امرأة ممسوسة بالعشق

Spread the love

قصة قصيرة** بقلم: حيدر الأسدي |
حينما تنام العيون جميعها تبقى عيونها ساهرة لأنها تحمل شيئا من العشق والوله، فتاة شابة لم تتجاوز الثلاثين بروح عارية منحته كل عطايا الحب فمنحها الخواء والفراغ كان يناديها جميلة الجميلات ، اما ان لك ان تعودي كما كنت طفلة نزقة جميلة تتقافز من محياها السعادات وتلثم ثغرها بسمات ضوء الصباح فتنتشر السعادة في حدائق الامكنة… ايتها الجميلة قلبا وروحا اما ان الاوان ان تعود روحك لهذا الجسد المدنس من خيانة الحبيب الغادر بوطن عمره 26 ربيعاً ، اما ان الأوان ان تعود روحك مصدرا لسعادات الاخرين فالشوارع مظلمة والامكنة تضييق تضيق ولا تتسع سوى مساحات الوطن الافتراضي…وطن استبدلناه وتحول اخلاصنا له بعد ان خنا الوطن الواقع او خاننا ، لا ملجئ سوى لهذا الوطن الجديد الوطن الوهم ، ولانه وطننا وملاذنا ، تعود ان يجلس يومياً ، بعد ان يفرغ من اعماله يجلس امام كون فسيح ، وعوالم متغايرة ، ازرار ونوافذ لا متناهية ، يحدث ان تتلاقى الارواح الاثيرية عبر القارات ، حديث عابر او علاقة زائفة ، او تسوق ، كبسة الزر تلك ربما غيرت حياته ، الضوء الاخضر المعلق اعلى الوطن الافتراضي كان مشعاً ، تماما برزت عوالم هذا الوطن امامه دونما رغبة مسبقة ، محاورة غريبة بدأت بتعارف بسيطة والصدفة التي جمعتهما ضمن نطاق الوطن الافتراضي ، دونما ذاكرة مسبقة ، ولانها امراة ممسومة بالحب لم تعد تجيد فن المحادثات بالازرار الصناعية ، هي تعتقد ان الصوت اقرب للقلب من الحرف المكتوب ، لم يعرف منها سوى عمرها القصير وانها استاذة جامعية ( موقتة) في احدى البلدان العربية ، باغتته باتصال تردد في بادئ الامر فليس من عاداته ان يكون معالجاً نفسياً او طبيب حب ، هو الاخر مرتبط بزوجة ومستقر شكلياً على الاقل ، عاودت الاتصال مرة ومرتين …واخيراً استسلم لفكرة الرد ، بعد حديث قصير ليس الا انفجرت الحوارات والاسئلة الصاخبة وامتلئ الحديث بالوجع. – ممكن ان اسالك سؤالاً؟ -تفضلي؟ ما سبب وجودنا في هذا الكون …غير عبادة الله ؟ صمت لحظات وعاد فأجابها : -التعايش ، التواصل مع الاخرين ، فما فائدة وجود الانسان لولا الاخر…الانسان كائن اجتماعي فالان لو كان بيده كل مقدرات الكون لن يكون سعيدا دونما الاخرين .. الفتاة: الاخرون جحيم…الم تقرأ لسارتر؟ -هو : الاخرون سبب لاستمرارنا بالحياة …لولاهما ينعدم معنى الوجود الاجتماعي! ودونما مقدمات ، رمت بوجهه كلام اقسي وافظع…كيف يتعايش مع هذا الوضع امثالي.. -وما بك كل الظروف المثالية متوفرة لديك.. -انا مصابة باربع امراض ومريضة عقلية .. هو : كيف لشخصية مثقفة وتحمل الماجستير في الادب وتتكلم بهذه اللغة العالية ان تقول عن نفسها بانها مريضة عقلية …! ربما تعانين العزلة او الاوهام النفسية … -بل مريضة عقلية…! -المرضى العقليون يختلفون عن المرضى النفسيون؟ -انا مريضة بسببي انا وحسب….! اهلكت عقلي واستنفذته بالتفكير…فتاة يتيمة لا احد سواي مع عزلتي…واستنزفت عقلي بالتفكير، حتى اني مرارا اعتبر النوم اهانة لعقلي ، كما اني انجزت بحوثا متعبة وتختلف عن بقية الطلبة لاتميز ولكنها اكلت من جرف عقلي الكثير…صمت رهيب يدب في منتصف الحوارية يقطع ما كانا يسترسلان به لترمي بكلمة محاولة تلطيف الاجواء… -لا عليك اسمع مني هذه الدعابة ، قبل ايام شاهدني احد اصدقائي الاطباء قال لي كيفك قلت له …الحمد لله قال الحمد لله الان اصبحت اسلامية ضحكنا كثيرا وقتها ، لانه يعرف باني من اصحاب الرايات الحمراء..قاطعها بلطف ( الشيوعية؟) هي بكل ثقة : الشيوعية جميلة ولكن اسيء استخدامها. هو : مثل النظرية الاسلامية تماما ايضا اسيء استخدامها. هي : قرات المئات من الكتب…وتعرفت على عوالم عدة…بالمناسبة هل ممكن ان ازور مدينتك قريباَ… هو : نعم بالامكان هي: هل تجعلني اسكن فندقا..ام ماذ؟ هو: مدينتي مدينة كرم لا يمكن ذلك ، فعيوننا هي فنادق القادمين دائما… ساعات تمر ، وتمضي وهو ينتظر اشتعال اشارة المرور الافتراضي القابع في راسه في هذه المدينة الافتراضية التي يسكنها العالم ، يتحين الفرص ليجمع شتات الكلام ليكتب عن فتاة غريبة الاطوار. هي مرة اخرى : انا مستاءة جداً ، الان تقام طقوس زفاف بالقرب من داري …ويطلقون العيارات النارية دون حياء .. هو : ذات الشيء يحصل هنا. هي: قبل قليل حملت السلاح وخرجت وقلت لهم ان استمر اطلاق النار ساطلق رصاص حقيقي بصدوركم…توقفوا..توقفوا…..المهم اترك عنك هذا الهراء اود ان اطلب منك طلب …! هو : تفضلي ؟ هي :هل تملك اغان لسيف عبد الجبار؟ ام انك لا تسمعها… ضحك كثيراً ، قال لها سابحث لك عبر الانترنت واتيك بالاغاني رغم اني لا اعرف مطربا بهذا الاسم ولا اسمع الاغاني المعاصرة ، لتفاهتها في الاونة الاخيرة وانحطاط اغلبها ..هو: هل تملكين مواهب اخرى غير الاستماع للاغاني ، ضحكا ، واستغرقا كثيرا في الثرثرة التي لا جدوى منها ، ثرثرة كلامية أي سامع لها من عوام الناس سيدرك ان من يتحاوران هما مجنونان مصابان بلوثة عقلية ، تقاطعه بالعودة على مواهبها وتوضح له عشقها للريف وانها فارسة ، تمتطي الخيول ، حتى انها ذات مرة فعلت ذلك وسط الجامعة بعد ان تركت حقيبتها جنبا لم تتمالك نفسها وهي ترى الخيول المعدة لسباق رياضي تتجول في ساحة الجامعة الرياضية ، فما كان منها الا ان تتصدى لاحد الخيول وتروضه وتمتطيه كانها فارسة وسط زحام الجامعة وطلبتها ، أي فتاة مجنونة هذه تفعل ذلك في مجتمع قبلي عربي وامام الجميع ، تقول عن نفسها فارسة ، لا تقيدها الجبال ولا الاودية ولا الغابات ، وتعشق مصاحبة الخيول لانه حيوان صديق، تنطفا اضواء المدينة الافتراضية ولا ينام سكانها ، بل راحة موقتة تهيؤهم لحوارات قادمة اقسى ضراوة عبر هذا الوطن الافتراضي الذي لا يقل خيانة عن الوطن الواقعي ، الخيانات اعظم هنا في هذا الوطن الافتراضي ، تعاود هذه المرة الحوار هي متقصدة ان تفتح المواضيع دونما مقدمات فقد اخذها شغف الحديث معه بهذا الوطن الافتراضي وعبر مساحات طويلة تفصل بينهما ، الا انهما يجتمعان عبر كبسات الزر والشاشة الرابضة امامهما وحروف الكيبورد الماجنة. هي: احببته كما لم يحب احدا مثلي من قبل ، اعطيته كل شيء، كل الحب ، الحنان ، كل ما يمكن ان تعطيه البنت لرجل ، اقبل باطن يده قبل ان اغادر ، لم اعمل هذا حتى مع ابي ، ذات مرة تعرضت قدمه للجرح ، انحنيت وقبلتها ، اقدسه ، الحب عندي مقدس لذا كنت اقدسه ، اقبل جبينه ، اعشقه حد التماهي. هو : الرجال خونة مثل الساسة. ولكن للان لم اعرف لماذا تركك دونما سبب؟ هي : سيغادر للندن فهو يعشقها! هو: ولما لا تذهبي معه ، ما الضير . صمت يلف الحوار ويغلفه بالاسى ، حتى تعاود اجابته بانها ابنة مجاهد وعائلية ثورية ، مات ابيها وظهره مثخن بالجراحات من عذابات الاستعمار الغربي ، وانهم قتلوا من اسرتها الكثير وعذبوهم ، لن اذهب لبلاد الغرب على جثتي هكذا صرخت وهي تحاوره بتشنج كبير ، ومع نفسها حيرة الاسئلة ودوامة الغموض تسيير وتلوح لغد اشد غموضا ، كيف لشخص تمنحه كل هذا الحب ان تنساه بكل سهولة كما يطلب ذلك المقربين وانت ايها الصديق الافتراضي عبر هذا الوطن الافتراضي الملعون، هل تعي ما اقول ، لقد عشت ادق التفاصيل مع هذا الانسان واشد اللحظات رومانسية ورقة ، لا قلة ذوق مني وانما بسبب حبي وشغفي به ، ولكني ادرك انه سيرجع كالكلب وساذله حينها ، لانني لست بعاهرة ، ويلي …انا اعشق تراب قدميه لم اقرف يوما منه ، كنت اقبل خده كلما دخل لمكتبه، كمية فضيعة من الحب كنت اكنه له ، منحته روحي وجسدي دون تردد، لم احبه لانني سيئة، لم انم معه لانني عاهرة ، فقط احببته…هل تسمعني انت ايها الكائن الافتراضي عبر هذا الوطن الملعون، بدت وكأنها تصرخ وحيدة بين اربع جدران ، نافذة الوطن قل بريقها واغلقت يبدو ان التواصل قد فقد بينهما…ويوم اخر اكثر شغفاً يجمعها…هما تعودا ان يتحاورا دونما وقت محدد صارا يتحينان الفرص للجلوس عبر نافذة هذا الوطن الافتراضي ، هي وبشكل فوضوي وكأنها اصيبت بصدمة او جاءت بالبشارة المدهشة…التقيته اليوم ، ما هذه الصدف المميتة ، ها انا احرس معه بذات قاعة الامتحان في الجامعة ، ها هو امامي الان ينظر لي من اخر الحجرة و انظر له من المكتب، نراقب بين صفوف الطلبة ،التقينا عند نفس المكان الاول الذي تعارفنا به، الكل صامت وغارق بين حروفه الا عيوننا ترسل العذال وشرارة الكلمات ، كانت عيوننا تحكي لبعض بقسوة دونما توقف، قررت ان اكلمه بعد ان ينتهي الامتحان مباشرة ، ذهبت لغرفته الخاصة وجدت بعض الطالبات اللواتي يشرف عليهن وبعد ان غادرت اخيرتهن اقتربت منه بتوجس كبير، تحدثنا بعد صمت طويل ، حدثته عن ادويتي ، فانا امراة مصابة بمرض عقلي كما تعلم، قال لي اوقفي تناولك لهذه الادوية فحالتك لا تتعلق بهذه الادوية ، ترجاني بلطف ان اغير الطبيب فورا ، كان يشير لي بان اذهب للعلاج عند طبيب نفسي ، كنت لحظتذاك انظر لوجهه بدقة وتمعن كبير وبالكاد كنت امسك دموعي ، وبعد برهة من الصمت قال لي لا تقولي ان ظروفك صعبة وهي من اوصلتك لهذا الحالة ، لو حكيت لك عن ظروفي ستنهاري لمجرد سماعها وحسب ، ولن تستطيعي ان تعيشي يوما واحدا تحت ضغوطها ، وبدء يسترسل شيئا فشيئا وكانت دموعي تنزل حتى الارض …تحدث عن طفولته التي عاشها يتيما ،قائلاً: كنت ادرس واعمل وتمر ليالي دون ان ناكل شيئا.وحكى على انه مضى عاماً كاملا بنفس السروال، وكان يدرس ويحل التمارين باوراق اكياس الاسمنت التي يعمل بتحميلها ، قال لها بعد كل هذا (هل ترين اني اصبحت طبيبا واستاذا جامعيا عبثا او دونما مقدمات؟) واسمحي لي ان اعترف لك بسر اخفيته عنك منذ فترة… ولا يعلم هذا السر سوى الله وامي ، انا مصاب بمرض سرطاني خبيث ، واني ساترك كل شيء خلفي واغادر الى لندن دون رجعة ، لوحدي ولا اريد احدا معي ساعمل بمركز ابحاث علمي واعود لسكني حتى اقضي اخر ايامي في البلد الذي كنت احلم بالعيش فيه من طفولتي ، ساكون هناك دون ان تزعجني ضوضاء هذه الحياة والقيل والقال ..حتى اولادي من طليقتي ساتركهم مع امهم ووالدتي ساتركها مع اخي الاكبر…علي ان اذهب الان ..قال الجملة الاخيرة وكادت روحي تنتزع عنوة من جسدي ، شعرت بكم الاسى الذي ينتابني والشعور الذي افقده ويصيبني الان لم يحدث معي سابقا ، دموعي كانت تهطل على الارض مباشرة وهو يهم بوضع القفل على باب غرفته لم اتماسك نفسي ولم اعرف اهتماما لمن حولي ، حضنته وقبلت خده كما كنت افعل سابقا ووجهي كان مليء بالدموع ، كنت اشعر بنبضه البطيء عبر قميصه ،لم يشأ حتى ان ينظر لوجهي ، كان يحدق بقفل الباب وحسب ولم يقل اكثر ، رحل وبقيت انا جثة هامدة ..انظر الست بجثة؟ هي انت ايها الكائن الم تنصت لحديثي …(نعم) ولكني بحيرة من امري ، قصتك تصلح كرواية ادبية …اه لو تخليت عن بؤسك قليلا لكنت اجمل بكثير بحياتك …هي بشيء من التسرع ، ربما لم اخبرك عن شيء ، انا من سلالة الزوهرية ارى ما لا تراه ….عمري لم استسلم للبؤس…انا زوهري شرير …(ضحكت وضحك معها هو ببعض الشيء من الخوف ) اتمنى ان لا تعاقبيني بشرك ، لتجيبه بلطفها المعتاد انا لا اؤذي احد ، ولكني أملك خادم لو رأيته لمت رعبا ،فاسق يعشق اذية الاخرين ، يحب الاذلال ولا يقدم خدمة بالمجان ، وقوي جدا وهو من سلالة الملوك ،كلما تعرض لي طردته شر طردة …هي انت ايها الكائن…جبان هرب كما يفعل الاخرون….ساعات تمر وايام تلاحقها …ولازالت نافذة هذا الوطن الافتراضي مشرعة …تغلق واحدة فتفتح الالاف…ومن خلالها تسرد القصص عبر الاميال والقارات…بعضها حقيقة واقعة يهرب بها اصحابها لهذا الوطن وبعضها محض جنون وهرطقة…ولكن لكل قصة غواية من نوع خاص…

**القصة وصلت إلى القائمة القصيرة لمسابقة مجلة “شجون عربية” للقصة القصيرة.

**قاص عراقي.