ما هي دلالات منتدى غاز شرق البحر المتوسط؟

ما هي دلالات منتدى غاز شرق البحر المتوسط؟
Spread the love

بقلم أوفير وينتر وغاليا ليندشترواس – باحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي —

في 14 كانون الثاني/يناير، دعا وزير النفط المصري طارق الملا وزراء الطاقة في قبرص واليونان، وإسرائيل، وإيطاليا والأردن، والسلطة الفلسطينية إلى مناقشة تأسيس “منتدى غاز شرق البحر المتوسط”، (EMGF). هذه الهيئة، التي سيكون مقرها القاهرة، ستُستخدم كإطار للتعاون والحوار بشأن تطوير موارد الغاز في المنطقة. في نهاية الاجتماع أعلن الوزراء بدء محادثات رسمية تتعلق ببنية المنتدى بهدف صوغ مقترحات قبيل الاجتماع المقبل في نيسان/أبريل. وبينما يشكل موضوع الطاقة أساس إقامة منتدى الغاز، يمكن التعرف على خطوات جيو-استراتيجية أوسع أدت إلى تأسيسه، يمكن أن تستخدمها دول المنطقة كوسيلة من أجل مزيد من التعاون في شرق البحر المتوسط يتجاوز موضوع تطوير موارد الغاز.
النيّة لتأسيس المنتدى أُعلن عنها للمرة الأولى في القمة التي عُقدت في تشرين الأول/أكتوبر في كريت بمشاركة زعماء مصر واليونان وقبرص. ويشكل المنتدى أول تلاقٍ من نوعه للتحالفات الثلاثية التي راكمتها في السنوات الأخيرة مصر وإسرائيل- كل واحدة على حدة- مع اليونان وقبرص، وهو نتيجة صفقة تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر، الموقّعة في شباط/فبراير 2018. ويُظهر تأسيس المنتدى أن مثلث العلاقات لا يتحول إلى نظام تنافسي بين البلدين، بل يشكل فعلياً نقاط تواصل. وبالإضافة إلى اكتشافات الغاز، فإن هذا التطور ناجم أيضاً عن ازدياد الاهتمام التركي بساحة البحر المتوسط والمخاوف التي يثيرها هذا الاهتمام لدى دول المنطقة. كما أن تأسيس المنتدى هو تعبير عن استجابة مختلف اللاعبين لرغبة مصر في التحول إلى مركز (hub) إقليمي للطاقة بالاعتماد على منشآت تسييل الغاز التي لديها.
حادثة الأسطول [التركي المتوجه] إلى غزة (سفينة مافي مرمرة) [سفينة المساعدات لكسر الحصار على غزة سنة 2010] وأيضاً الأزمة الاقتصادية في اليونان، كانتا من الدوافع الأساسية لنشوء مثلث العلاقات الإسرائيلي-اليوناني- القبرصي الذي بدأ يتشكل في سنة 2010. وعلى الرغم من المخاوف التي ظهرت في إسرائيل من أن يؤدي صعود حزب اليسار المتطرف سيريزا إلى السلطة في اليونان سنة 2015 إلى برودة العلاقات مع إسرائيل، فإن ما جرى فعلياً هو العكس، إذ توثقت هذه العلاقات. أيضاً اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا العائد إلى حزيران/يونيو 2016، لم يوقف تطور العلاقات بين إسرائيل واليونان وقبرص، لأن العلاقات بين تركيا وإسرائيل توترت مجدداً قبل عامين تقريباً من توقيع الاتفاق، ولا توجد سفارة في أنقرة ولا في تل أبيب. بدءاً من كانون الثاني/يناير 2016، يُجري رئيس الحكومة اليونانية والرئيس القبرصي ورئيس الحكومة الإسرائيلية اجتماعات قمة ثلاثية. الاجتماع الأخير، وهو الخامس، عُقد في كانون الأول/ديسمبر 2018 في بئر السبع، وركز على الاختراعات وموضوعات السايبر. بالإضافة إلى ذلك، تشمل شبكة العلاقات بين هذه الدول تعاوناً في مجموعة واسعة من المجالات، بينها المجال العسكري والاستعدادات لأوقات الطوارىء. في ضوء حجم وعمق التعاون جرى التوصل إلى اتفاق في بئر السبع بشأن إقامة أمانة عامة دائمة في نيقوسيا للمساعدة في إدارة شبكة العلاقات الثلاثية. ولوحظ أيضاً تأييد الولايات المتحدة لتقدم العلاقات بين إسرائيل واليونان في الحوار الاستراتيجي الذي دار في كانون الأول/ديسمبر 2018 بين وزير الخارجية الأميركي ووزير الخارجية اليوناني، فقد قال مايك بومبيو إنه مسرور لرؤية اليونان كـ”قوة رائدة تساعد على الاستقرار الإقليمي في شرق البحر المتوسط”.
بشكل موازٍ، توثق مثلث العلاقات المصرية-اليونانية –القبرصية في السنوات الأخيرة بشأن مصالح مشتركة في مجاليْ الاقتصاد والأمن. وساهم في توثيقه التوتر يبن الدول الثلاث وبين تركيا، وترسخ في الأمانة العامة في قبرص. وقد عقد زعماء هذه الدول منذ سنة 2014 ستة اجتماعات قمة ثلاثية خُصصت لتنسيق مجموعة موضوعات، بينها ترسيم الحدود الاقتصادية في بحر المتوسط، ووضع أنابيب لتدفق الغاز من قبرص إلى منشآت التسييل في مصر، وربط شبكات الكهرباء، وتطوير السياحة، ومحاربة الهجرة غير الشرعية وتدريبات عسكرية مشتركة لأسلحة الجو والبحر.
يساعد مثلث العلاقات مصر على الدفع قدماً بمصالحها مع الاتحاد الأوروبي، ويسهل على اليونان وقبرص الدفع قدماً بشؤونهما في أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، يشكل المثلث ضمانة للدفع قدماً بمصالح شركات الغاز الأميركية والأوروبية في شرق البحر المتوسط، وتقليص الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.

إنضاج مسارات جيو-استراتيجية في شرق البحر المتوسط

إنشاء منتدى الغاز يعكس النظرة الإقليمية المشتركة للدول الأعضاء إلى أهمية شرق البحر المتوسط بالنسبة إلى أمنها القومي. وبينما تعتبر اليونان وقبرص البحر المتوسط بصورة تقليدية مجالاً استراتيجياً أساسياً، فإن هذا الأمر بالنسبة إلى مصر وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية يشكل تغييراً معيناً في نظرتهم الاستراتيجية. إن التوجه البحر المتوسطي المشترك هو عملياً حصيلة ثلاث عمليات عميقة:
ازدياد قوة وزن اعتبارات السياسة الواقعية البراغماتية على حساب الأيديولوجيات الصارمة. لا تنظر دول المنطقة إلى العلاقات في البحر المتوسط –على الأقل حتى الآن- كـ”حلف ثابت” يستند إلى موقف فكري أو ثقافي مشترك، بل كـ”حلف مرن” وأداة تعتمد على مصالح في مجاليْ الاقتصاد والطاقة، وعلى استعداد للتعاون في مواجهة تحديات أمنية مشتركة.
ب- تغيّر في تعريف الكيانات الجغرافية الإقليمية: زيادة الحديث عن شرق المتوسط بصفته “منطقة ” بحد ذاتها يعكس صعود وزن الاعتبارات الجيو –اقتصادية على حساب الاعتبارات الجيو-سياسية. وكما شرح باحثون مصريون مقرّبون من المؤسسة الحاكمة، بينهم محمد فايز فرحات وعبد المنعم سعيد، لم تعد الحدود الإقليمية المشتركة تشكل في القرن21 شرطاً ضرورياً لقيام كتل إقليمية، في ظل قدرة المصلحة الاقتصادية المشتركة في شرق المتوسط على تقليص تأثير الاختلافات بين الدول والشعوب، وتوفير قاعدة لإقامة ساحة من الازدهار المتبادل.

