دور القيادة السياسية في تحقيق التنمية في ماليزيا: مهاتير محمد أنموذجاً

دور القيادة السياسية في تحقيق التنمية في ماليزيا: مهاتير محمد أنموذجاً
Spread the love

شجون عربية – بقلم: محمود سمير ابو عره* /
 مقدمة الدراسة:
إن التنمية تعد نشاطا شموليا تشتمل على نظم وفعاليات وأعمال فرعية جزئية متخصصة، تكون محصلة مجموعها العام المتفاعل في تحقيق ذلك الهدف المنشود هو تحقيق التنمية الشاملة والتي تمس المجتمع بأسره، وهي لا تخص الجانب الاقتصادي فحسب بل مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والعلمية، وهي عملية منظمة تنظم عبر مراحل زمنية متتالية، لكل مرحلة فيها ميدان مخصص لتطويرها يحقق فيها نسبا معينة من النمو والانجاز والتقدم، ويكون ذلك دلالة على كون هذه الدولة قد دخلت مراحل متقدمة في عملية التنمية.
وتعد عملية التنمية مطلبا أساسيا لكل شعوب العالم، وقد اشتد هذا المطلب في الآونة الأخيرة، إذ تتسابق البلدان المتقدمة في تطوير ميادين الصناعة والزراعة وغيرها من المجالات، بإيجاد وسائل أحدث في سبيل تحسين منتجاتها وتخفيض كلفة تلك المنتجات لتحقيق أقصى الأرباح، وقد وجدت الدول النامية أنها لا تستطيع التحرك في هذه المساحة إلا من خلال عمليات تنموية عميقة.
وتعتبر ماليزيا واحدة من الدول التي حققت المعجزة الأسيوية، فقد شهدت وما زالت تشهد طفرة تنموية هائلة في شتى المجالات وخاصة على الصعيد الاقتصادي، حيث بدأت بوادر تلك الطفرة في بداية السبعينات، وتشكلت سماتها في تسعينات القرن الماضي، مما أدى إلى انتعاش النظام الاقتصادي الماليزي، الذي أدى بدوره إلى الاستقرار بأنواعه كافة، وأدى ذلك للقضاء على التوترات العرقية في الدولة.
وتعتبر التجربة التنموية في ماليزيا واحدة من أهم التجارب التنموية في العصر الحديث، حيث استطاعت من خلال سياساتها التنموية تحقيق معدلات نمو أبهرت بها الخبراء الاقتصاديين والعالم أجمع، كما قدمت أنموذجا مبهرا أيضا في قدرتها على إدارة الأزمة المالية التي عصفت بها في عام (1997) م، والتي كانت تهدد منجزات التنمية الماليزية برمتها.
وتعتبر القيادة السياسية إحدى متغيرات النظام السياسي؛ لما لها من دور فعال وحيوي في صناعة وتنفيذ كل السياسات العامة، على الصعيد الداخلي وعلى صعيد السياسة الخارجية، وهي من خلال هذا الدور تقوم بعملية متشابكة تتداخل فيها عناصر عدة، من تخطيط وتنفيذ ورقابة عاكسة بذلك طموحات وآمال مجتمعها.
 مشكلة الدراسة:
تتمحور مشكلة الدراسة في التعرف إلى دور القيادة السياسية في تحقيق التنمية في ماليزيا في عهد الدكتور مهاتير محمد، بالإضافة إلى التعرف إلى شخصية الدكتور مهاتير محمد، رئيس الوزراء السابق لماليزيا، التي أوصلت ماليزيا إلى المراتب الأولى عالميا في تحقيق التنمية، وستحاول هذه الدراسة الإجابة على سؤال الدراسة الرئيس وهو:
كيف ساهمت طبيعة القيادة السياسية الماليزية في عهد مهاتير محمد على تنمية ماليزيا سواء كانت تنمية (سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية)؟
 أسئلة الدراسة:
ستحاول هذه الدراسة أيضا الإجابة على الأسئلة التالية:
1. ماهية القيادة السياسية؟ وماهية التنمية؟
2. كيف كان واقع التنمية في ماليزيا قبل عام (1981) م؟
3. كيف ساهم الدكتور مهاتير محمد بعد عام (1981) م على تحقيق التنمية بمختلف أشكالها في ماليزيا؟
 فرضية الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى إثبات الفرضية التالية:
لعبت القيادة السياسية في دولة ماليزيا بقيادة مهاتير محمد على المستويين الداخلي والخارجي دورا بارزا في تحقيق التنمية، على مختلف أشكالها سواء أكانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو حتى ثقافية في دولة ماليزيا، بالإضافة إلى ذلك فإن ما تتميز به تلك الشخصية من المؤهلات العلمية والقدرات الفذة، هي من جعلته أن يكون عنصرا مؤثرا وفعالا في تنمية وتطوير ونهضة دولة ماليزيا.
 منهج الدراسة:
استنادا لمشكلة الدراسة وفروضها وأهميتها وأهدافها، فقد استعان الباحث بالمناهج التالية:
– المنهج الوصفي التحليلي: حيث سيتم جمع البيانات وعرضها وتحليلها، استنادا إلى المصادر الأولية والمصادر الثانوية من كتب ومؤلفات ودوريات متخصصة، بالإضافة إلى الأرقام الإحصائية، ويعتقد الباحث أن تبني المنهج المشار إليه كمنهج علمي متداول ومتعارف عليه؛ لتحليل موضوع البحث، وذلك بهدف التوصل إلى نتائج وتوصيات معرفية تضيف كل ما هو جديد لموضوع البحث.
– منهج القيادة: إن منهج القيادة ينبغي ألا يرتكز على أسلوب المنهج الواحد في دراسة ظاهرة القيادة، بل ينبغي دراسة أبعاد هذه الظاهرة في ضوء المنهج المتعدد الأساليب، حيث يمكن دراسة هذه الظاهرة من مداخل عديدة، منها المدخل السوسيولوجي الذي يؤكد على أن القيادة ظاهرة اجتماعية، والمدخل السيكولوجي الذي يؤكد على أهم السمات النفسية للقائد، فهذا المدخل يقوم بتحليل السمات النفسية والاجتماعية للقادة في الماضي وفي الحاضر، والمدخل النفسي الاجتماعي الذي يؤكد على التفاعل الاجتماعي بين القائد وجماعته؛ للوصول إلى الأهداف المشتركة لأفراد الجماعة، والمدخل التربوي الذي يؤكد على البعد النفسي والتربوي لدى القائد، ويبحث في الأدوار التربوية التي يقوم بها القائد تجاه جماعته.
 الإطار النظري للدراسة
سيقوم الباحث بالحديث عن التأصيل النظري للدراسة، وهي نظرية الدور؛ لما لها من ترابط قوي وأهمية كبيرة في فهم موضوع الدراسة.
– نظرية الدور: بالرجوع إلى معظم الأدبيات التي قد تناولت نظرية الدور، نجد أن هذه النظرية قد نشأت وتطورت في إطار علم الاجتماع الغربي، منطلقة من أسس اجتماعية سيكولوجية بالدرجة الأولى؛ بغية فهم موقع الفرد وتأثيره في السياسة الداخلية والعالمية، فضلا عن الرغبة في فهم النسق السياسي وتطويره؛ مما دعا علماء السياسة لوضع بنية نظرية لمفهوم الدور في إطار علم السياسة، وتهتم هذه النظرية في البحث في الأدوار السياسية في إطار الأنساق السياسية من الداخل كل على حدة، وبحث هيكل الأدوار وتوزيعها وتفاعلاتها بين الأنساق الفرعية أو الأبنية التي تشكل النسق السياسي ككل، ويعد الفرد وحدة تحليل هذه النظرية بتركيزها على سلوك الفرد، إلا أن هناك مستويات أخرى، منها المؤسسة ودور الفرد داخلها باعتباره يقوم بالإصلاح وتحقيق أهداف هذه المؤسسة.
ويصف بروس بيدل (Bruce Biddle) نظرية الدور بالعلم الذي يهتم بدراسة السلوكيات التي تميز الأشخاص ضمن ظروف معينة، ومع عمليات متنوعة يفترض أن تنتج السلوكيات وتفسرها وتؤثر عليها، وتهتم بالطريقة التي يدرك بها الأشخاص توقعات الآخرين، وأثر ذلك الإدراك على سلوك الأشخاص، والمعتقدات والتصورات التي يحملها الآخرون حول ما تتطلبه المكانة التي يحتلها الشخص.
– وقد تم استخدام نظرية الدور في علم السياسة الحديث من خلال مستويين من التحليل وهما:
1. المستوى الداخلي: ويتم فيه بحث الأدوار السياسية في إطار الأنظمة السياسية من الداخل، كل على حدة، وبحث هيكل الأدوار وتوزيعاتها وتفاعلاتها بين الأنساق الفرعية أو الأبنية، التي تشكل النسق السياسي ككل.
2. المستوى الخارجي: ويتم فيه بحث الأدوار السياسية في إطار النسق السياسي الدولي، والتركيز بصفة خاصة على الأدوار التي يشغلها الأفراد المؤثرون في السياسة الدولية، ولا يشترط أن يكونوا من رؤساء الدول.
 الإطار المفاهيمي للدراسة:
تستخدم الدراسة مجموعة من المفاهيم والمصطلحات:
– القيادة السياسية (Political Leadership):
تعريف القيادة لغة: القيادة من الناحية اللغوية (حسب المعجم الوسيط) مأخوذة من الفعل (قاد) وتعني رأس الأمر ودبره، وكما مر في المعجم (قاد الدابة) بمعنى: مشى أمامها آخذا بمقودها.
تعريف القيادة اصطلاحا: يعود مصطلح القيادة السياسية إلى الزعيم أو الملك، وهي المفاهيم التي كانت مستخدمة للتمييز بين الحاكم وبقية أفراد المجتمع، ويوضح قاموس أكسفورد الإنجليزي أن ظهور كلمة القائد في اللغة الإنجليزية كان بداية عام (1300)م، ولكنه في جميع الأحوال لم يظهر مصطلح القيادة بشكل واضح إلا في عام (1800)م، وأول من صاغ مفهوم القيادة بهذا المعنى هو أفلاطون في حديثه عن الحكومة الأيديولوجية القائمة على سمو العقل والمعرفة، والفيلسوف الحاكم حارس الدولة الذي تتوفر فيه أسمى النزعات، وهي العقل والحكمة.
والقيادة السياسية تعرف على أنها نمط من السلوك يهدف إلى تنظيم جهود الجماعة نحو الأهداف المرغوب الوصول إليها، وتتجلى أهمية القيادة السياسية ودورها نحو تحقيق الأهداف السياسية المراد تحقيقها، وتستند القيادة السياسية في شرعيتها من خلال الإرادة الحرة للأتباع؛ لذا تنقسم الشرعية التي تستمد القيادة السياسية منها وجودها إلى قسمين، وهما: (شرعية الانتخاب، وشرعية الإنجاز).
ويقصد بالقيادة السياسية الماليزية: هي تلك الخصائص والصفات القيادية (العلم والحكمة والمهارات الخاصة)، التي يتمتع بها (مهاتير محمد)، والتي ساهمت في رسم السياسات على المستويين الداخلي والخارجي في إحداث التنمية في ماليزيا. كما تشمل التأثير في سلوك الآخرين، إما عن طريق النفوذ وقوة التأثير الشخصي على الآخرين، أو باستعمال السلطة الرسمية والمتمثلة في حق الالتزام بالتعليمات وإنجاز العمل وفق اللوائح والأنظمة المعتمدة.
– التنمية (Development)
تعريف التنمية لغة: التنمية من الناحية اللغوية (حسب المعجم الوسيط) مأخوذة من: (نما – نموا) بمعنى الزيادة في الشيء، فيقال: نما المال نموا أي زاد وكثر. ويقال نما الشيء بمعنى رفعه وأعلى شأنه.
تعريف التنمية اصطلاحا: لا يوجد تعريف جامع للتنمية وتفهم بأشكال وتطبيقات مختلفة إلا أنها تعني تلبية احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
لكن عرفت التنمية بأنها عملية مجتمعية تراكمية تتم في إطار نسيج من الروابط، بالغ التعقيد، ناتج من تفاعل متبادل بين عوامل عديدة، حيث تكون المحصلة النهائية هي التطور في أحد المجالات أو كلها، التي تشملها التنمية وفق خططها الموضوعة والمدروسة.
أما هيئة الأمم المتحدة عام (1956) م، فقد عرفت التنمية بأنها ” العمليات التي يتم بمقتضاها توحيد جهود كل المواطنين والحكومة؛ لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية، والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر مستطاع “.
وتقصد الدراسة بمفهوم التنمية: هي عملية تغيير في الأنماط الحياتية السائدة في مجتمع ما، يحددها توجهات سياسية ترسم أطرها العامة، ويعكسها المجتمع برغباته واحتياجاته في حياة أكثر تطورا في الخدمات العامة، وهي التي تخرج عن نسق محدد تسهم في صياغته القوى السياسية والشعبية معا، وتضع توجهاته على شكل برامج وخطط قابلة للتنفيذ على أرض الواقع؛ لذا يجب أن تكون العملية متفقة مع متطلبات المجتمع، وملائمة لما يتوافر لدى الدولة من موارد طبيعية ومادية وبشرية، ويراعى في هذه العملية البعد السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة، بما يهدف في النهاية إلى انتقال المجتمع إلى درجة أكثر تطورا لما كان عليه من قبل.
واقع التنمية في ماليزيا قبل عام (1981)م
تهيأت ماليزيا بعدد من القيادات السياسية المتميزة منذ الاستقلال عام(1957) م وحتى الآن، تميزت هذه القيادات بأنها مثقفة ومتعلمة، وقادرة على العمل لتحقيق المصالح الكلية للدولة، في ضوء استيعاب عميق لتعقيدات الوضع الداخلي وحساسيته، ولمجموعة الحسابات الإقليمية والدولية. وكان من أهم مزايا القيادة الماليزية أنها تعرف ماذا تريد، وأنها لا تبالغ في تقدير الإمكانات المتاحة، وهي مستعدة للعمل الحثيث التدريجي الهادئ ولو اتسم أحيانا بالبطء، فإنه كان يسير في الاتجاه الصحيح.
فرئيس الوزراء الماليزي هو رئيس الحكومة المنتخب بطريقة غير مباشرة في ماليزيا، ويرشح عادة عن طريق الحاكم الأعلى في ماليزيا، وقائد أكثر الأحزاب شعبية في مجلس النواب الاتحادي، والمنتخبون لبرلمان ماليزيا. ويقوم رئيس الوزراء برئاسة مجلس الوزراء الماليزي، والذي يتم اختيار أعضائه عن طريق الحاكم الأعلى في ماليزيا، واستشارة رئيس الوزراء. فعلى مدار أربعة وستين عاما (1957-2020)م قاد ماليزيا (7) رؤساء وزراء فقط، ما يدل على حالة الاستقرار النسبي الذي عاشته ماليزيا. وعلى الأغلب فقد كان كل رئيس وزراء هو الشخص الأنسب لمرحلته. علما أن رئيس الوزراء الحالي هو( محيي الدين إسماعيل) الذي تسلم الحكم منذ (1/ مارس/2020)م، خلفا لرئيس الوزراء الماليزي السابق (مهاتير محمد) الذي قدم استقالته في شهر (فبراير/2020م).

رئيس الوزراء الأول (تنكو عبد الرحمن 1957- 1970م)
يعد (تنكو عبد الرحمن) أول رئيس للوزراء في ماليزيا، وهو بطل الاستقلال الماليزي، وهو مشهور بلقب (أبو الاستقلال)، حيث أدرك أن الاستقلال لا يتحقق إلا بتوافق جميع فئات المجتمع في ماليزيا، ونجح في بناء علاقات وثيقة وتفاهمات مع قيادات الصينيين والهنود، ونجح في تحقيق الوحدة الوطنية، فقام بضم أقاليم صباح وسرواك وسنغافورة، وعندما شعر أن بقاء سنغافورة سيهدد أسس التوافق الماليزي، اختار طرد سنغافورة في سبيل الحفاظ على التوافق.

رئيس الوزراء الثاني (تون عبد الرازق بن حسين 1970-1976)
في عام (1970)م أصبح تون عبد الرازق بن حسين رئيسا للوزراء على أثر الاضطرابات التي حصلت في (13/5/1969)م التي هزت ماليزيا، وهي اضطرابات عرقية بين الملايو والصينيين، أدت إلى مقتل (143) من الصينيين و(25) من الملايو، فقام تون عبد الرازق بإعادة تشكيل التركيبة السياسية الماليزية ووسع التحالف الحاكم، وشكل الجبهة الوطنية لتشكيل قاعدة حكم ائتلافي أكثر صلابة واستقرارا، وهو مشهور بلقب (أبو التنمية)، حيث وضع ماليزيا على سكة التطور الاقتصادي، عبر ردم التمايز الاقتصادي بين الأعراق الثلاث ( الملايو، والصينيين، والهنود(، من خلال إطلاقه للخطة الخمسية الاقتصادية (1971-1975)م، والتي نجحت بصورة نسبية في تهدئة الوضع العام في ماليزيا.

رئيس الوزراء الثالث (حسين بن عون 1976-1981م)
تمحور برنامجه السياسي حول تطبيق الديمقراطية التوافقية، كجزء من الاستجابة لتحسين واقع الأعراق الاجتماعية المختلفة، عبر تحسين المشاركة السياسية للملايو، وقد لقب بـ (الأب الروحي للوحدة الماليزي)؛ لما له من انجازات عديدة في بناء جسر للعلاقات الودية بين مختلف الأعراق في ماليزيا، وتعزيز الانسجام بين مختلف الأحزاب السياسية داخل الجبهة الوطنية.
رئيس الوزراء الرابع (مهاتير محمد 1981- 2003م)
هذه المرحلة سيتم الحديث عنها لاحقا بشكل مفصل وموسع ، لأن هذه المرحلة هي موضوع الدراسة.

رئيس الوزراء الخامس (عبد الله بن حاجي أحمد بدوي 2003-2009م)
حيث اتسمت طيلة فترة حكم عبد الله بدوي بالسير على نهج سلفه (مهاتير محمد) في متابعة الإصلاحات السياسية، وتطبيقه لمبدأ الشفافية فيما يتعلق بالإعلان عن المناقصات الخاصة بالمشروعات الحكومية، وقام أيضا بمكافحة الفساد في مؤسسات الدولة وشركات القطاع العام، وقام بتشجيع الشركات الماليزية لفتح قنوات للتواصل وتدعيم الشراكة مع الشركات الاقتصادية العالمية.
وقام عبد الله بدوي أيضا بتقديم الكثير من الخدمات للمواطنين في ماليزيا والعالم الإسلامي، وقام بتعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف بين بلاده والبلدان الأخرى، وذلك من خلال قيادته النشيطة لرابطة دول جنوب شرق أسيا، وحركة عدم الانحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي أثناء رئاسته لتلك المنظمات. كما قام بتعزيز قدرة الاقتصاد الماليزي التنافسية ومتانته من خلال توسيع نطاق الزراعة الحديثة والصناعات العالية الدقة، وعمل على تطوير رأس المال البشري باعتباره دعامة أساسية لإدارته، ولقب بـ (أبو تنمية رأس المال البشري)، ولقب أيضا بـ (السيد النظيف)، وعقب انتهاء رئاسته لمجلس الوزراء الماليزي في سنة (2009)م منحه ملك ماليزيا لقب (تون (TUNوهو أعلى تكريم مدني في تلك البلاد تقديرا لخدماته لوطنه.
رئيس وزراء ماليزيا السادس (نجيب تون عبد الرازق 2009-2018)
تولى في (3 /نيسان/ 2009) منصب رئيس الوزراء الماليزي، وفي (16/ سبتمبر/2010)م صمم رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرازق برنامجا سياسيا باسم (ماليزيا 1)، والذي يرمز إلى ماليزيا واحدة بمختلف أعراقها، ويدعو من خلالها مجلس الوزراء والوكالات الحكومية وموظفي الخدمة المدنية إلى التقارب أكثر؛ للتأكيد بقوة على الانسجام العرقي والوحدة الوطنية حيث انه لقب بـ (أبو ماليزيا الواحدة).
ونجح نجيب عبد الرازق في تحويل اقتصاد ماليزيا إلى أول اقتصاد يعمل وفق نظام المالية الإسلامية، ويقوم على ستة عشرة مصرفا إسلاميا وأصول قيمتها (135) مليار دولار، أي ما يعادل (60%) من السوق العالمية للصكوك الإسلامية، وفي عهده زاد الاستثمار الأجنبي في قطاعي التعدين والمناجم بنسبة (108%) وفي الزراعة بنسبة (20 %).
بعد توليه منصب رئاسة الوزراء، اتهم من طرف وزير السياحة بالفساد المالي، وذكر الوزير أن ملايين الدولارات وضعت في الحساب البنكي لنجيب عبد الرزاق من طرف دولة شقيقة، وذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية أن تحقيقات كشفت أن حوالي (700) مليون دولار أودعت في حسابات شخصية لرئيس الوزراء نجيب، ورد نجيب باستعداده للكشف عن مصدر الأموال الموجودة في حساباته البنكية إذا كشفت الأحزاب المعارضة عن أرصدتها، ونفى تلقي أموال من صندوق الاستثمار الحكومي أو أي جهة بغرض الربح الشخصي، وخرجت للشارع الماليزي مظاهرات تطالب باستقالة نجيب، وتدين سوء الإدارة والفساد المالي، وتدخل رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد داعيا إلى اتخاذ إجراءات لحجب الثقة عن نجيب عبد الرازق .
وفي عام (2018)م وبعد عودة مهاتير محمد إلى الحكم وبسبب خسارة نجيب عبد الرازق في الانتخابات التي جرت في شهر (آيار/ 2018)م، أعلنت السلطات الماليزية بأمر من مهاتير محمد اعتقال نجيب عبد الرازق، وتم توجيه له عدة تهم منها استغلال السلطة وغسيل الأموال وتهم فساد مالي في الدولة، وتم منع نجيب عبد الرازق وعائلته من السفر، وقام مهاتير محمد بفتح تحقيق شامل في كافة ملفات الفساد الخاصة بنجيب عبد الرازق وعائلته لبدء محاكمتهم.
التجربة التنموية في ماليزيا في عهد القائد السياسي مهاتير محمد
لقد امتازت شخصية الدكتور مهاتير محمد أنها جمعت بين الفكر والقيادة على مستوى عال؛ إذ لم يسبق للسياسة الماليزية شخصية مماثلة لشخصيته، وقد جعلتها هذه الخاصية وجهة للباحثين، حتى أنهم اعتبروا مهاتير محمد صوت آسيا في العالم، فقد كانت له شخصية جدلية كاريزمية، لها وجهتها ورؤيتها الخاصة بها، فضلا عن مدرسته الفكرية التي تميز بها، ولعل أكثر المميزات التي اختص بها بالطبع ليست موقفه من الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي فقط، بل تعداها ليشتمل موقفه نحو الغرب كافة، وديمومة حرصه على عدم التقبل، بل الرفض القاطع للنرجسية الغربية، ودعوته للاستقلالية الحضارية، وفقا لجميع الجوانب السياسية والاقتصادية والفكرية والعسكرية.
 السياسات الداخلية لمهاتير محمد في إحداث عملية التنمية في ماليزيا
إن ماليزيا خلال عهد الدكتور مهاتير محمد كانت مختلفة بشكل كبير عن أوقات رؤساء الوزراء السابقين في ماليزيا، ففي عهد مهاتير محمد حدث التطور المذهل والصاعد في المجالات كافة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
– المستوى السياسي:
1. الحكومة الماليزية في عهد مهاتير محمد
الحكومة الماليزية في عهد مهاتير محمد كانت تميزها ميزتان هامتان، الميزة الأولى من حيث أسلوب القيادة وعمليات صنع القرار، فكان هناك زيادة مركزية للسلطة في يد الرئيس التنفيذي، والميزة الثانية من حيث ما يدعم مخرجات السياسة، فكان هناك ارتفاع واضح في حماسة الاعتراف، حيث ورث مهاتير محمد نظام حكم كان مركزيا بالفعل منذ عهد رئيس الوزراء الأسبق تنكو عبد الرحمن، وكانت السلطة التنفيذية تتمتع بسلطة شديدة حتى كانت فوق سلطة صنع السياسية.
ومع ذلك اعتمد مهاتير أسلوب القيادة الذي زاد من تعزيز سلطة السلطة التنفيذية، وتم وصف الهيكل الماليزي من خلال العديد من المراقبين والدول الأخرى بأنه (شبه ديمقراطي)، ومنهم من وصفه (بالديمقراطية المقيدة)، وهنالك من وصفه بأنه (الدولة الشعبوية الاستبدادية).
واهتم مهاتير محمد شخصيا بتعيينات كبار موظفي الخدمة المدنية كما هو الحال في تعيين الوزراء، واهتم بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ولم يقبل أي وساطة في أي تعيين.
