فلسفة حضارات العالم

فلسفة حضارات العالم
Spread the love

 

 

الكتاب: فلسفة حضارات العالم: نظريات الحقيقة وتأويلها

تأليف: د. أنطوان غرابنر هايدر وآخرون

ترجمة: د. جورج كتورة

 

(الناشر: مؤسسة شرق ــ غرب وديوان المسار للنشر – الطبعة الأولى ــ 2010، 480 صفحة)

 

الكتاب الذي بين أيدينا محاولة لعرض الأسس الفلسفية لحضارات العالم الكبرى بطريقة إجمالية ومكثفة. يبدأ أولاً باستعراض مسائل تتعلق بتفسير العالم، وتوجّهات الحياة واكتساب المعرفة، والحياة الاجتماعية وبنية اللغة. فقد بدأت كل حضارة في زمن ما بالتأمل في تفسير العالم وشكل الحياة والتفكر بهما نقدياً. وتشكّل النقلة من التفسير الأسطوري إلى التفكير العقلاني المكثّف بداية الفلسفة بالمعنى الدقيق للكلمة. ويثير الكتاب السؤال حول الموضوعات التالية: نظرية المعرفة، فلسفة الطبيعة، الأنطولوجيا، الماورائيات، فلسفة الدين، الأخلاق وفلسفة الأخلاق، المنطق وفلسفة اللغة، الفلسفة الاجتماعية وفلسفة الحضارة، وتجري مناقشتها على مستويات عقلانية مختلفة.

ويهدف الكتاب إلى دفع الحوار الفلسفي حول حضارات العالم خطوات صغيرة إلى الأمام، فهو يعكس أولاً إمكانيات التبادل وحدوده مع التفسيرات الغربية للعالم ولنظام القيم، ثم يعرض النظريات الفلسفية في حضارات العالم بشكل واضح ومتماسك، في لغة مفهومة وعامة وبطريقة بسيطة وغير معقدة.

 

فلسفة ثقافية

في الفصل الأول كتب أنطوان غرابنر ــ هايدر مقالة بعنوان “فلسفة ثقافية” تساءل فيها عن الفرضيات العينية اللازمة لفكر وفهم ثقافي؟ ويقول إن من أجل ذلك يجب إيجاد شيء مثل الثوابت البيولوجية للانفعالية المعرفية والثقافية، إذ نحن نتعرف بادئ الأمر لدى جميع الناس والثقافات على بنى عقلية تتعلق بتفسير العالم ونظام الحياة. ومن دونها ربما لا يمكن للمجموعات الإنسانية أن تستمر على قيد الحياة. وإلى هذه الثوابت تنتمي الحاجة الشديدة إلى البقاء وتفتح الحياة. فالناس في كل الثقافات يريدون التعبير عن مشاعرهم المعاشة والاتصال مع الآخرين، كما هم يريدون قيادتهم وتوجيههم عبر قدراتهم العقلية. نتيجة ذلك تتكون أشكال تواصل شديدة الاختلاف، إذ لا حفظ لبقائهم إلا وسط المجموعة.

فالبشر عاشوا ضمن مجموعات صغرى من الصيادين والقطافين ثم ضمن مجموعات أكبر من البدو الرعاة ومربي الماشية، ولاحقاً ضمن مجموعات منتظمة من المزارعين الصغار والكبار. وأياً كان مستواهم الثقافي أحس البشر بالحاجة إلى تنظيم حياتهم، وإعطاء لسلوكهم معنى، ووضع قواعد لتصرّفاتهم والإقرار بدلالة تطاول كامل وجودهم البشري. ففي الحضارات المبكّرة تولّى الكهان ومنشدو الطقوس وكبار المعلمين هذه الوظيفة، ولاحقاً تولاّها الزماء والكهنة. لقد رووا الأساطير الصغيرة والكبيرة، معبّرين بذلك عن مصدر الحياة وعن السبب الذي يحيا من أجله البشر.

وبذلك قدم التفسير الأسطوري للعالم لأناس الثقافات الأولى توجّهاً واضحاً في الحياة، وأعطى كل تجارب الأفراد الحياتية معنى ووجّه سلوكهم نحو أهداف معيّنة. إلا أن التفسير الأسطوري قد ترافق باستمرار مع السلوك الشعائري، ومن خلال الاثنين معاً اكتسب الناس معنى البقاء على قيد الحياة في ظل شروط حياة صعبة، وذلك من خلال تعبيرهم عن حالاتهم الشعورية من حب وحزن وفرح وخوف وقلق بالشعائر.

كما أن التأويل الأسطوري للعالم يتضمن باستمرار عناصر وبنى عقلانية حتى لو أمكن اعتبار فرضياته الأساسية ما قبل عقلانية، وذلك أن الصور الأسطورية غالباً تدمج ببعضها بشكل عقلاني. عبر الأساطير يعبّر البشر عن مجال غير المحسوس حقاً، إذ يتحدثون عن قوى وقدرات لا ترى عن جوهر روحي وحقيقة إلهية. وإبان التطوّر الثقافي يطلق رواة الأساطير والمعلّمون القدامى باستمرار بنى عقلانية واضحة ونماذج تأويل، فهم يسألون عما كان في أصل عالم الإنسان، ولماذا تتحرك الكواكب بانتظام، وأين يذهب الإنسان بعد الموت. تلك كانت بدايات التأويل الفلسفي للعالم بالمعنى الضيّق للكلمة، وبذلك أخذت العناصر المعرفية والعقلانية بالازدياد.

ويعزّز التفكير العقلاني للعالم النظرة الواقعية لعالم حياة الإنسان، ولعالم الكوكب الأكبر. حيث طرح التفسير العقلاني السؤال حول الزمان والمراحل الزمانية، وحول المكان والعناصر المادية. وفي ذلك الوقت تكوّنت أنظمة كتابة والأعداد الحسابية في العديد من الثقافات، لتثبيت تفسير العالم لزمن أطول ولجعل التواصل داخل المجموعات تواصلاً أفضل.

وبإمكاننا أن نتعرف إلى بدايات الفلسفة من الزمن التاريخي الذي استخدم فيه أنظمة الكتابة، إذ أن الحضارات التي لم تعرف الكتابة لا نعرف منها إلا تفسيرات العالم التي نقلت شفوياً وتم تناقلها عبر أجيال عديدة.

 

Philosophies

 

 

الفلسفة الهندية

الفصل الثاني كتبه هايكة ميخائيل ــ هورمان عن “الفلسفة الهندية”. ويقول إن من الصعب إخضاع الفلسفة الهندية لترتيب تاريخي أكيد. لكن يمكن تحديد أربع حقبات زمنية كبيرة. تتضمن المرحلة الأولى فلسفة العصر القديم الذي يمتد من بدياة الأقاويل الفلسفية المبكرة، أي في عصر الأوبانيشاد (بين 800 و600 قبل الميلاد) وعصر الملاحم (حتى سنة 400 قبل الميلاد). تتميز الحقبة الثانية بتكون الأنظمة الكلاسيكية الستة التي امتدت فترة ازدهارها حتى العام 1000 بعد الميلاد. نجد هنا عقائد تتميز بأفكار الخالق إلى حد بعيد، وهي عقائد تطورت بمنهجية علمية. ثم نجد حقبة فلسفة العصر المتأخر، التي علينا تحديد بدايتها منذ منتصف القرن الأول بعد الميلاد، والتي ما زالت مدارسها قائمة وإن جزئياً حتى اليوم. وهي تتميز إلى حد كبير بالنظام الفيسنوي والسيفاتي أي يغلب عليها الطابع التأليهي. أما الحقبة الرابعة فهي الحقبة المخصصة للفلسفة الحديثة، ومن أبرز معالمها الأخذ بالفكر الغربي.

 

فلسفة العصر القديم

1- عصر الفيدا: من أقدم آثار الفلسفة الهندية الكتابات الدينية القديمة المسماة الفيدا. والفيدا تعني المعرفة، وهي المعرفة لكسب رضا الخالق. والفيدا هي من أقدم المصادر الأدبية الهندية، وهي مجموعة من النصوص المقدسة المكتوبة بالسنسكريتية، وتتكون من أربعة كتب: الريغ ـ فيدا المشتمل على الصلوات الموجهة للآلهة. الياجور ـ فيدا المشتمل على العبارات المرافقة للقرابين وتفسير الكهنة للمذهب. الساما ـ فيدا المتعلقة بالأناشيد. الأثارفا ـ فيدا الخاصة بالتعاويذ والطقوس السحرية كما يشتمل أدب الفيدا على أربعة نصوص تسمى شروتي، أي الكتب المنزلة وهي: السامهيتا وهي تسابيح وصلوات وبركات. والبراهمانا وهي كتابات من النثر تخص الطقوس المرافقة للقرابين والأرانيكا أو نصوص الطبيعة ولها علاقة بالتعاويذ السحرية والشعائر الدينية التي تخص الذين يتحوّلون من الحياة الدنيوية إلى الطبيعة. أما الأبانيشاد فهي نصوص فلسفية. ويعتقد الهنود أن الإله الأعظم (براهما) كتب الفيدا بيده.

