: المال الكثير يستطيع أن يحل مشكلات كثيرة.
في الإدارة الأميركية هم طبعاً لم يخترعوا هذا المفهوم بشأن كل ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، فهو موجود منذ وقت طويل، وله جذور قديمة جداً في المنطقة. رئيس الحكومة نفسه بنيامين نتنياهو، الذي لن يشارك في الورشة، سيكتفي بإرسال موفد هو موشيه كحلون، قال مرات عديدة إنه يؤيد الفكرة. وقد صرّح في سنة 2008 أن “سلاماً اقتصادياً هو ممر للوصول إلى حلول سياسية. الصراع مع الفلسطينيين بحاجة إلى ذلك… صحيح أن هذا لا يحل مشكلات التطلعات الوطنية، لكنه سيسمح لنا بالتوصل إلى الحديث عن التطلعات الوطنية في وضع أفضل بكثير”.
نتنياهو اليوم لن يعيد، على ما يبدو، الجملة الثانية من هذه العبارة. تماماً كما أنه لن يدفع قدماً بشعاره القديم “لنصنع سلاماً آمناً”. اليوم، كل هدفه هو “سلام اقتصادي” الغرض منه بالنسبة إلى إسرائيل أن يخدم سياسة تجزئة التطلعات الوطنية الفلسطينية وتمييعها وتيئيسها.
دراسات كثيرة فحصت في السنوات الأخيرة الاعتقاد الليبرالي بأن الازدهار الاقتصادي يؤثر باتجاه التقليل من الحروب في العالم. والاستنتاج السائد هو أن النمو الاقتصادي يمكنه فعلاً تخفيف العنف، لكنه لا يقضي عليه، ولا يؤدي بالضرورة إلى السلام. بالنسبة إلى الفلسطينيين، وجدت الدراسات أن النمو الاقتصادي في السلطة قبل اندلاع الانتفاضة الثانية كان مرتفعاً نسبياً، نحو 9%. لكن حتى من دون هذه الأسس النظرية، يكفي أن ننظر إلى التوترات في الساحة الدولية المتغيرة حالياً لنفهم أن الرخاء الاقتصادي لا يكبح بالضرورة التطلعات الوطنية للشعوب والجماعات.
في هذه المرحلة، يبدو أن الدفع قدماً بشدة بنظرية ترامب ونتنياهو بشأن “السلام الاقتصادي” – بالإضافة إلى الانقسام الداخلي الفلسطيني، وتقليص المساعدة الأميركية وامتناع إسرائيل من تحويل أموال الضرائب للسلطة – يدفع الفلسطينيين نحو مسار معاكس تماماً: اعتماد أكبر على المال القطري وتصريحات متتالية عن الانفصال الاقتصادي عن إسرائيل، مثلاً ما قاله اشتية عندما جمدت حكومته طلبات الحصول على معالجة طبية في إسرئيل كخطوة أولى وشجّعت الإنتاج المحلي في الصناعة والزراعة.
في البيت الأبيض يؤكدون أنهم لن يكتفوا بورشة اقتصادية بل سيعرضون في وقت قريب جداً، على ما يبدو قبل مؤتمر البحرين، أيضاً حلاً سياسياً مفصلاً. حتى في هذه الحالة من الصعب الاعتقاد أن القيادة الفلسطينية ستتخلى عن المقاطعة. الأمر يتطلب اقتراحاً سياسياً جذاباً وغير مسبوق، لا يتطرق فقط إلى جيوب الناس، بل أيضاً إلى تطلعاتهم الإنسانية نحو هوية وطنية.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole