العصفور والكمان

العصفور والكمان
Spread the love

بقلم: أريج زاهر —
من خلف الباب الموصد كانت تنساب أنغام الكمان عذبة كجدول ماء في ربيع نيسان.
كان يخرج للشرفة كل يوم ليبحث عن مصدر هذه الألحان وأحياناً يهيم بالشوارع مصغياً بإمعان أو منقلاً ناظريه في وجوه المارة علّهم يلتفتون للعازف المجهول فيجده أخيراً.
يتمنى لو يطلب من ضجيج الشارع أن يصمت في كل مرة تحمل الموجات اللحنية دفقات من لذة للروح فتنعش القلب بدم جديد مع كل نوتة..
هو جاهل بالموسيقى لكن “جهلنا بالشيء لا علاقة له بالحس المرهف”.
هو كالحب يحدث دون إذن ولا تعطى تعاليمه بأية مدرسة.

إقرأ أيضاً : واحة سيوة جنة سياحية في الصحراء الغربية…

كان يوم عادياً في عطلة عادية وبعد ظهيرة عادية مملة حتى تغير هذا اليوم بأن حط عصفورٌ صغيرٌ تائهٌ على الشرفة.. اقترب منه ولوّح بإشارة من يده كمن يطلب منه الرحيل. فهذا المكان “لم يعد صالحاً لعيش أمثالك”.. لم يكن بمقدوره الطيران، يرنو لأعلى باحثاً عن بيت قد تاه عنه في رحلة مغامرته على طريق المجهول..
قد يرغب بعضنا بمساعدته ليصير قادراً على الطيران لوجهته أو قد يلومه آخرون يرون فيه متهوراً ليس أهلاً لزمنه. أما الأقسى فهم من يحاولون سحقه ليس إلا لمتعة الأذى.
يعود حاملاً معه بعض فتات الخبز فيلمحها بخصلات شعرها الذهبية تدير ظهرها له وتصدح نغمات كمانها ألحان أغنية “من بعدك لمين” توقظ فيه شوقاً لحب قد أفلتْ شمسه منذ زمن بعيد وعهداً مدموغاً بالوفاء.
تتوقف أناملها الناعمة عن العزف ويختفي العصفور الهارب.. لربما قد عاد لسربه أو وجد درباً جديدة أو لربما قتل نفسه هرباً من أساه..
وتتوقف الموسيقى من منتصف المقطوعة ويهدأ الشارع ويتوقف الزمن أو يولد من جديد بريئاً نقياً حيث لا أسى ولا ألم بعد الآن.

Optimized by Optimole