تطوّر العلاقات الإيرانية مع أميركا اللاتينية: البرازيل والأرجنتين نموذجاً

Spread the love

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مستقبلاً وزير النقل الفنزويلي رامون بلاسكيس في طهران.

خاص “شؤون آسيوية” – إعداد: قاسم أبو عرة |

1 المقدّمة:

عملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدار سنوات على التوسع دوليًا، وكانت أمريكا اللاتينية الوجهة الرئيسية لها، حيث إن الاختلافات الواضحة في القارّة، وقربها من الولايات المتحدة، وأهميتها الدولية التي تحيط بها، جعلت منها “هدفًا” للثورة الإسلامية الإيرانية؛ فكانت كلٌ من فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا من بين الحلفاء الرئيسيين لإيران. ولم تتردّد إيران في استخدام البعثات الدبلوماسية والمغتربين اللبنانيين والمراكز الدينية من أجل تحقيق تلك الغاية في التقارب بين المنطقتين، ما أدّى إلى تشكيل نموذج نفوذ خاص قائم على ثلاث مؤسسات، تتمثل في (السفارات، الشتات اللبناني، المركز الاجتماعية والثقافية)( [1] ).

وقد تطورت العلاقات بين الجانبين على نحو مفاجئ وسريع خلال العام 2005، نظرًا لتغيّر المناخ السياسي في دول أمريكا اللاتينية. إلاّ أنه بعد أكثر من عقد من الزمن على الوجود الإيراني في القارّة الجنوبية، ونجاح إيران في تطوير استراتيجيتها لتعزيز نفوذها وقوّتها الناعمة في المنطقة، شهدت العلاقات بين الجانبين تراجعًا ملحوظًا في العام 2015، لتعود بها بشكل تدريجي إلى حالتها الطبيعية السابقة على هذا التقارب الاستثنائي؛ وهو ما يؤشّر إلى حدوث تغيّر في مكوّنات المشهد السياسي والعوامل التي ساهمت في توطيد العلاقات بين الجانبين ( [2] ).

وبناءً على ما سبق، يمكن تحديد مشكلة الدراسة من خلال التساؤل الرئيس التالي: ما هي عوامل تطور العلاقات الإيرانية مع أمريكا اللاتينية؟

ويتفرع منه التساؤلات الفرعية الآتية:

  1. ما محدّدات السياسة الخارجية الإيرانية؟
  2. كيف تطورت العلاقات الإيرانية وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل)؟
  3. ما هي طبيعة العلاقات الإيرانية وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل) بعد عام 2021 ؟

 

  • أهداف الدراسة:

تهدف الدراسة إلى: التعرّف على محدّدات السياسة الخارجية الإيرانية، وبيان مراحل تطور العلاقات الإيرانية مع أمريكا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل)، وكشف أسباب تراجع العلاقات بين إيران وأمريكا اللاتينية وتطوّرها بعد ذلك.

 

  • أهمية الدراسة:

تتمثل أهمية الدراسة في كونها من الدراسات الحديثة التي تتناول العلاقات الدولية بين منطقتين محوريتين ولهما تأثير على العالم، وهما إيران وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل)، لما تمتلكه كلٌ منها من مقوّمات وعوامل تؤثّر على العالم.

  1. الإطار النظري
    • مفهوم العلاقات الدولية:

يوضح (جيمس دورتي) أن العلاقات السياسية الدولية هي التي تتناول “علاقات الدول والشعوب فيما بينها”، وهو مفهوم يمتاز الشمولية، فيما يشير (ستانلي هوفمان)، الذي راجت أفكاره في ستينيات القرن العشرين، إلى أن العلاقات الدولية هي “حقل المعرفة للعلاقات الدولية؛ يعني العوامل والنشاطات المؤثّرة في السياسات الخارجية وفي قوّة الوحدات الأساسية المكوّنة لعالمنا”( [3] ).

وقد تعدّدت التعريفات للعلاقات الدولية، حيث ذهب (كارل هولستي) إلى أن العلاقات الدولية تنشأ داخل “كل مجموعة من كيانات سياسية، قبائل، دول، مدن، أمم، إمبراطوريات، تربط بينها تفاعلات تتميز بقدر كبير من التواتر ووفق الانتظام”، في حين رأى (مارتن وايت) بأنها “مجموعة المبادلات التي تعبر الحدود أو تحاول عبورها”( [4] ).

 

  • نظريات العلاقات الدولية:

1.2.2 الواقعية والواقعية البنائية: تتربّع النظرية على قمة هرم النظريات الوضعية في تخصص العلاقات الدولية، للمفكّريْن: ثيوسيدس، الذي قدّم وصفًا عن الحروب البيلوبونيزية بين أثينا وأسبرطة، والآخر هو هانس مورغنثاو، المفكّر والمحامي الألماني الذي لجأ إلى الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية. ويحاول ريتشارد ند ليبو، في فصل الواقعية الكلاسيكية، البحث في أوجه التشابه العديدة في كتابات كلٍ من ثيوسيدس ومورغنثاو، ويستقي النظرة التراجيدية للحياة السياسية التي تَشارك كلاهما فيها؛ إذ ينطلق منظّرو الواقعية الكلاسيكية من طبيعة النظام الدولي التي تطغى عليها الفوضى، وأن السياسة بالمحصّلة هي تعبير عن الدوافع البشرية نفسها، وأنها عرضة للأمراض. ويرى مورغنثاو في كتابه Politics Among Nations، أن السياسة صراع على السلطة، التي هي جزء لا يتجزأ من الحياة ذاتها؛ إضافة إلى القدرات العسكرية والتحالفات، التي هي ركائز أساسية للأمن وحفظ توازن القوى، والذي يؤدّي وظيفة الحفاظ على الوضع السلمي أو على وجود أعضاء النظام( [5] ).

2.2.2 النظرية الليبرالية: يعمل بروس راسيت في تحليل النموذج الليبرالي في العلاقات الدولية،  باستخدام الرسوم البيانية لإثبات فرضياتها، من خلال دراسة التغيرات الرئيسية في العالم خلال القرن الماضي، وبخاصة في العقود الأخيرة؛ فتدلّ الرسوم البيانية على التراجع على المدى الطويل، في أعداد قتلى الحروب الناجمة عن الصراعات العنيفة التي شاركت فيها دولة واحدة أو أكثر. ويتضمن الرسم قتلى المعارك التي نجمت عن الحروب بين الدول والحروب الأهلية والحروب الداخلية ذات الطابع الدولي، مثل حرب أفغانستان، والعراق، وحروب التحرر من الاستعمار. ويرى راسيت أنه لا يوجد سبب منفرد يفسّر انخفاض عدد القتلى الناجم عن الصراعات ( [6] ).

3.2.2 النظرية الماركسية: تتميز الماركسية والنظرية النقدية (مدرسة فرانكفورت) جوهريًا عن النظامين الفكريين الليبرالي والواقعي. وتركّز الماركسية والنظرية النقدية على العوامل الاقتصادية والمادية في فهم الظاهرة الدولية؛ وتشكّل الماركسية نظامًا فكريًا ضخمًا ومتنوعًا من البحوث الأكاديمية والنشاط السياسي التطبيقي، الذي من الصعب استعراضه كاملًا بدقة. لذلك يحاول مارك روبرت رسم خريطة لهذا الواقع المتنوع، والتركيز على النقاط الأبرز في النموذج الماركسي، والبحث عن القاسم المشترك فيه، وهو الرغبة في إعطاء تأويل نقدي للرأسمالية التي تُفهم بكونها شكلًا من أشكال الحياة الاجتماعية جرى إنتاجه عبر التاريخ، والإسهام الفكري الماركسي الأكثر تأثيرًا في رصد السياسات الدولية وتحليلها([7] ).

3.2 محدّدات السياسة الخارجية الإيرانية:

1.3.2 الموقع الجغرافي: يُعدّ الموقع الجغرافي والاستراتيجي لإيران من أهم العوامل والمحدّدات المؤثّرة والدائمة في سياستها الخارجية، ومن أكثر مقوّماتها ثباتًا، إذ تمتلك مساحة كبيرة شكّلت من خلالها مساحة جغرافية متكاملة، انعكست على سياستها الداخلية والخارجية. ويمتاز موقعها الجغرافي بأنه من المواقع المفتوحة نحو الخارج، إذ تمتلك إيران سواحل بحرية طويلة موزّعة على أكثر من منفذ بحري، من جهة الشمال (بحر قزوين)، ومن جهة الجنوب الغربي (الخليج العربي). وتعدّ هذه السواحل نافذة إيران الرئيسية على العالم الخارجي، إذ تسيطر من خلالهما على ممرّات مائية مهمة وحيوية؛ وقد كانت لهذه المنافذ البحرية تأثيرات كبيرة على طبيعة العلاقات الإيرانية مع العالم الخارجي، ولاسيما دول الخليج العربي. كما شجّعها هذا الموقع على الاتصال المباشر مع البحار المفتوحة، وخصوصًا من جهة الجنوب؛ إضافة إلى أن لإيران قوّة بحرية من خلال بناء القواعد العسكرية على تلك السواحل، ولاسيما السواحل الشرقية للخليج العربي ( [8] ).

وقد اكتسب موقع إيران أهمية استراتيجية كبيرة، بسبب إطلالته وإشرافه على مضيق هرمز، وسيطرته على بعض الجزر الموجودة فيه، إذ يُعدّ هذا المضيق من أهم المغاير المائية عالميًا، حيث يعبر خلاله يوميًا أكثر من (100) سفينة، أي بمعدّل سفينة واحدة كل 15 دقيقة( [9] )، مما أدّى إلى ازدياد أهمية إيران، لاسيما أنها قوّة تُشرف وتسيطر على المضيق والجزر الواقعة فيه؛ وهذا يزيد من أهميتها الاستراتيجية، لأن القوة التي تشرف وتسيطر على هذا المضيق، تستطيع أن تتحكم في الحياة السياسية والعسكرية والتجارية الداخلة والخارجة من الخليج العربي( [10]).

كما وتصاعد النفوذ الإيراني للأسباب المبنيّة على أهمية الموقع الجيوستراتيجي لإيران، باعتبارها حلقة وصل بين أهم إقليمين نفطيين، وهما: (إقليم الشرق الأوسط، وإقليم وسط آسيا)، وهي بذلك تحتلُّ مركز القلب للمناطق النفطية في العالم؛ إضافةً إلى كونها مدخلًا رئيسيًا لجمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز، والتي حسب توصيف أستاذ الجيوبوليتيك (سبيكمان) مرشّحة بأن تكون قلبَ العالم ومركزَ الصراع ما بين القوى الكبرى للسيطرة عليها، ولا سِيَّما من طرف الولايات المتحدة وروسيا( [11] ).

تمتلك إيران موقعًا جغرافيًا مهمًا عبر مختلف الأزمنة التاريخية؛ إذ إنها تمثّل حلقة الوصل بين الشرق والغرب، وبمثابة ممر طبيعي للتجارة العالمية بين الشرق الأقصى وحوض البحر المتوسط؛ لذلك أطلِق عليها مفتاح الشرق. وقد ساعد ذلك على إتاحة الفرصة أمامها للاتصال بمختلف الدول؛ لأنها الطريق الحيوي في الاستيراد والتصدير بين الشرق والغرب. لكن هذه القيمة قد تأثرت نوعًا ما، ولا سِيَّما بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، مما أدّى بإيران إلى زيادة توجهها صوب الخليج العربي الذي يتمتع بأهمية اقتصادية واستراتيجية، تتزايد يومًا بعد يوم في خريطة الاهتمامات الدولية. وهذا ما أكَّدَه الخبراءُ والمختصّون في العلاقات الدولية، بأنه لو كان العالمُ دائرةً سطحية، وكان المرء يبحث عن مركزها، لكان هنالك سبب جيّد للقول بأن المركز هو الخليج العربي( [12] ).

2.3.2 النظام السياسي: أصبحت مؤسسات الحكم في إيران من أكثر وأعقد المؤسسات وأكثرها تداخلًا، وكُلُّ ذلك لخدمة مؤسسة أو سلطة الوليّ الفقيه. وظهر هذا التداخل بين مؤسسات السلطة بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979. واتَّضح ذلك من خلال انقسام مؤسسات السلطة في إيران إلى مؤسسات دينية سياسية، ومؤسسات سياسية دينية. ويظهر واضحًا أنَّ النظام السياسي الإيراني معقّد، ويتركب من مؤسسات غير موجودة في الأنظمة السياسية الأخرى؛ ولعَلَّ الهدف من ذلك هو إحكام قبضة رجال الدين على السلطة، ولكن بصورةٍ ديمقراطية.

  • المرشد الأعلى: عَقِبَ انتصار الثورة الإيرانية، اقتضتِ الأوضاع الجديدة تغييرَ المعَادلة السياسية الحاكمة، فجاء دستور عام 1979 مانحًا كلّ الصلاحيات للإمام (الولي الفقيه)، ونُظّمت العلاقة بينه وبين الأمّة باعتبارها صاحبة السيادة على نفسها زمن الغيبة. وبذلك يعدّ منصب المرشد الأعلى للثورة أقوى مؤسسة في إيران؛ ويرتبط هذا المنصب بشكلٍ لصيقٍ بالنظرية السياسية الدينية التي وضع أساسَها الإمام الخميني، والمتمثلة في ولاية الفقيه( [13] ). وكرَّست القيادة الإيرانية بعد الثورة مركزية الدور الشعبي الذي طغى على دور الأحزاب السياسية فيها؛ وفي استفتاء شعبي عام على هوية النظام الجديد، اختار الشعب بالأغلبية شبه المطلقة، بنسبة (98%)، ترسيخ نظام جمهوري إسلامي للحكم؛ فجسّدت ديناميكية النظام جدلية العلاقة بين المؤسسة المنتخبة والمؤسسة الدينية( [14] ).
  • مجلس الخبراء: يتألَّف مجلسُ الخبراء من (86) عالم دين، ومقرّه مدينة قم، ينتخبهم الشعب لفترة ثماني سنوات. ويقوم هؤلاء بدورهم بانتخاب المرشد الأعلى من بين صفوفهم، حسب المادة (107) من دستور عام 1979. ويستطيع المجلس خلع المرشد الأعلى إذا أصبح عاجزًا عن أداء واجباته، أو إذا فقد مؤهّلًا أو أكثر من المؤهّلات التي يجب توافرها لشغل المنصب. ويجتمع أعضاء المجلس مرةً واحدة كل عام، لمدة يومين، ويكون ذلك في طهران؛ بالإضافة إلى الاجتماعات غير العادية في الأزمات. ولا بُدَّ أن يكون المرشّح لمجلس الخبراء من الفقهاء، ولا بُدَّ أن يكون من المذهب الإثني عشري، وأن يكون مؤمنًا بنظرية ولاية الفقيه. وهذا المجلس هو الذي يختار بعد ذلك الوليّ الفقيه الذي يخلف(الإمام) الخميني بعد موته، ليظلَّ وليًا فقيهًا حاكمًا طوال حياته بعد ذلك( [15] ).
  • مجلس صيانة الدستور: يُعدّ مجلس صيانة الدستور الورقة الأقوى في يدِ الوليّ الفقيه من ناحية أنه يراقب من خلاله أعمال البرلمان، ويرفض ما يراه من قوانين وتشريعات مخالفة للشريعة الإسلامية. فالإطار الدستوري الذي حكم دور مجلس صيانة الدستور في الرقابة على القوانين، وتفسير مواد الدستور، والإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، قد جعل منه مجلسًا مشرفًا على المجلس التشريعي. ويتبيّن أنَّ مجلس صيانة الدستور هو الضمانة العلمية لانطباق القوانين مع أحكام الشريعة الإسلامية ومواد الدستور، خاصة وأنه لا ينفّذ ولا يوضع موضع التطبيق أي قانون دون موافقة مجلس صيانة الدستور ( [16] ).

3.3.2 النظام الأيديولوجي: تُعدّ الأيديولوجيا من المفاصلِ الرئيسة التي تؤثِّر في أوضاع البيئة السياسية، وقد تصل بأن تكون عاملًا تعاونياً بين الفواعل الدولية وعاملاً للقطيعة. وتعدّ إيران لغزًا في كل ما يخص نظامها أو معتقدها المذهبي. وهناك مفارقات مهمة في السياسة والفكر الإيرانيين حول الدين والقومية؛ فالقومية لديهم تُعبِّر عن الخصوصيات الذاتية لدى الشعب الإيراني، والتي تعود للحضارة الفارسية العريقة. أما الدّين، فيمثِّل خصوصيةَ الانتماء للمذهب الشيعي؛ فالإمام الخميني نفسه لم ينفِ إعجابَه بالشخصية الفارسية، خاصةً وأنه لم يمنع بعض مؤسسات الدولة في السنوات الأولى من الثورة من التعبير عن المشاعر القومية( [17] ). وأدَّت تلك الثنائية بين القومية والإسلام إلى بروزِ علاقة قلقة في ذهنية الجوار العربي؛ ومن أهمّ الشواهد على ذلك إطلاق الحرس الثوري، بعد اجتياح شبه جزيرة الفاو العراقية أثناء الحرب العراقية -الإيرانية، أسماء فارسية على مساجد وشوارع الجزيرة. كما تمَّ إلقاء خطبة الجمُعَة فيها باللغة الفارسية، مما أدّى إلى تصور الحرب من ناحية العرب على أنها حرب ما بين الفرس والعرب. ويضافُ إلى ذلك إصرار إيران على تسمية الخليج بالفارسي، ما يوحي بأنها تأتي في إطارِ مواجهة القومية العربية( [18] ).

