بكلمة واحدة يهيئ فريدمان الأرضية لضم الضفة بصورة أحادية

بكلمة واحدة يهيئ فريدمان الأرضية لضم الضفة بصورة أحادية
Spread the love

نوعه لنداو – محللة سياسية إسرائيلية —

العديد من التوضيحات ستُنشر بشأن المقابلة المطولة للسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان مع صحيفة “النيويورك تايمز” – لكن كلمة واحدة بين الاقتباسات الكثيرة تكفي لفهم الصورة كلها” “الحق”.
المؤيد المتحمس لمشروع المستوطنات، الذي لا يعرف لماذا لا يرى فيه الفلسطينيون موفداً أميركياً نزيهاً، قال لمراسل الصحيفة في القدس، ديفيد هالبفينغر أنه “في ظروف معينة أعتقد أنه يحق لإسرائيل الاحتفاظ بجزء، وليس من المعقول بكل الضفة الغربية”. وكرر فريدمان السردية عينها رداً على سؤال آخر عندما قال: “أعتقد بصورة قاطعة أن من حق إسرائيل الاحتفاظ بجزء منها (الضفة)”.
هناك من يفسر كلام فريدمان هذا بأنه موجّه بصورة عامة نحو إمكان أن تُبقي إسرائيل، مستقبلاً، جزءاً من المستوطنات في الضفة تحت سيادتها الكاملة في إطار “صفقة القرن”، على سبيل المثال. لكن سياق المقابلة الذي أدى إلى هذا الكلام، أيضاً بعد أن استفسرت “هآرتس” من هالبفينغر، كان واضحاً جداً: لقد قصد السفير في رده على السؤال إمكان أن تضم إسرائيل في المستقبل القريب بصورة أحادية الجانب، أجزاء من أراضي المنطقة ج في الضفة الغربية – من دون أن يدخل ذلك في إطار اتفاق مستقبلي. يأتي هذا في ضوء قول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات الماضية أنه بحث مع الإدارة الأميركية في خطوات ضم أحادي الجانب لكتلتي المستوطنات عتسيون ومعاليه أدوميم.
حتى لو كان هناك مجال للشك، وأيضاً حتى لو تراجع فريدمان عن كلامه في ظل العاصفة المتوقعة التي سبّبها، كلمة “الحق” في هذا السياق كافية بالتأكيد لنفهم موقفه من الموضوع. ففي رأيه، لإسرائيل “الحق” في جزء وليس في كل الأراضي التي احتلتها في سنة 1967. ماذا يعني هذا الحق؟ بحسب القانون الدولي، هو بالتأكيد ليس قانونياً. بقي احتمال أن يكون فريدمان قصد بذلك حقوقاً تاريخية أو دينية.
عندما أصرّ الذي أجرى المقابلة مع السفير.. “ماذا سيكون رد فعل الإدارة الأميركية على خطوات أحادية الجانب لتحقيق هذا الحق”، تهرّب فريدمان، لكنه لم يُبطل الحق، وأوضح: “يجب أولاً أن نفهم، أولاً الحجم، في أي شروط، ولماذا هذا منطقي، ولماذا هو جيد لإسرائيل، وللمنطقة، ولماذا لا يخلق مشكلات أكثر مما سيحل”. وهو بذلك وصف الاهتمام والحماسة اللذين سيجري من خلالهما فحص هذا الإمكان الذي يتعارض ليس مع القانون الدولي فحسب، بل أيضاً مع قرارات الأمم المتحدة، ومع موقف الولايات المتحدة خلال سنوات طويلة.
تُعتبر شخصية فريدمان موضع خلاف أيضاً وسط جزء من زملائه في واشنطن. لدى من سيحسم في نهاية الأمر، أي الرئيس دونالد ترامب الباب مشرغ أمامه. في الماضي هيّأ الأجواء من خلال مقابلات من هذا النوع لخطوات أحادية الجانب بدت في البداية غير ممكنة، على سبيل المثال، نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان.
وفي خطوة تحولت إلى أمر عادي، سارعت وزارة الخارجية إلى التوضيح أن كلام فريدمان لا يعكس موقف البيت الأبيض، وأن إسرائيل لم تقدم إلى الولايات المتحدة أي خطة للضم ولا تجرِي نقاشات في الموضوع. لكن تجربة الماضي تدل على أن إعلانات وزارة الخارجية بصورة عامة لا تعكس بالضرورة موقف الرئيس. فريدمان هو ميزان حرارة أنجح لقياس الضغوط الجوية في القاعة البيضاوية.
أيضاً الإدارة الأميركية نفسها عندما أرادت التنصل من سيناريو الضم عرفت كيف تفعل ذلك بصورة أكثر حدّة. على سبيل المثال، في شباط/ فبراير 2018، عندما ادّعى نتنياهو أنه بحث الموضوع معها. “أستطيع أن أقول لكم إنني أجري حواراً مع الأميركيين في هذا الموضوع”، قال في جلسة كتلة الليكود عندما تطرّق إلى المبادرات المتزايدة في الكنيست بشأن الموضوع، وأضاف أن هناك مبدأين يوجهانه: الأول هو أن القانون يجب أن يُقر كمبادرة حكومية وليس شخصية “لأن المقصود خطوة تاريخية”، والثاني، هو “التنسيق بقدر الإمكان مع الأميركيين”. ردّ البيت الأبيض ببيان شديد اللهجة جاء فيه “إن التقارير التي تتحدث عن أن الولايات المتحدة بحثت مع إسرائيل خططاً لضم الضفة الغربية كاذبة. الولايات المتحدة وإسرائيل لم تبحثا قط في مثل هذا الاقتراح”. بعد التكذيب الأميركي اضطر نتنياهو إلى تغيير الصيغة وأوضح أن كل ما في الأمر أنه “وضع الأميركيين في صورة المبادرات التي تُطرح في الكنيست”.
مع مرور الزمن، أصبح هذا الكلام أكثر جرأة – والتكذيبات أكثر ضعفاً. عندما سُئل نتنياهو قبل الانتخابات لماذا لم يجرِ الضم حتى الآن رد على رينا متسليح: “من قال لك إننا لن نفعل ذلك؟ نحن على الطريق ونُجري نقاشات، وسأحرص على أن نسيطر على الأرض… أنت تسألين إذا كنا سننتقل إلى المرحلة المقبلة والجواب هو: نعم، أنا متّجه لفرض السيادة”. على هذا الكلام لم ترد الإدارة الأميركية بوصف حاد “أكاذيب”.
فشلُ نتنياهو في تشكيل ائتلاف حكومي وإعادة الانتخابات في إسرائيل عقّدا كثيراً مهمة طاقم صفقة السلام لترامب، الذي أراد أن يقدم أجزاء من الخطة في وقت قريب من مؤتمر السلام الاقتصادي في البحرين. حتى الآن من المنتظر أن يجري هذا الحدث في نهاية الشهر، لكن ما يعقّد الأمر ليس فقط عدم الاستقرار في إسرائيل، بل أيضاً المقاطعة الفلسطينية الكبيرة. وفي محاولة للحد من حجم الفضيحة، بدأ البيت الأبيض بنقل رسائل إلى الصحافيين تشير إلى أن تغطية الحدث ستكون “محدودة”.
في هذه الأثناء، مع الصفقة أو من دونها، تقوم إسرائيل من دون إزعاج بتعميق سيطرتها في المنطقة ج والقدس الشرقية، وتزيد أيضاً من التصريحات بشأن نيتها ضمها رسمياً. وقد سبق أن جرى صوغ اقتراحات قوانين فعلية في الماضي، من جانب مَن يراكم أكثر فأكثر قوة في المنظومة السياسية: عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش. في هذا المناخ ليس بعيداً اليوم الذي ستبدأ إسرائيل بتحقيق هذا “الحق” الذي يمنحها إياه فريدمان.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole