هدف الحرب على غزة القضاء على صواريخ المقاومة

هدف الحرب على غزة القضاء على صواريخ المقاومة
Spread the love

بقلم: د. عقل صلاح* —

تناقش هذه الدراسة الحصار المفروض على القطاع، والحرب الإسرائيلية المتواصلة بكل الوسائل على حركة حماس. وتنطلق الدراسة من إشكالية أساسية تتمثل في سؤالها المحوري وهو: هل الحرب على غزة تستهدف رؤوس الصواريخ أم رأس حركة حماس؟
وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من تحليل المراحل التي مرت بها الحركة قبل تعاظم قدراتها العسكرية وتشكيلها لكتائب الجيش المنظم الذي استطاع أن يرفع أسهم الحركة شعبيًا من خلال عملياتها العسكرية ضد الاحتلال.
فحركة المقاومة الإسلامية “حماس” هي فرع من أفرع الإخوان المسلمين العالمية، بدأت كحركة دعوية اجتماعية هدفها نشر الهوية الإسلامية بين الأجيال الشابة من خلال الحلقات والندوات الدينية في المساجد، وخلال هذه المرحلة لم تمارس الحركة أي عمل مقاوم ضد الاحتلال، وإنما كانت منشغلة بالحشد والتعبئة وبناء مؤسساتها. ومن ثم تطور عمل الحركة مع اندلاع الإنتفاضة الأولى لتنخرط في العمل العسكري أسوة بباقي الفصائل الفلسطينية وحركة الجهاد الإسلامي، من خلال ظهورها باسم جديد هو “حماس”.

انخراط حماس في المقاومة:
ومن ثم أصبحت حماس قوة أساسية على ساحة المقاومة الفلسطينية منافسة للتنظيمات الفلسطينية الأخرى، فتعرض قادتها للاعتقال والإبعاد كرد على العمليات الفدائية التي قامت بها الحركة، مما رفع من رصيد الحركة الشعبي وغيّر من نظرة المجتمع الفلسطيني لحركة الإخوان التي ظلت عازفة لمدة عقدين من الزمن عن الجهاد ضد الاحتلال.
وبعد انطلاق الحركة أصدرت ميثاقها الذي يعتبر مرجعيتها الرئيسية، والذي وضّح بشكل جلّي أسباب وجودها، وأصولها، وأهدافها، وأيديولوجيتها، وعلاقتها بالغير، وموقفها من أرض فلسطين ومن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
لقد شكّل اندلاع الإنتفاضة فرصة جديدة للإخوان للمشاركة في العمل المسلح، وللاستجابة لضغوط القيادة الشابة. فقد لعبت القيادة الشابة دورًا في التأثير على حركة الإخوان وتغيير استراتيجيتها بناءً على التغيير الذي حدث على هيكل الفرص السياسية في الساحة الفلسطينية. فقرار تشكيل حماس كان استجابة للفرص الداخلية المتمثلة بمطالبة القيادة الشابة للانخراط بالعمل العسكري، وللفرص الخارجية المتمثلة باندلاع الانتفاضة.
وتمثلت النقلة النوعية في عمل حماس العسكري بتأسيس كتائب عز الدين القسام عام 1992، حيث قامت الكتائب في بداية تأسيسها بخطف جندي إسرائيلي، وقتله في كانون الأول – ديسمبر من نفس العام بعد رفض الاحتلال مبادلته بأسرى فلسطينيين. ومع ذلك لم تشكّل حماس أي تهديد لإسرائيل التي كانت تعتبرها حركة غير عنيفة حتى عام 1994، وهو العام الذي شهد تحولًا كبيرًا في السياسات العسكرية لحماس. فقد كانت قبل ذلك تهاجم أهدافاً عسكرية، ولكن بعد مذبحة الحرم الإبراهيمي، غيّرت حماس من تكتيكها العسكري، وانتهجت أسلوب العمليات الاستشهادية.
ويصرّح رئيس المكتب السياسي السابق للحركة خالد مشعل بأن “الحركة عانت في بناء المقاومة بالتركيز على بناء الإنسان المقاوم إيمانيًا، وتربويًا، ونفسيًا، وفكريًا، واضعين بعين الاعتبار الانضباط التنظيمي والسلوكي، والإلتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية للمقاومة”. ويضيف لقد “جرى اعتماد البناء الذاتي للمقاومة المسلحة في الداخل – تجنيدًا، تدريبًا، تسليحًا، مناورةً- وبذل كل الجهود لتحصيل الدعم المالي والفني، والتسليح من الخارج بقدر الإمكان”.

صعود نجم حماس:
انطلقت حماس كحركة دعوية، لها نظرتها في المشروع الوطني، ورفعت شعار تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، حيث زادت شعبيتها من خلال عملها المقاوم والإغاثي، مما أهّلها لدخول الحلبة السياسية، من أجل أن تشكل رافعة للمقاومة، وتوقف التنازلات التي قدمتها السلطة. حيث يؤكد أحد قادة الحركة أسامة حمدان أن المقاومة كانت العامل الأساسي في الفوز في الانتخابات بقوله “لا شك في أن خيار المقاومة هو العامل الأساس في وصولنا إلى السلطة”.
فكما هو معروف أن حماس استمدت شعبيتها وتفوقها على حركة فتح من خلال عملياتها العسكرية، ودورها البارز في مقاومة الاحتلال. وفي حال تخلت حماس عن المقاومة وسلاحها فستصبح شبيهة بحركة فتح وسيصبح برنامجها هو نفس برنامج فتح. ومن المستحيل أن تقدم حماس على تسليم السلاح، وهذا ما أكده القائد الحمساوي موسى أبو مرزوق في تصريح له في 22 أيلول – سبتمبر 2018 بأن سلاح المقاومة ليس مطروحاً على طاولة.

بقاء حماس قوية مرهون بالكتائب وسلاحها:
لا يمكن أن تعدم حركة حماس نفسها بيدها من خلال تخلّيها عن المقاومة وسلاحها، وفي حال حدث وسلّمت حماس السلاح سيكون الهدف الإسرائيلي الثاني بعد السلاح هو الجنود والمعتقلين الإسرائيليين لدى كتائب القسام، حيث سيشترط العالم وبعض العرب وإسرائيل بأن يتم تسليم الجنود سواء أحياء أو أموات من أجل إحياء انفراجة في حصار غزة. وهذا الملف بالنسبة لحماس مصيري ولا يمكن لها أن تساوم عليه فهو العامل الأساسي الذي تعوّل عليه في رفع شعبيتها وزيادة فرصها في التفوق على حركة فتح والفوز في أي انتخابات قادمة.
والهدف الإسرائيلي الثالث الذي لا يقل أهمية عن سابقيه هو الأنفاق التي أوجعت الاحتلال والتي ستؤلمه في أي حرب مقبلة، وإسرائيل تخطط ليلًا ونهارًا للخلاص من كابوس الأنفاق فسوف تطالب إسرائيل مدعومة من أميركا والبعض العربي بأن تسلّم حماس خريطة الأنفاق التي تصل لغاية المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقطاع. وهذا يعني خيانة للمقاومة ولشلالات الدماء التي سالت من أجل صناعة شبكة الأنفاق التي تعوّل عليها حماس، فهي أهم استراتيجية عسكرية في التفوق وحسم نتيجة أي حرب قادمة.
والهدف الرابع لإسرائيل هو تفكيك كتائب عز الدين القسام وتصفية قادتها المؤسسين والبارزين مما سيؤدي إلى تدمير حماس ومشروع المقاومة، وقتل نموذج حزب الله اللبناني في القطاع.
لن تقف المطالبات الإسرائيلية في حال إقدام حماس على التساوق مع إسرائيل وسوف تبدع إسرائيل في الضغط والمطالبة لتفريغ حماس من محتواها المقاوم وتفكيك بنيتها العسكرية، وستصبح حماس السلطة رقم 2، وفي المقابل ستحصل من إسرائيل على ما حصلت عليه السلطة في الضفة الغربية وهو صفر مكعب.
ولكن حماس وقياداتها الموجودة حالياً غالبيتهم من مؤسسي الكتائب لن تقبل في التفريط في الكتائب لأنها تدرك أن قوة حماس مرهونة في الكتائب وسلاحها. وحماس بغير ذلك ستصبح ملطة للاحتلال والسلطة وستعود إلى أصولها التاريخية الإخوانية التي لم تكن ذات تأثير وقوة وشعبية، فشعبيتها استمدتها من عملها المقاوم وحالياً من خلال الصواريخ التي تغطي كل مناطق فلسطين التاريخية، فقادة حماس يدركون ذلك ونموذج السلطة وطريقة تعامل إسرائيل معها ماثلة أمامهم ولا يمكن لحماس أن تقدم على الانتحار.
فالمطلوب اليوم ليس حماس وإنما سلاحها، وفي حال سلّمت حماس سلاحها، وهذا مستبعد فسوف تتحول إلى حزب دراويش، وسوف تخسر كل ما بنته بالدم والنار. والحرب اليوم هي على رؤوس الصواريخ التي تمتلكها حماس وليس على حماس، فتجد كل من إسرائيل ومصر والسلطة تتعامل مع حماس بطريقة العصا، وقطر وتركيا تتعامل معها بأسلوب الجزرة لتطويع استراتيجياتها وسياساتها التي تمثلت في إصدار وثيقة السياسات العامة في أيار – مايو 2017، وما لحقها من تغيرات في ممارساتها السياسية وقبول التفاوض القطري مع إسرائيل نيابة عنها وغيرها من السياسات.
فالسيناريو المفروض على حماس اليوم هو نفس السيناريو الذي فرضه الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية والبعض العربي والفلسطيني على الشهيد الرئيس ياسر عرفات عندما رفض حمل القلم والتوقيع على التنازل عن الثوابت فقتلته جميع الأطراف المذكورة أعلاه. واليوم المطلوب قتل نموذج المقاومة والقضاء على السلاح في القطاع، من أجل أن تعيش إسرائيل في أمن وأمان بظل مواصلة تهويد القدس والاستيطان وقتل الأسرى والقضية الفلسطينية.
إسرائيل تستهدف قوة حماس العسكرية:
هذا ما يؤكده التحذير الإسرائيلي لحركة حماس من خلال رسالة عبر الوسيط المصري، حيث نشرت صحيفة (العربي الجديد) في 9 أيار – مايو 2019، بأن إسرائيل طلبت من المسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصرية، تحذير حركة حماس من مواصلة عمل كتائب القسام على تطوير صواريخ أرض ــ بحر، مشددين على أن “تل أبيب لن تسمح بمرور تلك الخطوة، لأنها تمثل تغييراً حاداً في موازين القوة في الصراع”.
وشملت أيضاً التحذيرات حركة الجهاد بعد تطويرها صاروخ “بدر 3″، الذي يصل مداه إلى 140 كيلومتراً، واستخدمته “سرايا القدس”، الجناح العسكري للحركة، في قصف مدينة عسقلان خلال جولة التصعيد الأخيرة، حيث نشر موقع ديبكا الاستخباراتي العبري في 9 أيار – مايو 2019، بأن الفلسطينيين نجحوا في إسقاط هيبة المنظومة الدفاعية الإسرائيلية “القبة الحديدية”، وفي توجيه ضربة قاصمة لإسرائيل، بعد إسقاط قوة الردع القوية الممثلة في “القبة” وأنهم نجحوا في مواجهتها بإطلاق عشرات الصواريخ المتتالية على هدف واحد خلال دقيقة واحدة، ما عجزت معه المنظومة الدفاعية الإسرائيلية من التصدي بنسبة 100% للصواريخ والقذائف الفلسطينية.