تطور هوية شرق أوسطية. تترافق المصالح المشتركة في شرق المتوسط مع حوار متزايد في دول المنطقة بشأن روحية إقليمية مشتركة والحاجة إلى تقارب متبادل بين شعوب المنطقة. في الشأن الإسرائيلي، تطوير العلاقات في شرق بحر المتوسط يشكل مكوناً في العجلة الحالية “لحلف الأطراف” الذي كان هدفه في الأصل التغلب على عزلة إسرائيل الإقليمية. في الشأن المصري، الانتماء إلى شرق المتوسط يصور كبداية لانتقال مصر من أزمة إلى ازدهار اقتصادي، وأيضاَ فرصة لتعزيز مكانة مصر كقائدة في الساحتين الإقليمية والدولية، كما جرى التعبير عن ذلك، بين أمور أخرى، من خلال إنشاء هيئة الغاز في القاهرة. اليونان تسعى هي أيضاً لدور مركزي في المنطقة في ضوء الميزات الناجمة عن انضمامها إلى حلف الناتو وإلى الاتحاد الأوروبي. في الشأنين اليوناني والقبرصي، الافتراض هو أنه من خلال التعاون في شرق البحر المتوسط ستتمكن الدولتان من التغلب على جزء من الانعكاسات السلبية الناجمة عن التدني العددي-الديموغرافي مقابل تركيا.

دلالات

على الرغم من التصريح بأن المنتدى مفتوح أمام دول أُخرى، فإن اللقاء في القاهرة لم يضم ممثلين عن تركيا ولبنان وسورية. وغياب هذه الدول ليس مفاجئاً، بسبب الخلافات بشأن حقول الغاز بين تركيا وقبرص، وبين لبنان وإسرائيل، لكنها نموذج عن الحدود التي يجري داخلها التعاون في شرق البحر المتوسط.
في هذا السياق يمكن الادعاء أنه كما يشكل الخوف من إيران عاملاً يدفع إلى التقارب بين إسرائيل ودول الخليج العربية، كذلك أيضاَ التحدي التركي هو العامل الذي يقرب العلاقات بين إسرائيل واليونان وقبرص ومصر في شرق البحر المتوسط.
يثير المنتدى انتقادات وسط الإخوان المسلمين في مصر والاتحادات النقابية في الأردن التي وقفت ضد الدفع قدماً بالتطبيع مع إسرائيل، كما يتجلى من خلال إقامة هيئة إقليمية إسرائيل عضو فيها إلى جانب أعضاء عرب. مع ذلك، هناك عدد من العوامل التي تعمل لمصلحة الائتلاف الإقليمي الجديد وهي: المصالح الاقتصادية العميقة الموجودة وراء التعاون في مجال الطاقة؛ اقتصار عمل المنتدى على مسائل محسوسة في مجال الغاز؛ استعداد السلطة الفلسطينية للقيام بدور في المنتدى، وبالتالي إعطاء الشرعية لانضمام الأردن ومصر؛ إصرار مصر على تعزيز مكانتها كمركز للطاقة الإقليمية وسلب هذه الورقة من تركيا؛ الدعم الفعال لكل من اليونان وقبرص وإيطاليا للخطوة، وتأييد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
حتى الآن تركز الدول على المصالح البراغماتية التي ينطوي عليها منتدى الغاز، لكنها امتنعت من الربط بينها وبين مسائل إقليمية مشتركة لها علاقة بالتاريخ والثقافة في البحرالمتوسط، أو لها علاقة بضرورة تطوير العلاقات بين شعوبه. بالإضافة إلى ذلك حرصت الدول العربية الأعضاء في المنتدى- وفي طليعتها الأردن ومصر- على المحافظة على البقاء بعيداً عن الأضواء في تغطية إنشاء المنتدى.
وفعلاً، للمنتدى قيمة اقتصادية ورمزية مهمة، لكن من أجل أن يُستخدم كقاعدة لتطوير إقليمي استراتيجي على المدى البعيد، يجب تحقيق هدفين إضافيين: تعزيز الاعتراف الإقليمي- وخصوصاً لدى الدول العربية- بالأهمية التي تنطوي عليها علاقات التعاون التي تشمل إسرائيل في شرق البحر المتوسط وزيادة التفاعل الإنساني والمدني بين مجمل شعوب المنطقة؛ ومواصلة تطوير مفاهيم مجال إقليمي مشترك.

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole