العسكر يُجْهِضُ التحول الديمقراطي في السودان

العسكر يُجْهِضُ التحول الديمقراطي في السودان
Spread the love

بقلم: توفيق المديني —

عاش السودان منذ مايزيد عن ثلاثة أشهر مضاعفات مرحلة الاحتجاجات الشعبية التي كانت انطلاقتها لدوافع اقتصادية نتيجة أزمة السيولة وارتفاع التضخم لأرقام قياسية قبل أن تتحول إلى سياسة من خلال المطالبة بتنحي البشير،وألقت بتأثيراتٍ متعدّدة، سلبًا وإيجابًا، على كثير من مكونات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية،وعلى الحراك المدني المنادي برحيل الرئيس عمر حسن البشير،لكنه لم ينته إلى ثورة مدنية سلمية ضد نظامه،وإنما إلى إنقلاب عسكري،أعلن فيها العسكر تصورهم للمرحلة الانتقالية وحددوا قياداتها.

الانقلاب في السودان الذي أطاح بعمر البشير
كان الحراك الشعبي المتكون من تجمع المهنيين (هيكل نقابي غير رسمي )والقوى المتحالفة معه ضمن جبهة “الحرية والتغيير” ، يعتقد أنه سينجح في إسقاط نظام عمر حسن البشير،على منوال الحراك الذي تعرفه الجزائر،والذي أعطى مفعوله باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عقب انحيازالجيش الجزائري للشعب، أو على غرار الحراك الشعبي المماثل الذي نظم مسيرات شعبية يوم6نيسان/أبريل عام1985، وأسقط نظام جعفر النميري الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة16 عاما، وعاش السودان على أيامه الأخيرة ظروفا مشابهه للواقع الذي تعيشه البلاد الآن.
وإذا كانت قيادات الحراك الشعبي السوداني والقوى المعارضة ترى أن التجربة الجزائرية تبدو ملهمة للكثير من السودانيين ، فإن الرهان على انحياز الجيش السوداني للمتظاهرين، الذين اعتصموا في محيط مقر القيادة بالخرطوم، وعلى سيره على خطى الجيش الجزائري في دعم مطلب الحراك الشعبي بإسقاط النظام والإطاحة برموزه، في وقت بدا فيه الرئيس المخلوع عمر حسن البشير قد فقد الإحساس بما يجري من حوله وافتقر إلى هامش المناورة التي كان يتقنها خلال ثلاثين عاما من الحكم،وانحياز الجيش السوداني للمطالب الشعبية،ومنعه إعادة إنتاج النظام الحالي في الخرطوم، بما في ذلك الانقلاب العسكري ، فإنهذا الرهان لم يكن في محله.
وفيما كان الجيش السوداني يتكلم بأنه على مسافة واحدة من الجميع، وتعمد التركيز على ابتعاده عن جهاز الشرطة وتصرفاته الدموية، بعد أن مارس عنفا مقصودا على المحتجين أمام مقر وزارة الدفاع أخيرا، بينما ظهر الجيش وكأنه يؤيد المطالب المعلنة للمتظاهرين، ويتحفظ على الطريقة التي تعامل بها جهاز الأمن معهم وإخلاء مسؤوليته تماما،إذ قال مجلس الدفاع والأمن الوطني “إن المحتجين يمثلون شريحة من المجتمع يجب الاستماع إليها”، في إشارة تحمل استعدادًا للتفاهم مع مطالبهم، بعد تليين مواقفهم ناحية تأييد تدخل الجيش والاحتكام إليه، في إشارة إلى حسم الأمر حملت معاني بانتقال سلس للسلطة من البشير إلى قيادة ثانية ربما تنحدر من المؤسسة ذاتها، حصل الانقلاب العسكري، وتمت الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، ووضعه رهن الإقامة الجبرية وتولي مجلس عسكري إدارة شؤون السودان.
لقد نفذ نائب البشير ووزير دفاعه، الفريق أول عوض بن عوف، هذا الانقلاب العسكري صبيحة الخميس 11 نيسان/ أبريل 2019، الذي لم يلقَ الترحيب الذي كان متوقعًا، من جانب الحراك الشعبي وقوى المعارضة. فقد سرّع الجيش بسقوط عمر البشير بعد انتفاضة شعبية استمرت أربعة أشهر،وحلّ محله “مجلس عسكري انتقالي” لمدة عامين.
ويعتقد المحللون المتابعون للشأن السوداني، أنه في الوقت الحالي لا يمكن القول إن النظام هو الذي سقط وإنما الرجل الذي كان يجسده منذ عام 1989 ،غالنظام السوداني يناور الآن من اجل البقاء في السلطة، كما حدث في الجزائر وفي مصر أو في زمبابوي. وإذا كانت كل دولة من هذه الدول لها ديناميتُها الخاصة وخصوصياتُها،فكل هذه الدول تشترك في بنية قوية يجسدها وزن الجيش ودوره في المجتمع. ولكن في السودان-كما يشرح للصحيفة رولان مارشال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الفرنسية-فإن الجيش ليس كلاً متجانسًا، فلمن سترجح الكفة؟ ما بين الحريصين على الحفاظ على قيم النظام كما كان يجسده البشير مع دور مركزي للجيش في البلاد، والحفاظ على نظام إسلامي، وما بين أولئك الذين يرون أن خلاص النظام يكمن في قدرته على إعادة العلاقات مع المجتمع الدولي. فبعد استقالة بوتفليقة، ها هو الرئيس المخلوع عمر البشير يترك السلطة تحت ضغط الشارع أيضا، ولكن الجيش يبقى يسيطر على الحكم في الحالتين. وليس من الواضح لا في الجزائر ولا في السودان، ما إذا كان سقوط بوتفليقة وعمر البشير، سيؤدي إلى بناء نظام ديمقراطي جديد.
فالذي قاد هذا الانقلاب العسكري، هو ابن عوغ، الذي يُعَدُّ من أبرز أركان نظام البشير، ويحمّله المتظاهرون مسؤولية انتهاكاتٍ كثيرة. كما أنه ظل يراهن على إمكانية قمع الحراك الشعبي، حتى بعد أن اتضح أن كفّته أخذت ترجّح على كفة النظام، معلنًا أن الجيش سيقف إلى جانب الرئيس البشير حتى النهاية. وقد قوبل بيان ابن عوف، منذ الوهلة الأولى، برفضٍ جماهيريٍّ قاطعٍ، على الرغم أنه نصَّ على فترة انتقالية مدتها عامان، وعلى حل المجلس الوطني، وإبعاد حكّام الولايات التابعين للحزب الحاكم، وتعيين عسكريين بدلًا منهم.فقد تجاهل خطاب ابن عوف المطلب الرئيس للحراك الشعبي وقوة المعارضة ، المتمثل في تفكيك بنية النظام القديم، وإقامة نظام مدني ديمقراطي.
صعوبةالتحول الديمقراطي في السودان
في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الكبير،قام المجلس العسكري الحاكم في السودان بنقل منذ يومين الرئيس المخلوع عمر البشيروقيادات حزبه المؤتمر الوطني إلى سجن كوبرفي الخرطوم ،بمن فيهم رئيس البرلمان المنحل إبراهيم أحمد عمر بعد اعتقاله فور عودته للبلاد.وذكرت قناة روسيا اليوم، أن المجلس العسكري الانتقالي،عبد الله البشير شقيق الرئيس المخلوع، وجمال الوالي، القيادي في حزب المؤتمر،وعددا من قادة كتائب الظل وضعوا في سجن كوبر،وأنه جار نقل آخرين إلى هذا السجن الأكبر والأشد حراسة في البلاد.
فيما أفادت صحيفة “التيار” باعتقال مجموعة كبيرة من قيادات حزب المؤتمر الوطني وإحالتهم إلى سجن كوبر، المخصص للسياسيين.ومن أبرز هؤلاء المعتقلين وفق الصحيفة “عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم الأسبق، رجل الأعمال الشهير جمال الوالي، والي الخرطوم ووزير الدفاع الأسبق الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين”
غير إنّ الاحتجاجات العارمة استمرت في العاصمة السودانية الخرطوم ،إذ دعا قادة الاحتجاج أنصارهم إلى البقاء في الشوارع، والمطالبة بالانتقال الفوري إلى حكم مدني في البلاد..وطالب تجمع المهنيين السودانيين المعارض يوم الاثنين الماضي بحل المجلس العسكري الحاكم الجديد واستبداله بمجلس مدني بممثلين عن الجيش، ودعا الى تشكيل حكومة انتقالية مدنية،و حل حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، ومحاسبة كل رموزه.
فقد أصدرت “قوى إعلان الحرية والتغيير” بيانا مشتركا دعت فيه الجماهير السودانية الى الدفاع عن مكونات “الثورة “من اجل تفكيك مؤسسات النظام الشمولية، وبناء البديل الديمقراطي الذي يؤسس لدولة الحرية والسلام والعدالة. وأكد البيان “إنّ المرحلة الحالية في بلادنا تتطلب الحذر والدقة وعدم استعجال قطف الثمار قبل تمام النضج، وما اعتصامنا ووجودنا في الميادين والساحات إلا حماية للثورة ولظهور بعضنا البعض من غدر بقايا وفلول النظام”. واضاف البيان :” هناك مطالب واضحة ما لم تتحقق فلا مناص من الجهر بالرفض كله، وهي المطالب التي تجعل من انتصار ثورتنا انتصاراً لا هزيمة بعده ولا كبوة”.
وأعلنت قوى اعلان الحرية والتغيير في بيانها رفضها التام لبيان المجلس العسكري معتبرة انه لم يحقق أيٍ من مطالب الشعب، وطالب بتسليم السلطة فورًا ودون شروط لحكومة انتقالية مدنية تدير المرحلة الانتقالية لفترة 4 سنوات وتنفّذ المهام الانتقالية التي فصّلها إعلان الحرية والتغيير والوثائق المكملة له. ومن أهم المطالب أيضا :” الاعتقال والتحفظ على كل قيادات جهاز الأمن والاستخبارات … إعادة هيكلة جهاز الأمن والمخابرات بما يضمن له القيام بدوره المنوط به… حل مليشيات النظام من كتائب ظل ودفاع شعبي وشرطة شعبية وغيرها. التحفظ والاعتقال الفوري لكل القيادات الفاسدة في الأجهزة والقوات النظامية وحل كافة أجهزة ومؤسسات النظام والاعتقال الفوري والتحفظ على كل قياداته الضالعة في جرائم القتل والفساد المالي على أن تتم محاكماتهم لاحقاً وفقاً للدستور وإجراءات العدالة والمحاسبة. إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والعسكريين فوراً بمن فيهم الضباط الذين انحازوا للثورة ومطالب الجماهير الإعلان الفوري عن رفع كل القوانين المقيدة للحريات والتي تخالف الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية ووثيقة الحقوق في الدستور السوداني. بما في ذلك حل الأجهزة والمؤسسات المسؤولة عن ذلك”.

عجز قوى المعارضة عن بناء جبهة ديمقراطية
منذ استيلاء الإسلاميين على السلطة في انقلابٍ قاده الرئيس المخلوع عمر حسن أحمد البشير في حزيران/يونيو 1989، راهنت المعارضة الديمقراطية على تحالفاتها مع قوى الهامش من أجل فرض التحوّل الديمقراطي في البلاد. وبعد أن عجزت عبر صيغتها المجرّبة في تشرين الأوّل/أكتوبر 1964 ونيسان/إبريل 1986، العصيان المدني المدعوم بانتفاضة شعبية، في إسقاط النظام. وقد اضطرّت القوى المعارضة في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي إلى تبنّي خيار الانتفاضة المحميّة بالسلاح، ومن ثم تبنّت طريق الانتفاضة المسلّحة لتوائم تكتيكاتها مع خيارات قوى الهامش وعلى رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان الإنفصالية ، المتمثّلة في تغيير ميزان القوى في البلاد عسكريّاً لإجبار النظام في الخرطوم على التفاوض وتقديم تنازلاتٍ حقيقية. ومن المؤكّد أن عجزها عن المضيّ في تنفيذ خيارات إسقاط النظام بالقوّة هو الذي فرض عليها عمليّاً القبول باتفاقيات السلام الثنائية بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان عام 2005، والتي لم تُدعى المعارضة الديمقراطية في شمال السودان للمشاركة في مفاوضاتها.
وقد أتاح “اتفاق القاهرة” الذي أنجز برعاية مصرية، لأحزاب المعارضة حفظ ماء الوجه والعودة إلى السودان بحيث يتمّ استيعابها جزئياً في مؤسسات الحكم ضمن المقاعد التي خصّصتها اتفاقية سلام نيفاشا للمعارضة في الشمال. هذه الحصّة على ضآلتها، سمحت لهذه الأحزاب بالتواجد بفعاليّة في الساحة السياسية ومعاودة الاتصال بقواعدها وبالقوى الحيّة في المجتمع بعد أن تمّ حظر أنشطتها لفترة 15 عاماً.
ورغم أن هذه الأحزاب حدّدت أهدافها بوضوح في فترة الحراك الشعبي الأخير الذي انطلق منذ أربعة أشهر،في إنجاز تحوّلٍ ديمقراطي؛ لكنّها بالمقابل عجزت عن اختيار الوسائل المناسبة للوصول إليها. فقد حاولت هذه الأحزاب خوض معركتها من خلال “عضلات” الحراك الشعبي ، متجاهلةً أنّ التحرر من بنية النظام السابق ، يحتاج إلى ثورة حقيقية تكون لديها مرجعية فكرية وثقافية وسياسية،ولديها قيادات سياسية تتمتع باكاريزما والرؤية الاستراتيجية، إضافة للحوامل الطبقية والاجتماعية .
المؤكّد أن المعارضة الديمقراطية في السودان المقصية من التمثيل في كلّ المؤسّسات التشريعية والتنفيذية للنظام السابق ،سيدفعها هذا التهميش التاريخي حتماً إلى حدوث تغييرات جوهريّة في هذه الأحزاب: أوّلاً على مستوى قياداتها عبر صعود جيلٍ جديد إلى الصفوف الأمامية يحلّ مكان القيادات التقليدية التي ظلّت تهيمن عليها منذ أكثر من أربعين عاماً؛ كذلك على مستوى إعادة بناء هياكل الأحزاب التنظيمية والانتقال بها إلى صيغٍ تتلائم أكثر مع التطوّرات التي شهدها المجتمع السوداني؛ وأخيراً على مستوى تغيير إستراتيجتها السياسيّة من خلال العودة إلى مسار “الانتفاضة الشعبية” كطريقٍ من أجل إحداث تغييرٍ حقيقيّ في السودان، لأن الأجيال الجديدة في الأحزاب أصيبت بالإحباط كنتاجٍ لفشل تجربة التداول السلمي على السلطة وكبح التحوّل الديمقراطي.
هكذا، فإن قيادات الحراك الشعبي والقوى السياسية التقليدية التي تشكل المعارضة ،لا تملك مشروعًا وطنيًا ديمقراطيًا من أجل التوصل إلى تفاهمات تنهي الوضع الاستثنائي وتدشن المرحلة الانتقالية السودانية ، ولهذا ستواجه مخلفات تركة ثقيلة من الأزمات السياسوية والاقتصادية والاجتماعية الموروثة من حكم البشير،التي امتدت من عام 1989ولغاية 2019، إذ شهد حكمه العديد من الأزمات الكبيرة أبرزها الحرب الاهلية في جنوب السودان والتي انتهت بانفصاله عام 2011 ،وأزمة دارفور التي اندلعت عام 2003 بسبب سياسة الاقصاء ضد الإقليم وانتهت باستفتاء شعبي عام 2016 وإصدار مذكرة اعتقال بحق البشيرمن قبل محكمة الجنايات الدولية،وتفاقم الاوضاع المعيشية الصعبة والفساد المستشري.
فقد أكد رئيس حركة “الإصلاح الآن” السودانية، غازي صلاح الدين، أنّ “الغموض السياسي لا يزال هو سيد الموقف في السودان، وأن الحوار بين المجلس العسكري والقوى السياسية مازال لم يأخذ طريقه بعد، ليس فقط لطبيعة التباعد القائمة بين الطرفين، وإنما أيضا لعدم وضوح الرؤية لدى جميع الأطراف، وعدم وجود خارطة واضحة المعالم باستثناء العناوين الكبرى”.
وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانيةنشرت تقريرا لمراسلها في أفريقيا جيسون بيرك يوم 17نيسان/أبريل 2019، يقول فيه إن الحكام العسكريين في السودان قاموا بإقالة مجموعة جديدة من كبار المسؤولين بعد التعرض للضغط من المحتجين.ويلفت بيرك إلى أن رئيس المجلس الجنرال عبد الفتاح البرهان، قام بإقالة المدعي العام يوم الثلاثاء الماضي، بعد أقل من 24 ساعة من مطالبة المحتجين بإقالته، مشيرًا إلى أنّ ضغط المحتجين أدّى إلى تغيير الرئيس الأول الذي اختاره الجيش لقيادة المجلس الانتقالي، واضطروا رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى الاستقالة.
وتفيد الصحيفة بأن هناك تقارير بإقالة كل من نائب المدعي العام، ورئيس النيابة العامة ورئيس هيئة الإذاعة الوطنية، من مناصبهم يوم الثلاثاءالماضي ، مشيرة إلى قول الحكام العسكريين بأنهم يريدون “حوارا شاملا” مع حركة الاحتجاج، ووعدوا بتعيين رئيس وزراء مدني. وتذكر الصحيفة أن بعض كبار قادة المظاهرات، وكثير منهم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، وبعضهم أطلق سراحه من السجن حديثا، دعوا إلى حل حزب المؤتمر الوطني، والاستيلاء على ممتلكاته، واعتقال كبار مسؤوليه، مشيرة إلى أنهم يريدون أيضا حل المجموعات البرلمانية الموالية للحكومة السابقة، والقيام بإصلاحات كبيرة للأمن، ونهاية للقوانين القمعية.
وبحسب الصحيفة، فإنّ استقالة رئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني صلاح عبد الله محمد صالح، المعروف باسم صلاح غوش، يوم السبت، شجعت حركة الاحتجاج، مشيرة إلى أنه كان ينظر إلى غوش على أنه أقوى شخص في البلد بعد البشير، ويتهمه المتظاهرون بقتل المتحتجين الذين كانوا ينادون بإنهاء الحكم العسكري. ويبين التقرير أن أحد أهداف المحتجين هو نائب برهان، محمد حمدان دقلو، الملقب بحميدتي، مشيرًا إلى أن دقلو يعمل قائدا لقوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية نشأت من مليشيات الجنجويد التي حاربت في دارفور، وقدمت قوات للحرب في اليمن، واتهمت قوات الدعم السريع مكررا بارتكابها انتهاكات حقوق إنسان على نطاق واسع.
