فكرة “الإسلامية” وقيود الأسر؟

Spread the love

بقلم: بكر أبو بكر* — ليس الاسلام كإسلام يعنى بالضرورة ما نفهمه نحن ، وأقصد بنحن فئات الناس أو جماعات المسلمين المتعددة،كلٌ لوحده، وافتراض أن الإسلام يختلف وعيه حسب الأفهام هو افتراض عقلاني لسبب أن الله خلقنا مختلفين في الشكل والجسم والنفس واللسان وبالطبع في طرائق التفكير، وإن أضفنا لذلك عوامل البيئة والتنشئة و التعليم والوعي يصبح لا مناص من القول ما هو منطقي إن الأفكار متعددة عامة ومنها ذات الفهم لمعنى الاسلام.
إن الاسلام واحد، وحدده القرآن الكريم بكثير من الآيات الكريمة، كما أن الرسول (ص) قد عرّف المسلم وجاء الفقهاء ليعرّفوا الدين الاسلامي بالأركان الخمسة والإيمانيات الغيبية الستة، ما جعلوها قاعدة التعريف للإسلام وأصوله العقدية المرتبطة بالقاعدة الأولى وهي التوحيد الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مع ما يشتمله الاسلام من قيم إنسانية وقواعد.
ما يضاف للإسلام اليوم عدا توقّف التعريف عند حد ما ذُكر هو اعتبار كل شخص أو مجتهد أوجماعة أو جهة أو تنظيم (حزبي/ديني) اليوم في الكثير منهم أنه لمجرد أن يطلق أو تطلق الجهة على نفسها صفة (إسلامية) -وما هي بالإسلامية- تفترض أن هذه الصفة أو العلامة المسجلة تشفع لها لتطويح عقل المتلقي في الاتجاه الذي تريد، فيصبح الاسلام هو إسلامهم هُم فقط بمعنى الكيفية التي يعرّفونه بها، وتسقط التعريفات للتنظيمات الأخرى (أنظر معارك الميدان والفكر بين التنظيمات الاسلاموية في حرب أفغانستان (1979-1989) وما تلاها، ثم في الجزائر خاصة فترة العشرية السوداء (1992-2002م)، وحاليا في كل من العراق وسوريا وليبيا والسودان وفلسطين ومصر والصومال ونيجيريا…) لأن الجزئيات أو الفروع (الفقهية) عند أمثال هؤلاء تتراكب معا لتصبح هي المحدّد للتصنيف لمن لا يؤمن ب”الشريعة” – كما يرونها – أو “الخلافة” أو “الجهاد” أو”الحدود” أو”الحجاب” أو”الولاء والبراء والاستعلاء”…الخ، بتعاريفهم بالطبع ، فالمخالف عندهم هو إما خارج المِلّة (الدين) أو خارج المذهب، أو هو على الأقل ضمن فئات أخرى مرتدة أو علمانية أو من ذوي الأهواء والبدع أو أي من الصفات التي يطلقونها على المسلم الآخر، لتعنى بعُرفهم اسقاط عضوية المسلم من أمة المسلمين أو في الحد الأدنى من ربقة دينهم الجديد المتمثل بهم والمسمى ضلالا منهم (اسلامية) .
إن الاسلام نظام كوني شامل، وناموس إلهي توحيدي يتحكم بالبشر والعالمين والكون ، ويفطر الناس عليه كما قال خير البرية عليه الصلاة والسلام (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وهذه الفطرة هي الإسلام كما قال ابن حجر نقلا عن ابن عبد البر، وهو النظام الميزان العادل الذي يسيّر الكائنات جميعا، لذا فهي تسبّح بحمده -أفعلها الانسان أم لم يفعل- (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا (44) الاسراء)، ومن هنا تظهر كثير من التعريفات الهامة التي تعطي الدين بُعدا عالميا و كونيا متى ما كان التوحيد والاجتهاد من قواعده، وبناء عليه فإن الاسلام هو هو منذ آدم حتى اليوم وإن اختلفت التعبيرات الطقوسية و الفروع.