حماس تطور قدرتها الصاروخية:
يبيّن المحلل العسكري الإسرائيلي يوسي ميلمان في 10 أيار – مايو 2019، بأن جولة القتال الأخيرة في منطقة الحدود مع القطاع كانت الأكثر فتكاً بين جولات القتال منذ عملية “الجرف الصامد” العسكرية في صيف 2014، حيث استخدمت حركة حماس خلال هذه الجولة القصيرة أدوات قتالية جديدة. ووفقاً لتقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تمتلك حماس نحو 15.000 صاروخ معظمها من إنتاج ذاتي. ويبدو كذلك أن الرؤوس الحربية لهذه الصواريخ باتت أكبر وأن مداها آخذ في الاتساع أكثر فأكثر. كما أنها تمتلك طائرات مسيّرة، وقذائف صاروخية.
وقد كشفت صحيفة “معاريف” العبرية في 11 أيار – مايو 2019، عن تطور نوعي وجوهري بالقدرات الصاروخية للأجنحة العسكرية التابعة للفصائل الفلسطينية في القطاع خلال الجولة الأخيرة.
الجهاد الإسلامي عقبة كداء بوجه إسرائيل:
وفي حال تخلّت حركة حماس عن سلاح المقاومة، وهذا كما أسلفنا غير وارد، فهناك عقبة أكبر بكثير من حماس وهي حركة الجهاد الإسلامي التي لم تنخرط في الحياة السياسية الفلسطينية الرسمية كحماس. فحركة الجهاد اليوم تعتبر قوة كبيرة ولا يستهان بها وبقدراتها القتالية والتسليحية وهي التي تقود التصعيد والرد المباشر على الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع. فهي الحركة التي لا تؤمن بالحلول الوسط، وعندها قاعدة أساسية بأن فلسطين لا يمكن تحريرها إلا بسلاح، وعليه لا يمكن لحركة الجهاد الإسلامي الموافقة على تسليم سلاحها وحل السرايا تحت أي ضغط. وأعتقد جازمًا أن الجهاد عندها استعداد للسير في طريق الانتحار على أن تسلم السلاح. وكذلك هناك “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” التي تتسلح بمنظومة مبادئ واضحة شبيهة بحركة الجهاد الإسلامي، فلا يمكن لها أن توافق على تسليم السلاح تحت أي مقابل أو ضغط.
فإسرائيل لا تريد للفلسطينيين إمتلاك السلاح، فقد اعترضت سفينة الأسلحة (كارين A) في كانون الثاني/ يناير 2002 في البحر الأحمر، وتم اعتقال العميد فؤاد الشوبكي المسؤول المالي للأجهزة الأمنية الفلسطينية الذي اتهمته إسرائيل بتمويلها. واتهمت الرئيس الشهيد ياسر عرفات بالتخطيط لامتلاك الأسلحة المتوسطة مما شكّل بداية لحصاره من قبل أميركا وإسرائيل. فإسرائيل لا تريد لحماس ولا لغيرها امتلاك السلاح، وتريد أن تعتدي وتستولي على الضفة وتغتال في القطاع من دون أن تدفع الثمن.
فكل ما سبق لا يلغي بأن إسرائيل هي دولة حرب وتسعى للحرب حتى لو لم يمتلك الفلسطينيون سلاحاً، وذلك من أجل قتل الفلسطينيين والسيطرة على الأرض. وهذا ما تؤكده الحرب على الضفة التي لا يوجد فيها سلاح، فما بالك في ظل وجود أسلحة ثقيلة في قطاع غزة.
فالمرحلة الحالية تتطلب إتمام المصالحة الفلسطينية وتجسيد الوحدة الوطنية في كل نواحي الحياة السياسية القائمة على مبدأ الشراكة لا الاستفراد، ووجود قيادة فلسطينية مستقلة القرار، تدافع عن نهج المقاومة وسلاحها وحمايتها، واعتبار تشكيلات المقاومة وفي مقدمتهم كتائب القسام جيش احتياط وطنياً. وفي الوقت الحاضر هذا غير متوفر في القيادة الفلسطينية الحالية التي لا تستطيع اتخاذ قرار بتفجير الأوضاع وصولًا إلى إنتفاضة ثالثة.

*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.

Optimized by Optimole