وتحتوي الفيدا على أفكار وتعاليم نبيلة تتعلق بالاستقامة والنقاوة. وتتمثل أسس الفكر الفلسفي فيها في ثلاثة أسئلة هي: السؤال عن الإنسان، وعن علة الحياة، وعن المصير بعد الموت أو أثناء النوم الذي يعتبر صنو النوم. الإجابات عن ذلك تم إيجادها في الطبيعة التي تم استخلاص النتائج منها بمراقبتها، وهكذا تم البحث عن علة الحياة في الماء والهواء والنار، فظهرت نظرية الماء (كوشيتاكي – أوبانشيد)، ونظرية الهواء، ونظرية النار. إن بعض هذه الأعمال يثير مسائل أساسية في الفلسفة، مثل: كيف نشأ العالم؟ وكيف ظل باقيًا؟ وما أسسه؟ عن هذه الأسئلة تجيب بعض التسابيح الفيدية في زعمهم بذكر اسم إله معيّن. لكن النقطة الفلسفية الكبرى نجدها في الريغ ـ فيدا العاشر ـ 129 أي تسابيح الخليقة، حيث جاء فيها أن أصل الخليقة يرجع إلى كائن غير مشخص يسمّونه تاد إيكام؛ أي ذلك الأوحد الكامن في الشعور. وتوجد فكرة فلسفية أخرى مهمّة في تسابيح الريغ ـ فيدا، وهي فكرة الرتا؛ أي النظام الكوني. وقد وصل الفكر الفلسفي الفيدي إلى غايته القصوى في نصوص الأبانيشاد.

 

فلسفة الملحمة

أما المصدر الأكبر الآخر فنجده في الأدب الملحمي الواسع، وفي الدرجة الأولى في كتاب مهابهراتا” (الكتاب الكبير). تتحدث ملحمة الأبطال الكبيرة هذه التاريخ المأساوي لأسرتين من الأمراء المتخاصمين. مصدر المعلومات عن هذه الفترة ملحمتان تسميان: المهابهراتا أو قصة أسرة بهراتا، والرامايانا أو تاريخ راما. وظهرت في هذه الفترة عقيدة التقمص، بمعنى أن الروح تولد مرات متعاقبة. وأثناء الوقت الطويل الذي استغرقته الرواية الشفهية لهذه الملحمة (400 ق.ب و400 ب.م) وجدت سلسلة من النصوص الفلسفية لها مدخلاً إلى كتاب “مهابهراتا” الذي يضم اليوم نحو 100 ألف بيت شعري مثنوي(مزدوج). وإلى هذه الإضافات تنتمي مجموعة “بهاغافاد ـ جيتا” (الأنشودة الإلهية) والتي ما زالت تعاليمها حتى اليوم ذات دلالة كبيرة على الصعيدين الديني والفلسفي. إلا أن المصنف الأكبر الذي يحوي نصوصاً فلسفية فيوجد في “موكشادراما”(عقيدة المخلص).

تقول هذه الفلسفة إن الجوهر الذي هو أساس كل شيء هو النفس الفردية، أو الذات العليا. ومن النفس تنطلق المعرفة، ومن المعرفة ينطلق الفكر، ومن الفكر تنطلق أعضاء الحواس. يقود الفكر الأعمال الخيرة والشريرة معه وهي المسؤولة عن نوعية الوجود الجديد. الجديد في هذه النظرية هو موقع النفس التي تتواجد الآن خارج قانون الجزاء والثواب، ذلك أن حامل الثواب والعقاب هو الفكر الذي يصنّف هنا فوق مجموعة القوى الحاسة. وقد أدى الأخذ بالفكر الدوري إلى تجديد آخر يقود إلى فرضية نشوء العالم وانعدامه بشكل دوري حيث لا يزال هذا التصوّر إلى الآن جزءاً ثابتاً من النظرة الهندية للعالم.

 

الفلسفة الجينية

الجينية ويسميها البعض اليانية، هي من الديانات المؤسسة، يعود الفضل إلى مهافيرا(599 – 527 ق.م) في تأسيسها. مهافيرا كان أميراً ترك الإمارة، وراح يعذّب نفسه اثنتي عشرة سنة، حتى جاءه الهدى دون مساعدة الكهنة. وأسس رهبنة كان فيها 14000 من أتباعه عندما توفي. وهي إحدى الفلسفات الهندية الثلاث التي رفضت تعاليم الفيدا، مثلها في ذلك مثل الشرفاكا والبوذية. فقد حصل رد فعل ضد البراهمة، لأن الكهنة أصبحوا أقوياء، وتعقدت الطقوس كثيراً ، فقامت ثورة ضد الكهنة البراهميين، وظهرت الجينية ومؤسسها مهافيرا. تقول الجينية إن مصادر المعرفة ثلاثة: الإدراك والاستدلال والشهادة. ويعتقد أصحابها أن أي حكم من الأحكام العقلية ليس صحيحًا إلا من وجهة نظر معيّنة. لذلك فالادعاء بأن الحكم صحيح دون قيد أو شرط، قد يؤدي إلى الجزمية (الدوغمائية) والتعصّب. ويعتقد أتباعها أن كل الأشياء الطبيعية تتألف من ذرات وأن جميع الكائنات الحية لها روح. فالروح ـ مثلها مثل النور ـ تنتشر في البدن الذي تحل به بأكمله. والشعور جوهر الروح. وعندما تكون الروح في حالة جيدة فإنها تبلغ الكمال المعرفي، لكن ارتباطها بالمادة يجعل الروح عاجزة عن ممارسة وظيفتها الطبيعية.

يعتقد الجينيون أن الروح، وإن كانت تتصف بالكمال أساسًا، إلا أنها تجد نفسها مقيّدة. ومن معتقدات الكارما أن الخبرة الماضية للروح تحدّد نوع الجسد المتقمّص لها وما يترتب على ذلك من قيود. وتقول الفلسفة الجينية: إن الخلاص يتم عن طريق الجواهر الثلاثة، وهي الإيمان الصادق والمعرفة الصحيحة والسلوك القويم. ويستلزم السلوك القويم ممارسة خمس خصال: 1-عدم العُنف. 2- الصدق في القول. 3- الامتناع عن السرقة. 4- العفة. 5- عدم التّشبُّث بأمور الدنيا.

وأتباع الجينية هم أول من اتخذوا عدم العُنف قاعدة لهم في الحياة. وإذا تحلّى الإنسان بهذه الجواهر الثلاثة فسوف ينجح في التغلّب على كل الأهواء ويحقّق الخلاص لروحه، وبذلك تبلغ روحه الكمال بجوانبه الأربعة: المعرفة اللامتناهية، الإيمان اللامتناهي، القوة اللامتناهية، والنعيم اللامتناهي.

 

الفلسفة البوذية

ظهرت البوذية، كرد فعل على البراهمة، ومؤسسها غوماتاسيدهانا (564- 483 ق.م) الذي دعي بوذا ، أي المستنير، أو الذي اهتدى، وكان ابن أمير منطقة على حدود نيبال، فتنكر لسلطة الفيدا، والكهنة البراهمة، وقرر قواعد خلقية خمساً، وهي بمثابة الوصايا :عدم القتل والسرقة والكذب وشرب المسكر والزنى.

وارتكز بوذا في فلسفته كلها على فكرة بسيطة من حيث الظاهر وهي: قانون التبعية النشوئية. ويقضي هذا القانون بأن كل شيء في الكون تابع من حيث المنشأ لشيء آخر هو السبب. فما الأشياء إلا متتابعات من الأحداث، والكون زائل إذ ليس هناك من ذات دائمةـ ويعتقد بوذا أن تشبث الإنسان بالدنيا ناتج عن فكرة خاطئة تتمثل في الظن بأن الأنا أو الذات تتصف بالدوام. فالإنسان، بعدوله عن هذه الفكرة واتباعه للسبيل النبيل يحصل على السراح المطلق.

لم يبحث بوذا في المسائل الميتافيزيقية لأنه يعتقد أن الأسئلة التي هي من نوع: هل العالم خالد؟ لا يمكن الإجابة عنها، لذلك فلا فائدة من الخوض فيها.

وقدأحس بوذا، مؤسس البوذية، بما يعانيه الناس من عذاب، خاصة عذاب المرض والشيخوخة والموت، فحاول أن يعلّم قومه كيف يضعون حدًا لكل أنواع العذاب؛ لذلك دعا إلى الحقائق الأربع التالية:

1- الحياة حزن. 2- الطمع هو سبب الحزن. 3- إزالة السبب (الطمع) تضع حدًا للحزن. 4- الطريق المؤدي إلى إبعاد الحزن هو السبيل النبيل ذو الفروع الثمانية.

ومما يميز البوذية والجينية أنهما تكلمتا بلغة الشعب، وليس بالسنسكريتية لغة الكهان، ودخل في العقيدتين جماعة من مختلف الطبقات، ومن الجنسين، وتدخل (الكارما) عنصراً مهماً في تعاليم الطرفين، وهي قضية الإدارة، فإذا عاش الإنسان وفكر بصورة صحيحة، يتخلص من (الكارما) ، ويصل إلى ما يسمى بالنيرفان، بمعنى أنه لا يعود يولد مرة ثانية، وللوصول إلى ذلك يكون باتباع خطة النقاوة والصفاء في الفكر والقول والعمل، وتجنب القتل والسرقة والزنى، والابتعاد عن الكذب والطمع واللذات والرغبات.

 

 

الفلسفة الهندية المعاصرة

لم تحدث تطوّرات جديدة في الفلسفة الهندية في ما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر الميلاديين. وفي أوساط القرن التاسع عشر بدأ التواصل مع الأفكار الغربية، وبدأ التأثير المسيحي على الفلسفة الهندية. وكان رام موهان (1722 ــ 1833م) أول من قام بتطعيم الهندوسية بأفكار مسيحية. استقى عناصر من مثاليات العلم الغربي ومعارفه وطوّر هندوسية إصلاحية، كان من نتيجتها أن استعاد التفكّر بتراثه الخاص مع الاحتفاظ بانفتاح فعلي على الأفكار الغربية. نقطة الانطلاق كانت من التوحيد الصارم، ومنه يصار إلى السؤال عن السبب الملزم في الفكر الإنساني.