وبناء على ذلك نرى أن أكثر شيء صعوبة لدى بداية رئيس الوزراء في الحكم هو اختيار معاونيه في الحكومة، فأكثر شيء عانى منه الدكتور مهاتير محمد هو اختيار من سيكون معه في المرحلة من الوزراء، فلم يقم باختيار عشوائي وإنما قام باختيار أشخاص ضمن مواصفات دقيقة، أهمها الأخلاق والأمانة والتخصص، ووضع كل رجل بمكانه المناسب، وهذه الأخيرة ساعدت رئيس الوزراء في نجاحه، فكل شخص يوضع بمكانه يبدع ويحقق النجاح المطلوب منه بتفوق، أما إذا وضع في مكان ليس مكانه فبدايته الفشل.
2. التعددية الحزبية في ماليزيا
فالتعددية الحزبية في ماليزيا تتميز بالتعايش السلمي والأمن والاحترام المتبادل بـين أطراف المعادلة السياسية، وهي النتيجة الطبيعية لأنتشار الثقافة التعددية الـسياسية والعمـل علـى أساسها، وتشتمل هذه التعددية على مستويين، المستوى الأول: مستوى الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحاكم (التنظيم القومي أو الجبهة الوطنية المتحدة)، وعددها ما يقارب أربعة عشر حزبا، وأهم أحزابها حزب التنظيم القومي للملاويين المتحدين(UMNO)، وحزب التجمع الماليزي الصيني (MCA)، وحزب المؤتمر الماليزي الهندي(MIC)، وحزب الحركة الماليزية الشعبية (Gerakan)، والمستوى الثاني: مستوى الأحزاب التي تقف في الجهة المعارضة، وعددها أكثر من ثلاثين حزبا، ومنها حزب العمل الديمقراطي(DAP)، والحزب الإسلامي الماليزي (PAS)، وحزب العدالة الوطنية (PKR).

3. هيئة مكافحة الفساد
عندما استلم مهاتير محمد الحكم في ماليزيا عام (1981)م، بدأ في مكافحة الفساد ولم يغض النظر عن أي شخص خالف التعليمات والقوانين مهما كان مركزه، فاعتبر أن الحق العام خط أحمر لا يجب المساس به، حيث إنه في عام (2018)م، وخلال فترة عودة مهاتير محمد الحكم مرة ثانية، قام مهاتير في فترة لا تتجاوز عشرة أيام في محاربة العديد من مظاهر الفساد في بلاده، وخلال هذه الفترة القصيرة فتح أكثر الملفات فسادا، وهو الصندوق السيادي الماليزي الذي تقدر حجم الأموال المنهوبة منه بأكثر من (4.5) مليارات دولار، كما بدا التحقيق مباشرة مع نجيب عبد الرزاق رئيس الوزراء السابق وزوجته وبعض أقاربه بتهم الفساد وتلقي رشاوى خارجية منها ستمئة وواحد وثمانين مليون دولار من الأسرة المالكة بالسعودية.
حصلت ماليزيا على المرتبة الحادية والخمسين دوليا والثالثة آسيويا، ضمن مئة وثمانين دولة في مؤشر الشفافية ومكافحة الفساد العالمي لعام (2019)م، وحصلت على المرتبة الثالثة بعد سنغافورة وبروناي دار السلام من بين دول آسيا العشرة.
– المستوى الاجتماعي:
1. التأكيد على دور الإسلام في عملية التنمية
كان مهاتير محمد دائما يعتز بإسلامه في كل المحافل الدولية، ويرجع نجاح خطته التنموية في ماليزيا إلى تطبيقه لتعاليم الإسلام، حيث كان ينطلق نحو النجاح بفهم عميق لجوهر الدين الإسلامي الذي يعلي من قيمة العلم والتقدم، فقال في أحد خطاباته: “إن ماليزيا واثقة بأن الأمة الإسلامية يمكنها أن تكون أقوى قوة في العالم إذا توحدت، وأحسنت استخدام ثرواتها ومصادرها المختلفة”، حيث وضح مهاتير محمد بأن على هذه الأمة أن تنشط في تحصيل العلوم وتقتحم مجال تكنولوجيا المعلومات؛ حتى تستطيع أن تنافس تقدم الغرب في هذا المجال الحيوي والمهم في هذا العصر، كما أن مهاتير محمد قام بتعديل نصوص قانون العقوبات بما يتماشى والقواعد الشرعية الإسلامية؛ مما أدى على مدى السنوات الماضية إلى اعتبار الثقافة والعلوم الإسلامية إجبارية التدريس في المؤسسات التعليمية؛ لتحقيق هدفه المتمثل بتأسيس دولة إسلامية حديثة وموحدة، تواكب التطورات والتكنولوجيا والعلوم العصرية، كما أنه في نفس الوقت لم يتجاهل المفاهيم الجديدة للمجتمع الرأسمالي المتطور.

2. التعايش والمشاركة
كان العقد الاجتماعي الذي استطاع الدكتور مهاتير محمد وحكومته تطويره، أحد عناصر نجاح التجربة التنموية الماليزية، ومن أهم ضمانات استمرارها، وأن الاعتراف بالتنوع العرقي والديني، والإقرار بوجود اختلالات حقيقية في مستويات الدخل والتعليم بين فئات المجتمع، والتوافق على ضرورة نزع فتائل التفجير، وعلاج الاختلالات بشكل هادئ وواقعي وتدريجي، وكل ذلك كان مدخلا لتوفير شبكة أمان واستقرار اجتماعي وسياسي، وكان من الضروري وضع شروط لعبة يكسب فيها الجميع، وكان جوهر فكرة علاج الاختلالات التي وضعها مهاتير محمد في ماليزيا، مبنية على تحقيق التعايش السلمي، وحفظ حقوق الجميع والمشاركة في المسؤولية، والمشاركة في برامج التنمية في ماليزيا.
3. التعليم
عندما تبنى مهاتير محمد النهج التنموي، كان من أولى اهتماماته تبني خطة تنموية تعليمية عن طريق الاهتمام بالتعليم ورفع مستواه، فاهتم بالتعليم منذ مرحلة ما قبل المدرسة الابتدائية، فجعل هذه المرحلة جزءا من النظام الاتحادي للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال وما قبل المدرسة مسجلة لدى وزارة التربية، وتلتزم بمنهج تعليمي مقرر من الوزارة، كما تم إضافة مواد تنمي المعاني الوطنية، وتعزز روح الانتماء للتعليم الابتدائي في السنة السادسة من عمر الطفل، ومن بداية المرحلة الثانوية تصبح العملية التعليمية شاملة، فإلى جانب العلوم والآداب تدرس مواد خاصة بالمجالات المهنية والفنية التي تتيح للطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم، كما شجع على تعلم اللغة الإنجليزية.
4. الرعاية الصحية
إن ما يميز الخدمات الصحية الماليزية عن غيرها من الخدمات الأخرى سواء في الدول المجاورة هو الدعم الحكومي المتزايد والمرسوم وفق احتياجات المجتمع وبناء على خطط إستراتيجية تراعي حاجات الحاضر دون الإخلال بمتطلبات المستقبل، حيث تتمتع المستشفيات الماليزية بجودة عالية في تقديم الخدمات واستطاعت الحصول على شهادة الآيزو(9002)، وهو ما يخولها لتكون مستشفيات دولية ومحل إقبال عالمي، حيث الحكومة الماليزية تتكفل بتغطية نفقات نحو (98 %) من تكاليف الرعاية الصحية، ولا يشمل ذلك السكان الأصليين بل حتى الأجانب منهم بغض النظر عن ظروف إقامتهم ومدى شرعيتها، حيث نجد مثلا في عام (2009)م، أن الدولة خصصت ما يقارب(%4.8) من الناتج القومي الإجمالي من أجل تغطية النفقات الصحية.
5. القضاء على الفقر
لقد شهدت مرحلة السبعينيات في ماليزيا أسوأ المراحل من حيث ارتفاع نسب الفقر، حيث شكلت نسبة (52.4%) في بداية السبعينيات، وبفضل السياسات التنموية الخماسية التي تم اتباعها من مهاتير محمد وحكومته أدت إلى تخفيض نسبة الفقر بشكل كبير، حتى بلغت نسبة الفقر سنة (2000)م إلى حوالي (5.5%) وهو ما يشكل تناقصا بحوالي ثلاثة أضعاف عما كان عليه في السبعينيات، حيث إن الهدف من وراء هذه السياسات هو القضاء على ظاهرة الفقر في ماليزيا، وهذه العملية سارت بالتوازي بين المدن الحضارية والأرياف، وهدفت إلى تحقيق مكسبين رئيسين هما: تخفيض نسبة الفقر من جهة، وإعادة هيكلة المجتمع من جهة أخرى، وإن الجهود التي بذلها مهاتير محمد وحكومته في تقليل نسبة الفقر ساهمت بشكل كبير في تقليل التوترات العرقية، وترسيخ الاستقرار السياسي والاجتماعي وتحقيق الازدهار الاقتصادي.
