نصوص الجدل الإسلامي – المسيحي حتى القرن الرابع الهجري

نصوص الجدل الإسلامي – المسيحي حتى القرن الرابع الهجري
Spread the love

بقلم:د. هيثم مزاحم – صحيفة الحياة — كان من الطبيعي أن ينشأ – مع ظهور الإسلام بصفته رسالة خاتم الأنبياء محمد (ص) ودعوته الناس كافة، لا سيما أهل الديانات السماوية السالفة، إلى اعتناقه – جدل عقائدي بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، ومن ضمنهم المسيحيون.
ومن أجل فهم نشأة الجدل مع المسيحيين وتطوّره، بحث الدكتور عبدالمجيد الشرفي في أطروحته للدكتوراه المعنونة «الفكر الإسلامي في الرد على النصارى إلى نهاية القرن الرابع/ العاشر» (دار المدار الإسلامي)، عن كتب الجدل الديني فوجد مئات العناوين في مختلف اللغات من المؤلفات الجدلية. لكن الباحث اكتشف أن «الردود المسيحية على المسلمين جمعت ودرست ونشرت الجزء الأوفى منها، بينما لم تحظَ الردود الإسلامية على النصارى بالعناية نفسها «فلم تشملها أية دراسة ولم ينشر الكثير منها مما لا يزال مخطوطاً في أماكن متفرقة، علاوة على الردود التي ضاعت ولا نعرف سوى عناوينها».
وتوصّل الشرفي خلال مقارنته لكتب الرد على النصارى إلى نتيجتين لم يتوقعهما في البداية: الأولى هي أن الجدل الإسلامي – المسيحي اكتملت معالمه في نهاية القرن الرابع الهجري – العاشر ميلادي، وأن الردود المؤلفة في القرون اللاحقة إنما كانت تردد ما كتب في القرون الأربعة الأولى، بخاصة في القرنين الثالث والرابع، من دون أية إضافات مهمة في التحليل والاستشهاد بالنصوص أو التعمّق في اتجاهات سلكها الأقدمون. أما النتيجة الثانية فهي أن الحروب الصليبية، كانت عديمة التأثير أو تكاد في محتوى كتب الجدل الديني من الجانب الإسلامي، وإن كانت سبباً مباشراً في تعددها.
يذهب الباحث إلى أن الجدل الإسلامي – المسيحي خلال القرون الأربعة الأولى لم يكن «عملاً ذهنياً مجانياً البتة، بل كان سلاحاً نضالياً لبلوغ أغراض دينية ودنيوية معاً»، إذ كان «يستجيب لضرورات الدفاع عن النفس ودعم تماسك البنية الاجتماعية القائمة، ويستجيب في الآن نفسه لمقتضيات الحرب النفسية وما تتطلّبه من زرع بذور الشك عند الطرف المقابل على أمل حمله على اختيار ما يعتقد أنه الحل الصحيح والالتحاق بصف المدافعين عن الحق والخير». كما كان هذا الجدل «معبّراً بصفة ضمنية عن قيمة الدين المطعون فيه وقدرته على الإغراء وما يمثلّه من تحدٍّ في نظر الواعين بأهميته».
ولعل أبرز نصوص ردود المسلمين على النصارى التي وصلتنا هي:
أ- القرآن الكريم: غني عن القول أن القرآن هو المصدر الأساسي لأهم المواقف التي تبناها المسلمون من المسيحية والمسيحيين. والآيات القرآنية المتعلقة بالمسيحية مباشرة لا تتجاوز المئتين والعشرين آية من مجموع 6236 آية قرآنية. فهو إذاً، غرض ثانوي لا يمثل سوى 3.5 في المئة من النص القرآني.
ولعل أبرز ما تضمنته هذه الآيات هو دحض لعقيدة بنوة المسيح لله وتأكيدها أنه عبد ونبي جاء بالحكمة والبينات ودعا إلى التوحيد. وأكدت آيات عدة الوحدانية المطلقة لله التي لا تحتمل «أن يكون الله ثالث ثلاثة وأن يكون له ولد وأن يكون الله هو المسيح أو أن يكون المسيح ابنه». ونفت الآيات أن يكون عيسى دعا الناس إلى اتخاذه وأمه إلهين من دون الله وإلى عبادته، فما هو إلا رسول قد خلَت من قبله الرسل، أوتي الكتاب والحكمة والنبوة والبيّنات، وأُيّد بروح القدس، وأُوحي إليه الإنجيل مصدقاً لما بين يديه من التوراة. وكون المسيح كلمة من الله ألقاها إلى مريم وروحاً منه ولد من غير أب وجاء قومه بالآيات ورفعه الله إليه لا يحمله ذلك على الاستنكاف من أن يكون عبداً لله فمثله مثل آدم خلق من تراب ودعا الناس إلى عبادة ربّه وربهم وبشّر برسولٍ من بعده اسمه أحمد. وكما نفى القرآن ألوهية عيسى وعقيدة الثالوث، فإنه نفى أيضاً أن يكون اليهود قتلوا عيسى أو صلبوه. واشتمل القرآن على آيات أخر نصّت على كيفية تعاطي المسلمين مع النصارى.
ب- الحديث والتفسير: يشك الشرفي في صحة اعتبار مصنفات الحديث التي وصلتنا نصوصاً تسجل بأمانة أقوال النبي وأفعاله، ويتساءل عما إذا كان يجدر اعتبارها نصوصاً معاصرة للقرآن فيكون ما يتعلق منها بالمسيحية له أهمية خاصة، أم يجدر اعتبارها نصوصاً تعكس التصوّر الذي حصل في أذهان أجيال الرواة والمصنفين المتعاقبين لتلك الأقوال والأفعال، وهي على هذه الحالة تمتد على ثلاثة قرون على الأقل أي إلى بداية القرن الرابع – العاشر. لكنه يعتبر أن هذا السؤال يعسر الجواب عليه بصورة قطعية، إذ إن من المرجّح أن عدداً كبيراً من الأحاديث صحيح ولكنه يستحيل التأكيد أن هذا الحديث بالذات أو ذاك صحيح. ويرى المؤلف أن فهم النص القرآني قد تحدد بالظروف التاريخية التي عاشتها الأجيال الإسلامية الأولى، ونشأت سنّة تفسيرية بارزة المعالم طغت على ثروة النص الكامنة ووجهته وجهة معيّنة ليست بالضرورة هي الوجهة المثلى أو الوحيدة. وعليه فهو لا يعتبر التفاسير القرآنية نصوصاً مستقلة، إنما هي في نظره معيار لمدى تمثيل الردود للفكر الإسلامي في شأن المسيحية.
ج- النصوص الأخرى: ينتقل المؤلف إلى عرض قائمة بأبرز الردود الإسلامية على النصارى في القرون الأربعة الأولى، وهي على الشكل الآتي:
1- رسالة الهاشمي إلى الكندي يدعوه بها إلى الإسلام: يشك المؤلف في صحة نسبة هذه الرسالة إلى مسلم، هو إسماعيل الهاشمي، ويعتقد أن مؤلفها هو نصراني، نظراً إلى هشاشة الرسالة، بحيث وضعها ليسهل عليه نقضها.
2- «الرد على النصارى» و «الدين والدولة» وهما كتابان لعلي بن ربن الطبري (157 – 240هـ)، وهو نصراني اعتنق الإسلام.
3- «الرد على النصارى» للإمام الزيدي القاسم بن إبراهيم الرسي (170 – 246هـ).
4- «مقالة في الرد على النصارى» لأبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (185 – 252هـ).
5- «الرد على النصارى» لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (160 – 255هـ).
6- «الرد على النصارى» لأبي عيسى الوراق (ت 297هـ).
7- «كتاب التوحيد» لأبي منصور الماتريدي (ت 333هـ).
8- رسالة الحسن بن أيوب (ت 378هـ).
9- «الإعلام بمناقب الإسلام» لأبو الحسن العامري (ت 381هـ).
10- «كلام في مبادئ الموجودات» لأبو سليمان المنطقي (ت. بعد 391هـ).
11- «كتاب التمهيد» لأبو بكر الباقلاني.
12- القاضي عبدالجبار بن أحمد الهمذاني (ت 415هـ)، وهو أحد مفكري الاعتزال في القرنين الرابع والخامس، وله كتابان هما: «المغني في أبواب التوحيد والعدل»، وكتاب «تثبيت دلائل النبوة».
13- رد النصارى على مجهول المؤلف والعنوان: يفترض المؤلف أن هذا الرد الذي وصل إلينا مبتوراً بمقدار ورقة من الأول وورقة من الآخر، هو «الرسالة العسلية» التي ذكر القاضي عبدالجبار أنها للجاحظ في الرد على النصارى، لتشابهها مع أسلوبه الأدبي.
14- نصوص لم يطلع عليها المؤلف لكنه علم بوجودها، أبرزها مناظرات الإمام علي بن موسى الرضا عند الشيعة الاثني عشرية مع علماء الأديان الأخرى ومنها النصارى الواردة في كتاب عيون أخبار الرضا.
كما يقوم الكاتب بذكر النصوص التي لم تصل إلينا وهي لحوالى 33 مؤلِّفاً.

Optimized by Optimole