كذلك، تصدّر المذهب الشيعي الإثني عشري، بكلّ أبعاده الدينية والسياسية، على كافة السياسات المتعلقة بكل المجالات في المؤسسة الحكومية الإيرانية، وهو ما يناقض المذهب السنيّ الذي تتبنّاه السعودية؛ ما أدّى إلى نوع من المراجعة والتحدي بين الأيديولوجيتين، والتشكيك في النظامين، وبالتالي إلى توتّر في العلاقات الإيرانية – السعودية. وقد دفعت هذه الحقيقة الرئيس محمد خاتمي إلى البحث عن السّبل الكفيلة بتخفيف حدّة الاحتقان المذهبي، والتقليل من آثاره على العَلاقات الإيرانية الخليجية عمومًا، والسعودية على وجه الخصوص( [19] ).

تلك هي التحوّلات الأيديولوجية الداخلية في إيران، أي تحوّل إيران من الثورة إلى الدولة، حيث انتهت تقريبًا فترة الالتزام الصارم بمفاهيم وقِيم الثورة الإيرانية ومحاولة نشرها. لقد ساهم تضاؤل الوهج الثوري بعد رحيل الإمام الخميني في مجيء قيادات إيرانية جديدة تنتهج المنهج الإصلاحي والبراغماتي في إدارة علاقات إيران الدولية والإقليمية، وإلى حد كبير في تقريب المواقف الخليجية والإيرانية، حيث وجِد شبه إجماع داخل السياسة الإيرانية بشأن التقارب مع دول الخليج، بغضّ النظر عن وجود الإصلاحيين أو المحافظين في السلطة؛ وذلك لأن المصالح الاستراتيجية والاقتصادية التي تربط الطرفين من الأهمية بمكان، وهو ما يدعو للحفاظ على حدّ أدنى من تطبيع العلاقات. وقد ساعد هذا التحوّل الأيديولوجي الرئيس خاتمي كثيرًا في سياسته المنفتحة على دول الجوار والعالم أجمَع( [20] ).

4.3.2 النظام الاقتصادي: إن تقييم الحالة الاقتصادية، من حيثُ نموّها أو ضعفها، يعود في جزءٍ منه لأهمية الموقع الجغرافي. فإيران تمتاز بموقعٍ استراتيجي؛ إن المساحة الواسعة  هيَّأت فرصة لحقول النفط، والإطلالة على مضيق هرمز وغيرها، مما ساعد على قوة النظام الاقتصادي؛ وإن فُرضت عليه العقوبات الدولية. ويعتبرُ الاقتصاد الإيراني من أهمِّ اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط باحتلاله المرتبة الثالثة بعد السعودية وتركيا. ولقد حقّق هذا الاقتصاد نموًا وصل إلى 6.4% خلال الأعوام ما بين (2002 و2005)؛ وهو يواصل نموّه بمعدّل 3.2% حسب تقدير حديث لصندوق النقد الدولي. ويأتي هذا النمو الاقتصادي رغم اتفاق الدول الغربية على تشديد العقوبات المفروضة على إيران، وفي إطار ما شهدته الكثير من دول العالم، لا سيما الدول الصناعية، من انكماش اقتصادي بسبب الأزمة العالمية. وتعتمد إيران على موارد الطاقة التي تمثّل ما يربو على 80% من ناتجها المحلي الإجمالي، وحوالي 90% من عوائد صادراتها، و75% من موازنتها. وبلغت نسبة الإنفاق العسكري الإيراني من الناتج المحلي الإجمالي 3.7%، ما بين عامي 1993-2002، في حين انخفضت تلك النسبة بعد ذلك حتى عام 2012 إلى 3.5%. وقد ارتكزَ اقتصاد إيران في الماضي على الزراعة التي تحقّق لها استقرارًا داخليًا؛ بَيْدَ أنَّ اكتشاف واستغلال حقول النفط جنوب غرب البلاد عمل على تحويل جذري في الاقتصاد الإيراني؛ إذ حقّق مصادر دخل إضافية( [21] ).

تتمثّل الخصائص الأساسية للاقتصاد الإيراني في أنه أحاديّ الاقتصاد؛ أي أن اعتماده الأساسي على عوائد الصادرات النفطية. وهذا الوضع الاقتصادي يجعل تقلبات الأسعار لهذه المادة الخام والحيوية في الأسواق العالمية تتحكم فيه؛ وبالتالي يؤثّر على الحياة الاقتصادية وعلى مستوى مَعيشة المواطن الإيراني العادي، مُضافًا إلى أن قطاع النفط والغاز الطبيعي في إيران يواجه بعض المشاكل التي تستوجب إيجاد الحلول لها في سبيل زيادة الإنتاج( [22] ).

ومنذ فرضِ العقوبات النفطية على إيران عام 2012، بدأت طهران تركّز جديًا على تحويل اقتصادها إلى اقتصاد غير نفطي، يعتمد في جانب من جوانبه على سياسة تنمية الصادرات غير النفطية. وتحاول إيران تحصين اقتصادها من الاعتماد على الخارج، حيث تقوم ببناء البنى التحتية اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وقد نجحت في مجالات عدة حتى الآن، حيث يقوم جزء من الجهد الإيراني على بناء مصافي لتكرير النفط لسدّ الحاجة للبنزين، واستعمال إيران الشركات الأجنبية كوسيلة من وسائل كسر الحصار الاقتصادي أو العقوبات الأمريكية- الإسرائيلية( [23] ).

