عن التنوع العرقي في الولايات المتحدة

عن التنوع العرقي في الولايات المتحدة
Spread the love

د. هيثم مزاحم

سلطت الاحتجاجات الأخيرة ضد التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأميركية، إثر مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد خنقاً على يد شرطي، الضوء على التوزع العرقي والإثني في أميركا، والذي ينذر بتحول ديموغرافي على المدى المتوسط والبعيد.

يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة نحو 330 مليون نسمة، يشكل البيض 73 بالمئة منهم بينما يشكل البيض من غير اللاتينيين نحو 60.7 بالمئة من السكان.

ويشكل اللاتينيون أو الهيسبانيون أكبر أقلية إثنية في البلاد بنسبة 18 بالمئة من عدد السكان، أي نحو 50 مليون نسمة، بينما يشكل الأميركيون الأفارقة أو السود ثاني أقلية عرقية بنسبة نحو 14 بالمئة من عدد السكان، أي أكثر من 48 مليون نسمة، وهو عدد كبير يفوق أعداد سكان دول صغيرة مجتمعة، وسكان دولة أوروبية متوسطة.

{يشكل الأميركيون الأفارقة أو السود ثاني أقلية عرقية بنسبة نحو 14 بالمئة من عدد السكان}

ويشكل السكان الأصليون للبلاد، الذي يسميهم البعض بـ”الهنود الأميركيين”، وسكان ألاسكا، نحو 1.3 بالمئة من السكان.

واعترف أحدث تعداد أميركي للسكان رسمياً بخمس فئات عرقية (أميركي أبيض، أسود أو أميركي من أصل أفريقي، أميركيون أصليون وسكان ألاسكا الأصليون، أميركيون آسيويون، وسكان هاواي الأصليون وجزر المحيط الهادئ الأخرى) بالإضافة إلى أشخاص من عرقين أو أكثر.

يمثل الأميركيون البيض الأغلبية في كل منطقة محددة بالتعداد (الشمال الشرقي، الغرب الأوسط، الجنوب، الغرب) وفي كل ولاية باستثناء هاواي، لكنهم يشكلون أعلى نسبة من السكان في الغرب الأوسط للولايات المتحدة، بنسبة 85٪. ويشكل البيض غير اللاتينيين 79٪ من سكان الغرب الأوسط، وهي أعلى نسبة في أي منطقة. ومع ذلك، فإن 35٪ من الأميركيين البيض (سواء كانوا من الأميركيين البيض أو البيض غير اللاتينيين) يعيشون في الجنوب.

ويعيش 55٪ من الأميركيين من أصل أفريقي في الجنوب. وتوجد غالبية المجموعات الإثنية الرسمية الأخرى في الغرب إذ يضم 42٪ من الأميركيين اللاتينيين و46٪ من الأميركيين الآسيويين و48٪ من الهنود الأميركيين وأهل ألاسكا الأصليين و68٪ من سكان هاواي الأصليين وسكان جزر المحيط الهادئ الآخرين و37٪ من عرقين أو أكثر من السكان الأميركيين متعددي الأعراق.

{يعيش 55٪ من الأميركيين من أصل أفريقي في الجنوب}

نضال السود لإلغاء التمييز العنصري

وبالعودة إلى الاحتجاجات ضد التمييز العنصري، فإنها لا تختص فقط بالأميركيين السود وإن كانوا الأكثر عرضة للتمييز والاضطهاد. كما أن المحتجين والناشطين المطالبين بعدالة ومساواة أكثر وإلغاء جميع أنواع التمييز العرقي والإثني هم من البيض.

ولا شك أن الأميركيين الأفارقة قد ناضلوا لأكثر من قرنين للحصول على حقوقهم بدءاً من إلغاء الرق وصولاً إلى منحهم الحقوق المدنية حيث ألغيت جميع قوانين الفصل العنصري وتمت الموافقة على الحقوق المدنية كما بدأت إعادة النظر بالتمييز العنصري في ستينات القرن العشرين. وفي سنوات 1970، وبعد عقدين من النضال تمكن الأميركيون الأفارقة من الالتحاق بالشرطة في المدن الكبرى، وأصبح بعضهم بمرتبة عمدة وشريف وحتى نواباً في الكونغرس أو ضباطاً في الجيش. وفي عام 2008 انتخب أول رئيس أسود وهو السناتور بارك أوباما.

لكن ذلك لم يلغ جميع أشكال التمييز العنصري في أميركا، على غرار معظم دول العالم، التي ينتقد بعضها الولايات المتحدة وهي تعاني كذلك من أنواع مختلفة من التمييز العنصري والديني والطبقي.

على أي حال، فإن تحقيق العدالة والمساواة في أي دولة وإلغاء جميع أشكال التمييز هي مسألة تراكمية تحتاج عقوداً وقروناً ولا تنجز فقط بإقرار قوانين وشرعات حقوقية، بل هي نتيجة تراكم ثقافي وتربوي.

{تحقيق العدالة والمساواة وإلغاء جميع أشكال التمييز هي مسألة تراكمية تحتاج عقوداً وقروناً}

تفشي كورونا بين الأميركيين السود بنسبة أكبر

كشف وباء كورونا عن حجم التمييز العنصري والطبقي في عدد من الدول، ومنها أميركا. فقد ساد الاعتقاد منذ بدء انتشار هذا الفيروس في العالم أنه فيروس يساوي بين الجميع، لا يميز بين عرق ودين وطبقة ودولة وقارة. فهو ليس عنصرياً ولا طائفياً ولا طبقياً ولا جهوياً. لكن واقع الحال لم يكن كذلك في الولايات المتحدة حيث أظهرت الإحصاءات أن الأميركيين من أصل أفريقي يصابون ويموتون بمعدلات أعلى من الأعراق الأخرى. هذا ما أظهرته البيانات في عدد من المدن والولايات على الرغم من تعمد بعضها عدم إدراج العرق في إحصاءات الإصابات والوفيات بمرض “كوفيد – 19″، كي لا يظهر جلياً ارتفاع نسبة الإصابات والوفيات بين السود.

ووفقاً لتحليل لصحيفة “واشنطن بوست” للبيانات المبكرة من الولايات في جميع أنحاء البلاد، بدا أن الفيروس يصيب ويقتل الأميركيين السود بمعدل مرتفع بشكل غير متناسب. وقد أدى هذا التفاوت العنصري الصارخ إلى الاعتراف بالمخاطر المتزايدة على الأميركيين الأفارقة وسط تزايد المطالب بأن ينشر مسؤولو الصحة العامة مزيداً من البيانات حول عرق المرضى والنزلاء في المستشفيات والموتى بسبب العدوى.

وأظهر التحليل اللاحق للبيانات المتاحة والتركيبة السكانية أن المقاطعات ذات الأغلبية السوداء كانت لديها ثلاثة أضعاف معدل الإصابة بفيروس كورونا وحوالي ستة أضعاف معدل الوفيات في مقاطعات يكون السكان البيض هم الأغلبية فيها.

{المقاطعات ذات الأغلبية السوداء لديها 3 أضعاف الإصابة بالفيروس ونحو 6 أضعاف الوفيات}

فعلى سبيل المثال في مدينة ميلووكي، في ولاية ويسكونسن، وهي واحدة من أكثر المدن التي تتعرض للتمييز العنصري في الولايات المتحدة، فقد شكل الأميركيون من أصل أفريقي ما يقرب من نصف حالات الإصابة في مقاطعة ميلووكي و81٪ من حالات الوفاة، على الرغم من أن السود يشكلون 26٪ فقط من السكان هناك، وذلك في بداية تفشي الوباء.

هذا التفاوت مماثل في لويزيانا، حيث كان 70 في المائة من الأشخاص الذين ماتوا بسبب مرض “كوفيد- 19” من السود، على الرغم من أن الأميركيين الأفارقة يشكلون 32 في المائة فقط من سكان الولاية. وقد وقعت حوالى 40٪ من وفيات فيروس كورونا في منطقة نيو أورليانز، حيث غالبية السكان من السود.

وفي ميشيغان، مثل الأميركيون الأفارقة 33 في المائة من الحالات وحوالى 40 في المائة من الوفيات، على الرغم من أنهم يشكلون 14 في المائة فقط من السكان. بينما مثل السكان البيض حوالى 23٪ من الحالات المسجلة في ميشيغان و28٪ من الوفيات. وأكثر من ربع الوفيات حدثت في ديترويت، حيث يشكل السود 79 في المائة من السكان، ومثلت المدينة مع الضواحي المحيطة بها نحو 80٪ من حالات فيروسات كورونا المؤكدة.

لكن ما الذي يفسر هذا التفاوت في عدد الإصابات والوفيات؟

يقول مسؤولو الصحة إن الأميركيين الأفارقة يعانون من معدلات البدانة ومرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والجهاز التنفسي، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بـمرض كورونا.

{الأميركيون الأفارقة يعانون من معدلات البدانة ومرض السكري وأمراض القلب والجهاز التنفسي}

وأشار المسؤولون المنتخبون وخبراء الصحة العامة إلى تأثير أجيال من التمييز وانعدام الثقة بين المجتمعات السوداء ونظام الرعاية الصحية. ومن المرجح أن يكون الأميركيون من أصل أفريقي يعيشون في مجتمعات ليس فيها مرافق رعاية صحية كافية ولا يحظون بتأمين صحي إضافة إلى عدم توافر السكن والطعام الصحيين. وهذا كله يأتي من التمييز وعدم المساواة في فرص التعليم والعمل والدخل بين البيض والسود منذ أجيال.

والأمر نفسه ينطبق على السكان الأصليين، من القبائل الهندية، فقد أصابهم الفيروس بشكل كبير وغير متناسب مع عددهم بسبب الفوارق التعليمية والاقتصادية والتمييز العنصري.

لكن في مقابل التمييز والفوارق هذه، تقوم السلطات الأميركية بمبادرات لتنمية مناطق السود والهنود وغيرهم من الأقليات، وتشجيعهم على التعليم وتوفير منح جامعية لهم، فضلاً عن الوظائف والمدارس والمستشفيات.