فيما يتعلق بحكم الجنرالات

فيما يتعلق بحكم الجنرالات
Spread the love

بقلم: تسفي برئيل – محلل سياسي إسرائيلي —

ثلاثة جنرالات يريدون إدارة الدولة. لكل واحد منهم ولهم معاً هناك حل مُحكم لـ”مشكلة غزة”، ويمكن التقدير أنهم صاغوا أيضاً حلاً للتهديد الإيراني، وللنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني.
صوت واحد: استخدام القوة، والردع، والاغتيالات الموضعية عند الضرورة، وبعد ذلك نرى. هم بالتأكيد يفهمون في الأمن، وفقط في الأمن. هم، وفقط هم يعرفون القدرة الحقيقية للجيش الإسرائيلي، تلك التي نشر عنها اللواء بيرك وثيقة التي مزق فيها إرباً إرباً على جاهزية الجيش التي تباهى بها رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت. كل واحد منهم على دراية بالملف الشخصي لزميله في الحزب ويعرف نقاط ضعفه ومواقفه الحقيقية، وليس تلك التي تُعرض في الاحتفالات المحلية.
إذا حدثت معجزة ونجح حزب أزرق أبيض في ازاحة بنيامين نتنياهو، سيحكم إسرائيل مجلس عسكري ربما يعرف كيف وإلى أي حد يجب تقليص ميزانيات الأمن، وكم من الغواصات ومن طائرات أف -35 تحتاج إسرائيل إليها فعلاً، وهل يجب تجنيد الحريديم في الخدمة العسكرية، لكن لن يكون للجمهور القدرة على المراقبة والتدقيق. يمكن فقط تخيّل ضائقة رئيس الأركان الحالي، أفيف كوخافي، عندما سيضطر إلى مواجهة من سبقوه في مناقشة ميزانية الأمن، وبناء القوة وإدارة الحرب ضد “حماس”، أو محاربة الانتفاضة التي ستنشب في الضفة. الثلاثة كلهم يعرفون جيداً أكثر من غيرهم ما يجب فعله. إذا حاول كوخافي عرض موقف مخالف أو الاعتراض على سياسة عسكرية، سيضطر إلى حفر حفرة ليختبىء فيها.
ليس هناك عاطفة حارة فعلاً بين الثلاثي العسكري، لكن انتظروا إلى أن يضطروا إلى رص صفوفهم في مواجهة رئيس الأركان للدفاع عن سلامة حزبهم واستقرار ولايتهم السياسية. فجأة سيصبحون الإخوة في السلاح والقريبين جداً من بعضهم البعض. في مواجهة هؤلاء الخبراء الثلاثة ليس هناك فرصة لرئيس الأركان، ولرئيس الموساد أو رئيس الشاباك. شبكة التوازنات والكوابح التي كانت موجودة بين نتنياهو وبين رؤساء المؤسسات الأمنية هي بمثابة الدرع الذي كبح الهجوم على إيران، وأجبر رئيس الحكومة على التوصل إلى تهدئة في غزة، قبل أن تتحول التسوية إلى رهينة للمعركة الانتخابية. من يستطيع مواجهة أو انتقاد سياسة أمنية وقّعها ثلاثة رؤساء أركان سابقون؟ ولا حتى رئيس أركان يتولى المنصب.
في خطاب وداعي حذّر الرئيس دوايت أيزنهاور من الانعكاسات الخطِرة لما سمّاه “المجمع العسكري – الصناعي” قائلاً: “يجب علينا أن تبقى يقظين إزاء امتلاك نفوذ، سواء بصورة مقصودة أو غير مقصودة، من قبل المجمع العسكري – الصناعي. احتمال نمو كارثي لقوة غير مناسبة هو احتمال موجود وسيستمر في الوجود. يجب علينا ألاّ نسمح لثقل هذا المزيج بتعريض حرياتنا وأساليب عملنا الديمقراطية للخطر”.
ينطبق هذا التحذير على إسرائيل أضعاف الأضعاف، لأنه قد ينشأ هنا مجمع عسكري- سياسي يتطلع إلى إدارة الدولة. يُعتبر انتخاب رؤساء أركان سابقين لمناصب أساسية في إسرائيل خطوة بديهية، تبعث على الأمن والثقة، وعلى الرغم من الفساد والتلاعب، فإنها تحقق المثل الأعلى الإسرائيلي، وتقوي الهوية العسكرية – الوطنية للدولة، إلى حد أنها تنجح في طمس الأمر المنافي للعقل، ألا وهو: أشخاص كانوا على رأس المؤسسة الأقل ديمقراطية في الدولة هم الذين سوف يصوغون الديمقراطية الإسرائيلية. ولم لا؟ إن قيم الجيش الإسرائيلي تتطابق مع قيم الشعب اليهودي، والاعتقاد أن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم يشكل جزءاً من الديانة اليهودية.
عندما يجري فحص مدى استقرار أنظمة الدول العربية يُطرح دائماً السؤال: “هل الجيش يؤيد الحكم والرئيس”. في إسرائيل الجيش سيكون هو الحكم بحد ذاته. ربما لا يوجد مفر من انتخاب حزب أزرق أبيض، لأن حكم الجنرالات يبدو اليوم السبيل الوحيد لتغيير حاكم فاسد. لكن هذا خيار يثير الأرق.

المصدر: مجلة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole