«العالم كما هو»: رؤية رئيس أميركي للعرب والإيرانيين

«العالم كما هو»: رؤية رئيس أميركي للعرب والإيرانيين
Spread the love

البدر الشاطري | نشر بن رودس، والذي عمل نائباً لمستشار الأمن القومي للتواصل الإستراتيجي وكاتب خطب الرئيس باراك أوباما، كتاباً سمّاه «العالم كما هو: مذكرات البيت الأبيض في عصر أوباما». ما حفزني لقراءة هذا الكتاب هو ما تردد في وسائل التواصل الاجتماعي عن أن بن رودس ذكر في كتابه أن الرئيس السابق أوباما يكنّ الكراهية للعرب ويحب ويحترم إيران وحضارتها القديمة.

ويوكد الإعلامي فيصل القاسم هذا الموضوع في صفحته على «فايسبوك» وتحت عنوان «مذهل يا للهول». وقد كتب القاسم أن بن رودس يقول «إن الرئيس باراك أوباما يكره العرب في شكل غريب، وكان دائماً يردّد أمام مستشاريه أن العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة، وأنهم متخلفون وبدو… وفي المقابل، كان يتحدث عن إيران بود ظاهر وبإعجاب شديد بحضارتها».

لكن الكتاب الذي قرأته لا يحتوي على هذه العبارات أو أي شيء يقارب تصوير العرب على أنهم متخلفون وأن الإيرانيين متحضرون. وإن الرئيس أوباما كانت له كراهية تجاه العرب. ويشي الكتاب عن الرئيس كشخصية مثقفة ومتحضرة وحساسة لمشاعر الغير وراقية.

والإثنان، أوباما ورودس، هما في الواقع شخصيتان معقدتان بسبب تناقضات الهويات التي جمعتهما. فأوباما، وفق سردية الكتاب، واعٍ بأنه أول رئيس أسود لأقوى دولة في العالم وبذلك، كما يقول العلامة الراحل، علي مزروعي، أقوى رجل أفريقي منذ فجر التاريخ. كما أن هويته الليبيرالية جلية وإيمانه بقدرة الإنسان على الفعل الإيجابي تجاه أخيه الإنسان وإمكانية التعايش على المستوى العالمي وقبول التعدديات الثقافية والإثنية في الداخل والخارج، واضحة.

وعلى رغم مثاليته في السياسية والمبادئ التي يؤمن بها إلا أن إدارة إمبراطورية بحجم الولايات المتحدة تتطلب واقعية سياسية، لا تتماشى دائماً مع هذه المُثل ولا تتسق معها.

وتتجلى هذه التناقضات في ما ذكره رودس عن موقف البيت الأبيض من الأحداث التي عصفت بالعالم العربي في 2010، ابتداءً من تونس ولم تنتهِ إلى يومنا هذا في سورية. ولم يكن هناك توقع بهذه الأحداث والتي فوجئ بها البيت الأبيض كما فوجئ العالم، فقد تغلبت على الرئيس أوباما خواطر عدة للتعامل مع هذه الأحداث. وفي حالة مصر، فقد أشار عليه كبار مساعديه، مثل هيلاري كلينتون وروبرت غيتس، بالتأني لئلا يؤول الوضع إلى فراغ وتضرب الفوضى هذا البلد المهم.

ولكن الرئيس كانت تنازعه هواجس متحمسة للتغيير وحركة الشباب ومتطلبات الأمن القومي والإستراتيجية الأميركية في المنطقة. وقد أسرّ أوباما لمعاونه رودس بأنه يفضل رجل الغوغل (وائل غنيم)، لاستلام السلطة بدلاً من عمر سليمان مرشح كبار مساعدي الرئيس. وقد كان مساعدو الرئيس من الشباب مثل رودس متحمسين لرياح التغيير التي هبت على المنطقة، وكانوا يشجعونه على مساندة قوى التغيير.

بدأ الرئيس ولايته الأولى باهتمام كبير تجاه منطقة الشرق الأوسط. وحتى قبل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، أشيع عن عزمه إلقاء خطاب موجه إلى العالم الإسلامي. ودار نقاش بين أوباما ورودس عن مكان إلقاء الخطاب. وكانت إندونيسيا التي عاش فيها أوباما فترة في صباه مرشحة بقوة لمكان الخطاب بوصفها أكبر دولة إسلامية، إلا أن أوباما أشار إلى القاهرة بكونها مركز الثقل العربي، وإلى أن معظم مشكلات واشنطن مع الإسلام نابعة من العالم العربي.

وأسند كتابة الخطاب إلى رودس، الذي أراد أن يقدم خطاباً متوازناً يبشّر بعهد جديد من دون أن يبدو اعتذارياً. كما أنه حرص على ألا يربط مقاربة الولايات المتحدة بمشكلات المنطقة، بالصراع العربي- الإسرائيلي. بمعنى أن الصراع مهم، ولكنه ليس أساس مشاكل المنطقة. وقد وجّه الرئيس رودس بالبدء من المرحلة الاستعمارية والحديث عن القضايا المهمة مثل الإرهاب، القضية الفلسطينية، العراق والمسألة النووية مع إيران.

وكما يقول رودس، فإن عمله مع أوباما منذ الحملة الانتخابية وإعجابه بالمرشح جعلاه يتقمص كثيراً من جوانب شخصيته. ويعاني رودس نفسه، كما أوباما، من تعدد الهويات التي تضطرب بها الحالة الوجودية عند أعتى الرجال. وهو ابن لأم يهودية وأب مسيحي. وعلى رغم تعلقه بإسرائيل، إلا أن هويته الكوزموبوليتانية وضرورات التغيير في العلاقة مع المسلمين تتطلب إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية.

ولم يسلما، الكاتب والرئيس، من انتقادات واسعة من اليمين الأميركي والمتعاطفين مع إسرائيل. فالأول اتهم أوباما ورودس بخطبة يعتذران فيها عن أخطاء الغرب تجاه المسلمين، بينما انتقده الآخرون لتحميل إسرائيل مشاكل العالم العربي والإسلامي وتجاهل إسرائيل في المرحلة ذاتها.

ويبدو أن أوباما وفق ما ورد في الكتاب، لديه قناعة بأن الكلمات قد تغير، ولكن حين صدم بواقع الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، تحول إلى نوع من السخرية بسبب الإحباط مما شاهده من تعقيدات في الواقع الفلسطيني المعاش. فالمستوطنات لن تغيرها الكلمات الخطابية ولا بلاغة قلم رودس في صياغة الخطابات.

ويشير رودس إلى أن أوباما كان يرى أن مشكلة واشنطن تكمن في الحرب الدائمة، وأنها سريعة في اتخاذ حلول عسكرية تؤدي إلى تورطها في حروب لا نهاية لها، ولا تحصد إلا الضحايا وسخط دول العالم النامي. وعليها تصحيح الماضي مع كل الدول التي هي في حالة عداء معها عبر تبني سياسات ومقاربات جديدة.

تم التواصل مع إيران لإيجاد مخرج للأزمة النووية بين الدول الخمس زائد واحد وإيران. وعمدت واشنطن إلى اتصالات سرية بين الطرفين للتفاوض حول اتفاق يرضي كل الأطراف بما فيها الوكالة الذرية للطاقة. وعلى رغم أن المفاوضات كان يقوم بها وزير الخارجية، جون كيري، إلا أن أوباما عهد إلى رودس بتسويق الصفقة في الكونغرس وعند الرأي العام العالمي.

ويجزم رودس أن أوباما بقدر ما كان يريد أن يتفادى مواجهة عسكرية، كان مستعداً ليوجه ضربة عسكرية لتدمير قدرات إيران النووية إذا لزم الأمر. وكان يقول لرودس إن من ورّطوا الولايات المتحدة في الحرب على العراق في 2003، هم من يروّجون لحرب ضد إيران؛ ولقد كانوا مخطئين حينها والآن. وقد ذكّر رودس الرئيس بأن مقولته تلك قد تفسّر على أنها تهمة ضد اليهود والذين كانوا في مقدمة مؤيدي الحرب على العراق وهم أنصار الحرب على إيران بسبب تعاطفهم مع إسرائيل والتي لم تنفك من الترويج لضربة عسكرية ضد إيران. كان ردّ الرئيس قاسياً إذ قال إن جون بولتون (مستشار الأمن القومي الحالي) ليس يهودياً وكان مؤيداً للحرب ضد العراق ويروّج للحرب ضد إيران.

وعندما سأل الرئيس كاتب خطاباته أن يبحث عن قضايا يريد أن يتولاها من ضمن أجندة أوباما وهو تصحيح مسار السياسة الخارجية الأميركية بما يتوافق مع الرؤى الليبرالية العالمية والسياق التاريخي للعولمة، بادر رودس إلى أخذ المبادرة بالانفتاح على كوبا والتي قاطعتها الولايات المتحدة عقوداً طويلة.

وعبر سلسلة من المفاوضات السرية الصعبة مع راؤول كاسترو احتضنتها الجارة كندا، تم الاتفاق على كثير من البنود. وبالفعل تكللت جهود رودس بالنجاح بسبب الدعم الذي لقيه من الرئيس شخصياً وكان متحمساً لإنهاء عقود من القطيعة. وفعلاً زار الرئيس أوباما كوبا، ودشّنت سفارة الولايات المتحدة ورفع بعض الحظر المفروض على الجزيرة الصغيرة والتي تبعد 90 ميلاً من سواحل الولايات المتحدة.

لا شك في أن هذا الكتاب مهم وقد تميّز بأسلوب قصصي جميل لا يمل من قراءته. وتظل هناك أسئلة كثيرة عن علاقات الولايات المتحدة بالعالم، وبخاصة المنطقة العربية التي تئن من مشكلات جمة بسبب التنافس المحموم عليها من الخارج والاحتدام الاجتماعي السياسي في الداخل، والذي يمهد لتأثير الخارج فيها. والكتاب في مجمله بوح عن الذات بمقدار ما هو كشف عن عملية صنع القرار في البيت الأبيض. وإلى أن ينشر الرئيس أوباما مذكراته، سيبقى هذا الكتاب مصدراً مهماً لفهم ما كان يدور خلف الكواليس في البيت الأبيض أثناء فترة أوباما.

المصدر: الحياة

Optimized by Optimole