فقد أعلن عبد الفتاح البرهان، بعد فترة ترقب استمرت من مساء الجمعة، وحتى منتصف نهار السبت 13 نيسان/ أبريل 2019، عن المجلس العسكري في تركيبته الجديدة، وقال إن المجلس سيشكل حكومةً مدنيةً، تكون على رأسها شخصية مستقلة. وكان لافتًا في التشكيل الجديد للمجلس العسكري، حصول الفريق محمد حمدان دقلو، قائد مليشيا الدعم السريع، المشهور، بـ “حميدتي”، على منصب نائب رئيس المجلس العسكري؛ ما يفيد بأن الثقل العسكري قد أصبح، على أقل تقدير مقسمًا، مناصفةً، بين مؤسسة الجيش ومليشيا قوات الدعم السريع

التدخلات الإقليمية و الدولية في السودان
لا يخفي السودانيون اليوم تخوفهم من ملامح المرحلة القادمة وعما ستحمله لهم من مفاجآت على المستويات الاجتماعية والأمنية والسياسية. فالسودان أصبح معرضًا لكي يصبح مثل ليبيا أواليمن ساحة مهيأة لانتقال صراع المحاور الاقليمية إليها..ويقول بعض النشطاء في الحراك الشعبي السوداني أن بعض الدول الإقليمية تخشى انتقال الاحتجاجات إليها وهذا ما دفعها للبحث عن دور جديد لها في الازمة الدائرة … والمعلوم ان نظام البشير تربطه علاقات قوية بتركيا وحلفائها الإقليميين وهذا ما دفعه إلى الموافقة على إهداء جزيرة سواكن على البحر الأحمر إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان:فكانت من أهم مطالب الحراك السوداني إلغاء عشرات الاتفاقيات التي “تسمح باستغلال تركيا للأراضي السودانية عسكريا واقتصاديا لخدمة الأتراك فقط”.
يرى المراقبون للشأن السوداني أنّ الجيش السوداني ليس جيشًا محترفًا يعمل تحت سقف قيم الجمهورية كما هوالحال في الديمقراطيات الكلاسيكية الغربية، بل إنّ الرئيس المخلوع البشير عمل على إضعافه عبر إنشاءمليشيات قوية التسليح، ضخمة العدد، تعمل قوةً موازية له، يقودها الفريق دقلو، الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس المجلس العسكري الذي سوف يتولى، مع الحكومة المدنية، إدارة الفترة الانتقالية.
ورغم أن دقلو انحاز إلى الحراك الشعبي تكتيكيًا ،وأبعد عنه خطر مليشيات النظام، فإنّ وحدات من قواته تشارك في القتال في اليمن إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات. وكان لافتًا إعلان المجلس العسكري، ممثلًا برئيسه الفريق البرهان، التزامه اتفاقية مشاركة الجنود السودانيين في حرب اليمن، على الرغم من المعارضة الشعبية المتزايدة لهذا الأمر. .
أما على الصعيد الدولي ، فقد استقبل الفريق دقلو، قائد مليشيا الدعم السريع، ، في الأيام القليلة الماضية، القائم بالأعمال الأميركي، والسفير الهولندي، وممثل الاتحاد الأوروبي. وتؤكد الأدوار التي اضطلع بها الفريق دقلو والمليشيا التابعة له، أن سبب الاهتمام الزائد الذي يوليه سفراء الدول الغربية، خصوصا الاتحاد الأوروبي، يعود إلى ما ظل يقوم به الرجل من دور في مراقبة خطوط عبور المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين إلى أوروبا عبر الأراضي السودانية. وبدا لافتًا إعلان واشنطن استعدادها لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، إذا أجرى المجلس العسكري تغييراتٍ “حقيقية”، وجرى التأكد من خلو تركيبته من أي أشخاصٍ موضوعين على قوائم الإرهاب الأميركية، أو مطلوبين في جرائم الحرب الدولية.

خاتمة
في ضوء العلاقة الواضحة بين محور الإمارات والسعودية وبعض عناصر المجلس العسكري في السودان،يتخوف المراقبون من تكرارتجربة المجلس العسكري المصري في السودان، لناحية استغلال حاجة الحراك الشعبي إلى العسكرلحسم مصير رأس النظام، كي يجهض العسكر فيما بعد التحول الديمقراطي الحقيقي، بوصفه من الانتظارات الكبيرة للشعب السوداني، من أجل إعادة بناء دوله الوطنية على أسس ديمقراطية جديدة.فالقوى الإقليمية والدولية ليست معنية ببناء تجربة وطنية وديمقراطية ناجحة في السودان، بقدر ما هي معنية بنظام عسكري يصون مصالحها الاستراتيجية في هذا البلد العربي الإفريقي ، الذي يحتل موقعًا مهمًا في منطقة القرن الإفريقي.

المصدر: مجلة البلاد اللبنانية

Optimized by Optimole