يعتبر كل من سوامي فيفكانندا(1863 ــ 1902) وسرفيبالي راوهاكريشنان(1888 – 1975م)، وإليهما يرجع الفهم الحالي للهندوسية، من أبرز من مثّل التوحيد الصارم. فكلاهما اعتبر التوحيد الصارم الدرجة الأعلى في الفلسفة الهندية.

أما في القرن العشرين الميلادي فقد شهد بداية حركة تجديدة في الفلسفة. وكان راوهاكريشنان أبرز الدعاة إلى تجديد بناء الأدفايتا. أما سري أوروبندو (1873 – 1950م) ففي فلسفته حول الفيدانتا المتكاملة قد انتقل بالفيدانتا، من نظرتها المتبصرة إلى منظومة فلسفية متطورة، حيث ترقى الإنسانية من الصعيد المادي إلى صعيد العقل الأعلى. وأخذ بربط الفكر الهندي بالتصرف البشري الأخلاقي كل من رابندرانت طاغور (1861 ــ 1941) وموهنداس كرمشند غاندي (1869 – 1948م) الذي وضع فلسفة سياسية اجتماعية مرتكزة على الأهيمسا أو عدم العنف، وعلى الحقيقة. أما ك.س. يهاتشاريا (1875 – 1949م) فقال إن الفينومينولوجيا (الظواهرية) أي الدراسة التفصيلية للخبرة الشعورية، قد تساعد في تحقيق الذات الطموح للحرية الكاملة. كذلك بذل اوروبندوغوس (1872 ــ 1950) جهده للتوليف بين الفلسفة الهندية والفلسفة الغربية. ووضع مانابندرا ناث روي (1889 – 1954م) للفلسفة المادية صيغة جديدة. ونظراً لأنه يميل إلى الاتجاه الإنساني الراديكالي فقد عدّ الإنسانية جزءاً من الطبيعة المادية التي لا تستكمل مقومات ذاتها إلا إذا تشبّعت بقيم الحرية السياسية وبالديموقراطية.

ويمكن القول إن ارتباط المفكرين الهنود مع تراثهم قد جعل انفتاحهم على الأفكار الجديدة والسجال معها ما زال في بداياته، نتيجة انطباع الفلسفة الهندية بطابع ربوبي قوي.

 

 

الفلسفة الصينية

ترقى بدايات التفسير الصيني للعالم إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حيث سجلت أسئلة الكهان وأجوبتهم على عظام النبؤة. وطوّر الكهنة المنجمون كتابة صورية مبكرة استطاعوا من خلالها تثبيت النصوص الطقوسية. يدور الحديث في هذه النصوص عن القوى غير المرئية، عن جوهر العقل وأرواح الأجداد، التي تؤثر في كل مكان من العالم على الإنسان. في ظواهر الطبيعة، يفترض وجود كائنات روحية غير قابلة للرؤية وليست بتصرفهم، والتي يتم استحضارها بالشعائر والصلوات. كانت هذه الكائنات الروحية الإلهية أكبر وأقوى من البشر، إلا أنها كانت تفهم اللغة البشرية. وتم جمع هذه الكائنات من قبل كهنة القرابين تحت اسم “السماء” (tien)، وكان الناس يؤمنون بالحياة الأخرى لقوى النفس غير المرئية (hun) التي يفترض وجودها لدى كل إنسان. بعد الموت ترجع هذه القوى بعد انحلال الجسد إلى عالم الأجداد حيث تبقى.

استمر التأويل الأسطوري للعالم حتى الحقبات الثقافية المتأخرة.

وتستقي المؤلفات الخمسة الكلاسيكية المكتوبة مضمونها من عصر العالم الأكبر كونغ ــ فو ــ زي (كونفوشيوس، 551 ــ 491 ق.م)، الذي أسهم مع تلاميذه في تكريس مضمون هذه العقيدة كتابياً. وفي هذه المؤلفات نتعرف بوضوح على الأفكار التي تشير إلى تأويل عقلاني للعالم. هكذا يلخص كتاب “شون ــ كي”)الربيع والخريف( حوليات وأحداث إمارة “لو” التي سبق أن سجلت قبل ذلك. أما كتاب الشعائر (Yi-li) فيعطي التعليمات لإعادة ممارسة شعائر الأجداد الكبيرة والصغيرة، وفيها نتعرف على الأشكال المبكرة لتفسير العالم، إلى غيرها من الكتب الكلاسيكية الأخرى الثلاثة.

 

تعاليم كونفوشيوس

زار المعلم كونغ زي (كونفوشيوس) إحدى مدارس تعليم القتال والطقوس الدينية والأخلاقية التي تضم محاربين شباناً ثم عمل في إدارة إحدى المدارس. فقام بجمع الحكم القديمة وتفسيرات العالم وقواعد الأخلاق القديمة وقام بتدريسها لتلاميذه. وكتب لاحقاً عقيدته.  ويزعم تلميذه مانغ زي أن المعلم كونغ زي قد كتب بنفسه حوليات “الربيع والخريف”.

تعاليم كونفوشيوس وأتباعه، تتمحور في مجملها حول الأخلاق والآداب، وطريقة إدارة الحكم والعلاقات الاجتماعية. أثّرت الكونفشيوسية في منهج حياة الصينيين، حددت لهم أنماط الحياة وسُلّم القِيم الإجتماعية، كما وفرت المبادئ الأساسية التي قامت عليها النظريات والمؤسسات السياسية في الصين.

انطلاقاً من الصين، انتشرت هذه المدرسة إلى كوريا، ثم إلى اليابان وفيتنام، وأصبحت ركيزة ثابتة في ثقافة شعوب شرق آسيا. ورغم أن الكونفوشيوسية أصبحت المذهب الرسمي للدولة الصينية، لكنها لم تشق طريقها حتى تصبح ديانة بالمعنى المعروف، كان يعوزها وجود هياكل أساسية، وطبقة من الكهنوتية (رجال الدين). حظيَّ كونفوشيوس بمكانة رفيعة لدى رجال أهل العلم في الصين، كانوا يطلقون عليه ألقاب الـ”معلِم” والـ”حكيم”، إلا أن تبجيلهم إياه لم يرقَ أبداً إلى درجة التأليه(من الألوهية). لم يكن كونفوشيوس يدعي أنه إله. بسبب الطبيعية الأساسية الدُنيوية (لا دينية) لهذه الفلسفة، فشلت كل المحاولات التي كانت تهدف لأن تجعل من الكونفوشيوسية عقيدة دينية.

تم تَنَاقل تعاليم كونفوشيوس بالطريقة الشفوية، ولاحقاً تم تدوين هذه التعاليم في مؤلَف الـ”لون-يو”. يرى كونفوشيوس أن النظامين السياسي والاجتماعي يشكّلان وحدة متكاملة. الفضائل والمناقب الشخصية للحكام ورجال البلاط (الأرستقراطيين) وحدهما كفيلان بأن يضمنا عافية الدولة. وتتمحور الفكرة العامة للأخلاقيات الكونفوشيوسية في مفهوم الـ”رِن”، والتي يمكن ترجمتها بـ”إنسانية” أو”طِيبَةُ القَلْب”. “رن” هي الفضيلة السامية والتي تمثل أفضل ما في النفس البشرية.

الـ”تشونغ”  أو الإخلاص تجاه الذات وتجاه الآخرين، والـ”شياو”  أو “الإيثار” (إيثار الغير على النفس)، والذي يعبر عنه كونفوشيوس في قاعدته الذهبية :”لا تفعل بالآخرين مالا تحب أن يفعله الآخرون بك”.

سياسياً كان كونفوشيوس يدعو إلى حكومة أَبَوية (تسلطية) يقودها حاكم يحظى بالاحترام ومطاع بين رعيته. يجب على الحاكم أن ينمّي أخلاقه لتبلغ الكمال، حتى يكون مثالاً يحتذي به شعبه. في الميدان التربوي كانت لـ”كونفوشيوس” آراء تقدمية، كان يدعو إلى تعميم التعليم بين كل أبناء الشعب بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية.

وكان مينغ زي أحد تلاميذ كونغ المتأخرين الذي توفي عام 289 ق. م. قد أراد تطبيق تعاليم الكونفوشسية على مواقف حياتية معيّنة. نجد عرضاً لها في كتاب مينغ زي، وهي تعاليم تنطلق من مثال إنساني متفائل وإيجابي. وبحسبها، يسعى الناس جميعاً ومن الأساس إلى الخير الأخلاقي، وهم قادرون ايضاً على فعل هذا الخير. فلا يوجد إنسان يسعى بفطرته ليعيش الشر، حتى الذين يقومون بأعمال شريرة في الدولة يمكنهم تعلّم فعل الخير من جديد.

 

الطاوية أو التاوية

الطاوية مجموعة مبادئ، تنقسم إلى فلسفة وعقيدة دينية، مشتقة من المعتقدات الصينية الراسخة القدم. من بين كل المدارس العقلية التي عرفتها بلاد الصين، تعتبر الطاوية الثانية من حيث تأثيرها على المجتمع الصيني بعد الكونفشيوسية.

الطاو أو التاو (DAO) معناها بالعربية: الهدي، الطريقة أو الطريق، الذي يسلكه أتباع الديانة أو الهدي.حين بدأت الديانات الإبراهيمية (يهودية، مسيحية، إسلام) من الأعلى إلى الأسفل (الله وملائكته)، بدأ أتباع الهدي من الأسفل إلى العالم العلوي. راقب قدماء الصينيين الإنسان ببساطة، ثم جرّدوه من غلافه للمقارنة بينه وبين الحيوان، فظهر جلياً أن الأشياء الحيّة المتطوّرة لها أصلان، ذكري وأنثوي، متضادان، متحدان (الين YIN الأنثوي واليانغ Yang الذكري)، منبعهما شيء له صفتان، غموض أنثوي ونشاط ذكري، أصل كل الأنواع على الأرض وغيرها، الطاو.

تقول الحكم إن المبدأ الأول لا يلفظ باسمه في العالم. ذلك أن كل ما نستطيع أن نسمّيه بلغتنا ليس هذا المبدأ الأول. وهو يشبه بالأم البدئية(الأولى) التي منها يتولّد كل شيء. إننا نرى حاشية ثوبها فقط لكننا لا تعرف جوهرها. ومن هذه الأم الأولى تولّدت القوى التي تشكل الحياة، وبالتحديد قوة الظلام وقو النور. وكلتاهما تؤثّران ببعضهما بعضاً وتكملان بعضهما بعضاً، ولا تقاتل الواحدة الأخرى أبداً. ولأن الأمر كذلك تشكّل كل القوى المتصارعة وكل الأشياء المتضادة في عالمنا وحدة نهائية. والإنسان الحكيم هو الذي يترك العنان لحياته تسير كيفما اتفق. ذلك أنه يعيش إلى جوار الطبيعة وجوار المبدأ الأول الأزلي.

حتى يكون الإنسان في حالة تناغم مع الـ”طاو”، وجب عليه أن يمارس الـ”لافعل” (وو واي)، أو على الأقل اجتناب كل الأفعال الناتجة عن الغصب (الإجبار)، الاصطناع أو غير الخاضعة للطبيعية.عن طريق التناغم التلقائي مع نزوات طبيعته الذاتية الأساسية، وترك كل المعارف العلمية المكتسبة، يتحد الإنسان مع “الطاو” ويستخلص منه قوة غامضة (دي). بفضل هذه القوة يستطيع الإنسان تجاوز كل المستحيلات على ذوي البشر العاديين، على غرار الموت والحياة.

اعتبرت المدرسة الطاوية المبكّرة هذه القوى بأنها سحرية، فيما اعتبرها كل من “لاوتسو” و”تشوانغ تسو” قوى ناتجة عن أهلية الشخص (اِسْتِحْقاق)، وعوامل الطبيعية والتلقائية.وانتقد “تشوانغ سو” ما كان يذهب إليه كل من “كونفيشيوس” من أن الحكمة الإنسانية وحدها يمكن أن تقود إلى استكشاف الـ”طاو”، كان يعتقد أن التمييز (الذاتي، التلقائي) للأفكار التصوّرية هو المسؤول عن انفصال الإنسان عن الـ”طاو”.

وكما أن الماء رقيق لكنه يفتت الحجر مع الوقت، كذلك فإن قيم وأشكال الحياة الأنثوية ستكون مع مرور الوقت أقوى من مثيلاتها الذكورية. ذلك أنها أقرب إلى المبدأ الأزلي من هذه. أما الذي يتبع بحدسه الطريق الأزلي(الطاو) فهو يعرف في كل لحظة من حياته ما هو حق بالنسبه له وما هو نافع لأخوته البشر.

والطاوية، بالمعنى المتداول اليوم، تشمل تيارين أو مدرستين متباينتين: مدرسة فلسفية، نشأت أثناء الفترة الكلاسيكية لحكم سلالة “تشو” في الصين، المدرسة الثانية عبارة عن مجموعة من المعتقدات الدينية، طوّرت خمسمائة سنة بعد المدرسة الأولى، وفي ظل حكم سلالة “هان”. يطلق اليوم على هاتين المدرستين الطاوية الفلسفية والطاوية الدينية على التوالي.

نشأت المدرسة الأخيرة بعد ظهور أحد الحكماء واسمه “لاو تسي”، قام الأخير بإملاء تعاليمه على أحد المنتسبين إلى المدرسة الطاوية الأولى وهو “تشانغ داولنغ”، وقعت هذه الأحداث في جبال السيشوان، ويؤرخ البعض أحداثها سنة 142 بعد الميلاد. على الرغم من التأثيرات ذات الطابع الديني والمأخوذة من المعتقدات القديمة للأهالي، الديانة الشامانية، الكهانة أو الشعوذة، على رغم كل هذه التأثيرات استطاعت المدرسة الطاوية الفلسفية الحفاظ على نفسها، في نفس الوقت شقت الديانة الطاوية لنفسها طريقاً وسطاً، ويتجلّى تأثيرها أكثر في الثقافية الشعبية الصينية.

تدعو هذه المدرسة إلى احترام الذات والانعزال عن الحياة العامة، تفرعت هذه المبادئ عن التقاليد الصينية القديمة للتصوّف والعبادة التأملية والتي ارتبطت باليوغا. قام الفيلسوف “تشوانغ تسو” بتطوير هذه المبادئ في نهاية القرن الـرابع قبل الميلاد.

يمكن العثور على تعاليم ومبادئ المدرسة الطاوية الفلسفية بيت دفتي اثنين من أهم المصنّفات: الأول وهو الـ”داوديجنغ”، ألفه “لاوتسو” في القرن الـثالث ق.م.، المصنف الثاني أو الـ”تشوانغ تسو”، ويضم مجموعة من الأمثال والمواعظ، صنفه “تشوان غتسو” في نفس القترة السابقة تقريباً (القرن الـثالث ق.م.).

كان النظام المثالي في رأي “لاو-تسه” هو النظام الشمولي الذي يقوده ملك-فيلسوف، أما الرعية فيجب أن تكون مسالمة ومطاوعة لأقصى درجة لهذا الحاكم.على عكس الكونفشيوسية والتي كانت تدعو الفرد إلى الانصياع إلى النظام التقليدي، كانت مبادئ الطاوية تقوم على أنه يجب على الإنسان أن يهمل متطلبات المجتمع المحيط، وأن يبحث فقط على الأشياء التي تمكنه من أن يتناغم مع المبادئ المؤسسِة للكون، أو “الطاو” (الطريق).

يقول “مينغ-تسي” (من أتباع المدرسة الكونفوشسية) وهو يصف أتباع لاوتسو، “لن يضحوا ولو بشعرة إذا توجب ذلك لإنقاذ العالم”.

 

 

تحديات العصر الحديث في الفلسفة الصينية

عرفت الصين خلال تاريخها اضطرابات عديدة وشديدة (الممالك المتحاربة، انقلابات على أنظمة)، جعل فلاسفة تلك المرحلة في عودة إلى الماضي، مستلهمين البساطة، والسكينة، من سذاجة الناس، راجين الإبقاء على الأمور في حالة سكون، تفادياً للفوضى. ونقرأ كيف أن لاوتسو وتشوانغ سو انتقدا في كتاباتهما، نهم الإنسان نحو العلم والتطوّر، آخذين عليه إهماله للسكينة ووداعة العيش. هذه النظرة لامت أيضاً كونفوشيوس وأتباعه في سيرهما نحو نزع الأمية من المجتمع الصيني، وسعيه الحثيث في تغيير السياسيات المطبقة.

مع هذا، اعترف كونفوشيوس نفسه بأنه على الهدي، على الطاوية القديمة، هذا ما دفع كسون زي أحد أتباع كونفوشيوس، للمزج بين الهدي كالطريقة الأولى والواحدة، وبين الكونفوشية (كونفشيوسية) التي تدعو للتطوّر. وقال كسون زي: “كل شيء يتغيّر، تماما مثل الهدي، الذي هو في تغيّر دائم”. وظهر بعدها أن الكونفوشسية، مجرد نهج في طريق الهدي، وأن الهدي، هو أساس الفلسفة.

حين انتزعت أسرة مندشو الحكم عام 1644م واستمرت على رأس السلطة في الصين حتى العام 1912، حدث توجّه جديد في أوساط العديد من مدارس الحكمة، فالمفكّرون المحافظون وجدوا في السلطة الغريبة إهانة وعاراً، لذلك انخرطوا في صف المعارضة للنظام الجديد. بل إن بعضهم ذهب إلى حد الانتحار تعبيراً عن عدم رغبته في خدمة سيد غريب. وقد فرض الحكام الجدد الفلسفة الكونفوشسية إذ رأوا فيها أسس العيش المشترك داخل الدولة. كان الحكيم هوانغ زونغ كسي (1695م) ناقداً بالسر للحكام الغرباء، وعلى الرغم من ذلك فقد ألف أول تاريخ للفلسفة الصينية، أوضح فيه قيم الحياة الأصلية في الثقافة الصينية طالباً من معاصريه اتباعها من جديد. ولذلك فهو يعتبر من المفكّرين المبكّرين للقومية الصينية. تبعه بعض المعلمين الآخرين منتقدين المجتمع غير العادلن مقدمين براهين من أجل مجتمع عادل وناجح اقتصادياً.

كذلك كان المعلم غو يانفو (توفي 1682م) ناقداً للسلطة الجديدة، وأراد أن يكون له تأثيره السياسي وسط دائرة ضيقة من الأصدقاء، وأن يغير شيئاً في الحياة الاجتماعية، حتى يتسنّى للناس العيش بسعادة.

وقد تابع الفلاسفة النقاش حول المبدأ الأزلي وقوى الأصل الأربع والنمو والمحصول والاختبار. وقال المعلم داي زيهين (توفي 1777) بقيم حياتية محافظة، وتجريب مناهج جديدة لاكتساب المعرفة. وفي هذا الوقت كانت مدرسة “النصوص الجديدة” قد حظيت بتقدير كبير حيث أخذت في رواياتها عقائد من الطاوية والبوذية. والمفكرون الذين قدر لهم الاحتكاك بالمبشّرين اليسوعيين رأوا في هذه العقيدة الجديدة حسنات تضاف إلى ثقافتهم الخاصة، إذ نقل المبشّرون إلى الصين علوم الرياضيات والفلك والفيزياء والكيمياء الغربية مما جعل بعض معلّمي الحكمة أكثر فضولاً فبدأوا الاهتمام بالفكر ذي الطابع العلمي الطبيعي. أحد أشهر المحرّضين على ذلك كان كانغ يوفاني (توفي 1727م)، إذ أراد الجمع بين العقيد الأخلاقية القديمة والعلم الغربي، فرسم في كتابه عن “الوحدة الكبرى” عالماً ثقافياً تتكامل فيه التعاليم الكونفوشسية مع معارف العلم الغربي الجديدة بطريقة مثمرة.

حول خصوصيات الثقافة الصينية كتب المعلّم الكونفوشسي كو هونغ مينغ (توفي 1932م) وهو عايش نهاية العهد القيصري في الصين عام 1912. وكان على بلاده في القرن التاسع عشر أن تتحمل الكثير من الإهانات السياسية والاقتصادية التي تسبّب بها الأوروبيون. وكان عليه أن يعاين كيف تجاوز اليابانيون البلاد تقنياً، ذلك أن أسرة ميجي الحاكمة كانت هناك قد ضرعت البلاد باكراً للثقافة الغربية. وكانت الإجراءات الاقتصادية والسياسية اللازمة قد ذهبت أدراج الرياح بسبب الموقف الصارم الذي اتخذته الإمبراطورة الأخيرة تسي هسي. وفي 12 شباط 1912 كان عليها أن تتخلّى عن العرش تحت تأثير الضغط السياسي الكبير الذي ألزمتها به القوى الثورية. هنا بدأ انفتاح الصين وببطء وبـتأخر زمني على العلم الغربي وعلى التقنية الغربية، وعلى أشكال الحياة الديموقراطية. وبدأت نماذج الفلسفة الغربية تعرف في الصين.

كان سون يات سين (توفي 1925) أول رئيس في الجمهورية الصينية وكان صاحب ثقافة فلسفية وقد مارس الطب، ودرس في أميركا وانجلترا، وتعرف هناك على الأفكار الليبرالية والديموقراطية. وقد أراد في كتابه “مبادئ الشعوب الثلاثة” نشر قيم الحياة الديموقراطية في الصين بالتدرّج. إذ كان يعتقد أنه من الممكن أن يكون التجديد السياسي والثقافي في بلده خالياً من الأزمات.  ومنذ تولّي الحزب الشيوعي السلطة عام 1948 صارت الفلسفة الماركسية الفلسفة الرسمية في الصين. وبين 1966 و1976 عرفت الصين “الثورة الثقافية” حيث تم القضاء على كل بقايا الثقافة الإقطاعية وتم تخريب المعابد البوذية والطاوية وطرد الرهبان من أديرتهم وألزموا بالعمل اليدوي. وفي العام 1976 أعلن الانتهاء من هذه الثورة وساد التسامح مجدداً في التفكير وتنظيم الحياة الشخصية. وكان على الديانات القديمة أن تنتشر تحت رقابة الدولة.

 

 

الفلسفة اليابانية

 

في تطوّرها الروحي والذهني تأثرت اليابان بقوة ومنذ عصور مبكرة بالثقافة الصينية. فمنذالقديم أتى معلّمو الحكمة من الصين إلى اليابان عبر كوريا أو كانوا يستدعون من جانب الأمراء اليابانيين للعمل على تحسين شكل نظامهم، فالصين كانت قد صارت في ذلك الوقت إمبراطورية كبرى.

وهكذا عرفت اليابان الفلسفة الكونفوشسية والعقائد البوذية والطاوية ومدارس الحكمة الأخرى التي قدمت من الصين.  ومنذ القرن السادس ميلادي قدم أساتذة بوذيون إلى الصين عبر كوريا، وحضرت مع الرهبان العقائد الطاوية في تفسير الحياة إذ كانت العقائد البوذية والطاوية قد شهدت اندماجاً في الصين في ذلك الوقت. وحوالى العام 600 أرسل الأمير شوتوكو كهنة الشنتو اليابانيين إلى الصين بهدف دراسة الكتابات البوذية هناك. وتم استقبال البوذية في بادئ الأمر من جانب الطبقات العليا واستفيد منها في تنظيم الدولة المركزية،

وبعد قرنين أخذ الشعب الياباني بدوره بهذه العقيدة الجديدة ونشأت ما يعرف بالبوذية الشعبية Amida)). وأشار دستور الدولة الياباني الأساسي الذي صدر في العام 604 إلى عقائد من أصل بوذي.

في القرن الثامن الميلادي، أسس الراهب سايشو مدرسة تانداي التي قامت بتفسير العالم الخارجي بوصفه كله شكل تمظهر عجيب لنور بوذا الذي لا يرى. من حيث المبدأ باستطاعة كل إنسان أن يخلص من معاناة الحياة ومن قوى الشر، إذا ما تسنّى له أن يعرف عالم بوذا وأن يتحد به عقلياً.

تأسست مدرسة شينغون في القرن الثامن، وهي تدين في تأسيسها إلى الراهب كولاي، وقد أدخل إلى عقيدته الجديدة عناصر كونفوشسية وطاوية، وتقول إن على الناس معرفة نور عالم بوذا الأزلين حينذاك ستكون حياتهم تحت إدارة حكمة أخيرة ومن عقل عالم أعلى. يقوم المؤمن بالمزج بين هاتين القوتين في وحدة شاملة ويتبع تعاليم بوذا، المستنير والنبيه. بقوة هذه العقيدة يستطيع الناس الشفاء من العديد من آلام الجسد والنفس.

وتطوّرت لاحقاً مدراس الحكمة في اليابان من تلك القريبة من البوذية العلمانية، ماهايانا، ومدرسة شانرون التي حاولت أن ترى الترابط المتبدل في كل أشياء العالم الخارجي، حتى لو أرادت أن تتعلق بسيرورة التبدّل بين الصيرورة الفناء، إلى مدارس هوسو وكيغون وتونداي، والأخيرة أرادت أن تعرض عقائد بوذا بوضوح، باعتبار أن في العقيدة المتكاملة يجب على الحقائق النسبية المتعلقة بعالمنا التجريبي أن تتوحد مع حقيقة بوذا المطلقة.

من جهتها تستعيد مدرسة شينغون عناصر من نظرية تانترا الهندية القديمة، وهي تفتكر بأشكال بوذا الأول الجسدية الثلاث: وتحديداً حول جسده الظاهر، وجسد اللذة، وجسد قانون العالم الأزلي.

كما تطوّرت مدارس الفلسفة الكونفوشسية في اليابان، كمدرسة شوشي الأرثوذكسية، ومدرسة يوماي إلى مدرسة المعلم ايتو جنساي، مدرسة التأويل القديم، وصولاً إلى مدرسة كوكو التي بذلت جهوداً لتجديد الطريق القديم في الحكمة.

ومنذ القرن الثامن عشر تكاثرت العقائد الغربية من فلسفية وعلمية التي عرفتها اليابان، فكان ما يعرف بـ”مذهب هولندا” تحدّياً قوياً للأساتذة والمدارس الكونفوشسية، حيث ذهب البعض إلى وجوب الربط بين المذهب الهولندي والعقائد القديمة التي قال بها المعلم كونغ فو تسي. وإلى هذا الاتجاه مالت حجج هيراتا اتسوتان )توفي عام  (1843إذ أراد أن يربط بين العقائد اليابانية القديمة وعلم الأوروبيين الجدد.

وبوصول أسرة ميجي إلى السلطة في العام 1868 تعزز الانفتاح على الثقافة الغربية، من استقدام علماء وخبراء غربيين لبناء آلات جديدة، إلى إرسال طلاب يابانيين للدراسة في جامعات أوروبا وأميركا، فاحتك هؤلاء بالفلسفة الغربية، التي كانت تعرف في اليابان بـ”العلم الهولندي”. واحتك الطلاب بمذاهب الفلسفة الوضعية والنفعية فبدت لهم مقبولة، بعدما طبعت العلوم التقنية والطبيعية الحياة في اليابان في تلك الفترة، وبذلك حصل التغيّر في المجتمع الياباني.

فبالنسبة للمعلم فوكوزاوا ياكيشي)توفي عام 1901)، فإن العلم الحديث قد أوصل التاريخ الياباني إلى التقدم، وصار من الضرورة بمكان أن يتغلب المثقفون على أشكال تفسير العالم ذات الطابع الصوفي أو الماورائي.

لكن بعض المفكّرين اليابانيين قد أظهر عدم موافقتهم على تفسير العالم بأشكاله الوضعية والمادية والنفعية، فكانوا على قناعة بأن لحقيقتنا الأكيدة بعداً آخر، بعداً غير مرئي. تعرّفوا إلى المثالية الأوروبية بمعناها الأفلاطوني، أو الهيغلي، وقد أرادوا الربط بينها وبين التقليد الياباني، سواء الطاوي أو البوذي في تفسير العالم.

بدوره، أراد المفكر الياباني تيتسو جيرو (توفي عام 1944) أن يربط بين العقائد الكونفوشسية ونماذج التفكير الغربي. درس الفلسفة في ألمانيا وأبدى إعجابه الشديد بنظريات ايمانويل كانط ونيكولاي هارتمان وأراد أن يحضر توليفاً بين طريقة التفكير الغربية وبين تفسير العالم الشرقي.

كما استندت مدرسة كيوتو إلى الفلسفة البوذية وقامت بتطويرها قدماً. ويعتبر نيشير كيتارو (توفي عام 1945) الشخصية التي طبعت اتجاه هذه المدرسة بطابعها، إذ أراد أن يكون اتجاهه متجذراً في الفلسفتين الشرقية والغربية في آن واحد.

من جهته اتبع كوكي شوزو (توفي عام 1945) تفسيراً للعالم يأخذ بالفلسفات الوجودية وبالتأويلية. مع ادمون هوسيرل أراد أن يصل إلى الأشياء ذاتها، ومع هيدغر أخذ برنامج التأويل الوجودي.  واعتمد مفكّرون آخرون على التأويلية التواصلية مثل ناكامورا الذي دافع عن تقييم جديد لفن الخطابة والقناعات المشتركة في جماعة لغوية. وهكذا تبرز الفلسفة المعاصرة في اليابان تعددية قوية في تفسيرها للعالم. فقد أخذت بأهم نماذج التفكير من الفلسفة الغربية وبطريقة انتقائية وطوّرتها بطريقة خلاقة. وفي هذه الأثناء حاولت باستمرار الارتباط بتقاليدها القديمة وبتاريخ ثقافتها الخاصة.

 

الفلسفة اليهودية

كتب هذا الفصل أنطوان غرابنر ـ هايدر، فاعتبر أن الثقافة اليهودية لا تفهم في بداياتها إلا في سياق ثقافات الشرق الكبرى القديمة، وقد ورثت هذه الثقافة أجزاء كبرى من تفسيراتها للعالم، من أساطير السومريين وعقائدهم إلى البابليين والمصريين والفرس والكنعانيين الذين تركوا آثارهم على تقاليد الشعب الإسرائيلي المروية. في العصور القديمة تولّى الشامانيون والراوون ولاحقاً الأنبياء والكهنة ومعلّمو الحكمة تفسيرات الحياة والعالم.

وفي فترة النفي البابلي (585 حتى 537 قبل الميلاد) وفي فترة إعادة البناء التي تلت، تم تجميع المرويات وتدوينها لأول مرة في مؤلف مكتوب. هكذا نشأت في هيكل أورشليم الأعمال القانونية الكبرى والتأويلات التاريخية التي شكّلت نواة التوراة.

واستكمل هذا العمل من خلال الأناشيد والأغاني، ومن خلال أقوال الأنبياء ونظريات الحكمة. كما تمت متابعة هذا العمل في العصر الفارسي (بعد العام 537 قبل الميلاد) وفي العصر الهللينستي (منذ 332 قبل الميلاد)، وفي العصر الروماني (بعد العام 69 قبل الميلاد)، وحوالى العام 100 ميلادي تم الانتهاء منه. وهكذا تعتبر التوراة اليهودية في كليتها نتيجة سيرورة وضع حدود مع الثقافات الغربية ونتيجة اكتشاف الهوية.

ويعتبر هايدر أن الكهنة اليهود باحتكارهم للعقيدة الإلهية قد أبدوا منذ وقت مبكّر تطلّعات سياسية، بداية على شعبهم الخاص بهم ثم لاحقاً على شعوب أخرى. وأسدى عالم حياة الدين لهم نموذج التناقض الكبير مع العلاقات السياسية الواقعية، وهكذا تسنّى لهم، وهم الشعب الصغير وعلى علاقة بالثقافات الأخرى، رسم أكبر أسطورة تتعلّق بتاريخ العالم. إذ حتى الآن لا يزال اليهود والمسيحيون والمسلمون يعملون بتوجّه هذه الأسطورة الكبيرة، وهم يشكّلون ما مجموعه 3.4 مليار نسمة، أي ما يوازي 58% من سكان العالم. والتوراة لا تزال إلى الآن أكثر الكتب انتشاراً وقراءة في تاريخ العالم.

 

بدايات الفلسفة اليهودية

حضرت الفلسفة عند اليهود في العصر الهلليني إلى جانب الثقافة اليونانية التي كانت ثقافة ولغة اليهود في المدن الهيللينية. ونجد في كتب “كوهيليت” و”حكم سليمان” عقائد فلسفية. وانتشرت في أوساط اليهود المتعلّمين التصوّرات الأفلاطونية حول النفس والتصوّرات الأخلاقية ذات الطابع الفلسفي الرواقي والكلّي. وذكر أن أول فيلسوف يهودي هو أريستوبول الإسكندري (حوالى العام 150 ق. م). ويروى أنه قام بتفسير التوراة المترجمة إلى العبرية بطريقة فلسفية، مستخدماً الطريقة اليونانية المجازية التي استخدمها الفلاسفة الرواقيون في إيضاح مؤلفاتهم الأسطورية(هوميروس وهزيود). ويقال إن أريستوبول قد علم أن عقائد الفلاسفة اليونان تتوافق مع تفسير التوراة للعالم، ذلك أن فيثاغورس وسقراط وأفلاطون ــ حسب زعمه ــ قد تعلّموا من المشرّع اليهودي موسى، وهذا أقدم بكثير من الفلسفة اليونانية! وندرك بذلك رغبته في التوفيق بين الثقافتين اليهودية واليونانية.

يعتبر فيلون الإسكندري أكبر المفكرين اليهود في الثقافة القديمة (وقد عاش بين العام 20 ق.م حتى العام 50 ميلادي)، وهو يعرف في النصوص اليونانية باسم فيلون اليهودي. وقد تضلع في الأدب والفلسفة والعلوم اليونانية والتوراة. وكان يعتبر أن الحكمة الحقيقية في الحياة إنما تتمثل في الثقافة اليهودية وفي التوراة قبل اي شيء آخر، وأن على الفلسفة اليونانية أن تساعد على معرفة هذه الحكمة بشكل أفضل وعلى عرضها أيضاً. كان فيلون يعتقد أن على الفلسفة أن تكون في خدمة الإيمان الديني. ويرى كثيرون فيه أول لاهوتي يهودي دارت فلسفته حول جوهر الألوهية. وبوصفه معاصراً لعيسى المسيح ولبولس الصوري فهو كان له تأثير حاسم على نظرية الألوهية في المسيحية. إذ لا تماس إطلاقاً بين الله الميتافيزيقي وعالم المادة(الهيولى)، ونتيجة لذلك لا بدّ من وجود كائن وسيط بين الله الرحيم والمادة الناقصة، إذ بإمكان هذا الوسيط أن يقيم ربطاً بين العالم السماوي والعالم الأرضي. والكائنات الوسيطة هي “القوى” الرواقية (الديناميات)، المثل الأفلاطونية، والملائكة في اليهودية. تنقل هذه الكائنات صلوات البشر إلى الله وتنقل إلى هؤلاء الرسائل الإلهية. ويخلط فيلون من خلال هذا التصوّر بين “القوى” الرواقية والمثل الأفلاطونية. فهذه القوى تنبثق من الألوهية وتتراءى للإنسان باعتبارها قوة ونعمة. ومن وجهة نظر يهودية فقد تمت شخصنتها وعدّت في عداد “مملكة الله”، وسميّت الملائكة.

وثمة مفكر يهودي آخر هو شيفي البلخي الذي عاش في القرن التاسع ميلادي ووضع نقداً على التوراة، ونسبت إليه جمعه 200 مسألة واعتراض على أقوال التوراة. وبعد 60 عاماً من ذلك، أطلق المعلم سعديا بن يوسف على شيفي اسم الهرطقي وقام بنقض آرائه. ويعتبر سعديا مؤسس التأمل الفلسفي في الدين اليهودي في القرون الوسطى، وهو رائد مدرسة تلمودية في بابل. ففي كتابه “كتاب الآراء الفلسفية والعقائد الدينية” يرى أن الفلسفة واللاهوت يعملان معاً على إيجاد الحقيقة، فكلاهما ينبع من المصدر الإلهي عينه. أراد سعديا أن يعرض العقائد اليهودية بوصفها نظاماً فلسفياً نظرياً.

في هذا العصر انتشرت الفلسفة الأفلاطونية المحدّثة في أوساط المثقفين اليهود. وكان مؤسس هذا الاتجاه الفكري اسحق الإسرائيلي (القرن التاسع/العاشر ميلادي) الذي ولد في مصر، ودرس الطب والفلسفة، وكان الطبيب الخاص للخليفة في القيروان؟!. وقد أدخل تطوّراً على نظرية الفيض الأفلاطونية، ذلك أن المادة والصورة لا ينبثقان عن الذات الإلهية الواحدة، بل هما من خلق هذه الذات. وعن المادة والصورة معاً ينبثق النور ويكون عقل العالم، وعن عقل العالم تنبثق النفس الكلية، نفس العالم، وعن هذه تنبثق الطبيعة بكليتها. والنفوس الإنسانية المتعددة هي جزء من النفس الكلية، نفس العالم. وفي حين أن الله خلق العالم من عدم، فإن الطبيعة تخلق مما هو حاصل الجديد باستمرار والمادة عنده تعطى قيمة أعلى مما لدى أفلوطين، فهي شكل الوجود الشامل وأول خلق الله.

