لماذا تتسابق الدول الكبرى لتوسيع نفوذها في المحيط الشمالي؟

لماذا تتسابق الدول الكبرى لتوسيع نفوذها في المحيط الشمالي؟
Spread the love

المحيط يتوفر على 90 مليار برميل من النفط وأكثر من 1.669 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وأكثر من 44 مليار برميل من الغاز الطبيعي المسال

شؤون آسيوية- في خروج إعلامي نادر لرئيس أركان الجيش البريطاني الأدميرال أنتوني راداكين، حذّر فيه من ذوبان الجليد في المحيط المتجمد الشمالي. واللافت أنه لم يركز حديثه على تأثير التغيرات المناخية بقدر ما قدم دعوة لحماية مصالح بلاده والغرب الإستراتيجية هناك في مواجهة التحركات الروسية وكذلك المطامع الصينية.

ولم يكن المسؤول البريطاني وحده من أشار إلى خطورة التحركات الروسية في المحيط الشمالي المتجمد، بل سبقه تصريح للأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، لقناة “سي إن إن” (CNN) الأميركية أن الحلف رصد التحركات الروسية لتوسيع قواعدها العسكرية في الجانب الشمالي رغم انشغالها في الحرب في أوكرانيا.

فما الذي يجعل هذه المنطقة المتجمدة وصعبة الاختراق مغرية للدول الكبرى وخصوصا الدول المحيطة بها (كندا وروسيا وأميركا والنرويج والدانمارك وفنلندا)، ويدفع القادة العسكريين للتحذير من أي توسع روسي فيها، حيث يوجد الجليد فقط؟

يكمن الجواب في ما يخفيه الجليد في تلك المنطقة الشاسعة، ويجعل الدول الكبرى تتنافس وتسابق الزمن ليكون لها النصيب الأكبر من الثروات التي ستظهر كلما ذاب الجليد بفعل ارتفاع درجة حرارة الأرض.
مصنع للطاقة
تعد كندا وروسيا من أكثر الدول المستفيدة من التنقيب عن النفط والغاز في المحيط المتجمد الشمالي، وتستخرج كندا الغاز والنفط أساسا من بحر “بيوفورت” الذي يقع شمال ألاسكا، أما روسيا فتستخرج النفط والغاز من شرق سيبيريا وبحر “بارنتس”.

واكتشفت عمليات التنقيب الروسية والكندية في المحيط الشمالي أكثر من 400 حقل للنفط والغاز. ويستخرج كلا البلدين ما مجموعه 2.6 مليون برميل من النفط الصخري يوميا.

أما النرويج، فعارضت دائما أي عمليات تنقيب في الجرف القاري الخاص بها في المحيط الشمالي لأسباب بيئية. إلا أن ارتفاع أسعار الطاقة وتزايد الطلب على الغاز دفعها لتغيير سياستها لتقرر أن تمنح مع بداية سنة 2023 تراخيص التنقيب في أعالي البحار للشركات العالمية لاستغلال حقوق النفط والغاز الموجودة في منطقتها من المحيط.
منجم للطاقة والغاز
لا يتمالك صنّاع القرار في الدول المحيطة بالمحيط المتجمد الشمالي أو المسؤولون في شركات للطاقة أنفسهم أمام الأرقام المغرية التي تقدمها الدراسات العملية حول كميات الغاز والنفط الموجودة في هذا المحيط.

ووفق المعهد الأميركي للدراسات الجيولوجية “يو إس جي إس” (USGS)، فإن المحيط يتوفر على 90 مليار برميل من النفط وأكثر من 1.669 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وأكثر من 44 مليار برميل من الغاز الطبيعي المسال، كلها موجودة في 84% من المناطق القريبة من الجرف القاري لكل دولة أو داخله أو في محيطه.

وهذه الأرقام توازي 22% من النفط غير المستخرج في العالم. ووفق المعهد الأميركي للدراسات الجيولوجية فإن المحيط المتجمد الشمالي قد يكون أكبر منطقة تتوفر على النفط غير المكتشف في العالم حتى الآن.
حرب المعادن النادرة
لكن بعض الخبراء يتوقعون ألا تتحرك الدول الغربية بسرعة من أجل التنقيب عن الغاز والنفط في أعالي البحار داخل المحيط المتجمد، بالنظر لكون هذه العملية ستكون مكلفة جدا، كما أن الدول المعنية لا تعاني حاليا من نقص حاد في الطاقة.

وأما الذي يغري الدول الكبرى حقيقةً ويدفعها للتنافس والحذر من أي تحرك روسي على وجه الخصوص فهو المعادن الثمينة؛ وخصوصا المعادن المستعملة حاليا في تصنيع السيارات الكهربائية وتصنيع أجهزة الطاقات المتجددة، إضافة للحديد والزنك والذهب والفضة والفحم والأحجار الكريمة.

وتُقدّر قيمة المعادن الموجودة في المحيط الشمالي المتجمد بأكثر من 2 تريليون دولار. ووفق مسح للمعهد الأميركي للدراسات الجيولوجية فإن شبه جزيرة “كولا” الموجودة في أقصى الشمال الروسي ومساحتها 100 ألف كيلومتر، تتوفر على كميات معتبرة من المعادن. أما الجرف القاري الكندي، فيتوفر على معادن كثيرة منها الذهب والنحاس واليورانيوم.

وهذه المعادن تحتاجها دول مثل الولايات المتحدة وكندا والدول الصناعية في تصنيع السيارات الكهربائية وكل الآلات التي باتت تعتمد على البطاريات الكهربائية، وحاليا فإن الصين هي التي توفر 90% من هذه المعادن، ما يجعل الغرب دائما رهينا للإنتاج الصيني. ولهذا ستكون دوله أكثر حماسة لسحب هذه الورقة الإستراتيجية من يد الصين.
صراع الحدود والنفوذ
تطالب روسيا منذ سنوات بتمديد جرفها القاري إلى أكثر من 703 آلاف متر مربع داخل المحيط الشمالي، إلا أن هناك مناطق تتداخل مع الجرف القاري لكندا وغرينلاند التابعة للدانمارك. ولحد الآن لم تنجح روسيا في إثبات أن هذه المساحة هي امتداد لجرفها القاري، فوفق القانون الدولي يتعين على موسكو أن تقدم كل الأدلة العملية التي تفيد فعلا بأن هذه المساحة هي امتداد للجرف القاري، وحينها يمكنها استغلال الثروات الموجودة في هذه المساحة.

ومنذ سنة 2014 دخلت روسيا وكندا في صراع محموم لإثبات أحقيتهما في تمديد مساحة الجرف القاري الخاص بهما؛ ففي هذه السنة أرسلت كندا كاسحتي جليد لجمع المعطيات التي تدعم موقف كندا المطالب بمساحة 1.2 مليون متر مربع من المنطقة الدولية في المحيط الشمالي.

وبعدها بسنة أي في 2015، قدّمت روسيا للأمم المتحدة طلبا معدلا لتوسيع حدود الجرف القاري في منطقة القطب الشمالي عبر ضم قمة جبل “لومونوسوف” وهو جبل بحري غني بالنفط وهو نفسه الذي تريد كندا ضمه أيضا.

المصدر : الجزيرة