أن نتفق مع الأمم الاخرى في الشعائر المنبثقة عن العقائد، وفي بعض اليقينيات الايمانية ما هي أصول أسلامنا فهذا واقع ولكن أن ننفى عن الأمم الأخرى أو الاديان الأخرى امتلاكها نظرة قد لا نقرّها لشكل الوحدانية فهذا ظلم للعقل وعدم وعي بطبيعة الاسلام الكوني، فما بيننا من متفقات الكثير سواء في الأصل أو فيما يجمعنا.
لماذا نحن مختلفون كمسلمين اليوم؟ وأين من الممكن أن نكون متفقين مع الأديان الأخرى؟ قد يستعجل البعض للقول أن الديانات الابراهيمية الثلاثة (يقولون أنها ثلاثة ومنسوبة لإبراهيم) تتفق بالتوحيد! ما يعزل أديان أخرى تؤمن بالتوحيد على طريقتها ربما بالتعريف ما لا نتفق معه، والأصوب بفهمنا أو رأينا أننا نتفق مع معظم الاديان والأمم بكثير من (القيم) المشتركة بشريا، وكثير من طرق (التعامل) وربما بالتوحيد، وإن اختلفت التعبيرات مما لا نقره ضمن عقائدنا بالطبع، ولهم دينهم هنا ولنا ديننا، ما يجعل المساق الديني مع معظم أمم الأرض (اقترابي) وليس (افتراقي).
يعود الاختلاف هنا –بعيدا عن العقائد- في النظرة للاحتياجات اليومية البشرية الاجتماعية وسياسات الدول ومفهوم الحرب والسلم…الخ على أساس إنساني عالمي مُباح وخاضع للنظرة المصلحية المتاحة مهما كانت المرجعيات الفكرية وما يُتيحه الاسلام حينما وضع (الشريعة) حيث تكون المصلحة، وحينما جعل الاجتهاد بالتعددية في الفروع أمرا مقبولا وشأن الناس يدخل في هذا الباب، فما بالك بمن يطرد المسلمين الآخرين من خارج كومته أو جماعته أو مذهبه (أو طائفته) أو تنظيمية لمجرد أنه اختلف معهم؟ في هذه النظرات (الفرعية) سواء لدور الدين في الحياة والسلطة والمجتمع والحكم والسياسية والاقتصاد أو بمدى اتساعه وشموليته ورحابته، أو ببساطة لأنهم يخالفوني في (فهمي –ما أفهمه حصريا بالاسلام حتى بالجزئيات) أنا كشخص أو تنظيم (إسلامي) لما اعتبره أصول الإسلام؟
إن الاسلام واحد كما جاء به الله عز وجل في القرآن الكريم وعبر رسوله الكريم، ولكن اختلاف أفهام العقول قد يُعدّد التعبيرات ما دون “الأصول” العقدية وتحديدها، فإن كانت الأصول أعظمها التوحيد فنتفق مع معظم البشرية حتى لو أضفنا لها الكونية والبشرية والتعددية، وإن اقتصر فهمنا على أركاننا الخمسة وعقائدنا الايمانية الستة فميّزنا أنفسنا وهذا ما هو مفهوم وضروري ولكنه لا يتيح بالمقابل إلا الوعي أن درجات الالتقاء مع الآخر المختلف في (القيم) وأشكال (التعامل) أي في الشأن البشري الواسع (لتعارفوا) هي كبيرة جدا ما يجب أن نسعى لتصعيدها لا لتصغيرها أو البحث عن مبررات تضخيمها، ونبني عليها-كتنظيمات إسلاموية عنيفة- بأن نشحذ السيوف لنجزّ رقاب المخالفين! فبدلا من أن ندخل بهم الجنة ببذل الجهد الواسع (الجهاد) لهدايتهم نختار الطريق الأسهل فنجز رقابهم لندخل بهم الجنة؟.
البحث في نقاط الالتقاء مع الآخر المختلف لا تلغي التميّز، فكل أمة ترغب بتميزها ونحن لنا ما نتميز به في إطار التنوع الجميل الكثير سواء في الطقوس أو المظاهر،والآخرين لهم، ولنا أن نرى فيه اعترافا بحقيقة إلهية ، وقاعدة تقدّر الاختلاف والتنوع والتعدد الذي يجب أن يكون فيه مجلبة لمصلحة الانسان وليس دمارا للروح البشرية، وفي هذا السياق يصبح التميّز عامل قوة لا عامل استعلاء واستكبار ضد الآخر، وإنما عامل استعلاء وبراء من الشر في ذواتنا ونفوسنا حيث الشيطان قريننا وحيث يصبح (الجهاد الأكبر) هو في داخلي و(الجهاد الكبير) هو بالقرآن الكريم ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً-الفرقان (52)﴾، فما بالك من يضع العقدة بالمنشار متعمدا ليعود فيحوصل الاسلام ويقولبه ويفكرِنه (ويؤدلجة) فقط في مجموعة من الأسس أوالقواعد العشرين أو الثلاثين التي يجعلها بقدسية القرآن الكريم والدين فينفى (إسلام) أو (إسلامية) الآخرين لمجرد المخالفة.
فيما بين البشر مساحات اتفاق واسعة أشار لها الله سبحانه وتعالي في القرآن الكريم حيث الحث على التعارف والتآلف والعمل معا في حقيقة الاستخلاف والعبادة وإعمار الأرض (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير-الحجرات 7 ) ما يجعل من “الملتقيات” بين الناس أكثر من “المبعّدات” ، وما هو بالفعل حاصل بين الأمم، إلا في عقول القلّة التي تكمن في داخلها وتستبطن العداء لكل ما هو مختلف عنها، ظانّة كل الظن أن مفهوم الولاء والبراء والاستعلاء يعني الحرب على الناس المختلفين (سواء كانوا الكفار أو غيرهم ) وليس على ذات الفعل المتمثل بكفرهم أوضلالهم ما يجب أن نجهد معا لهدايتهم، هذا من الأمم الأخرى لا الحقد عليهم وحربهم وقتلهم.
في المقابل يدخل مفهوم البراء والقتل حتى ضد المسلمين الآخرين ليصبح الحل في تكمين (من الكمون) الحقد وتوريثه، أو إعمال السيف في الآخرين حين (التمكين) ضاربين بعرض الحائط (الجهاد) بمعانيه المختلفة وبمعناه الأكبر (جهاد النفس) والكبير(بالقرآن)، وضاربين بعرض الحائط الإحسان، وحُسن الدعوة حتى لفرعون ومن هو جبار أكثر من فرعون كفرا وطغيانا وعدوانا؟ ومع ذلك قال الله تعالى لرسوليه موسى وهارون معا (فقولا له قولا لينا لعلّه يتذكر أو يخشى-طه (44) ) لماذا ؟ تصور الرفق والمحبة والبحث عن الهداية وإمكانية الالتقاء لعلّنا نصل إليها، تقول الآية الكريمة معلّلة (لعلّه يتذكر أو يخشى… ) ومن هنا تصبح حتى العدوانية والطغيان والظلم كمبررات للقتال تحتاج لمراحل حتى نصل فيها للإذن بدفع الظلم عبر القتال (كشكل من أشكال الجهاد) وفق الآية العظيمة (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز (40 )-سورة الحج).[1]
لسنا في حرب دائمة وأبدية ومفتوحة مع الآخرين كشخص أو مجتمع أو جماعات أو دول أو رأي، وما المطلوب منا تجريد السلاح لقتل المخالف مهما كان تصنيفه أو بتصنيفه ، إلا أن اعتدى علينا (ترك العادل عمر بن عبدالعزيز حتى الخوارج لشأنهم إلا إن رفعوا السيف ضد الدولة والمجتمع) كما قال معظم شيوخنا وأمتنا، ومفكرينا وحتى في هذه -أي الحرب وخوض القتال- فإن (التقدير) للأمور يحتاج لعقل راجح ورأي متزن مرتبط بالقيادة (أولى الأمر/الشورى/الديمقراطية) في الدولة وعبر الدستور والقانون، وكل هذا ما دام قد وقع في الفروع الدينية وارتبط بالعقل، وعليه فإنه ب(التقدير) ما هو شأن انساني فأنت قد تصيب وقد تخطئ.
إن فكرة الإقصاء للآخر المرتبط بمنهج التقديس للذات سواء الذات الشخصية أو التنظيمية (للجماعة أو الفرقة أو الطائفة أو الحزب..) لم يعهده تاريخ معظم المجتهدين والفقهاء والمفكرين في التاريخ الإسلامي الفكري-ألا ما ندر- وهي دخيلة علينا من أقبية فكر فرقة الحشاشين والتنظيمات الباطنية والفكر الخارجي على الاسلام وعلى المسلمين وبدأت تتعملق وتكبر في ظل ماذا ؟ أتعلمون ؟ لقد بدأت تتعملق ليس لوجود المتشددين والأحزاب التي تسبغ على نفسها صفة (الاسلامية) دونا عن المسلمين أو دونا عن العالم، وإنما لأننا رجعنا للخلف بخطوات واسعة فقدّسنا ما كان يجب تنقيته، والأخذ منه وبحذر وفق منهج علمي، ووفق تطور العلوم العقلية والبحثية التجريبية ، ولأننا تركنا العلم وأهنّا (من الإهانة) العلماء والمفكرين والمبدعين والمصلحين والفقهاء المتنورين واعتبرنا أن هذا العلم (الدنيوي) الذي يصنع الدول والأمم والحضارات والإمبراطوريات (ومنها الحضارة العربية الاسلامية فيما مضى) ثانوي (؟!) (فالأساسي هو العلم الديني!) أمام انخراط شذّاذ الأمة في يأس النهوض والحقد على الآخر وانعدام (الجهاد) باللحاق به، وفكرة أننا الأفضل-نحن فقط بالجنة- ويجب قتل الآخر الأقل منا-فهو بالنار-؟ إذ كيف له أن يتفوق علينا أصلا؟ ونحن أهل الحق لوحدنا؟ إضافة الى انخراط الأمة في الماضوي من التفكير الكسول دون المستقبلي من البناء، وفي إنشغال هوامش الأمة فقط في مبطلات الصلاة والمرأة الناقصة في كل شيء، و(الإسلامية) بالسيف ضد من ينكر (الشريعة) كما يريدونها أو يقولبونها، وكأنها تميمة وأيقونة لم يعد الفهم لها يعني العدل ما يبتغيه الإسلام، ولم يعد الفهم لها حيث مصلحة الناس تكون الشريعة،[2] ولم يعد الفهم هو حسن الاستخلاف وإعمار الدنيا للناس أجمعين بالفيزياء والكيمياء والهندسة والطب والأحياء….، واكتفينا بالتحول إلى شحاذين مستهلكين بؤساء نقتات على إبداعات وصناعات وأفكار ومنتجات الآخرين، وتحولنا الى مخلفات بشرية مستهلكة فقط لكنها ويا للعجب تمتلك من العزّة الفارغة التي لا تدفع للغيرة المحمودة فننهض للعمل والجهاد والعلم، وإنما دفعتنا لأن نظن كل الظن -وهذا كل الإثم أنهم يصنعون لنا فنحن الأطهار ونحن الأخيار ونحن ركّاب الجنة لمجرد أننا مسلمين أو لمجرد أننا مرتبطين بهذه الجماعة المقدسة أو المنزهة أو الاقصائية للآخر أكان مسلما أو غير مسلم؟
إن الاسلام وحّد والبشرية بالتوحيد والعمل والقيم، وحدها بالإعمار والإنسانية والتعايش والتسامح والمحبة وتكبير عوامل الالتقاء، واستمرار الصراع بين الحق والخير ليمتحن الجميع،[3] وجعل الكون مرتبط به كليا، والمسلمين كما عرّفهم الرسول عليه السلام لهم شروط بالعبادة والإيمان والمعاملات والأخلاق (كان خلقه القرآن) تبغى تحقيق العبادة والتوحيد والإحسان والاستخلاف والأعمار، وليس الدمار بالبحث ولو عن الإبرة في أكوام القش لنجد المختلِف بيننا؟ بينما الحق هو في البحث عن المشترك للنفاذ منه فنجاهد لتكبيره وزيادة أمّة الخير، وهذا هو الفهم (الاسلامي) الواعي حيث تزدان الحديقة بمختلف أنواع الزهور ولا نقتصر على الياسمين فقط ونطرد الآخرين ممن يحملون ألوان الزهور الأخرى.
إن (الاسلامية) وإن كان المصطلح مبتدعا وجديدا لم يتعامل به المسلمون فيما مضى[4] إلا أنه أصبح متداولا وتعرّف به كثير من القيادات نفسها اليوم كما التنظيمات برغبة التميّز للذات أو الفهم، أو لغرض الاقصاء للآخر والتقديس للجماعة، أو إيجاد مسافة عن غيرها سواء من مذاهب وطوائف المسلمين أو حتى من ذات الطائفة، بل وأيضا من ذات التنظيمات المتشابهة، (أنظر الحال في التنظيمات الإسلاموية في سوريا اليوم من عام 2011- 2015) ومبرر الاختلاف غالبا ما يكون بالشأن الإنساني الذي لا يدخل أبدا في أصول العقيدة أو الأركان،[5] ولكنه يتعملق ويتفكرن (يتأدلج) ضمن (المفهوم) الذي يخصّ ولا يعم، فيصبح هذا الشخص أو التنظيم – كما يظن بذاته – أنه (الإسلامي) وقد يقبل معه على مضض فصائل أخرى أن تحالفت معه في الشأن اليومي السياسي، وما حقيقة جلّ الاختلافات إلا سلطوية دنيوية وتتحكم بها الأهواء الذاتية وحب الرياسة والنزق.
إن (الاسلامية) إن جاز استخدامها هي تعبير عن عقل انساني منفتح يفهم الدين السمح بسماحته ورحابته ومحبته للذات المتميزة والآخر الانساني والكوني ككل، ورغبته في البحث عن الممكن ونقاط الالتقاء وتكبير حجم “المتّفقات” بيننا وتقليص حجم “المختلفات” والانطلاق نحو قاعدة الإعمار بالعمل، لا التنظير فقط، وبالعمل لخدمه الدين نعم بخدمة الناس، لخدمة الاسلام نعم بالعلم النافع لبناء الدنيا وبناء الآخرة، لا البحث في شوائب القديم الماضوي الرّث، وبعثه بشخوصه دون تمحيص كأنه قرآن جديد نتيجة هذه الأفهام القاصرة والمتعصبة والمغلقة.
(الإسلامية) هي قدرة كل مسلم بل وكل إنسان إن يتبحّر ، و أن يتصفح وأن يبحث (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا-سبأ46) (أفلا تتفكرون)[6] وأن يتأمل وأن يبدع، وأن يجاهد وأن يسمع فيستجيب، وأن يتعلم ما يفيده ويفيد دينه وأمته، والبشرية وفي الأخيرة “المتفقات” كثيرة ويجب تعظيمها، لذا لن نُقر أن يقتصر المفهوم من تنظيمات السوء الاقصائية أن تحبس الإسلام العظيم في فهمها أوفي معتقلها، وتفترض أن (الإسلام) و (المسلمين) و (الإسلامية) هُم دون سواهم فيما أن الحقيقة هي أن المسلمين كلنا، وفيما أن (الإسلامية) هي أنا ونحن الكلية بعقولنا مهما كان حجم اقتراب أي منا من الدين ومهما كان رأي أي منا السياسي .
إن تقييد الفهم (الإسلامي) وربطه بفكرة محددة أو (بفهم) قاصر لفصيل أو تنظيم أو جماعة أوشخص هو احتقار واضح لخلق الله ، واحتقار واضح للميّزة والخاصية التي خصّنا بها الله دون سائر الكائنات التي تتميز علينا بالتسبيح الدائم ألا وهي ميزة العقل والميزان، أفنكون كالأنعام بل أضل! كما يقول الله سبحانه وتعالى أم نضئ مشاعل عقولنا بالفكر والتأمل والبحث والدرس والعلم وبالتبيّن والحجة والرشد “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”(محمد-24 )

[1] بالآية حيث “الله على نصرهم لقدير” قد يكون نصر الله بطرق عديدة مثل الدعوة والقدوة والحوار بالحجة والعلم والحضارة والموعظة الحسنة التي قد ترد الظالم عن ظلمه…الخ، أو بان ينزل الله عقابه على الظالم مثلا بصاعقة أو زلزال كما فعل بقوم ثمود وعاد وبني اسرائيل العرب اليمنيين المنقرضين الذين عذبهم ، والعديد من هذه الأقوام ، او قد يكون بالسيف ( القتال )، وأشكال أخرى قد لا نعيها أو نراها حيث لله جنود كثر ، المهم هنا ان النصر من عند الله بالشكل الذي يراه جل وعلى.

