هجرة اليهود تقطع الطريق على أي تسوية

هجرة اليهود تقطع الطريق على أي تسوية
Spread the love

بقلم: ديمتري شومسكي – محلل سياسي إسرائيلي —

كما هو معروف، مبدأ الهجرة غير المحدودة، مع السعي لتحويل يهود أرض إسرائيل من أقلية إلى أكثرية – وعرب البلد من أغلبية إلى أقلية – لم يكن بالنسبة إلى الحركة الصهيونية قبل إقامة الدولة مسألة تمنيات فقط، بل استُخدم علناً كواحد من الخطوط التوجيهية الصارمة للسياسة الصهيونية.
وها هو الفصيل المعتدل في الحركة الوطنية الفلسطينية الموجودة حالياً، مثل الصهيونية في النصف الأول من القرن الماضي، في مرحلة ما قبل قيام دولة ذات سيادة، يرى الأمور بصورة مختلفة. يبدو أن تحقيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم من دون قيود لا يدخل ضمن الأهداف الملزمة، بل هو بمثابة حلم لا أهمية عملية له فعلاً.
في محادثات طابا في سنة 2001، وافق يوسي بيلين ونبيل شعث – ولو بصورة غير رسمية – على إعطاء 25-40 ألف فلسطيني حق العودة إلى إسرائيل. في مسار أنابوليس [2007] قدّم الفلسطينيون أعداداً مختلفة، حد أدنى غير رسمي 80 ألفاً، ومطالبة رسمية بـعودة 150 ألفاً إلى إسرائيل خلال عشر سنوات. في أي حال، هناك فجوة كبيرة بين حلم عودة ملايين اللاجئين إلى تخوم إسرائيل، وبين الاستعداد للاكتفاء بعودة 150 ألفاً. هذه الفجوة ناجمة عن القبول المؤلم من الجهات المعتدلة في الزعامة الفلسطينية للواقع السياسي والديموغرافي الناشىء في المنطقة منذ سنة 1948.
لكن في نظر الإسرائيليين الذين يعتبرون شيطنة الجانب الفلسطيني أمراً لا غنى عنه، الأرقام الفعلية التي طرحها الفلسطينيون بوضوح في محادثات السلام مهمة كقشرة ثوم. ففي رأيهم أن الروحية الوطنية الفلسطينية تعطي حق العودة أهمية خاصة وقدسية ثابتة لا تتزعزع، الذي بحسبه كل واحد من 4-5 مليون فلسطيني مسجلين في الأونروا كلاجئين الحق الفردي الذي لا يتزعزع في العودة إلى إسرائيل.
هذا الموقف عرضه جيداً عدي شوارتز في (“هآرتس”، 22/10/2018) خلال مناقشة مسألة العودة الفلسطينية مع كاتب هذه السطور. يخيل إليّ أنه من الضروري العودة إلى هذا الموقف الآن، سواء على خلفية يوم النكبة الذي أحياه الشعب الفلسطيني في الأسبوع الماضي، أو لأنه يعرض بجلاء هاجس حق العودة بالنسبة إلى أغلبية الجمهور الإسرائيلي، والذي هو، في رأيهم، ما يمنع أي تقدم على طريق التسوية الدائمة.
بحسب شوارتز، حتى لو قامت زعامة الحركة الوطنية الفلسطينية بتوقيع اتفاق دائم يتقرر في إطاره منح نحو 100 ألف فلسطيني كحد أقصى إمكان الدخول إلى إسرائيل، فإن الجانب الفلسطيني يستطيع أن يخرق هذا الاتفاق. وذلك لأن الفلسطينيين يواصلون التمسك بقرار الأمم المتحدة 194 الصادر في كانون الأول 1948، الذي يفرض التطبيق الصارم لحقّ العودة إلى حدود إسرائيل، بحسب التفسيرات الفلسطينية. ويدّعي شوارتز أنه فقط إذا تخلى زعماء الحركة الوطنية الفلسطينية بوضوح عن مبدأ حق العودة، وتخلوا عن تفسيرهم القرار 194، يصبح من الممكن الوصول إلى حل للنزاع، وإلى تسوية سياسية.
من المدهش رؤية كيف تخلق بارانويا العودة حججاً تمتاز إلى حد بعيد بدحض ما تدعيه ذاتياً. إذا افترضنا مسبقاً أنه فور توقيع اتفاق مع الفلسطينيين يحدَّد نهائياً عدد الفلسطينيين الذين سيُسمح لهم بالعودة إلى إسرائيل، يمكن أن يمزقه الفلسطينيون إرباً إرباً وأن يطالبوا بعودة الملايين على أساس القرار 194- ما الذي يمنعهم من القيام بذلك أيضاً بعد توقيعهم الاتفاق الذي يتضمن تخلياً عن حق العودة (كما يدّعي شوارتز)؟ لماذا والحال هذه نجلس إلى طاولة المفاوضات بينما نشعر بعدم ثقة عميقة بالطرف الثاني؟
السلطة الفلسطينية مستعدة للتخلي عن رؤية العودة الجماعية والموافقة على تحديد فعلي لعدد العائدين الفلسطينيين إلى إسرائيل، على أن يكون عددهم ضئيلاً مقارنة بعدد اللاجئين الذين خسروا وطنهم في سنة 1948 (150 ألفاً بحسب مطالبة الفلسطينيين في أنابوليس، في مقابل 700 ألف فلسطيني في بداية سنة 1949، كي لا نتحدث عن ملايين أحفاد اللاجئين).
بدلاً من تجاهل أهمية هذا الاستعداد، من الأفضل تقدير هذا التوجه التوفيقي للأطراف المعتدلة الوطنية الفلسطينية إزاء هذه المسألة المؤلمة. وبينما أصبحت العودة إلى كل أراضي إسرائيل حلماً، من الممكن الافتراض أن هناك أطرافاً في أوساط الزعامة الفلسطينية في رام الله تخلت عن احتمال تحقق هذا الحلم.
كأبناء شعب تحوّل على الرغم من إرادته من أغلبية في وطنه إلى أقلية، تدرك هذه الأطراف الفلسطينية أن انقلاباً ديموغرافياً عنيفاً يمكن أن يؤدي إلى سفك دماء. وهم يدركون جيداً أن هذا هو السيناريو المتوقع لبلد عرف مصائب عندما سيعود ملايين الفلسطينيين إلى إسرائيل على الرغم من إرادة الإسرائيليين. لذلك هم مستعدون بصدق للموافقة على تحديد عدد العائدين كما قدموه رسمياً في مؤتمر أنابوليس.
كيف يمكن أن تعبّر إسرائيل عن تقديرها للتنازل الواضح والفعلي للمعتدلين الفلسطينيين عن تحقيق عودة الملايين؟ في مقابل الموافقة النهائية والقاطعة للفلسطينيين على تحديد أرقام اللاجئين العائدين، يجب على إسرائيل الاعتراف بالشرعية المبدئية للعودة، وبالمسؤولية الأخلاقية للصهيونية عن خلق مشكلة اللاجئين، والاعتذار علناً عن النكبة.
هذه الخطوة ستكون عادلة وحكيمة في آن معاً. عادلة لأن طرد مئات الآلاف من المدنيين غير المسلحين الذين لم يشاركوا في القتال واقتلاعهم بالقوة، هو ظلم وجريمة لا يمكن تبريرهما بأي صورة من الصور برفض الزعامة الفلسطينية تقاسم الوطن مع مستوطنين جاؤوا منذ وقت قريب. هي خطوة عادلة، وخصوصاً أن العملية ترافقت في عدد من الأماكن مع أعمال نهب ومحو قرى عن وجه الأرض، وانتهت بعملية سلب رسمي لأملاك الفلسطينيين بناء على قانون أملاك الغائبين. وبالتأكيد فإن تحمّل المسؤولية والاعتذار عن جرائم الماضي هما شرط أساسي وضروري لترميم العدالة في العلاقة بين الشعوب في المستقبل. وستكون الخطوة حكيمة، لأنه من دون اعتراف إسرائيل الصادق بدورها الجوهري في الكارثة الوطنية الفلسطينية، لا يمكن التوصل إلى تسوية حقيقية بين الحركة الوطنية الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole