مراسم عاشوراء تثير سجالاً بين الشيعة في لبنان

مراسم عاشوراء تثير سجالاً بين الشيعة في لبنان
Spread the love

لا تزال ظاهرة التطبير في مراسم عاشوراء تثير جدلاً بين علماء الشيعة سنوياً فيتحول ذلك السجال إلى خلاف بين أتباعهم.

ashura-rituals

خاص “حوارات نت” – بقلم: د. هيثم مزاحم* — في كلّ عام، يثار جدل بين الشيعة مع إحيائهم ذكرى عاشوراء حول صحّة بعض الشعائر وجوازها، والتي يتّخذ بعضها طابعاً عنيفاً كالتطبير وضرب السلاسل، حيث يرفض بعض العلماء والمثقّفين الشيعة هذه المظاهر التي قد يكون فيها إيذاء للجسد وتشويه لثورة الإمام الحسين وأهدافها. كما يرفضون مبالغة بعض قرّاء مجالس العزاء في رواية أحداث كربلاء، من دون مراعاة دقّة النصوص التاريخيّة والدينيّة.
ويحيي الشيعة سنويّاً في الأيّام العشرة الأولى من شهر محرّم الهجريّ، ذكرى عاشوراء التي تعيد التذكير بمعركة كربلاء، حيث قُتل إمامهم الرابع الحسين بن عليّ بن أبي طالب، حفيد النبيّ محمّد، مع نحو سبعين آخرين من عائلته وأصحابه، على أيدي جيش الخليفة الأمويّ يزيد بن أبي سفيان عام 61 للهجرة (680 م)، بسبب رفض الحسين بيعة يزيد بعد موت أبيه معاوية، بسبب انحرافه عن الدين، فقام الحسين بثورته بهدف الإصلاحين السياسيّ والدينيّ.
وهكذا، اعتبر المسلمون قتل الحسين، الذي قال النبيّ محمّد عنه وعن أخيه: “الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة”، و”حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسين”، جريمة عظيمة بحقّ إبن بنت النبيّ فاطمة الزهراء. ولذلك، يقيم الشيعة عدداً من المراسم لإحياء هذه الفاجعة، تقوم على قراءة السيرة الحسينيّة أيّ رواية أحداث كربلاء على مدار عشرة أيّام، يتخلّلها بكاء ولطم من جهة، وشعائر تتضمّن التطبير أيّ شقّ بسيط للرأس لإخراج الدمّ منه من جهة أخرى.
وكان عدد من مراجع الشيعة قد حرّم عادة التطبير هذه، أبرزهم المرجعان اللبنانيّان الراحلان محسن الأمين ومحمّد حسين فضل الله، ومرشد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران آية الله علي خامنئي.
وفي هذا الإطار، قال رئيس المجمع الثقافيّ الجعفريّ في لبنان الشيخ محمّد حسين الحاج لموقع “حوارات نت”: إنّ كبار مراجع الشيعة في النجف وقم لم يفتوا بحرمة هذه الشعائر، لا سيّما التطبير والضرب بالسلاسل، لأنّ التطبير جائز بحسب فتاوى المراجع الكبار، وخصوصاً الإمام الراحل أبو القاسم الخوئيّ والمرجع الأعلى آية الله علي السيستاني.
وأشار إلى أنّ التطبير والضرب بالسلاسل جائزان طالما لا يؤدّيان إلى أيّ إضرار بالنفس، أيّ أنّ كلّ شخص يقدّر بنفسه إن كان ذلك يصيبه بأذى أو بضرر فعليّ.
من جهته، هاجم الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله ما وصفه بـ”البدع” في عاشوراء، ولعلّ أكثر ما أثار غضبه بعض الممارسات في مدينة كربلاء خلال عاشوراء، حيث يضع البعض جنازير في أيديهم وأرجلهم ويعوّون كالكلاب. وسأل نصر الله: “أيّ دين أو شرع أو مذهب يسمح بذلك؟”، واصفاً إيّاهم بأنّهم أعظم المسيئين “لمذهب أهل البيت وبأنّهم بسلوكهم هذا “بأنهم يذبحون الحسين في كلّ يوم”.
وخاطب نصر الله هؤلاء المتشدّدين، متسائلاً أيضاً: “لماذا لا نجدكم عند الدفاع عن المقدّسات والسيّدة زينب؟”، في إشارة إلى القتال ضدّ الجماعات التكفيريّة في سوريا والعراق التي تريد تدمير مقامات أهل البيت فيهما.
وفي هذا الإطار، أشار الباحث اللبنانيّ قاسم قصير لـ”حوارات نت” إلى أنّ الجدل حول شعائر عاشوراء “ليس جديداً، بل هو صراع قديم بدأه في العقود الأولى في القرن الماضي المرجع اللبنانيّ محسن الأمين (1865-1952)، واستكمله الشيخ مرتضى مطهري (توفي 1979) وعلي شريعتي (توفي 1977) في إيران والمرجع محمّد حسين فضل الله (توفي 2010) وآية الله خامنئي، الذي أصدر قبل سنوات فتوى بحرمة التطبير، ولكن يبدو أنّ هذه السنة تصاعدت هذه الممارسات، وقد تكون زيادة الحضور الشيرازي أدّت إلى زيادة حجم الخلافات والسجالات”.
أمّا عن سبب تدخل نصر الله وانتقاده لهذه الممارسات فلفت قاسم قصير إلى أنّ ذلك “يعود إلى تعاظم خطر هذه الظواهر وانعكاسها على صورة التشيّع في العالم وتداخل العوامل السياسيّة والاستخباراتيّة مع العوامل الدينيّة”.
وكان نصر الله قد أشار سابقاً إلى ظاهرة “التشيّع البريطانيّ” في اتّهام لبعض رجال الدين الشيعة المقيمين في لندن، والذين يقومون بشتم الصحابة، بأنّهم يعملون على إثارة الفتنة بين السنّة والشيعة بتوجيه استخباراتيّ بريطانيّ. وقد ردّ عدد من خطباء الشيرازيّين على نصر الله، وخصوصاً الشيخ ياسر حبيب بطريقة مسيئة.
واعتبر قصير أنّ التيّار الشيرازي المعادي لولاية الفقيه والنظام الإيرانيّ يدعم التطبير وينشط من خلال مجالس العزاء والقنوات الدينيّة، وقد تعاظم دوره في لبنان، وخصوصاً مع حضور أحد خطبائه الشيخ عبد الحميد المهاجر خلال عاشوراء إلى مدينة النبطيّة في جنوب لبنان، وصدور مواقف منه تنتقد “حزب الله” ومرشده خامنئي.
ورأى قصير أنّ هذا الصراع بين “حزب الله” والشيرازيّين هو “صراع له بعد فكريّ ودينيّ، ولكن تدخل فيه العوامل السياسيّة والاستخباراتيّة والصراع على اكتساب الشعبيّة”، مشيراً إلى وجود تخوّف كبير من أن يكون الهدف من دعم هذه الظواهر تشويه صورة التشيّع في العالم وإحداث انشقاق شيعيّ وإيجاد تيّارات في لبنان معادية لـ”حزب الله” وإيران، وتحويل هذا التوتّر إلى صراعات شعبيّة.
إنّ مأساة عاشوراء ذات أبعاد إنسانيّة عالميّة لا تقتصر على الشيعة، بل هي لمست وجدان كلّ حرّ وثائر في العالم، وأثبتت مقولة “انتصار الدمّ على السيف”، بينما يحاول بعض المتشدّدين الشيعة تحويلها إلى أسطورة ومادّة للفتنة المذهبيّة.
ولعلّ أفضل ما قِيل في ثورة الحسين كتبه غير الشيعة، فالمهاتاما غاندي محرّر الهند من الاستعمار البريطانيّ قال: “تعلّمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر”، بينما قال الفيلسوف البريطانيّ توماس كارليل: “أسمى درس نتعلّمه من مأساة كربلاء هو أنّ الحسين وأنصاره كان لهم إيمان راسخ بالله، وقد أثبتوا بعملهم ذاك أنّ التفوّق العدديّ لا أهميّة له حين المواجهة بين الحقّ والباطل…”.
أمّا المستشرق البريطانيّ إدوارد براون فقال: “هل ثمّة قلب لا يغشاه الحزن والألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء؟ وحتّى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلّها”.
ومن جهته، قال الأديب المصريّ عبد الرحمن الشرقاوي: “الحسين شهيد طريق الدين والحريّة، ولا يجب أن يفتخر الشيعة وحدهم باسم الحسين، بل أن يفتخر جميع أحرار العالم بهذا الاسم الشريف”.
أمّا الأديب اللبنانيّ العالميّ جبران خليل جبران فقال: “لم أجد إنساناً كالحسين سجّل مجد البشريّة بدمائه”.
يشهد التشيع اليوم، على غرار التسنن، صراعا بين الإصلاحيين، الذين يسعون لتشذيب الإسلام من البدع والتطرف، وبين السلفيين والتقليديين الذين يشددون إلى على إحياء الطقوس التقليدية التي تؤكد الهوية الشيعية لتمييز أنفسهم عن السنة. لكن الحفاظ على الهوية الشيعية لا ينبغي أن يتم على حساب التخلي عن قيم الإسلام وفقدان وحدة الشيعة والمسلمين.

*د. هيثم مزاحم رئيس مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط

Optimized by Optimole