مع سالومو بن غبريول (1020 ـ 1070م) في إسبانيا تبدأ الفلسفة اليهودية مكتوبة باللغة العربية. وقد ترجم كتابه “حول مصدر الحياة” منذ العام 1050 إلى اللاتينية. ويطلق عليه الفلاسفة اللاتينيون اسم ابن جبرول واعتبروه خطأ مسلماً. وهو بدوره جمع بين التصوّرات الأفلاطونية المحدّثة والأرسطوية. والعالم في رأيه قد بني من الأعلى إلى الأسفل، وبين عالم الألوهية وعالم الأجساد ثمة توسط للعديد من الجواهر الروحية، ووجود المجالات الأدنى ينبثق دائماً عن وجود الأبعاد الأعلى. في كتابه “تاج الملوك” يظهر تقوى يهودية عميقة، فهو يسبّح الله الخالق وسيّد الكون. والعالم بنظره يشارك في جمال الله وكماله، والحكمة الإلهية هي مصدر كل حياة.

كما لمع نجم الفيلسوف اليهودي باخيا ابن باكودا في اسبانيا في القرن الحادي عشر ووجد كتابه “واجبات القلب” انتشاراً واسعاً وترجم إلى لغات عدة في حينها. وأبدى أبراهام بارشيا الذي كان فاعلاً في اسبانيا في القرن الثاني عشر اهتماماً بالفلك والرياضيات، وكتب أعماله بالعبرية وليس العربية. وفي تأملاته في النفس عالج القضايا الأخلاقية والحياة السعيدة، وفي كتابه عن الكشف نتعرف إلى طريقة مقاربة التفكير الأفلاطوني المحدثة.

ويعرض المؤلف هايدر لأعمال فلاسفة يهود آخرين من يوسف بن صادق إلى أبراهام بن عزرا ويهودا الحلوي وابراهام بن داوود في القرن الثاني عشر، وصولاً إلى موسى بن ميمون الفيلسوف اليهودي الشهير الذي حظي بأهمية واسعة في ذلك القرن. وهو كذلك أراد أن يوفّق بين تعاليم الدين ومعارف العلوم الطبيعية.

وهو يرى أنه بإمكاننا أن نسند للذات الإلهية إرادة حرة كاملة، فالسببية الصارمة عند أرسطو ليست ملزمة. إذ يجب فصل المجال الدينوي عن المجال الإلهي كلياً، وبذلك يمكن عرض عقائد الدين بطريقة عقلية. وهكذا يتكامل العلم والإيمان الديني. تم الأخذ بهذه التعاليم من جانب السكولائيين المسيحيين، وتمت مناقشتها لاسيما من جانب الاسكندر الهالي، وتوما الاكويني، والبرت الكبير. رجع المفكرون اليهود في العصر الحديث وفي عصر التنوير الأوروبي مجدداً لاستلهام هذا النموذج الفكري.

وبدوره وضع الرياضي والفلكي ليفي بن غرشوم في القرن الرابع عشر رسائل فلسفية، فعبر شروحات ابن رشد تعرّف إلى نظريات أرسطو.

ومع بداية العصر الحديث توجب على اليهود والمسلمين الخروج من اسبانيا، وقد انتهى طردهم منها بحلول العام 1492م. ولد اسحق ابرافانيل في لشبونة وأتى الى اسبانيا ثم فرّ لاجئاً الى إيطاليا حيث توفي عام 1508. وقد وضع شروحات على كتاب موسى ابن ميمون، وتعرّف على الفلسفة السكولائية(المدرسية) باللغة اللاتينية. وفي إيطاليا في عصر النهضة، ظهر يهودا بن ليون الذي ألف شروحات على أرسطو وابن رشد.

جمع ليون ابريو النظريات الأفلاطونية والأرسطية والأفلوطينية معاً وقام بنشرها في إيطاليا. لاقى الكتاب استحسان العلماء حتى القرن السادس عشر، وقد عرفه جيوردانو برونو ومنه تعلّم باروخ سبينوزا أيضاً.

وقد تجاوز سبينوزا (توفي عام 1677م) الفكر اليهودي كثيراً، علماً أنه تربّى وسط إرث اليهودية، وكان مطلّعاً على نظريات ابن ميمون وكرسكاس وليون ابريو. لكنه تخلّى عن جماعة المؤمنين اليهود، وأراد أن يتماهى مع فكر الثقافة الأوروبية.

في عصر التنوير العقلاني، حصل اليهود المشاركون في المواطنة على كل الإمكانيات، التي تسهم في إطلاق ديانتهم وعيش معتقدهم. وقد تلقّى بعض المفكرين اليهود هذه الدوافع بشكر واضح، ومنهم موسى مندلسون(توفي 1786)، فهو كان حاخاماً درس في برلين اللاتينية والرياضيات. ومن خلال لسنغ دخل حلقة التنوير البرلينية، حيث وصل إلى قناعة تقول إن العقل المنطلق بحرية لا يتناقض إطلاقاً مع تعاليم الإيمان الديني. وفي العام 1763 حصل على جائزة أكاديمية برلين للعلوم ضد كانط من خلال مؤلفه “حول البداهة في العلوم الماورائية”.

كذلك بنى سلمون ميمون(توفي عام 1800) وهو يهودي من ليتوانيا علاقته مع موسى مندلسون في برلين، وكتب شرحاً على أعمال موسى بن ميمون، وتعرّف على كتابات ايمانويل كانط وأخذ عنه فرضيته الأساسية بإمكان بناء دين في حدود العقل المحض.

 

المفكّرون اليهود في بداية القرن العشرين

وإلى كانط توجّه أيضاً هيرمان كوهين(توفي عام 1918) وهو كان أستاذ الفلسفة في جامعة مرابورغ. ويعتبر مؤسس مدرسة ماربورغ الكانطية الجديدة.

اعتبر مارتن بوبر(توفي عام 1965) نفسه يهودياً بولندياً وألمانياً، واعتقد أن بإمكانه جسر الهوة بين اليهودية والثقافة الألمانية. التحق بالحركة الصهيونية التي أسسها ثيودور هرتزل في وقت مبكر. هاجر إلى فلسطين عام 1938. واتخذ من التقليد الخاص موقفاً نقدياً، إذ أراد أن يوصل مجدداً صوت التصوّف الحسيدي.

أما ارنست بلوخ(توفي عام 1977) فكان مفكراً دينامياً وصوفياً حاول أن يعبّر عن التجاذب في العلاقات الألمانية واليهودية بأعلى مستوى ممكن من التعبير.

أما من مفكري ما بعد الحداثة اليهود، فنجد ايمانويل لفيناس الذي انطبعت أفكاره برعب سيطرة النازية ثم عن ذكرياته عنها. توفي عام 1995، وهو أصله من لتوانيا، وعاش فترة في أوكرانيا واستقر في باريس. في كتابه “الكليانية واللانهائي” عام 1961 اعتبر نفسه المدافع عن الذاتية تجاه أشكال الكليانية في الفكر والسياسة. ومع فكرة اللانهائي التي توجّهنا نستطيع في كل مرحلة من مراحل التاريخ أن نخفّف من قلقنا أمام الموت.

كذلك انطبع تفكير جان فرانسوا ليوتارد (توفي عام 1998) بالإرث اليهودي، اتبع أولاً أفكاراً ماركسية ثم اهتم بفلسفات كل من كانط وفيتغنشتاين وهيدغر. وفي كتابه “شرط ما بعد الحداثة” عام 1979 أعلن تقرّبه من الحداثة. وفي سياق الثقافة اليهودية، انصب فكر جاك دريدا (توفي عام 2004)، الذي عاش طفولته في الجزائر وسط أسرة يهودية، وبعد الحرب انتقل إلى فرنسا ثم اشتغل بالتدريس لاحقاً في الولايات المتحدة.

 

الفلسفة المسيحية الحديثة

في الفلسفة المسيحية الحديثة، يعرض الباحث رينهولد استرباور لتطوّر هذه الفلسفة التي تهدف إلى البرهنة على وجود الله، وهي المسألة المهمة للكنيسة الكاثوليكية قبل أي شيء آخر، أي العلاقة بين الفلسفة والإيمان الديني. هذه المسألة تمتد منذ صدور الرسالة البابوية عام 1879 والتي ترقى إلى ليون الثالث عشر حتى الرسالة البابوية التي أعلن عنها يوحنا بولس الثاني عام 1998، حيث تم التركيز على استقلالية العقل وعلى المهمة التعليمية التي جعلت فوق العقل.

إن الخلاف الذي يدور حول ما إذا كان بالإمكان الاعتراف بالفلسفة كسعي مستقل إلى الحقيقة أو لا، قد يكون لعامة على العلاقة الصعبة بين الفلسفة والعقيدة المسيحية أو اللاهوت تحديداً. عبر هذه الإضاءة يكتسب مفهوم “الفلسفة المسيحية” معنى دقيقاً. وهذا المفهوم هو اليوم إشارة إلى معضلة، إذ لا تملك الفلسفة المسيحية منهجية مستقلة خاصة بها، الأمر الذي قد يسمح بتصنيفها أو بوصفها إلى جانب الفنومنولوجيا (الفلسفة الظاهراتية)، أو الفلسفة المتعالية أو الفلسفة التحليلية. بل إن المتفلسفين الذي يقولون إنهم مسيحيون، هم بدورهم ملتزمون بتيارات فلسفية متنوّعة. وثانياً لا وجود لموضوعات قانونية ثابتة تنتمي إلى اختصاص يمكن تحديده مضمونياً بالقول إنه “فلسفة مسيحية”. فللفلسفة المسيحية من حيث المنهجية والمضمون وجوه متعددة. ويعرض الكاتب أبرز آراء الفلاسفة المسيحيين من أوغسطينوس (354 – 430م) إلى أنسلم كانتربري(1033 ــ 1109) ورينيه ديكارت(1596 ــ 1650)، حيث سعى الأخيران للأخذ بالبرهان الأنطولوجي، أي أن مفهوم الله يستدل عليه من ماهيته إلى وجوده. ثم يعرض لفلسفة توماس الاكويني( 1226 ـ 1274) وأكثر البراهين على وجود الله شهرة والتي أطلق عليها تسمية “الطرق الخمسة”، وصولاً إلى ايمانويل كانط (1724 ــ 1804) في كتابه العقل المحض، حيث ينتقد البرهان الأنطولوجي على وجود الله.

