في نقد أهل التطرف

في نقد أهل التطرف
Spread the love

 

بقلم: بكر أبو بكر

في هذه الندوة[1] أود أن أعرض لمسائل سريعة حول التطرف تبرز نماذجا خمسة من فكر أو نماذج التطرف أو متعلقاته، وما قد يصح ارتباطه به من غلو وتعصب، وتطويع للعقول، وبشكل ما الإرهاب.

إن التطرف هو ما أسماه المسلمون بتاريخهم الغلو[2] من المغالاة والتشدد والتعصب بالشيء إلى مداه.

وهو للعلم أي التطرف والغلو لا يتعلق بديانة محددة أو قومية أو فكرانية (أيديولوجية) محددة، بل قد يبرز من أي منها ما تهيأت له الظروف الذاتية والموضوعية.

كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلق على صور الغلو في العبادة بقوله: “عليكم بما تطيقون؛ فو الله لا يمل الله حتى تملوا”.(البخاري ومسلم)، وبقوله: “ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد”.(البخاري).[3]

إن التعصب و التطرف[4] و الإرهاب جزء أصيل من العقيدة اليهودية (التناخ) بتفسيراتها المغالية التي يتبناها اليمين في (إسرائيل) اليوم ، وجزء أصيل من العقيدة الصهيونية.

ويقول في ذلك الباحث العربي السيد يسين: “التطرف الفكراني (=الإيديولوجي) لدولة (إسرائيل) مثال بارز وهي التي رفعت شعار الصهيونية وهى– كما اعترفت الأمم المتحدة في قرار شهير لها صدر ذات مرة – إيديولوجية عنصرية. هذا التطرف الإيديولوجي الصهيوني كان وراء الصراع الدامي الذي دار مع الشعب الفلسطيني والشعب العربي منذ إنشاء هذه الدولة في عام 1948، بل وحتى قبل إنشائها حين تدفقت موجات الهجرة الصهيونية إلى أرض فلسطين.”[5]

البهائي والجاحظ والوردي

ولنبحر مع التاريخ الحضاري العربي الإسلامي.

أولا: حيث يورد د. علي الوردي نقلا عن الشيخ محمد البهائي مقولة توافق ما قال به الجاحظ  وهي رأي أو مقولة تظهر مقدار الفهم المتسامح علي عكس فكر الغلو والتطرف. إذ يقول البهائي أن المكلف إذا بذل جهده في تحصيل الدليل، فليس عليه شيء إذا كان مخطئا في اعتقاده، ولا يخلد بالنار وان كان بخلاف الحق” ، بينما يقول الجاحظ “إن الله لا يعاقب الكفار إلا أولئك المعاندين الذين يدركون الحق ويحيدون عنه حرصا على جاه أو رئاسة، أما الباقون منهم-وهم الذين يمثلون سواد الناس وأكثريتهم- فإن من الظلم عقابهم لأنهم لا يفهمون الحق إلا من خلال العادات والتقاليد التي نشأوا عليها والله ليس بظلام للعبيد”.[6]

ويعلق د. علي الوردي[7] علي ما سبق قائلا “لا حاجة بنا إلى القول إن هذه النظرية التي جاء بها الجاحظ والبهائي لا يمكن أن تلقى قبولا من المتعصبين، الذين اعتادوا أن ينظروا إلى كل من يخالفهم بالعقيدة نظرة عداء شديد، ويعتبرونه مخلدا في النار، لا شفاعة تنفعه ولا يقبل منه عذرا.[8] فطبيعة المتعصبين أنهم يتصورون أن الحق واضح ومن السهل الوصول إليه عن طريق الدليل العقلي، وهم يتصورون كذلك أن المخالف لهم إنما انحرف عن الحق عنادا، إذ هو في أعماق نفسه يعرف الحق ثم يحيد عنه عمدا. وهذا هو الذي جعل المتعصبين من أصحاب العقائد المختلفة لا يترددون أن يعذبوا مخالفيهم أو يذبحوهم ويسبوا نساءهم وأطفالهم دون أن يرق لهم قلب أو يؤنبهم ضمير”.[9]

الإرهاب الأميركي ونعوم تشومسكي

أما ثانيا وفي سياق التطرف فإن أول ما يتبادر إلى الذهن الإرهاب،[10] ورغم أن للإرهاب تعريفات عدة[11] ، ونرى أن منها الإرهاب الفكري والإرهاب النفسي والإرهاب العنفي الجسدي، وهذه التعريفات قد تنطبق على الأفراد أو الجمعات أو الدول أو دونا عن الدول في سياق من هو القائم بالتعريف بحيث يجب النظر للاحتلال أو الاستعمار كإرهاب دولة أم لا؟ وكيف باستبداد الدولة وقمع المواطنين. ومع ذلك فان في الإرهاب تطرف وسوء استخدام القوة.

إلا أن النقطة الهامة هنا التي نريد عرضها سريعا هي ما يقوله المفكر الأميركي التقدمي نعوم تشومسكي الذي بعد استعراضه لمعني الإرهاب لدى أميركا خاصة مثل التعريفات لوكالة الاستخبارات الأميركية CIA التي عرفت الإرهاب عام 1980: (التهديد الناشئ عن عنف من قبل أفراد أو جماعات)، أو تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي عام 1983م القائل أن: (الإرهاب هو عمل عنيف أو عمل يشكل خطراً على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دولة)، يخلص للقول أن حقيقة الإرهاب[12] حسب التعريف الحقيقي الأميركي هو ٤ كلمات شديدة الوضوح هي “أي اعتداء يمارس ضدنا”!.[13]

الأشعري والإسلاميين

النقطة الثالثة التي أحب عرضها هنا هي مقولة الإسلاميين والإسلامويين والمسلمين والإسلام السياسي، والأخيرة مما لا أقره، فالإسلام واحد، وان تعددت أفهامه. فهذا من تعدد السبل المنصوص عليها في القرآن الكريم وهي في اصل قاعدة الاجتهاد والتفكر والتأمل.

وعليه فان احتكار مصطلح الإسلامي أو الإسلاميين أو الإسلامية من حزب أو جهة أو فئة دونا عن سائر المسلمين مرفوض لدينا وملفوظ.

وسنعلق بنقطة واحدة هي النظر في المصطلح كيف بدأ، فمما يُذكر أن أول استخدام للمصطلح أي مصطلح “الإسلامية” قد ورد  في القرن الرابع الهجري حين كتب أبو الحسن الأشعري كتابه الشهير: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين[14] والذي تعرض فيه لجميع المذاهب وقسمها إلي عشرة حينها، واعتبرهم كلهم إسلاميين، وليس وفق معنى المصطلح اليوم باحتكاريته للصواب والحق والمقدس ضمن الحزب أو الجماعة أو الشخوص حتي مع اختلاف المصلين ضمن حملة يافطة الإسلاميين.

وقال الأشعري في ذلك: «اختلف الناس بعد نبيهم على أشياء كثيرة ضلّل بعضهم بعضا وبرأ بعضهم من بعض فصاروا فرقا متباينين وأحزابا متشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم».

أما النقطة الرابعة حول اختلاف النظر بين التسامح والتشدد أو التطرف فيكفينا النظر للحوار التالي بلا تعليق منا:

نموذج للبيئة الحاضنة (بن باز في مواجهة شيخ الأزهر)

تعقيب على مقالة الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر بعنوان: علاقة الإسلام بالأديان الأخرى[15]

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ سماحة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر وفقه الله للخير، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فقد اطلعت على مقالة لسماحتكم نشرتها صحيفة الجزيرة السعودية في عددها الصادر في يوم الجمعة 16/5/1415هـ بعنوان: “علاقة الإسلام بالأديان الأخرى” ورد في أولها من كلامكم ما نصه:

(الإسلام يحرص على أن يكون أساس علاقاته مع الأديان والشعوب الأخرى هو السلام العام والود والتعاون؛ لأن الإنسان عموماً في نظر الإسلام هو مخلوق عزيز كرمه الله تعالى وفضله على كثير من خلقه، يدل لهذا قول الله تعالى في سورة الإسراء: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا[1]، والتكريم الإلهي للإنسان بخلقه وتفضيله على غيره يعد رباطاً سامياً يشد المسلمين إلى غيرهم من بني الإنسان، فإذا سمعوا بعد ذلك قول الله تعالى في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[2]، أصبح واجباً عليهم أن يقيموا علاقات المودة والمحبة مع غيرهم من أتباع الديانات الأخرى، والشعوب غير المسلمة، نزولاً عند هذه الأخوة الإنسانية، وهذا هو معنى التعارف الوارد في الآية..) الخ.

ولقد كدرني كثيراً ما تضمنته هذه الجمل من المعاني المخالفة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ورأيت من النصح لسماحتكم التنبيه على ذلك: فإنه لا يخفى على سماحتكم أن الله سبحانه قد أوجب على المؤمنين بغض الكفار، ومعاداتهم، وعدم مودتهم وموالاتهم، كما في قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[3]، وقال سبحانه في سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[4]، وقال سبحانه في سورة الممتحنة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ * لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[5] الآية، وقال سبحانه في سورة المجادلة: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ[6] الآية.

فهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها من الآيات الأخرى كلها تدل على وجوب بغض الكفار، ومعاداتهم، وقطع المودة بينهم وبين المؤمنين حتى يؤمنوا بالله وحده، أما التعارف الذي دلت عليه آية الحجرات فلا يلزم منه المودة ولا المحبة للكفار، وإنما تدل الآية أن الله جعل بني آدم شعوباً وقبائل؛ ليتعارفوا، فيتمكنوا من المعاملات الجائزة بينهم شرعاً كالبيع والشراء، وتبادل السفراء، وأخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس، وغير ذلك من العلاقات التي لا يترتب عليها مودة ولا محبة.

وهكذا تكريم الله سبحانه لبني آدم لا يدل على جواز إقامة علاقة المودة والمحبة بين المسلم والكافر، وإنما يدل ذلك على أن جنس بني آدم قد فضله الله على كثير من خلقه.

فلا يجوز أن يستنبط من الآيتين ما يخالف الآيات المحكمات المتقدمة وغيرها الدالة على وجوب بغض الكفار في الله ومعاداتهم، وتحريم مودتهم وموالاتهم؛ لما بينهم وبين المسلمين من البون العظيم في الدين.

والواجب على أهل العلم تفسير القرآن بما يصدق بعضه بعضاً، وتفسير المشتبه بالمحكم، كما قال الله جل وعلا: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ[7] الآية، مع أن الحكم بحمد الله في الآيات المحكمات المذكورة وغيرها واضح لا شبهة فيه، والآيتان اللتان في التعارف والتكريم، ليس فيهما ما يخالف ذلك.

وقد ورد في المقال أيضاً ما نصه: (فنظرة المسلمين إذن إلى غيرهم من أتباع اليهودية والنصرانية هي نظرة الشريك إلى شركائه في الإيمان بالله والعمل بالرسالة الإلهية التي لا تختلف في أصولها العامة).

وهذا – كما لا يخفى على سماحتكم – حكم مخالف للنصوص الصريحة في دعوة أهل الكتاب وغيرهم إلى الإيمان بالله ورسوله، وتسمية من لم يستجب منهم لهذه الدعوة كفاراً.

ومن المعلوم أن جميع الشرائع التي جاءت بها الأنبياء قد نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد من الناس أن يعمل بغير الشريعة التي جاء بها القرآن الكريم والسنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ[8]،  وقال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[9]، وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[10]، وقال سبحانه: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ[11]، وقال سبحانه: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ[12] الآية، وقال عن اليهود والنصارى في سورة التوبة: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[13] والآيتين بعدها.

والآيات في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على كفر اليهود والنصارى باتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وقول اليهود: عزير ابن الله، وقول النصارى: المسيح ابن الله، وتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وعدم إيمانهم به إلا من هداه الله منهم للإسلام.

وقد روى مسلم في صحيحه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار))، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))، والأحاديث الدالة على كفر اليهود والنصارى، وأنهم أعداء لنا كثيرة.

وإباحة الله سبحانه للمسلمين طعام أهل الكتاب ونساءهم المحصنات منهن لا تدل على جواز مودتهم ومحبتهم، كما لا يخفى على كل من تدبر الآيات وأعطى المقام حقه من النظر والعناية.

وبذلك كله يتبين لسماحتكم خطأ ما ورد في المقال من:

1- القول بأن الود والمحبة من أساسيات العلاقة في الإسلام بين الأديان والشعوب.

2- الحكم لأتباع اليهودية والنصرانية بالإيمان بالله والعمل بالرسالة الإلهية التي لا تختلف في أصولها العامة.

وتواصياً بالحق كتبت لسماحتكم هذه الرسالة، راجياً من سماحتكم إعادة النظر في كلامكم في هذين الأمرين، وأن ترجعوا إلى ما دلت عليه النصوص، وتقوموا بتصحيح ما صدر منكم في الكلمة المذكورة براءة للذمة، ونصحاً للأمة، وذلك مما يحمد لكم إن شاء الله، وهو يدل على قوة الإيمان، وإيثار الحق على غيره متى ظهرت أدلته.

والله المسئول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم وسائر علماء المسلمين لمعرفة الحق واتباعه، وأن يمن علينا جميعاً بالنصح له ولعباده، وأن يجعلنا جميعاً من الهداة المهتدين، إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.[16]

تطويع العقول

في النقطة الخامسة دعوني أعرض عليكم عددا من النقاط التي في اعتقادي من الممكن أن تستخدم من قبل أي شخص أو حكومة أو جماعة، أكان لون هذه النقاط سياسي أو فكري أو إعلامي أو ديني الخ، للتأثير علي الناس أو تطويعهم وقولبتهم:

١-خداع الحواس: باللون والصورة والرائحة أي بالتلاعب بالحواس الخارجية والداخلية. (وفي هذه أصبح الإعلام أداة رئيسة وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي).

٢-استنزاف المشاعر: بإثارة التعاطف مع مسألة خطأ (كأن تتعاطف مع سارق في شريط اجنبي، أو تتعاطف مع فعل فاضح لأنه جاء بشكل فكاهي، أو تتعاطف مع قاتل لأن القتيل من مذهب آخر)

٣-استسخاف العقول، وتضليل الشعارات: بمثل تحويل الفكرة إلى تجارة أو بتتفيه القيم، أو باستخدام شعارات مضللة ثلاثية الكلمات عميقة المعاني، ولكنها بعيدة عن الحق والفهم مثل (الإسلام دين ودولة وهو دين وأمة فالدولة تدول أي تزول، ومثل الإسلام هو الحل، دون فهم ما هي المشكلة وكيف يكون الحل، فالمشاكل كثيرة والحلول بدائل متعددة، أي دون فهم للمعاني ومثل صوتك أمانة في إشارة للحق والباطل…الخ)

٤-صناعة الأبطال من وهم: وترسيمهم نماذج يقتدى بها. (أنظر لأبطال الرسوم المتحركة، وأنظر لأبطال التاريخ الأسطوريين…)

٥-انهاك الجمهور: بالمنتجات والقيم الاستهلاكية، أو الاستئثارية

٦-إثارة الشهوات: وإطفاء نار الأخلاق والمبادئ بالعروض والترويج (ولم يكن من تنظيم “داعش” كمثال إلا أن أعاد الرق والسبي للنساء، وأن أجاز نكاح الأجنبيات في سياق إثارة الشهوات وكسب الأنصار من الشباب)

٧-افقاد الأشياء معانيها أو قيمتها: مثل معاني العائلة أو الأمة  أو الدين أو التآلف أو الوحدة أو المحبة أو حسن الاختلاف مقابل تبني معاني الانتماء للطائفة أو المذهب أو الفلسفة المحددة …..

ونختم هذه الندوة بقصة حقيقية هي قصة أحمد (طرابلسي) الأبوين عمره ١٩ عاما سنة ثانية محاسبة في إحدى جامعات سدني –أستراليا، والده يعمل سائق سيارة أجرة وأمه ربة منزل، له ثلاثة أخوان أصغر منه ؛ والده غير متعلم ولغته الإنجليزية ثقيلة، أما الأم فلا تجيد الإنجليزية، ومستواها الثقافي بسيط جدا؛ ومثل اغلب العائلات اللبنانية (والعربية) التي هاجرت هربا من الحرب في لبنان يبقى التعلق بالوطن ضمن روابط دينية واجتماعية وسياسية مع بناء جدار بين أبنائهم والمجتمع الأسترالي ليحافظوا على ثقافتهم ودينهم.

وأهم نقطة تعلم الدين واللغة العربية والتي لا تعلمها المدراس الحكومية الاسترالية، لكن يوجد مراكز كثيرة لتعليمها في فترات مسائية بالجوامع والمعاهد العربية ؛ هذا لمن لا يقدر على دفع الرسوم العالية في المدارس الخاصة الإسلامية.

وبكثير من الأسف يحلم الأبوين أن يتعلق أبناؤهم بالمساجد وصلاة الجماعة؛ إلا أن الاستزادة بحضور جلسات الذكر بعد الصلاة يفتح الباب لإقامة علاقات مع مشايخ وأفراد قد يكون لهم أهداف تتجاوز تعليم الدين.

في العام الحالي 2014 تم التسليط الضوء على أكثر من مسجد تستخدم جلسات الذكر للتغرير بالمراهقين وجعلهم يتمردون على أسلوب حياة أهليهم.

أم أحمد لاحظت ذلك على ابنها الذي بدأ يتذمر من سماع الموسيقى والأغاني العربية، كما أنه توقف عن التدريبات مع فريقه المحلي بلعبة كرة القدم الاسترالية “الفوتي” بسبب أن هناك بعض اللاعبين يشربون الكحول وغير مسلمين

إضافة لبداية غيابه عن الجامعة وتفكيره الجدي بالعودة إلي طرابلس التي لا يعرفها إلا من خلال زيارات متقطعة .

وكان سابقا يفضل عدم تكرار الزيارة إلي لبنان واعتبار نفسه أسترالي ولا يمكن أن يندمج مع حياة لبنان.

أم أحمد استغربت كل هذه التصرفات أما والده فقال له افعل ما شئت ولكن الجامعة هي مستقبلك؟ بينما أحمد قرر الرحيل عن منزل الأسرة والسكن مع أصدقاء جدد: وبعد أسبوع قام والده بزيارته في سكنه الجديد وتفاجأ بأصدقاء احمد المتشددين واستقبالهم الباهت له.

سأل الوالد أبنه أحمد لماذا يتصرف أصدقاؤه بهذه الطريقة ؛ فقال أحمد : يا والدي أنت حليق اللحية وهذا لا يليق بالمسلم وهو تشبه بالملحدين!

غضب الوالد وصفع ابنه على وجهه وطلب منه العودة للمنزل فورا ؛ وضمن كلام أحمد الرافض لكل كلمة يقولها والده قال له سأعود إلي وطننا في دولة الإسلام عند خليفتنا ولن أعود لحياتك الفاسدة!

ويرد والده : أنا يا ابني عمري ما عملت الحرام ولا عمري طعميتك (أطعمتك) حرام وأنا هربت من موت الحرب ؛ الحرب مش لعبة الحرب وجع وموت كل ساعة.

خرج الوالد وتوجه إلي أحد المشايخ وشرح له أن ابنه مغرر به، ويريد المساعدة وفعلا ذهب الشيخ معه لكن لم يتم استقبالهم نهائيا في المنزل.

حاولت الأم زيارة ولدها في بيت أصدقائه ولكنه رفض استقبالها هي أيضا؛ فتوجهت لمخفر الشرطة وقالتها: احبسوه، بس ما يطلع على سوريا أنا ابني أنضحك عليه.

ولكن المسألة احتاجت محامي وسرد أدلة عن التغيير المفاجئ بحياته؛ ثم حاولت الشرطة إلا انه كان يرفض كل شيء وكان بطريقة للمطار قبل إصدار الحكم النهائي بقضيته.

ولكن أمه التي وقفت بمنتصف المطار وافتعلت مشكلة معه، وانه ضربها وتم حجزه ثم التحقيق معه، ثم كان قرار المحكمة أنه تعرض لغسيل دماغ مبرمج وهو شخص خطير جدا على المجتمع وهو بحاجة لعلاج نفسي واجتماعي وممنوع من زيارة الأهل خلال العامين القادمين

أم أحمد قالت: ابنها رح يرجع مثل ما كان وأحسن “بس شو على باقي الشباب اللي ما إلحقناهن” (لحقناهم)؟

 

[1]ألقيت كمداخلة في المؤتمر الختامي لمشروع القيادات الشابة في جامعة القدس المفتوحة المنعقد في أريحا 29/12/2018 فلسطين. وتحت عنوان الجلسة: التنظيمات الأيديولوجية والمتطرفة.

[2] الغلو: مجاوزة الحد المشروع في الدين بالاعتقادات أو الأقوال أو الأعمال. ونقل ابن القيم عن بعض السلف قوله: “ما أمر الله تعالى بأمرٍ إلَّا وللشَّيطان فيه نزغتان، إمَّا إلى تفريط وتقصير، وإمَّا إلى مجاوزةٍ وغلوٍّ، ولا يبالي بأيِّها ظَفَر”

[3] قال القرطبي في الخوارج: (… لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم ، وتركوا أهل الذمة، وقالوا: نفي لهم بعهدهم ، وتركوا قتال المشركين ، واشتغلوا بقتال المسلمين ، وهذا كله من آثار عبادة الجهال، الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم ، ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم…).

[4]أن معادلة التطرف تتطلب تحقق 3 شروط تؤدي إلى صنع البيئة الخصبة أو المخصبة والمولدة للتطرف هي: العزلة والحماس الشديد (التعصب) والجهل. وبعد مرحلة التخصيب يحتاج لشحن مستمر وتحريض دائم وتكرار كثير يترافق مع تواصل الإنكار أو الإهمال أو النبذ من البيئة  المحيطة أو الاستهتار والتهوين، كما يزرع بذوره بقوة استنكاف المؤسسات والتنظيمات والأشخاص الواعين عن التنبه له إما تهوينا منه وانشغالا بأولويات أخرى أو….

من بحث لنا حول الموضوع.[5]

[6]احمد أمين، ضحى الإسلام، القاهرة،ص٢٣٨

[7] د. علي الوردي (1913-1995) عالم اجتماع عراقي، أستاذ ومؤرخ وعُرف بتبنيه للنظريات الاجتماعية الحديثة في وقته، لتحليل الواقع الاجتماعي العراقي، وكذلك استخدم تلك النظريات بغرض تحليل بعض الأحداث التاريخية، كما فعل في كتاب وعاظ السلاطين.

[8] في مذكراتها المنشورة في عام 1993 بعنوان «جيل بلا تحفظات: بلوغ سن الرشد في عصر ما بعد ستالين»، تشير ليودميلا ألكسييفا إلى عدم وجود مقابل مناسب لكلمة «مُعارِض» في اللغة الروسية.وحتى المصطلح الذي يستخدم أحياناً في محل هذه الكلمة يترجم إلى “من يفكرون على نحو مختلف”!

وبمرور الوقت، تبنت الصحافة السوفييتية المصطلح الإنجليزي، في الإشارة إلى المعارضة.

[9] مركز المسبار، علي الوردي، الصفوية التاريخ والصراع والرواسب، مرز المسبار للدراسات، دبي ٢٠١١ ص٥-٣٦ .

[10] أول من أدخل كلمة الإرهاب في قاموس عالمنا الإسلامي الوادع الهادئ هم العصابات اليهودية في فلسطين المحتلة وذلك بشهادة “باتريك سيل” إذ يقول: (أثناء التمرد العربي في الفترة من 1936-1939 كانت ال”ستيرن جانج” أول من أدخل الإرهاب إلى الشرق الأوسط عن طريق تفجير القنابل في الحافلات وفي الأسواق العربية. ومنظمة “الأرجون” اليهودية الإرهابية وهي فكرة مثير الفتن روسي المولد “فلاديمير جابوتنسكي” والذي كان يدعو إلى استخدام القوة بدون خجل”الجدار الحديدي” ضد العرب لإقامة سيادة يهودية كاملة فوق ضفتي نهر الأردن وهو جدول الأعمال الذي تبناه تلامذته المخلصون إسحاق شامير ومناحم بيجين)-(باتريك سيل: بندقية للإيجار/مراجعة وتقديم/أحمد رائف/مركز الدراسات والترجمة/الزهراء للإعلام/ص109).

[11] في الطبعة الأولى من كتاب الإرهاب السياسي ( (Political Terrorismسجل “شميد” مئة وتسعة تعريفا من وضع علماء متنوعين من جميع العلوم الاجتماعية.

[12] تعريف وزارة الدفاع الأميركية عام 1986م: الاستعمال أو التهديد غير المشروع للقوة ضد الأشخاص أو الأموال، غالباً لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو عقائدية، والتعريفات نقلا عن مقال للدكتور هاني السباعي.

[13] يقول تشومسكي متهكما: انه الإرهاب الذي يمارسونه ضدنا أينما كنا نحن، وذلك في ص 44 من كتاب السيطرة على الإعلام لنعوم تشومسكي وتعريب أميمة عبداللطيف ونشر دار ابن خلدون عام 2003.

[14] هو كتاب من تأليف الإمام أبي الحسن الأشعري (ت 324 هـ). قال الإمام الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الإمام الأشعري جمع في هذا الكتاب مذاهب المنتمين للإسلام، وكذلك الاختلافات بين المصلين، منوها بأن كلمة مصلين مختارة بعناية فهو يقول «من صلى إلى قبلتنا فهو منا ولا نكفره». وأشار إلى أن الإمام الأشعري قسم الفرق إلى عشر فرق كبرى ومن كل فرقة كبرى انقسمت إلى عدة فرق كل فرقة منها تكفر الأخرى، منوها بأن الإمام الأشعري فطن إلى تعمد الكذب بين الفرق ومخالفيها من الآراء وإضافة أقوال ليست منها، بقصد التشنيع بهم. وأوضح، أن الإمام الأشعري هو الوحيد الذى تصدى للمعتزلة وناظرهم وخطأهم وألقى من الضوء الكثير على نقاط الضعف عندهم، لافتاً إلى أن له عدة كلمات تكتب بماء من ذهب حيث قال «اختلف الناس بعد نبيهم على أشياء كثيرة ضلل بعضهم بعضا وبرأ بعضهم من بعض فصاروا فرقا متباينين وأحزابا متشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم»-الموسوعة الحرة على الشابكة.

[15] http://www.binbaz.org.sa/mat/8591

[16] [1] سورة الإسراء الآية 70.   [2] سورة الحجرات الآية 13.  [3] سورة المائدة الآية 51.  [4] سورة آل عمران الآية 118.  [5] سورة الممتحنة الآيات 1 – 4.   [6] سورة المجادلة الآية 22.   [7] سورة آل عمران الآية 7.   [8] سورة النور الآية 54.   [9] سورة الأعراف الآية 157.   [10] سورة الأعراف الآية 158.   [11] سورة المائدة الآية 17.   [12] سورة المائدة الآية 73.   [13] سورة التوبة الآية 31.

 

Optimized by Optimole