  • مقدّمة عن دول أمريكا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل):

الأرجنتين: تقع في أمريكا الجنوبية؛ تحدّها من الغرب والجنوب تشيلي، ومن الشمال بوليفيا وباراغواي، ومن الشمال الشرقي البرازيل وأوروغواي، وتضم 23 مقاطعة. ومدينة بوينس آيرس هي العاصمة وأكبر مدينة في البلاد، وهي ثامن أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، والأكبر بين الدولة الناطقة بالإسبانية؛ كما أنها عضو مؤسّس في الأمم المتحدة، وعضو في اتحاد دول أمريكا الجنوبية، منظمة الدول الأيبيرية الأمريكية، ومجموعة البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية. وهي إحدى أكبر اقتصادات مجموعة الـ 15 ومجموعة العشرين( [24] ).

تُعدّ الأرجنتين ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، حيث تحتل مرتبة عالية جدًا في مؤشّر التنمية البشرية، وتحتل المرتبة الخامسة في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد على مستوى دول أمريكا اللاتينية، والأعلى في القوّة الشرائية؛ ولها أساس قوي للنمو المستقبلي، بسبب حجم السوق ومستويات الاستثمار الأجنبي الصادرات المباشرة، وحصّتها من صادرات التكنولوجيا الفائقة، وحصّتها من الناتج الإجمالي للسلع المصنّعة؛ ويصنّفها المستثمرون كأحد الاقتصادات الناشئة المتوسطة.

فيما يتعلق بالنظام السياسي في الأرجنتين، فهي جمهورية دستورية اتحادية وديمقراطية تمثيلية، ويتم تنظيم الحكومة من خلال نظام الضوابط والتوازنات المحدّد في دستور الأرجنتين، والوثيقة القانونية العليا للبلاد؛ مقرّ الحكومة هو العاصمة بوينس آيرس، كما حدّدها الكونغرس؛ وحق الاقتراع عام ومتساوٍ وسريّ وإلزامي( [25] 

تتكوّن الحكومة الاتحادية من ثلاثة أفرع: السلطة التشريعية وتشمل (مجلس النواب، ومجلس الشيوخ)، والسلطة التنفيذية ممثّلة برئيس الجمهورية، وهو القائد العام للقوات المسلحة للجيش، والسلطة القضائية ممثّلة بالمحكمة العليا والمحاكم الاتحادية الدنيا لتفسير القوانين، وإلغاء تلك التي تُعتبر غير دستورية وقضائية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية [26]).

البرازيل: تحتل البرازيل نصف قارّة أمريكا اللاتينية الواقعة على جانب المحيط الأطلسي، على مساحة (8.511.965) كيلومتر مربّع، وهي رابع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة بعد روسيا وكندا، والصين. وتنقسم إلى 27 ولاية ومنطقة اتحادية واحدة، وهي عاصمة البلاد (برازيليا)، وتنقسم إلى 5 أقاليم: الشمال، والشمال الشرقي، ومركز الغرب، والجنوب الشرقي، والبلاد جنوباً؛ تمتد حدود البرازيل بطول (15.719) كيلومتر مع جويانا الفرنسية إلى الأوروغواي، دون دفاع عسكري في معظم المناطق، باستثناء بعض المناطق الرئيسية للأنهار( [27] ).

نصّ الدستور الجديد في البرازيل على أنها جمهورية فيدرالية تتكوّن من 26 ولاية وإقليم واحد. وبموجبها تحصل السلطة التشريعية الممثّلة بالمجلس الوطني على صلاحيات مماثلة لصلاحيات الرئيس. كما سحب هذا الدستور بعض الصلاحيات المهمة من المجلس الوطني وأوكلها إلى مجالس الولايات والمجالس البلدية، التي تمتلك الآن قدراً كبيراً من الاستقلالية في عملها؛ والسلطة التنفيذية ممثّلة برئيس منتخب من قِبل الشعب. ويُشترط أن يكون المرشّح لرئاسة الجمهورية من مواليد البرازيل وتجاوز عمره 35 عامًا، وتستمر فترة الرئاسة لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لانتخاب واحد فقط.

يعيّن الرئيس الوزراء؛ بالإضافة إلى السلطة التشريعية، وتتكوّن من(مجلس الشيوخ ومجلس النواب)، وتتكون السلطة القضائية من 11 قاضياً يتم تعيينهم مدى الحياة( [28] ).

  • العلاقات بين إيران وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين والبرازيل):
  • العلاقات بين إيران والأرجنتين: حاولت إيران التواصل مع الأرجنتين بهدف تنويع علاقاتها في أمريكا اللاتينية. وعلى الرغم من زيادة التبادل التجاري بين البلدين، إلاّ أن العلاقات الثنائية لا تزال تواجه تعقيدات نتيجة الضغوط الدولية، إضافة إلى شبهات تورّط إيران في هجمات إرهابية ضد يهود الأرجنتين خلال تسعينيات القرن العشرين [29] ).

الأرجنتين هي ثاني أكبر شريك تجاري لإيران في أمريكا اللاتينية. وقد زادت الأنشطة التجارية بينهما بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ووصلت الصادرات الأرجنتينية إلى إيران أعلى معدّل لها منذ عام 2007، حيث قفزت إلى أكثر من مليار دولار في عام 2012. ويعزو الخبراء الإقليميون هذا الاستقرار إلى زيادة الصادرات الزراعية عالية المستوى للأرجنتين (55٪ في عام 2012) وحاجة إيران لمثل هذه المنتجات، في حين كان التعاون بين البلدين خارج المجال الاقتصادي ضعيفاً نتيجة القضايا العالقة المحيطة بتفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس عام 1992 ومركز الجالية اليهودية عام 1992 و1994؛ واتّهِم حزب الله، بدعم من إيران، بالوقوف وراء التفجيرات، بينما اتّهمت الأرجنتين رسميًا مسؤولين إيرانيين، بمن فيهم الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وحمّلتهم المسؤولية عن التخطيط لهذه الهجمات، فيما نفت إيران تورّطها في هذه التفجيرات؛ والرئيس الأسبق محمد خاتمي اشترط للقاء نظيره الأرجنتيني، نيستور كيرشنر، خلال قمة مجموعة الـ 15 عام 2004، ما لم تعتذر الأرجنتين رسميًا عن اتهام إيران بالتعاون والمشاركة فيها. وفي يوليو 2011 أصدرت وزارة الخارجية إيران بيانًا يدين تلك الهجمات، لكنها رفضت الاعتراف بمسؤوليتها( [30] ).

  • العلاقات بين إيران والبرازيل: سارت البرازيل، في عهد ديلما روسيف، نحو مسار وسطي معتدل، مستقل عن الولايات المتحدة أو إيران وحلفائها المناهضين لأمريكا من دول أمريكا اللاتينية. وقد سعت القيادة في البرازيل في المقام الأول إلى حماية مصالحها الاقتصادية وتطلعاتها للعب دور بارز في عالم متعدد الأقطاب.

ومن أبرز الأمثلة على دور البرازيل في المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران، ما حدث خلال المداولات بشأن جولة جديدة من عقوبات الأمم المتحدة ضد إيران، والتي أسفرت عن قرار مجلس الأمن رقم 1929. ونظّمت البرازيل وتركيا بديلاً؛ التعامل مع إيران الذي يتطلب من إيران استبدال 1200 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، مقابل 120 كيلوغرامًا من قضبان الوقود النووي التي يمكن استخدامها لتشغيل مفاعل أبحاث طبي. وكان من شأن هذه الصفقة أن تسمح لإيران بالتهرب من الحصار، ومن ثم الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج أسلحة نووية( [31] ).

البرازيل هي الشريك التجاري الأكبر لإيران في أمريكا اللاتينية، وكانت حكومتها السابقة تدفع بقوّة نحو علاقات اقتصادية متقدمة مع إيران في عام 2007. وتعهدت الحكومة البرازيلية بقيادة الرئيس دا سيلفا باتّباع سياسات لزيادة التجارة الثنائية مع إيران بمعدّل يصل إلى 10 مليارات دولار في غضون بضع سنوات. في نوفمبر 2010، بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين 1.3 مليار دولار؛ ومع ذلك، تعدّ شركة النفط الحكومية البرازيلية الكبرى بتروبراس أحد الأطراف المهمة التي تؤثّر على العلاقات الاقتصادية بين البرازيل وإيران، وهي أعلنت في عام 2010 أنها ستتوقف عن الاستثمار في إيران( [32] ).

  • محور التجارة والاستثمار بين البلدين:

تتصدّر البرازيل قائمة المصدّرين إلى إيران، تليها الأرجنتين في المرتبة الثانية، حيث تعتبر البرازيل أهم شريك تجاري لإيران في أمريكا الجنوبية. لكن العلاقات التجارية بين البلدين لصالح الاقتصاد البرازيلي، وأصول العلاقات بينهما، تعود إلى قمة مجموعة الـ 15 في كاراكاس عام 2004، حيث التقى الرئيسان، دا سيلفا وأحمدي نجاد، لتوقيع مذكّرة تفاهم لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين. واتفقت شركة الطاقة البرازيلية العملاقة “بتروبراس” على تطوير علاقة شراكة مع شركة النفط الوطنية الإيرانية للتنقيب عن النفط في منطقة توكسون جنوبي إيران. وفي عام 2019 أشارت قاعدة بيانات التجارة التابعة للأمم المتحدة إلى أن حجم صادرات البرازيل إلى إيران بلغ نحو 2.2 مليار دولار، فيما بلغ حجم الواردات نحو 116 مليون دولار. وعلى الرغم من أن الميزان التجاري يميل لصالح البرازيل، فقد زادت الاستثمارات الإيرانية بسرعة في عام 2019( [33] ).

فيما يتعلق بعلاقات إيران مع الأرجنتين، تمكّنت طهران من إحياء علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع بوينس آيرس بعد الهجمات التي نفّذها حزب الله في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس في عامي 1992 و 1994؛ وقد وقع الهجوم الأول بعد ثلاث سنوات من وفاة (الإمام)الخميني، ما أدّى إلى مقتل 29 شخصًا وإصابة 242 آخرين. وفي عام 1994 كثّف حزب الله عملياته في المنطقة، ونفّذ هجومًا على مبنى جمعية التبادل الأرجنتينية- الإسرائيلية. بعد سنوات، حدث تحوّل في السياسة الخارجية الأرجنتينية بقيادة نيستور كيرشنر، رئيس الأرجنتين السابق، حيث ربط المصالح الأرجنتينية بالأنشطة السياسية الأرجنتينية والإيرانية في المنطقة.

لا تزال الأرجنتين ثاني أكبر شريك تجاري لإيران في أمريكا الجنوبية، حيث تشير قاعدة بيانات الأمم المتحدة التجارية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2019 بلغ نحو 697 مليون دولار. وفي ظل هذه الظروف، يمكن للرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز تحسين العلاقات مع إيران، لأسباب اقتصادية وسياسية، خاصة وأن قوّته السياسية موروثة من عائلة كيرشنر، التي أقامت تحالفات واسعة مع الرئيسين السابقين لفنزويلا وإيران (هوغو شافيز وأحمدي نجاد). وربما يفسّر هذا سبب عودة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، للحكومة، كنائب للرئيس ألبرتو فرنانديز منذ عام 2019، ولماذا يواجه الاقتصاد الأرجنتيني مرّة أخرى تراجعًا في الأداء( [34] ).

  • العلاقات بين إيران ودول أمريكا اللاتينية بعد العام 2021:

كان لاغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ردود فعل مختلفة، حيث كانت الأرجنتين من بين الدول التي اتخذت موقفًا وسطًا في القضية؛ وقد يكون ذلك بسبب حرص الأرجنتين على عدم الصدام المباشر مع واشنطن، في ضوء رغبتها في إعادة التفاوض بشأن ديونها الخارجية، والتي يجب أن تبدأ بالضرورة مع صندوق النقد الدولي، والذي تتمتع فيه الحكومة الأمريكية بنفوذ كبير. وبالنظر إلى أن الأرجنتين هي موطن لأكبر جالية يهودية في أمريكا اللاتينية، والتي كانت “ضحية” لهجمات إيرانية في الماضي، فقد حرصت على الدعوة إلى الحوار بين إيران والولايات المتحدة، وحثّت أطراف النزاع على اتخاذ الترتيبات اللازمة لاحتواء التوتر، والعمل من أجل حل سلمي، وحل تفاوضي لتجنّب التصعيد الذي يعرّض الأمن الدولي للخطر( [35]

وبينما كانت البرازيل الدولة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي أيّدت اغتيال سليماني على يد الولايات المتحدة، فقد أعربت الحكومة البرازيلية عن دعمها لمحاربة آفة “الإرهاب”، ودعت إلى وحدة جميع الدول ضد “الإرهاب” بجميع أشكاله، من وجهة نظرها.

لكن لا يمكن اعتبار الإرهاب مشكلة مقصورة على منطقة الشرق الأوسط والدول المتقدمة، بل إنه يؤثّر حتى على أمريكا اللاتينية، مما يجعل من الصعب على البرازيل أن تظل غير مبالية بهذا التهديد. وهناك إيران، من جهة أخرى، وبسبب المخاوف المتزايدة من تداعيات قتل سليماني والمواجهة بين إيران والولايات المتحدة على الاقتصاد البرازيلي، خاصة فيما يتعلق برفع الوقود من جهة ثالثة( [36] ).

في يونيو من العام 2022، ضُبطت طائرة تابعة لشركة أمتراسور الأرجنتينية، وكان طاقمها يتألف من 19 شخصًا، بينهم 5 إيرانيين بينهم الطيار نفسه، واحتجزت الحكومة الأرجنتينية جوازات سفرهم مؤقتًا، وأُجريت التحقيقات معهم من قِبل أجهزة الأمن.  وأشارت الحكومة الأرجنتينية إلى أن قائد الرحلة هو غلام رضا قاسمي، المدير التنفيذي وعضو مجلس إدارة شركة فارس للطيران- قشم؛ وهذه الشركة تحت إدارة ملكية ماهان إيرلاينز؛ إلاّ أن ماهان نفت صحّة الخبر المتداول حول حجز طائرتها في الأرجنتين، مؤكدة على أن الطائرة المضبوطة كانت مملوكة لفنزويلا، وكانت الطائرة تحمل قطع عيار لشركة سيارات، ولم يتم العثور على أي شحنة مشبوهة أثناء عمليات التفتيش( [37] ).

  1. الخاتمة

في الآونة الاخيرة، لوحظ نشاط كبير تقوم به إيران في إبرام علاقات خارجية مع عدد من الدول المحيطة بها، أو الدول التي لها صدامات مع دول أخرى، مثل فلسطين، روسيا، سوريا، وغيرها. إن الهدف من هذه العلاقات هو إظهار أن  إيران قوّة كبيرة في العالم وتريد أن تُثبت وجودها من خلال علاقاتها الكبيرة في العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن إيران تستخدم نفوذها الإعلامي لإبراز وجودها ومدى قوّتها في العالم .

وبخصوص موضوع الدراسة، يبدو أن توجّه إيران نحو أمريكا اللاتينية قد وصل إلى نهايته. وبسبب طبيعتها الصدامية، فإن هذه العلاقة تفتقد مقوّمات استمرارها، وهي ستعود  ببطء إلى حجمها الطبيعي، والتي تتّسم بالمحدودية، ولا تمثّل تهديدًا للترتيبات الجيوستراتيجية الراهنة.  بيْد أن ذلك لا يمنع أن تظل مسألة الوجود الإيراني في أمريكا اللاتينية مثيرة للجدل؛ كما أن النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وتصاعد الجدل حول اغتيال المدّعي العام ألبرتو نيسمان في الأرجنتين، واتهام إيران بالتورّط فيها، والأخبار حول الاختراق الإيراني في المنطقة لأغراض “إرهابية”، كانت أيضًا من العوامل المهمة في إعادة تشكيل العلاقات مع إيران في عهد الرئيس روحاني. واستنادًا إلى ذلك، فإن علاقات إيران مع أمريكا اللاتينية تواجه تحوّلًا جديدًا يتّسم بالغموض، خاصة مع تآكل المرتكزات التي قامت عليها العلاقة بين الطرفين. وتعتمد استمرارية وفعالية الروابط بين الجانبين على مدى قدرة طهران وشركائها الإقليميين على التكيّف مع الظروف الجديدة وتطوير علاقات أقل أيديولوجية وأكبر براغماتية.

 هوامش الدراسة

[1]ألبيرتو بياغو، (نظرة عن كثب: نفوذ إيران وحزب الله في أمريكا اللاتينية)، ترجمة نون بوست، نشر بتاريخ 5 أكتوبر 2022، الموقع الإلكتروني: https://www.noonpost.com/content/45395

[2]كارلوس جي جونزاليس، مصالح ظرفية: أسباب تراجع التأثير الإيراني في أمريكا اللاتينية)، اتجاهات الأحداث، العدد 14، 2015 ص74

[3]أحمد عباس عبد البديع، (العلاقات الدولية: أصولها وقضاياها المعاصرة)، القاهرة، الدار الجامعية، 1988، ص32

[4]عدنان طه الدوري، (العلاقات الدولية المعاصرة)، بيروت، دار النهضة العربية، 1993، ص48

[5]محمد الرويفي، (محاضرات في تاريخ العلاقات الدولية)، الرباط، مكتبة المعارف، 1990، ص78

[6]رياض عبد الصمد، (العلاقات الدولية في القرن العشرين)، بيروت، دار الشروق للطباعة والنشر، 1986، ص56

[7]علي عودة العقابي، (العلاقات الدولية: دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات)، بغداد، منشورات طريق الشعب، 2010، ص44

[8]رياض الراوي، (البرنامج النووي الإيراني وأثره على الشرق الأوسط)، ط1، دمشق، دار الأوائل، 2006، ص65

[9]صباح الموسوي الأحوازي، (أذرع وزارة الخارجية الإيرانية في تنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة العربية)، موقع الراصد، 2015، الموقع الإلكتروني: http://cutt.us/zv1Wk

[10]عبد المنعم علي، (إيران- روسيا: دراسة في واقع الجوار والتنبؤ فيه)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الكوفة، بغداد، 2006، ص13

[11]ميشال نوفل، (إيران القيمة الاستراتيجية)، مجلة شؤون الشرق الأوسط، العدد 49، جامعة عين شمس، القاهرة، 1996، ص8

[12]فخري هاشم خلف، (موانئ إيران الجنوبية: دراسة في جغرافية العالم)، منشورات مركز الدراسات الإيرانية، جامعة البصرة، البصرة، 1994، ص15

[13]عمرو الكريم، (تمايزات النخبة الدينية الحاكمة في إيران)، السياسة الدولية، العدد 130، ص60

[14]موسى الحسيني، (ما هي احتمالات عدوان إيراني على واحدة من دول الخليج)، شبكة الدفاع عن السنة، 2012، ص289

[15]راغب السرجاني، (الشيعة نضال أم ضلال)، دار الأقلام للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 2011، ص114

[16]وداد غازي، (واقع الدور في الحياة السياسية وآفاقه المستقبلية)، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 47، بغداد، 2014، ص69

[17]عادل عبد الله، (محركات السياسة الفارسية في منطقة الخليج العربي)، ط2، دار مدارك للنشر، بيروت، 2012، ص54

[18]وليد عبد الناصر، (إيران دراسة عن الثورة والدولة)، دار الشروق، القاهرة، 1979، ص70

[19]كيهانبرزيجار، (سياسة خاتمي الخارجية والعلاقات الإيرانية السعودية)، 2002، الموقع الإلكتروني:

http://www.albainah.net/index.aspx?function=item&id=1890&iang

[20]مخلد مبيضين، (العلاقات الخليجية الإيرانية: 1997- 2006: السعودية حالة دراسة)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة مؤتة، بغداد، 2008، ص57

[21]عبد الرحمن حميدة، (جغرافيا آسيا)، دار الفكر، دمشق، 1988، ص702

[22]عبد المنعم علي، (إيران- روسيا: دراسة في واقع الجوار والتنبؤ فيه)، مرجع سابق، ص111

[23]هادي زعرور، (توازن الرعب القوى العسكرية العالمية)، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 2013، ص105

[24]ماريزاآرينزا، (الأرجنتين في الطريق إلى الديمقراطية: دراسة مقارنة مع شيلي وأوروغواي)، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، منظمة اليونسكو، مجلد 16، العدد 62، ص41

[25]ألدوفيرر، (التنمية الاقتصادية في الأرجنتين من منظور تاريخي)، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، منظمة اليونسكو، العدد 134، ص10

[26]ماريزاآرينزا، (مرجع سابق)، ص42

[27]منصور الصافي، (البرازيل: تاريخ- اقتصاد- مجتمع)، مجلة الدبلوماسي، وزارة الخارجية، معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية، العدد 18، ص95

[28]عطا السيد الشعراوي، (البرازيل: الدستور وانتخابات الرئيس)، مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام، مجلد 8، العدد 32، ص179

[29]براندون فايت وكلوي كوغلين. شولت، (المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في أمريكا اللاتينية وأفريقيا)، مركز الإمارات للدراسات والبحوث، دراسات عالمية، العدد 139، ص11

[30]القبس الكويتية، (أزمة في الأرجنتين بعد الاتهامات إلى إيران)، نشر بتاريخ 16 نوفمبر 2006، الموقع الإلكتروني: https://alqabas.com/article/293704

[31]براندون فايت وكلوي كوغلين. شولت،(مرجع سابق)، ص20

[32]ناظم الجاسور، (أسس وقواعد العلاقات الدبلوماسية والقنصلية)، دليل عمل الدبلوماسي والبعثات الدبلوماسية، 2019.

[33]ريني كاستانيدا، (محور التجارة والاستثمارات الإيرانية في أمريكا اللاتينية)، تريندز للبحوث والاستثمارات، نشر بتاريخ 29 أكتوبر 2020، الموقع الإلكتروني: https://trendsresearch.org/ar/insight

[34]صالح حميد، (لم تسترت رئيسة الأرجنتين السابقة على إيران وحزب الله)، العربية نت، نشر بتاريخ 20 مايو 2020، الموقع الإلكتروني:

https;//www.alarabiya.net/iran/2020/12/13

[35]المستقبل، (توترات متوقعة: تداعيات مقتل سليماني على العلاقات الإيرانية- اللاتينية)، نشر بتاريخ 20 يناير 2020، الموقع الإلكتروني:

https://futureuae.com/ar/Mainpage/item/5208

[36]المرجع السابق

[37]الميادين نت، (شركة ماهان الإيرانية: لا صحة لاحتجاز طائرة تابعة لنا في الأرجنتين)، نشر بتاريخ 12 يونيو 2022، الموقع الإلكتروني:

https://www.almayadeeen.net/news/politics

الورقة مقدمة في الجامعة العربية الأميركية (فلسطين) ضمن برنامج ماجستير دراسات الشرق الأوسط.