 

الفلسفة الإسلامية

كتب كارل برنر عن الفلسفة الإسلامية فاعتبر أن الاستناد إلى الفلسفة الهللينستية ـ اليونانية كان حاسماً بالنسبة لنشأة الفكر الفلسفي الإسلامي وتطوّره اللاحق، لاسيما الإرث الأفلاطوني، والأرسطي، والأفلوطيني.  ورأى أن الفلاسفة المسلمين قد تعرّفوا إلى تأويلات الفلسفة الأفلوطينية للفلسفة اليونانية. وانطلاقاً من أفلوطين(القرن الثالث الميلادي) ونظريته حول الفيض، قام الذين خلفوه بتطوير النظام المدرسي(السكولائي) في الأفلاطونية المحدثة، وكان هدفهم أول الأمر الجمع بين أفلاطون وأرسطو. وبهذه الطريقة أمكن تأويل أرسطو بشكل أفلوطيني ما جعل منه حجة كل تفلسف. والنتيجة من ذلك كله تمثّلت بإمكان الربط الأكيد بين الفلسفة والدين. وتحت اسم أرسطو كان يصار إلى فهم “اللاهوت الفلسفي في الأفلوطينية”، والتمييز الأرسطي بين الصورة(الله) والمادة غير المتشكلة أوصل بتأثير الأفلوطينية إلى تكوّن نظرية الفيض، والتي تمثّل النقطة المتوسطة بين تصوّرات كبار الفلاسفة، أمثال الكندي والفارابي وابن سينا من أجل إيضاح العالم والإنسان والكون. ويرى الكاتب أننا نجد أنفسنا هنا إزاء نوع من “الحكمة” التي نجد صداها في التصوّف أيضاً. وبذلك تكوّن نوع من العلم الذي يجمع بين الكلام والتصوّف والفلسفة ضمن سياق واحد.

بدورهم، اعتبر إخوان الصفا، وهم تيار اسماعيلي شكّلوا عصبة سرية من المتصوّفة في القرن العاشر الميلادي في البصرة، أن هدف كل تفلسف يقوم على جعل النفس، التي هي فيض من النفس الكلية، تعود مجدداً إلى الله، أي أن تصبح شبيها به تعالى. وقاموا بوضع موسوعة علم طبيعي ــ فلسفي(رسائل إخوان الصفا)، تضمنت إلى جانب العقائد الشيعية، تصوّرات الفيض الأفلوطيني استناداً إلى إرث فكري فارسي هندي، ما شكل عقيدة فلسفية انتقائية.

وقد قادت هذه النماذج ذات الأصل الأفلوطيني أبا حامد الغزالي إلى اتهام الفلاسفة بالكفر والإلحاد في كتابه “تهافت الفلاسفة”. ورداً عليه وضع ابن رشد كتابه “تهافت التهافت” ورأى إمكانية التوفيق بين الفلسفة والوحي.

من جهته، جمع السهروردي بين الوجود والنور، وتبعاً لذلك تعتبر نظريته في الوجود نظرية في النور. فالمعرفة، ومعرفة الذات هما حدث نوراني يحدث في نفس الأفراد. الله هو مصدر كل الأنوار، إنه نور خالص، وليس جسماً، ومن مصدر النور الأزلي هذا ينطلق بالمعنى الأفلوطيني لنظرية الفيض النور بمختلف رتبه ودرجاته، ما يعيدنا مجدداً إلى مسلّمة القول بأزلية العالم.

نتيجة التطوّر التاريخي العقلي للفلسفة وعلم الكلام، ظهر ما يسمّى بعلم الكلام الفلسفي أو “العلم الإلهي”. بعد الغزالي، قوي التوجّه الفلسفي في أوساط علماء الكلام الفرس كما مع الرازي(توفي 1209م) ونصير الدين الطوسي(توفي 1274م)، والأخير ممثل علم الماورائيات المدرسي، وقد دافع بوصفه فيلسوفاً عن عقيدة الشيعة الاثني عشرية في مقابل السنة في كتابه “تجريد الاعتقاد”.

أدى التطوّر الروحي للتصوّف ولعلم الكلام العقلاني في القرن السابع عشر إلى قيام نظام فلسفي مستقل، عرف تحت اسم “الحكمة”. يجمع هذا النظام بين مختلف التيارات العقلانية: النظرية الماورائية الأفلاطونية ــ الأرسطية، نظرية الكشف الفلسفية كما عند السهروردي، وحدة الوجود عند ابن عربي، نظرية علم الكلام العقلانية، والعقيدة الباطنية في أئمة الشيعة بوصفهم تمظهرات النور الإلهي. ويعتبر ميرداماد (توفي عام 1040م) مؤسس هذه المدرسة في العلم الإلهي، وقد أمضى القسم الأكبر من حياته فاعلاً في أصفهان.

تعتبر هذه المدرسة أن “الوحي الإلهي… والعقل الإنساني.. والكشف الصوفي.. بنظر رؤيوي وبالطريقة نفسها طريقاً لمعرفة الحقيقة الواحدة: يؤكد النظر العقلي الحقائق الإيمانية المنزلة بالوحي، كما أنه يمكن لنتائج النظر الماورائي أن تدرك بواسطة الرؤية الصوفية”.

بلغ هذا التفكير قمته مع الملا صدرا الشيرازي(توفي عام 1640م)، فهو يعتبر ان أفلاطون وأرسطو كانا من الحكماء على غرار الفلاسفة ما قبل سقراط. وهو يعتقد أن الموجودات هي تمظهرات الوجود الواجب، أي تمظهرات الله، النور. بدل مصطلح الفيض يستخدم مصطلح التمظهر بتأثير من ابن عربي في القول بميتافيزقيا النور. في العصر الذي تلا انصبغت الفلسفة بالأثر الذي تركه الملا صدرا.

ويرى الكاتب أن الأمر اختلف في الفضاء العثماني (السنّي) الفلسفي، حيث أطلقت فلسفة الغزالي في “تهافت الفلاسفة” تأثيراً تاريخياً واضحاً، بحيث يمكننا التحدث فعلاً عن إرث التهافت.

 

الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث

تبحث الفلسفة العربية ــ الإسلامية في تحديد العلاقة بين الأخذ عن الحداثة الأوروبية أو التوجّه إلى التقاليد الخاصة، إلى الإرث الخاص. وبذلك يطرح السؤال حول الهوية أو حول الاستقلال والتبعية. جرى الحوار مع أوروبا المتقدمة تحت عنوان “النهضة”، أي تجدد المجتمعات الإسلامية. ولم تحصل أي قطيعة مع التقليد الإسلامي، بل كان الأمر يتعلق بعملية إحياء مع الحرص على الاستفادة من المكتسبات التقنية الأوروبية لا من التصوّرات العلمانية التي تتعلق بالنظام الاجتماعي. كما أن الإسلاميين يقبلون بالحداثة الأداتية ويرفضون مذهبها الإنساني، وهذا هو السبب الذي جعلنا نرقب منذ بداية عصر الاستعمار “تعريباً أو أسلمة للتصوّرات الغربية القائمة” أي للقومية والاشتراكية والديموقراطية.

منذ القرن العشرين نشطت حركة ترجمة فلاسفة أوروبيين إلى العربية والتركية والفارسية، في وقت خضعت فيه النماذج والتصوّرات المأخوذة عن أوروبا إلى النقد. وأضحى اختصاص الفلسفة اختصاصاً قائماً بذاته في الجامعات.

ويعرض الباحث لحركة الإصلاح التي دعا إليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما، وصولاً إلى المفكرين المعاصرين من المفكر المغربي الراحل مؤخراً محمد عابد الجابري أكثر الداعين إلى العلمنة في العالم الإسلامي، بحسب الكاتب، إلى المصري حسن حنفي الذي رأى أن فهمه للأمور يقع في اتباع الأفغاني ومحمد عبده والمعتزلة وابن رشد، وصولاً إلى طيب تيزيني السوري ومحمد عارف العراقي وغيرهم الذين يستندون إلى مظاهر محددة من فلسفة ابن رشد ببعدها الغربي، وإلى تيار المعتزلة الكلامي ـ الفلسفي.

كما يعرض لآراء عدد آخر من المفكرين المعاصرين من المصري زكي نجيب محمود والطيب تيزيني والناشطة المغربية فاطمة المرنيسي ثم ينتقل إلى الحديث عن الإسلام السياسي مع سيد قطب، والمودودي، إلى تأويل النصوص مع الراحل المصري حامد نصر أبوزيد، والمفكر الجزائري الراحل محمد أركون، وأخيراً إلى المفكرين المتنورين هشام جعيط وهشام شرابي وحليم بركات والسوريين صادق جلال العظم وبسام الطيبي والمفكر الإيراني عبد الكريم سروش.

ويضم الكتاب مقالات أخرى عن الفلسفة الأفريقية وفلسفة أميركا اللاتينية، وتاريخ مختصر للمنطق، لا يتسع المقام لعرضها.

Optimized by Optimole