[2] قال ابن عقيل (السياسة ما كان من الافعال بحيث يكون الناس معه اقرب الى الصلاح وابعد عن الفساد وإن لم يشرعه الرسول – ولا نزل به وحي) وتضيف الموسوعة الاسلامية الشاملة بالقول (إذا ظهرت أمارات الحق وقامت ادلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه ورضاه وامره)، وقال الشيخ يوسف القرضاوي: (أما العبارة التي تتردد على كثير من الألسنة والأقلام اليوم، والتي تقول: “حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله” فلا تؤخذ على إطلاقها، وإنما تقبل فيما لم يحكم فيه نص صحيح صريح، وهذا هو مجال المصلحة التي عرفت لدى الأصوليين بـ “المصلحة المرسلة” وهي التي لم يرد نص شرعي خاص باعتبارها ولا بإلغائها، وقد اشترط للعمل بهذه المصلحة شروطا، أولها وأهمها: ألا تعارض نصا محكما، ولا قاعدة قطعية، وإلا كانت مهدرة ملغاة.)

[3] يقول الله تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين-(البقرة-251 ) ) وفي الأخرى في سورة الحج ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً﴾ حيث يفسر الشيخ النابلسي الآية بالقول: (هذه الآية واسعة جداً في تعدّد معانيها) ليذكر (وهناك معنى آخر للآية: ربنا عزَّ وجل رحمةً بالضِعَاف يقيم قِوى متوازنة، أحياناً تكون قوَّتان كبيرتان ؛ هاتان القوَّتان الكبيرتان ضمانةٌ للضِعاف، فلو أنها قوةٌ واحدة لأكلت الجميع، من معاني هذه الآية أن هناك توازن في القوى دائماً هو من فعل الله سبحانه وتعالى، رحمةً بالضِعاف، حتى على مستوى غير الجهاد، على مستوى الاقتصاد أحياناً شركتان تنتجان سلعةً واحدة، هاتان الشركتان تتنافسان لجلب المشترين، فكل واحدة تُحَسِّن بضاعتها وتخفض أسعارها، فهذه رحمة، التوازن في كل شيء رحمة، فهذه الآية تشير إلى معنى التوازن) ونضيف للقول أيضا حديث الشيخ د.راتب النابلسي في سورة الحج ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا لأنه يحبُّهم، ولماذا يحبهم ؟ لأنهم أدَّوا الأمانة، ولأنهم شكروا النعمة، بينما أعداؤهم الكفَّار لا يحبُّهم، لماذا لا يحبُّهم ؟ لأنهم خانوا الأمانة وكفروا النعمة، وهاتان صفتان أساسيَّتان من صفات الكفر، خيانة الأمانة وجحود النعمة..﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)﴾

[4] أول من استخدم المصطلح هو الامام أبوالحسن الأشعري (260-324هـ) في كتابه عن الفرق المختلفة تحت عنوان (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)، وفي الكتاب مقالات خاصة بأفكار وأصول كثير من الفرق الإسلامية، ويشتمل على كثير من الردود على الشيعة، والخوارج، والمرجئة، والمعتزلة، ويبين فيه المؤلف مزاعم المبطلين المكذبين من الفرق، كما يوضح فيه مذهب أهل الحق وطريقهم، رادًّا ذلك كله إلى الكتاب والسنة. ويفيد الكتاب في معرفة الديانات والتمييز بينها من معرفة المذاهب والمقالات.

[5] في فترة ما بعد انشقاق الأمة على الأمور السياسية والسلطة المختلف عليها في الفتنة بين الامام علي ومعاوية اللذان لم يكفر أحدهما الآخر أبدا، ظهرت عشرات بل مئات الفرق التي أدخلت عقائد الالوهية والنبوة لأشخاصها وغيرها من الخلافات العقدية لتخرج كثير منها من ربقة الإسلام.

[6] (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ (الأنعام50) ، ويقول الله تعالى في العقل (أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ (البقرة44) وآيات اخرى كثيرة)، (وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا ، أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) (السجدة4).

*كاتب وباحث فلسطيني.

Optimized by Optimole