سؤال العنف في فكر الخميني بين النظرية والتطبيق

سؤال العنف في فكر الخميني بين النظرية والتطبيق
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم* — يرى الإمام الخميني أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينقسمان إلى واجب ومندوب، فما وجب عقلاً أو شرعاً وجب الأمر به، وما قبح عقلاً أو حرم شرعاً وجب النهي عنه، وما ندب واستحب فالأمر به كذلك وما كره فالنهي عنه كذلك. وهو يفتي بأن الأقوى أن وجوبهما كفائي، فلو قام به من به الكفاية سقط عن الآخرين، وإلا كان الكل مع اجتماع الشرائط تاركين للواجب. ويشترط أن يكون الآمر أو الناهي يعرف أن ما تركه المكلف أو ارتكبه معروف أو منكر، فلا يجب ذلك على الجاهل بالمعروف والمنكر، فالعلم شرط الوجوب، إذ يجب تعلم شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وموارد الوجوب وعدمه والجواز وعدمه، حتى لا يقع الآمر أو الناهي في المنكر في أمره ونهيه.

أما الشرط الثاني لوجوب الأمر أو النهي في الرأي الفقهي للخميني، فهو أن يحتمل تأثير الأمر أو النهي، فلو علم أو اطمأن بعدمه فلا يجب. والشرط الثاني هو الاستمرار بالمنكر. والشرط الثالث ألا يكون في إنكاره مفسدة، فلو علم أو ظن أن إنكاره، موجب لتوجه ضرر نفسي أو عرضي أو مالي يعتد به عليه أو على أحد متعلقيه كأقربائه وأصحابه وملازميه فلا يجب ويسقط عنه، بل وكذا لو خاف ذلك لاحتمال معتد به عند العقلاء.

يقول الخميني في مسألة متعلقة بالموضوع: “لو كان المعروف والمنكر من الأمور التي يهتم بها الشارع الأقدس، كحفظ نفوس قبيلة من المسلمين وهتك نواميسهم، أو محو آثار الإسلام ومحو حجته بما يوجب ضلالة المسلمين، أو إمحاء بعض شعائر الإسلام كبيت الله الحرام، بحيث يمحى آثاره ومحله وأمثال ذلك، لا بد من ملاحظة الأهمية، ولا يكون مطلق الضرر ولو النفسي أو الحرج موجباً لرفع التكليف. ويتابع الخميني: “لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب (أعلى الله كلمتهم) تقوية للظالم وتأييد له -والعياذ بالله- يحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الإظهار ولو لم يكن مؤثراً في رفع ظلمه. لو كان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب (أعلى الله كلمتهم) موجباً لجرأة الظلمة على ارتكاب سائر المحرمات وإبداع البدع يحرم عليهم السكوت، ويجب عليهم الإنكار، وإن لم يكن مؤثراً في رفع الحرام الذي يرتكب”.

ويفتي الخميني بأنه “لا يجوز إشفاع الإنكار بما يحرم وينكر كالسب والكذب والإهانة، نعم لو كان المنكر مما يهتم به الشارع ولا يرضى بحصوله مطلقاً، كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر الموبقة جاز، بل وجب المنع والدفع ولو مع استلزامه ما ذكر لو توقف المنع عليه. لو كان بعض مراتب القول أقل إيذاء وإهانة من بعض ما ذكر في المرتبة الأولى، يجب الاقتصار عليه، ويكون مقدماً على ذلك، فلو فرض أن الوعظ والإرشاد بقول ليّن ووجه منبسط مؤثر أو محتمل التأثير، وكان أقل إيذاء من الهجر والإعراض ونحوهما، لا يجوز التعدي منه إليهما، والأشخاص آمراً ومأموراً مختلفون جداً، فرب شخص يكون إعراضه وهجره أثقل وأشد إيذاء وإهانة من قوله وأمره ونهيه، فلا بد للآمر والناهي من ملاحظة المراتب والأشخاص، والعمل على الأيسر ثم الأيسر”.

أما المرتبة الثالثة للنهي عن المنكر فهي الإنكار باليد. يفتي الخميني بأنه “لو علم أو اطمأن الناهي بأن المطلوب لا يحصل بالمرتبتين السابقتين أي بالقلب واللسان، وجب الانتقال إلى المرتبة الثالثة، وهي إعمال القدرة مراعياً للأيسر فالأيسر. إن أمكنه المنع بالحيلولة بينه وبين المنكر وجب الاقتصار عليها لو كان أقل محذوراً من غيرها. لو توقفت الحيلولة على تصرف في الفاعل أو آلة فعله -كما لو توقفت على أخذ يده أو طرده أو التصرف في كأسه الذي فيه الخمر أو سكينه ونحو ذلك- جاز بل وجب.

يخطو الخميني خطوة أكبر في مسألة جواز استعمال العنف في النهي عن المنكر، لكنه يشترط الإذن من الفقيه الجامع للشروط، بل يشترط إذن الإمام المعصوم أو من يقوم مقامه في الجرح والقتل، إلا إذا كان دفاعاً عن النفس، فلا يحتاج إلى الإذن. يقول في فتاواه في “تحرير الوسيلة” في هذا الصدد: “لو لم يحصل المطلوب إلا بالضرب والإيلام فالظاهر جوازهما مراعياً للأيسر فالأيسر والأسهل فالأسهل، وينبغي الإذن من الفقيه الجامع الشرائط، بل ينبغي ذلك في الحبس والتحريج ونحوهما. لو كان الإنكار موجباً للجر إلى الجرح والقتل فلا يجوز إلا بإذن الإمام (عليه السلام) على الأقوى.

لكن الخميني حذر جداً ويحتاط كثيراً في الإفتاء بجواز استخدام العنف في النهي عن المنكر، فهو يحرم قتل مرتكب المنكر مع إمكانية دفعه عن المنكر بالجرح مع مراعاة الأيسر فالأيسر في الجرح، ولو تمكن من الدفع بالأدنى من ذلك كالإنكار بالقلب واللسان لوجب عليه ذلك، وإن تعدى الناهي وجب عليه ضمان ذلك من قبيل دفع تعويض لمرتكب المنكر. يقول الخميني: “لا يجوز التعدي إلى القتل مع إمكان الدفع بالجرح، ولا بد من مراعاة الأيسر فالأيسر في الجرح، فلو تعدى ضمن، كما أنه لو وقع عليه من فاعل المنكر جرح ضمن أو قتل يُقتص منه. ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أمره ونهيه ومراتب إنكاره كالطبيب المعالج المشفق، والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصة، وعلى الأمة عامة.

يحصر الخميني الأمور السياسية والقضائية والمالية من تنفيذ الحدود وأخذ الخمس والزكاة والحقوق الشرعية بالإمام المعصوم أو نوابه الفقهاء الجامعين للشروط، باستثناء الجهاد الابتدائي أي الهجومي، وليس الجهاد الدفاعي. وهو يوجب على هؤلاء الفقهاء وجوباً كفائياً القيام بهذه المهام بحسب إمكاناتهم، فيقول: “يجب كفاية على النواب العامين القيام بالأمور المتقدمة مع بسط يدهم وعدم الخوف من حكام الجور، وبقدر الميسور مع الإمكان. يجب على الناس كفاية مساعدة الفقهاء في إجراء السياسات وغيرها من الحسبيات التي من مختصاتهم في عصر الغيبة مع الإمكان، ومع عدمه فبمقدار الميسور الممكن”. ويرى الخميني أنه “لا يجوز الرجوع في الخصومات إلى حكام الجور وقضاته، بل يجب على المتخاصمين الرجوع إلى الفقيه الجامع للشرائط، ومع إمكان ذلك”.

ويتطرق الخميني في فتوى أخرى إلى المقاطعة الاقتصادية لدول أو شركات أجنبية تضر باقتصاد المسلمين، فيقول: “لو كان في الروابط التجارية من الدول أو التجار مع بعض الدول الأجنبية أو التجار الأجنبيين مخافة على سوق المسلمين وحياتهم الاقتصادية وجب تركها وحرمت التجارة، وعلى رؤساء المذهب مع خوف ذلك أن يحرموا متاعهم وتجارتهم حسب اقتضاء الظروف، وعلى الأمة الإسلامية متابعتهم، كما يجب على كافتهم الجد في قطعها”.

بناء عليه، فإن تولي الشرطة الدينية أو هيئة للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد جعل الأمر خاضعاً للتنظيم والقانون، وأصبح من شأن الدولة وبخاصة في المرتبة الثالثة كالنهي باليد وبخاصة الجرح والقتل. لكن ذلك قد عزز صلاحيات الشرطة الدينية و”الباسيج”، وأجهزة تابعة للأمن والحرس الثوري، التي تقوم بالأمر والنهي وبخاصة فرض ارتداء الحجاب الكامل على النساء في إيران. وكان الأمر مثار جدل كبير بين الإصلاحيين والمحافظين خلال العقدين الماضيين، وبخاصة منذ وصول الرئيس محمد خاتمي إلى الرئاسة عام 1997، وكذلك منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني عام 2013.

المصدر: مقتطفات من دراسة للباحث بعنوان “سؤال العنف في فكر الخميني بين النظرية والتطبيق”، ضمن الكتاب 130 (أكتوبر/تشرين الأول 2017) “مرجعيات العقل الإرهابي: المصادر والأفكار”، الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي، منشور في موقع ميدل ايست اونلاين

Optimized by Optimole