6. مكافحة البطالة
اتبع مهاتير محمد العديد من السياسات التي حاربت ظاهرة البطالة، تمثلت في ابتعاث عدد كبير من الماليزيين للدراسة والتدريب خارج البلاد، مع توفير حزم دعم وقروض ميسرة لذويهم، بقصد تحسين نوع المهارات للقوى العاملة المحلية، واكسابها خبرات أجنبية رائدة، لا سيما في ميادين الإدارة الاقتصادية، واشترطت الحكومة ادماج القوى العاملة الماليزية في المشاريع الصناعية الاستثمارية الأجنبية المباشرة على أراضيها، وعملت على استيعاب العمالة المهاجرة من الريف إلى الحضر الماليزي، وقامت بتوفير دورات تدريبية وفنية لهم، وعملت الحكومة على توفير برنامج إلكتروني للباحثين عن العمل مرتبط بوكالة التوظيف التابعة لوزارة الموارد البشرية الماليزية.
وفي عام (2019)م وصل معدل البطالة إلى (3.3%)، وبلغ عدد القوة العاملة خلال عام (2019)م إلى (15.64) مليون شخص، بزيادة قدرها (1.9 %) على أساس سنوي، وبقي معدل البطالة في عام (2020) مستقرا عند نسبة (3.3%)، مع زيادة بسيطة أو تراجع بسيط في النسبة من شهر إلى آخر، ولكن عدد العاملين في عام (2020)م تراجع بنسبة كبيرة جدا، وزادت نسبة العاطلين عن العمل، وكان السبب في هذا التراجع هو جائحة فيروس كورونا التي ضربت العالم كله.
– المستوى الاقتصادي:
يتميز مهاتير محمد بفكر اقتصادي خاص، حيث يعتبر أحد وأهم صانعي السياسات الاقتصادية لماليزيا، حيث إنه يؤمن بضرورة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، واستخدام ما لديها من أدوات اقتصادية لضبط الأسواق وتعزيز النمو الاقتصادي، وقد انتقد مهاتير محمد فكرة اليد الخفية لـ (آدم سميث)، وفسرها على أنها تدخل في أضيق الحدود، أو بمثابة معاهدة مع الشيطان، وقد رأى مهاتير محمد ضرورة وجود دور إيجابي للدولة، وأن هذا ما كان يقصده آدم سميث، غير أنه في ذات الوقت أعطى دورا هاما للقطاع الخاص في قيادة عملية التنمية في ماليزيا، وقد أدخل مهاتير محمد مصطلح (ماليزيا المتحدة)، ويعني التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص معا في المساهمة الفعالة في تحقيق النمو الاقتصادي، وتقوم فلسفة التنمية الاقتصادية في ماليزيا على فكرة أن تحفيز النمو الاقتصادي يحقق المزيد من العدالة، وتوزيع الدخل ومن ثم زيادة مستويات المعيشة والقضاء تدريجيا على الفقر، بالتالي فإن الفقراء هم أكثر المستفيدين من زيادة معدلات النمو الاقتصادية للدولة.
حيث انه بعد استلام مهاتير محمد رئاسة الوزراء في ماليزيا عام (1981)م، شهدت البلاد نهوضا تنمويا اقتصاديا كبيرا في جميع المجالات، فلم يترك مهاتير محمد مجالا إلا وقام بتطويره للنهوض بالدولة الماليزية، ووصولها إلى مراتب متقدمة في الاقتصاد العالمي، وسيتم الحديث عن العديد من الخطط التنموية، والمشروعات التي قام مهاتير محمد بإنشائها ومنها:
1. بنك إسلام ماليزيا بيرهارد(BIMB)
قام مهاتير محمد بسن قانون البنوك الإسلامية وقانون الاستثمار الحكومي عام (1983)م، ونتيجة هذه القوانين، قام مهاتير محمد بإنشاء بنك إسلام ماليزيا بيرهارد (BIMB) عام (1983)م، بموجب القانون المصرفي الإسلامي، وذلك في سبيل التحرر من التبعية الرأسمالية، ويعتبر البنك من المؤسسات الاقتصادية التنموية، وبدأ عملياته كأول بنك إسلامي في (1/ يوليو/1983)م، وتم إنشاء هذا البنك للمساعدة على تلبية الاحتياجات المالية وتقديم الخدمات للسكان الماليزيين ككل، حيث أنشئ هذا البنك برأس مال مصرح أولي (500) مليون رينجيت ماليزي (حوالي 120 مليون دولار)، ورأس المال المدفوع (80) مليون رينجيت ماليزي (حوالي 20 مليون دولار)، وطبقا لنظام هذا البنك فإنه يقوم على مبدأ العائد المتغير، كما أنه يعتبر ودائع المدخرين قروضا حسنة للبنك لا يتقاضون عنها فوائد، ولكن يتقاضون عائدا متغيرا تحدده الحكومة طبقا لموقفها الاقتصادي، وينظم البنك حسابات استثمارية يدفع عليها عوائد يتم تحديديها مسبقا، وتدفع تلك العوائد من خلال عملية المضاربة والمشاركة وتمويل التجارة، وتقوم الحكومة الماليزية بدعم البنك الإسلامي بشكل مباشر في عمليات المضاربة والبيع بالثمن الأجل والإجارة.
2. الخصخصة
قام مهاتير محمد في تشجيع عمليات الخصخصة التي خطت خطوات رائدة، على الرغم من عمرها الزمني القصير قياسا بدول العالم الأخرى، وخاصة شرق القارة الآسيوية وذلك في عام (1982)م، فكانت ماليزيا من أوائل الدول النامية التي طرقت أبواب خصخصة شركات القطاع العام، وطالت العديد من القطاعات الخدمية الرئيسة في ماليزيا، مثل: (الخطوط الجوية الماليزية) و(مجمع كلانج لحاويات السفن)، وقد اختارت ماليزيا سياسة فعالة وعملية لتحقيق مهمة الخصخصة، مثل: عمليات تصفية المؤسسات الحكومية، وبيع الأسهم الحكومية، ثم تفكيك المؤسسات العامة إلى مؤسسات صغيرة أو دمجها في أخرى أكبر منها، مما ساهم إلى حد كبير في تجاوز الأزمات المالية والاقتصادية، وتخفيض حجم الديون العامة للدولة، وتعزيز الأداء العام ورفع كفاءته ومستوياته.
3. السياسات التنموية المحلية (NEP، NDP، NVP)
اعتمدت ماليزيا في تحقيق عملية التنمية على استراتيجيات طويلة المدى (10 سنوات فأكثر)، ومن بين هذه السياسات المتخذة السياسات الاقتصادية الجديدة (NEP) والتي كانت من عام (1970-1990)م، وسياسة التنمية الوطنية (NDP) والتي كانت من عام (1990-2000)م، وسياسة الرؤية الوطنية (NVP) والتي كانت من عام (2001- 2010)م، والتي كانت تهدف إلى تحقيق معدل نمو متسارع، من خلال زيادة الإنتاجية وتطوير الهيكل الصناعي لمواجهة تحديات التطورات التكنولوجية السريعة والبيئة الاقتصادية العالمية المتغيرة، ودخول ماليزيا بقوة في مجال الأسواق العالمية، وتعظيم الاستفادة من الخبرات اليابانية والكورية، وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى جانب بعض الأهداف الاجتماعية كمحاربة الفقر وتقوية الشعور بالقومية الماليزية لدى جميع الأعراق في ماليزيا.
4. الممر العظيم لوسائط الإعلام ((Multi Media Super Corridor
أطلقت الحكومة الماليزية بقيادة مهاتير محمد في(تشرين الثاني/نوفمبر1995م) فكرة إنشاء (الممر العظيم لوسائط الإعلام)، وهي منطقة تمتد بطول ((50كم، وعرض 15)) كم، وتصل ما بين البرجين التوأم ومطار كوالالمبور الدولي، وتهدف الفكرة إلى القفز بماليزيا إلى عصر المعلومات والمعرفة، واستخدام التكنولوجيا المتطورة في مختلف مجالات العمل الحكومي والحياة اليومية لعامة الناس، وتشجيع الشركات العالمية والمستثمرين في هذا المجال؛ لفتح فروع وشركات لهم فيها مع توفير الكثير من الحوافز، و في (7/ كانون الأول/ 2006م) تم توسيع نطاق (الممر العظيم)؛ ليشمل كل منطقة) وادي كلانج Klang Valley)، كما أن هناك العديد من التطبيقات التي سعى مهاتير محمد لإنجازها من عمل هذا الممر، وهذه التطبيقات هي: (الحكومة الإلكترونية، والبطاقة المتعددة الأغراض، والمدرسة الذكية، وتقديم الخدمات الصحية، وزيادة مراكز عمل الأبحاث، وإدارة الأعمال إلكترونيا).
5. برج منارة كوالالمبور
قام مهاتير محمد بالشروع ببناء مشروع منارة كوالالمبور أو منارة ماليزيا في (4/أكتوبر/1991)م، وافتتحت للجمهور في (23/يوليو/1996)م، وفي (أكتوبر/1996)م افتتح البرج كبرج للاتصالات؛ لتحسين جودة الاتصالات والبث الإذاعي في ماليزيا، فالمنارة أنشئت وسط غابة (بوكيت ناناس) بمساحتها التي تزيد على أحد عشر هكتارا، وهي واحدة من أقدم المحميات الطبيعية في البلاد، ويعد برج المنارة البرج الوحيد في العالم الذي يقع داخل غابة، ويبلغ ارتفاعه (421) مترا، ويعد رابع أعلى برج اتصالات في العالم بعد برج سي إن (The CN Tower) في كندا (553) مترا، وبرج أوستانيكو (Estanico Tower) في روسيا (540) مترا، ثم برج شنغهاي (Shanghai Tower) في الصين (468) مترا، كما أن منطقة موقع البرج تسمى بالمثلث الذهبي؛ لأنها تحتوي على شارع العرب التجاري والبرجين التوأم وبرج المنارة.
6. البرجان التوأم بتروناس (Petronas Twin Towers)
قام مهاتير محمد في عام (1990)م بإجراء مسابقة معمارية لبناء برجين توأمين في العاصمة كوالالمبور؛ وذلك بهدف التطوير وتحويل ماليزيا من بلد يعتمد اقتصادها على المواد الخام إلى الاعتماد على الصناعة والإنشاء؛ ففازت في المسابقة شركة أمريكية بمشروع (مدينة مثالية ضمن المدينة) ، وتم تصميمها من المعماري الأمريكي الأرجنتيني (سزار بيلي)، ويعتبر تصميم البرجين مزيجا بين التراث الإسلامي والثقافة الماليزية، وبدأ العمل ببناء البرجين عام (1992)م، وتم الانتهاء من بنائهما عام (1998)م، ويعد هذان البرجان من أطول الأبراج في العالم، إذ يبلغ ارتفاعهما حوالي (452) مترا، وبذلك أصبح البرجان أعلى المباني في العالم، واحتل البرجان المركز الأول بين عامي (1998-2004)م، إلا أن البرجين فقدت صدارتها لصالح مبنى تايبيه المالي عام (2004)م في تايوان، والذي بلغ ارتفاعه حوالي (508) مترا، وبرج خليفة (2010) في دبي، والذي يبلغ ارتفاعه (828) مترا، ولكن البرجين التوأم يتمتعان بخصوصية كونهما التوأم الأطول في العالم.
7. مطار كوالالمبور الدولي
في عام (1990)م بدأ التخطيط لمطار كوالالمبور، وذلك عندما قررت الحكومة الماليزية بقيادة مهاتير محمد أن مطار (السلطان عبد العزيز شاه) لن يستطيع التعامل مع ازدياد الحركة التجارية والجوية في المستقبل، فبدأ العمل ببناء مطار كوالالمبور الدولي في عام (1993)م، وتم الانتهاء من بنائه خلال أربع سنوات ونصف، وتم افتتاح المطار رسميا في تاريخ (27/ يونيو/ 1998)م، في حين انتقلت الرحلات الجوية إليه في (30/ يونيو/1998)م، وكان إنشاء مطار كوالالمبور من ضمن السياسات والأهداف والبرامج التي وضعها مهاتير محمد؛ لتحويل الدولة إلى مركز للاتصال بين الدول الأخرى والتقدم بالتقنية العالية، ويمتد المطار على مساحة مئة كيلومتر مربع، بتكلفة ثلاثة ونصف مليار دولار، حيث إن المطار قادر على التعامل مع خمسة وثلاثين مليون سائح.
8. رؤية (2020)
رؤية (2020) هو النموذج الماليزي الذي قدمه رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد خلال جدول أعمال خطة التنمية السادسة في ماليزيا عام (1991)م، واعتبر مهاتير محمد أن أعظم إنجازاته كرئيس للوزراء هو قدرته على تركيز الأمة بأكملها على المستقبل من خلال رؤية (2020)، وفي هذا الصدد كتب في أحد كتبه:
“خلقت أنا وحكومتي رؤية طويلة المدى عرف فيها الجميع دوره وتم حشد الجميع، من رجل في الشارع إلى كبار القادة في الأعمال والسياسة، للعمل بجد أكبر، من أجل بلدهم ومن أجل أنفسهم، ولقد عززت النتائج الفعلية تدريجيا الشعور بالثقة بالنفس والإيمان بالمستقبل… “.
حددت رؤية (2020) سلسلة من تدابير السياسة لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية من خلال خطط التنمية الوطنية، وتحديدا خطة ماليزيا السادسة (1991-1995)م ومخططها الأوسع، والخطة المستقبلية الثانية (OPP2) (1991-2000)م، بهدف الارتقاء بماليزيا إلى وضع الدولة المتقدمة بحلول عام (2020)م. وقد حددت الرؤية هدفا للنمو السنوي بنسبة (7%) من القيمة الحقيقية خلال فترة الخطة المستقبلية الثانية .OPP2
إن أساس رؤية (2020) هو الاقتصاد، ولكن هذه الرؤية ركزت أكثر على النتائج الاجتماعية إلى جانب تحقيق النمو الاقتصادي، فكانت الرؤية بشكل فعال مشروعا لبناء الدولة على نطاق غير مسبوق، بحيث تغطي الضرورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد، حيث إن الرؤية قد جسدت الأهداف الاجتماعية المحددة في سياق تسعة تحديات، كان على الأمة مواجهتها من أجل أن تصبح دولة متطورة ذات قالب خاص بها بحلول عام (2020)م.
يمكن القول أن مهاتير محمد عندما تبنى المنهج التنموي لم يقم به دفعة واحدة، فهو قام بإطلاق العديد من الخطط الخماسية للتنمية، وكل خطة تهدف إلى تحقيق عمل معين، وهذه الخطط جميعها تهدف إلى تحقيق الرؤية التنموية التي وضعها مهاتير محمد في عام (2020)م، أي الوضع المغاير والمختلف الذي ستكون فيه ماليزيا في عام (2020)، كما أن إطلاق رؤية (2020) التنموية واتباع الخطوات المحددة لتحقيق الأهداف المحددة في كل فترة، كان عاملا ضروريا ومهما لوصول ماليزيا إلى ما هي عليه الآن.
 السياسات الخارجية لمهاتير محمد في إحداث عملية التنمية في ماليزيا
ترك مهاتير محمد إرثا لا يضاهى في مجال السياسة الخارجية الماليزية، بالإضافة إلى الاعتبارات المحلية، فقد توجه رئيس الوزراء مهاتير محمد نحو تفعيل وتعزيز السياسة الخارجية والعلاقات الخارجية لماليزيا، واستفادت ماليزيا بشكل هائل من مشاركتها النشطة والمتزايدة في الساحة الدولية، وتأثر سلوك ماليزيا الخارجي إلى حد كبير في شخصية مهاتير محمد القوية.
1. سياسة التوجه شرقا
لقد حدث تطور هام في توجه السياسة الخارجية الماليزية تحت قيادة مهاتير، من خلال توطيد علاقات البلاد وتوثيقها مع شمال شرق آسيا، وهي اليابان وكوريا الجنوبية، وقام مهاتير محمد بإطلاق سياسة “التوجه شرقا” بعد عدة أشهر فقط في منصبه؛ مما شكلت أنموذجا لتشجيع الماليزيين لمحاكاة أخلاقيات العمل اليابانية وتقنيات إدارة الأعمال والتكنولوجيا وأيضا لاكتساب الخبرة اليابانية ورأس المال، من خلال المساعدة والاستثمار والتعاون التجاري.
إن إقرار نظرة التوجه شرقا نابعة من إعجاب مهاتير محمد الشخصي بالإعجاز الذي حصل في اليابان، وذلك عند زيارته لليابان عام (1961)م، إذ تمت مناقشة الإنجاز الاقتصادي لليابان بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية لها من العديد من العلماء المحليين، وكذلك الدوليين، حيث تأثر مهاتير محمد بعمق وتيرة التطور البدني السريع لليابان، إلى جانب السهولة في الصناعة التي تحولت من إنتاج سلع منخفضة الجودة إلى سلع عالية الجودة بأسعار تنافسية، وتأثر أيضا بالتغيير الجذري الذي حصل لليابان في فترة قصيرة بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، حيث كان مهاتير محمد دائما يردد مقولته الشهيرة: ” إن أردت أن أصلي سأذهب إلى مكة، وإن أردت المعرفة سأذهب إلى اليابان”.
2. علاقات ماليزيا المتنامية مع العالم الإسلامي
إن علاقة ماليزيا مع منظمة المؤتمر الإسلامي لم تكن أقل قوة، فنقد مهاتير محمد اللاذع ضد الغرب نيابة عن المجتمع المسلم في جميع أنحاء العالم كان أسطوريا، فقد روجت صورته كمتحدث باسم نصف الكرة الجنوب.
كما أنه في عهد مهاتير محمد ازدهرت التجارة والاستثمار بين ماليزيا وبقية دول منظمة المؤتمر الإسلامي (OIC)، على الرغم من أنها كانت بشكل قليل قبل مجيئه مقارنة بآسيا والولايات المتحدة واليابان وأوروبا، الأمر الذي دفع مهاتير محمد لتوكيل المزيد من التعاون والتكامل الاقتصاديين بينهم، كما أن سياسة مهاتير محمد في التعليم العالي والسياحة كانت تتوسع بشكل كبير مع العالم الإسلامي، وبدأ توافد السياح من الشرق الأوسط على ماليزيا بأعداد كبيرة خاصة خلال فصل الصيف؛ نظرا لتزايد شعبية البلاد كوجهة جذابة للمسلمين.
3. علاقة ماليزيا بالقضية الفلسطينية
ويمكن فهم ذلك من خلال سجل مهاتير محمد الحافل بالالتزام الشخصي بالقضية الفلسطينية، ومعارضته القوية للصهيونية، وسجله في الضغط على الحركات القومية والسياسة الخارجية العالمية، لتصبح أكثر توجها نحو جعل دول عالم ثالث أكثر استقلالية، فكانت ماليزيا أثناء عهد مهاتير محمد نشطة في الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز والآسيان، ولهذا استغل مهاتير محمد نشاطه في هذه الحركات والمنظمات؛ للضغط عليهم من أجل استقلالية شعوب دول العالم الثالث، كما اتخذت ماليزيا تحت حكم مهاتير محمد تدابير جريئة مختلفة؛ لإظهار دعمها القاطع لفلسطين، والأهم من ذلك أن مهاتير محمد بعد فترة وجيزة من توليه رئاسة الوزراء عام (1981)م أعلن أن إدارته ستمنح الوضع الدبلوماسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما جعل ماليزيا الدولة الوحيدة في جنوب شرق آسيا والثانية في العالم بعد باكستان، للقيام بذلك في ذلك الوقت.
وفي عام (1981)م تم افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في كوالالمبور، وذلك بعد أن تولى مهاتير رئاسة الوزراء، وفي عام (1989)م تم ترقية المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في كوالالمبور، وتم منحه وضعا دبلوماسيا كاملا، على قدم المساواة مع البعثات الدبلوماسية الأخرى في كوالالمبور، واعتبرت الأمة الماليزية أن ذلك خطوة جريئة، في حين أن هناك دولا أخرى كانت مترددة في القيام بذلك، حتى لو تعاطفت مع الفلسطينيين خوفا من تكبد غضب أمريكا.
وبتاريخ (25/10/2019)م أعلن مهاتير محمد خلال خطابه أمام قادة وممثلين من مئة وعشرين دولة، في قمة حركة عدم الانحياز الثامنة عشرة التي عقدت في مدينة باكو عاصمة أذربيجان أن ماليزيا ستفتح سفارة معتمدة لها في فلسطين؛ لتقديم المساعدات للفلسطينيين بسهولة أكبر، وأن السفارة ستكون في الأردن؛ بسبب أنه إذا تم فتح السفارة في مدينة رام الله فإن ماليزيا ستكون مضطرة للتعامل مع إسرائيل للقيام بالاجراءات الرسمية اللوجستية والإدارية، وأوضح مهاتير محمد أن افتتاح السفارة المعتمدة سيسمح لماليزيا بتقديم المساعدات للفلسطينيين بسهولة أكبر، على الرغم من اعترافه بأن إسرائيل ستجد طريقة لضمان عدم وصول المساعدات إلى فلسطين.
 الخاتمة
إن تحقيق التنمية والنهضة في ماليزيا كان بمثابة حلم يحلم به كل فرد ماليزي، ولتحقيق هذا الحلم لا بد من وجود محقق الأحلام، فكان محقق الأحلام للشعب الماليزي هو مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي لفترتين، فهو صاحب البصمة الكبيرة في تنمية ماليزيا، وهو صاحب الفكر الاقتصادي القوي، فمهاتير محمد غير النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي إلى الأفضل، فكانت ماليزيا قبل مهاتير محمد عبارة عن صراعات بين الأعراق، وخفيفة الصناعات، والفساد فيها يعم، ولكنه عندما جاء مهاتير محمد حول ماليزيا إلى أقوى الاقتصاديات، وإلى أكبر الدول صناعيا.
فتعتبر التجربة التنموية الماليزية واحدة من التجارب التنموية في العالم التي حققت المعجزات على الأصعدة كافة، سواء أكانت السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، كما أنها تعتبر بمثابة درس قوي في الاقتصاد، وفي الاجتماع، وفي السياسية، ويجب تدريسه في جميع الدول التي تريد تحقيق التنمية؛ للاستفادة من خبرات ماليزيا في التنمية، كما أن فكر مهاتير محمد أيضا يجب فهمه ودراسته للاستغلال في تحقيق عملية التنمية.
كما إن التجربة التنموية الماليزية بقيادة مهاتير محمد، عانت من الكثير من المشكلات والصعوبات في بداية عملية تحقيق التنمية، وكان ذلك بمثابة تحد قوي لمهاتير محمد لإثبات نجاحه وصموده وتحقيقه عملية التنمية، فهو لم يسقط ولم يتوقف تجاه هذه الصعوبات والمشكلات، وإنما كان كشخص يصد السلم درجة درجة، وإذا وجد درجة مكسورة يصلحها وينتقل إلى الدرجة الأخرى، فمهاتير محمد أوجد الحلول للصعوبات والمشاكل، وهذه الحلول ساعدته في عملية التنمية، وعلى ذلك أكمل مسيرته التنموية، فلا بد من دراسة التجربة التنموية بتمعن كبير، وفهم عميق، فهذه التجربة فيها الكثير من المفاتيح لأبواب التنمية، وفيها الحلول للمشاكل التي تواجه التنمية، كما أن هناك أمرا مهما وكبيرا في عملية التنمية وهو القائد، فله دور كبير جدا في عملية التنمية، فبدون مدبر ولا مفكر ولا راع لا يمكن أن تتحقق التنمية في الدولة، وهذا ما يجب على الدول العربية دراسته وإعادة النظر فيه وهو القائد في الدولة، فلا يجب أن يتم الاختيار عائليا أو حزبيا لرئيس الدولة أو المسوؤل مثلا، وإنما يجب اختيار القائد الحكيم، والمفكر، والعملي، وصاحب الرؤية في تطوير بلده.

*باحث فلسطيني – بكالوريوس علم النفس وماجستير تخطيط وتنمية سياسية – جامعة النجاح الوطنية – نابلس.

قائمة المصادر والمراجع
• المصادر والمراجع بالغة العربية:
أولا: المصادر
1. عطية، شعبان وآخرون. “المعجم الوسيط “، ط 4، مجمع اللغة العربية، باب القاف وباب النون، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، مصر، 2004.
ثانيا: الكتب
1. أبو حماد، ناهض، التعددية العرقية والإثنيه واليات تطبيقها في ماليزيا، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، المانيا، 2019.
2. ابيش، سمير وبونقاب، مختار. دراسة التجربة الماليزية في مجال محاربة ظاهرة البطالة الدروس المستفادة، الملتقى الوطني الرابع حول: “سياسات التشغيل والتقليل من البطالة في الجزائر”، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، جامعة الشادلي بن جديد، الجزائر، 6-7/ ديسمبر/ 2017.
3. إسماعيل، محمد صادق. التجربة الماليزية، مهاتير محمد- الصحوة الاقتصادية، ط1، العربي للنشر والتوزيع، 2014.
