إغلاق ملف البغدادي لتوظيفه في إعادة انتخاب ترامب

إغلاق ملف البغدادي لتوظيفه في إعادة انتخاب ترامب
Spread the love

ترجمة: د. هيثم مزاحم – كتب بيبي إسكوبار مراسل صحيفة “آسيا تايمز” مقالة تناولت العملية العسكرية – الأمنية الأميركية التي أسفرت عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبي بكر البغدادي ووصفها بأنها كفيلم سينمائي توظف لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 على غرار توظيف سلفه باراك أوباما لاغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 2012 لإعادة انتخابه.

وكتب إسكوبار: “توفي مثل كلب”. لم يكن بإمكان الرئيس ترامب كتابة نص أفضل بينما كان يستعد لصورة عن قرب أمام العالم أجمع، على غرار صورة سلفه باراك أوباما بعد اغتيال أسامة بن لادن.

لقد قُدم أبو بكر البغدادي، الخليفة المزيف، زعيم داعش، أكثر المطلوبين على هذا الكوكب، إلى العدالة تحت مراقبة ترامب. وتم تصوير “الخليفة الميت” على أنه الفوز النهائي للسياسة الخارجية قبل إعادة انتخاب ترامب عام 2020.

فمشاهد فيلم “الموت والضرائب” أو سلسلة “نتفليكس” Netflix القادمة مكتوبة مسبقاً. فقد قال ترامب إنه شاهد عملية تصفية البغدادي كأنه يشاهد فيلماً: إرهابي جبان محاصر في نفق مسدود، ثماني طائرات هليكوبتر حربية تحلق فوقه، وكلاب تنبح في الظلام، وثلاثة أطفال مرعوبون يؤخذون كرهائن، يفجر الجبان سترة ناسفة، فينهار نفق عليه وعلى الأطفال.

من الواضح أن فريق الطب الشرعي الذي يحمل عينات من الحمض النووي للبغدادي الخليفة المزيف قد أدى وظيفته في وقت قياسي. تؤكد بقايا الهدف الذي فجّر نفسه الذي تم وضعها في أكياس بلاستيكية أنه البغدادي. في منتصف الليل، حان الوقت لوحدة الكوماندوس للعودة إلى إربيل، وهي رحلة تستغرق 70 دقيقة فوق شمال شرق سوريا وشمال غرب العراق.. تمت المهمة وجُيّر رصيدها.

حدث كل ذلك في مجمع يبعد 300 متر فقط عن قرية باريشا، في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، على بعد خمسة كيلومترات فقط من الحدود السورية-التركية. المجمع لم يعد موجوداً: لقد تحول إلى أنقاض وبالتالي لن يصبح مزاراً في سوريا لعراقي منشق.

كان البغدادي هارباً بالفعل، ووصل إلى هذه المنطقة الريفية قبل 48 ساعة فقط من الغارة، وفقًا للاستخبارات التركية. والسؤال الجاد هو ما كان يفعله في شمال غرب سوريا، في إدلب التي ينتظر الجيش السوري والقوات الجوية الروسية اللحظة المناسبة لهزيمتها.

لا يوجد تقريباً أي جهاديين من داعش في إدلب، لكن الكثير من “هيئة التحرير الشام”، “جبهة النصرة” سابقاً، فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، والمعروفة في واشنطن باسم “المتمردين المعتدلين”، بما في ذلك الألوية التركمانية المتشددة التي تم تسليحها مسبقًا بواسطة الاستخبارات التركية. التفسير المنطقي الوحيد هو أن البغدادي ربما يكون قد حدد هذا المكان المنعزل في إدلب بالقرب من باريشا، بعيداً عن منطقة الحرب، باعتبارها مكاناً مثالياً للعبور إلى تركيا.

هل كان الروس يعلمون؟

تتراكم الحبكة عندما ندرس قائمة الشكر الطويلة للرئيس ترامب على الغارة الناجحة. جاءت روسيا في المرتبة الأولى، تليها سوريا – يفترض أنه يقصد الكرد السوريين، وليس الحكومة في دمشق – ثم تركيا والعراق. في الواقع، نُسب إلى الكرد السوريين “دعم معين” فقط، على حد تعبير ترامب. على الرغم من ذلك، فضل قائدهم مظلوم عبدي أن يصف الغارة بأنها “عملية تاريخية” مع مساهمة استخبارية أساسية سورية كردية.

في المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب، والذي توسع بعض الشيء بالشكر، احتلت روسيا المرتبة الأولى (تعاون “عظيم”) وكان العراق “ممتازاً”: علق جهاز الاستخبارات الوطني العراقي لاحقاً على الثغرة التي حصل عليها، عبر سوري قام بتهريب زوجات اثنين من شقيقي البغدادي، أحمد وجمعة، إلى إدلب عبر تركيا.

وأضاف الكاتب أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنجح القوات الخاصة الأميركية في ذلك من دون المساعدة الاستخباراتية المشتركة التركية والعراقية والكردية السورية. بالإضافة إلى ذلك، أنجز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تحفة تكتيكية أخرى، حيث كان الخلاف بين أداء دور الحليف الدنيء الأهم في حلف شمال الأطلسي بينما لا يزال يمنح فلول تنظيم القاعدة ملاذهم الآمن في إدلب تحت العين الساهرة للجيش التركي.

وقال ترامب بشكل لافت عن موسكو: “أخبرناهم، أننا قادمون “… وقالوا: “شكرا لإخبارنا”.لكنهم لم يعرفوا ما هي المهمة”.

وعلق كاتب المقالة قائلاً إن الروس بالتأكيد لم يعرفوا طبيعة المهمة. في الواقع، قالت وزارة الدفاع الروسية، عن طريق المتحدث باسمها اللواء إيغور كوناشينكوف، إنه “ليس لديهم معلومات موثوقة عن قيام الجنود الأميركيين بإجراء عملية للقضاء على زعيم داعش السابق أبو بكر البغدادي في الجزء الخاضع للسيطرة التركية”من منطقة خفض التصعيد في ادلب”.

وفيما يتعلق بقول ترامب “أبلغناهم”، كانت وزارة الدفاع الروسية صارمة: “لا نعرف شيئاً عن أي مساعدة لرحلة طائرة أميركية إلى المجال الجوي لمنطقة خفض التصعيد في إدلب خلال هذه العملية”.

ووفقاً لمصادر ميدانية في سوريا، هناك شائعة سائدة في إدلب هي أن “الكلب الميت” في باريشا يمكن أن يكون أبو محمد سلامة، زعيم تنظيم “حراس الدين”، وهي مجموعة فرعية صغيرة من تنظيم القاعدة في سوريا. لم يصدر “حراس الدين” أي بيان حول هذا الموضوع.

على أي حال، قام تنظيم “داعش” بالفعل بتعيين خليفة له هو عبد الله قردش، المعروف أيضاً باسم حجي عبد الله العفاري، وهو أيضاً عراقي وضابط سابق في جيش صدام حسين. هناك احتمال قوي أن يعيد دمج “داعش” مع مجموعات متباينة ولا حصر لها من تنظيم القاعدة في سوريا، بعد الانقسام الذي حصل بينها في عام 2014.

من الذي يحصل على النفط؟

يرى الكاتب أنه لا يوجد أي تفسير معقول على الإطلاق لقصة أبي بكر البغدادي، فهو كان لسنوات يتمتع بحرية التنقل ذهاباً وإياباً بين سوريا والعراق، متجنباً بشكل دائم قدرات المراقبة الهائلة للحكومة الأميركية.

كما أنه لا يوجد أي تفسير معقول لقافلة الـ53 مركبة “تويوتا هاي لوكس” البيضاء الشهيرة الجديدة والتي عبرت الصحراء من سوريا إلى العراق في عام 2014 وهي مليئة بالجهاديين من “داعش” وهم في طريقهم إلى الاستيلاء على مدينة الموصل، وهم يتهربون من المراقبة الكثيفة للأقمار الصناعية الأميركية التي تغطي الشرق الأوسط 24 ساعة يومياً على مدار الأسبوع.

وليس هناك طريقة لدفن مذكرة الاستخبارات الدفاعية الأميركية (دي أي إيه) لعام 2012 التي سُربت والتي سمّت بوضوح “الغرب، الملكيات الخليجية، وتركيا” بأنها تسعى إلى “إمارة سلفية” في سوريا (تعارضها بشكل كبير روسيا والصين وإيران، الأعمدة الرئيسية لمشروع تكامل أوراسيا).

وأضاف إسكوبار أن مذكرة الاستخبارات الدفاعية الأميركية تلك قد صدرت قبل صعود “داعش” غير القابل للمقاومة، وكانت المذكرة لا لبس فيها إذ تقول: “في حالة انهيار الموقف، هناك إمكانية لإقامة إمارة سلفية معلنة أو غير معلنة في شرق سوريا (الحسكة ودير الزور)، وهذا بالضبط ما تريده القوى الداعمة للمعارضة، من أجل عزل النظام السوري الذي يعتبر العمق الاستراتيجي للتوسع الشيعي (العراق وإيران)”، بحسب المذكرة.

يضيف الكاتب أنه صحيح أن البغدادي، الخليفة المزيّف، قد أعلن موته بالتأكيد خمس مرات على الأقل، بدءاً من كانون الأول / ديسمبر 2016. ومع ذلك، فإن التوقيت، الآن، لا يمكن أن يكون أكثر ملاءمة. فالحقائق على أرض الواقع توضح، بعد الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه بوساطة روسية بين الأتراك والكرد السوريين، استعادة وحدة الأراضي السورية ببطء ولكن بشكل أكيد. فلن تكون هناك “بلقنة سوريا”، والجيب الأخير المتبقي الذي سيتم تطهيره من الجهاديين هو إدلب.

ويشير إسكوبار إلى أن هناك مسألة النفط إذ يدفن فيلم “مات كالكلب” (عملية قتل البغدادي) حرفياً – على الأقل حتى الآن – قصة محرجة للغاية: نشر البنتاغون الدبابات “لحماية” حقول النفط السورية. هذا غير قانوني، من خلال أي تفسير محتمل للقانون الدولي، كما هو الحال بالنسبة إلى وجود القوات الأميركية في سوريا، والتي لم تتم دعوتها من قبل الحكومة السورية في دمشق.

أخبرني تجار من الخليج أنه قبل عام 2011، كانت سوريا تنتج 387،000 برميل من النفط يومياً وتبيع 140،000 برميل – أي ما يعادل 25.1٪ من دخل دمشق. في الوقت الحاضر، لا تنتج حقول عمر والشدادي والسويداء، في شرق سوريا، أكثر من 60،000 برميل يومياً. ومع ذلك، فإن هذا أمر ضروري بالنسبة لدمشق والشعب السوري المالكين الشرعيين للنفط.

في الواقع كانت “وحدات حماية الشعب” الكردية (YPG) تسيطر على (أجزاء من محافظة) دير الزور عندما كانوا يقاتلون “داعش”. لكن غالبية السكان المحليين هم من العرب السنة. إنهم لن يتسامحوا أبداً مع أي تلميح لسيطرة كردية طويلة الأمد إلى جانب الاحتلال الأميركي.

فعاجلاً أم آجلاً، سيصل الجيش السوري إلى هناك، بدعم من القوات الجوية الروسية. ربما لن تغامر الدولة العميقة الأميركية، خلال سنة انتخابية، في خوض حرب ساخنة على عدد قليل من حقول النفط التي تم احتلالها بشكل غير قانوني.

في النهاية، يمكن تفسير فيلم “مات كالكلب” على أنه حلبة انتصار، وإغلاق قوس تاريخي يعاني منذ عام 2011. وعندما “تخلّى” عن “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية، قام ترامب بدفن فعلي لقضية روجافا كـ”كردستان سورية مستقلة”.

وختم الكاتب أن روسيا تتولى المسؤولية في سوريا على جميع الجبهات. وتركيا تخلصت من رهاب “الإرهاب” – حيث كان عليها دائماً أن تعمد إلى إضفاء الشيطنة على الكرد السوريين (حزب الاتحاد الديمقراطي) وجناحه المسلح “قوات حماية الشعب” كفرع لحزب العمال الكردستاني الانفصالي داخل تركيا – وهذا قد يساعد على تسوية قضية اللاجين السوريين. إن سوريا في طريقها لاستعادة جميع أراضيها..

وأضاف: “يمكن أيضاً تفسير فيلم “مات كالكلب” على أنه تصفية أحد الأصول المفيدة سابقاً والذي كان مكوناً مهماً في الهدية التي تستمر في تقديمها، الحرب العالمية على الإرهاب التي لا تنتهي أبدا.ً فزاعات أخرى وأفلام أخرى تنتظر”.

*بيبي إسكوبار هو مراسل في صحيفة “آسيا تايمز”. كتابه الأخير هو “2030”.

عن الميادين نت

Optimized by Optimole