4. حرزلي، أميرة أحمد. دور القيادة السياسية الماليزية في تحقيق التنمية المستدامة والإصلاح السياسي في عهد مهاتير محمد، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ألمانيا، برلين.2019.
5. خنجر، اسعد عبد الحسين. القيادة السياسية والإصلاح السياسي في ماليزيا، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ألمانيا، برلين،2019.
6. خير الدين، بوزرب وأبو بكر، خوالد. تجربة التنمية المستدامة في ماليزيا الجهود المبذولة والنتائج المتحققة، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، المانيا، 2019.
7. السامرائي، مجيد ملوك. الجغرافيا وآفاق التنمية المستدامة، ط1، عمان، الأردن، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2015.
8. صالح، محسن محمد. النهوض الماليزي قراءة في الخلفيات ومعالم التطور الاقتصادي، ط1، ع136، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الإمارات العربية المتحدة، 2008.
9. عباش، عائشة والدسوقي، نهى. أبعاد التجربة التنموية في ماليزيا (دراسة تحليلية في الخلفيات،الأسس، الأفاق)، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين، ألمانيا، 2019.
10. عبد الواحد، عبد الرحيم. الدكتور مهاتير محمد بعيون عربية وإسلامية، ط1، دار الأجواء للنشر والتوزيع، الإمارات العربية المتحدة، 2003.
ثالثا: الرسائل الجامعية
1. اكريم، سعد عنان. “السياسة الخارجية الماليزية تجاه القضية الفلسطينية 2003-2005″، رسالة ماجستير غير منشورة، أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا، غزة، فلسطين، 2016.
2. حسين، احمد سيد. “دور القيادة السياسية في إعادة بناء الدولة، روسيا في عهد بوتين”، رسالة دكتوراه منشورة، العلوم السياسية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2015.
3. رمضان، فادي. “البعد السياسي للحكم الرشيد في ماليزيا وإمكانية الاستفادة الفلسطينية 1981-2003″، رسالة ماجستير غير منشورة، إدارة الدولة والحكم الرشيد، برنامج الدراسات العليا المشترك بين أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا وجامعة الأقصى، غزة، فلسطين، 2015.
4. لعجال، ليلى. “واقع التنمية وفق مؤشرات الحكم الراشد في المغرب العربي”، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية الحقوق، جامعة قسنطينة، الجزائر، 2010.
5. المطيري، محمد بدر. “دور القيادة السياسية في رسم وتنفيذ سياسات التنمية في دولة الكويت (2010-2013)”، رسالة ماجستير غير منشورة، العلوم السياسية، كلية الآداب والعلوم، جامعة الشرق الأوسط، الأردن، 2015.
رابعا: الدوريات والمجلات
1. الحديثي، عطا الله. “تعدد القوميات في ماليزيا ودورها في تطور نظامها السياسي واستقراره”، في: مجلة كلية التربية/ واسط، ع13، ا/نيسان/ 2013.
2. حكار، حنان وغزلاني، وداد. “التجربة الماليزية في التنمية المستدامة استثمار في الفرد وتوفير للقدرات”، في مجلة العلوم السياسية والقانون، ع3، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية، المانيا، 2017.
3. ربايعة، إبراهيم سميح. “السياسة الخارجية الماليزية والإندونيسية تجاه القضية الفلسطينية: المراحل والمحددات”، مؤسسة منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، لبنان،2018.
4. زلاقي، حبيبة. ” نظرية الدور بين الأصول الاجتماعية والتوظيف في التحليل السياسي”، في: مجلة العلوم القانونية والسياسية، ع 17،الجزائر،2018.
5. شاهين، عبد الحليم والمناور، فيصل. “تجارب تنموية رائدة ماليزيا نموذجا”،ع 54، المعهد العربي للتخطيط، الكويت، نوفمبر/2017.
6. فضلي، نادية فاضل. “التجربة التنموية في ماليزيا من العام 2000-2010″، في: دراسات دولية،ع54، جامعة بغداد، ديسمبر/2012.
خامسا: الصحف
1. السعيد، عادل. مقال بعنوان: “منارة كوالالمبور اصعد والمس السماء”، في: جريدة الشرق الأوسط، ع 12153، 7/مارس/2012.
2. مطاوع، نادية. “التجربة الماليزية نموذج للنهضة التعليمية”، في: جريدة الوفد، 18/ ديسمبر/ 2011.
سادسا: الانترنت
1. الباحثون السوريون، “أطول برجين توأمين في العالم”، على الموقع الالكتروني https://www.syr-res.com/article/11263.html ، تاريخ الدخول 11/8/2020.
2. الجوهري، محمد صلاح. “دور القيادة السياسية في عملية الإصلاح السياسي في أذربيجان”، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ألمانيا، برلين، 2014، على الموقع الالكتروني https://democraticac.de/?p=2355 ، تاريخ الدخول 19/3/2020.
3. دنيا الوطن، “ماليزيا ستفتح سفارة لها في فلسطين”، 25/10/2019، على الموقع الالكتروني https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2019/10/25/1286075.html ، تاريخ الدخول 28/12/2020.
4. سراج الدين، محمد. “حقق النهضة وحارب الفساد كيف أنقذ مهاتير محمد ماليزيا مرتين”، صحيفة الاستقلال، 10/2/2020، على الموقع الالكتروني https://www.alestiklal.net/ar/view/3884/dep-news-1581158340 ، تاريخ الدخول 18/7/2021.
5. سليم، محمد السيد. “الإسلام والتنمية في ماليزيا”، في: صحيفة البيان، 16/أكتوبر/ 1998، الإمارات العربية المتحدة، على الموقع الالكتروني https://www.albayan.ae/one-world/1998-10-16-1.1020527، تاريخ الدخول 29/3/2021.
6. الفائز بجائزة الملك فيصل لعام 2011، “السيرة الذاتية لرئيس الوزراء عبد الله بدوي”، على الموقع الالكتروني https://kingfaisalprize.org/ar/h-e-abdullah-ahmad-badawi/ ، تاريخ الدخول 9/5/2020.
7. قناة الجزيرة، “نجيب عبد الرازق”، على الموقع الالكتروني https://www.aljazeera.net/encyclopedia/icons/2014/12/4/%D9%86%D8%AC%D9%8A%D8%A8-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D9%82 ، تاريخ الدخول 8/5/2020.
8. مبروك، هدير نبيل. “القيادة والاستقرار السياسي في ماليزيا 2009- 2016″، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2016، على الموقع الالكتروني https://democraticac.de/?p=34241 ، تاريخ الدخول 23/3/2020.
9. محمد، ساجدة. “أبراج ماليزيا”، موقع موضوع، 12/ أغسطس/2020، على الموقع الالكتروني https://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%AC_%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7، تاريخ الدخول 18/8/2020..
10. مدونة سياحية، “معلومات عن مطار كوالالمبور الدولي”، على الموقع الالكتروني https://www.malaysia.sea7htravel.com/2014/02/kuala-lumpur-airport.html ، تاريخ الدخول 12/8/2020.
11. موقع العربي الجديد، مقال بعنوان: “كيف حارب مهاتير محمد الفساد في بلاده خلال 10 أيام فقط”، 20/مايو/2020، على الموقع الالكتروني https://www.alaraby.co.uk/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%A8-%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B3%D8%A7%D8%AF-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-10-%D8%A3%D9%8A%D8%A7%D9%85%D8%9F-0، تاريخ الدخول 15/7/2020.
12. موقع بي بي سي العربية، “مسيرة نجيب عبد الرازق من قمة السلطة إلى السجن”، 13/أيار/ 2018، على الموقع الالكتروني https://www.bbc.com/arabic/world-44099723 ، تاريخ الدخول 10/5/2020.
13. موقع فيدو، سيكولوجية القيادة، مصر، على الموقع الالكتروني https://www.feedo.net/Society/SocialInfluences/SocialPsychology/Leadership.htm، تاريخ الدخول 28/3/2021.
14. نادية عبد الحميد علي، “اقتراب الدور في الفعل السياسي وتطبيقه على دور مدينة هونج كونج في الضغط على الفعل السياسي للقيادة السياسية الصينية”، ملتقى الباحثين السياسيين العرب،2019، على الموقع الالكتروني، http://arabprf.com/?p=2325 ، تاريخ الدخول 4/4/2020.
15. وكالة الأناضول، “تراجع معدل البطالة في ماليزيا”، 12/7/2019، على الموقع الالكتروني https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A%D8%A7-%D8%A5%D9%84%D9%89-33-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A6%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%A7%D9%8A%D9%88/1529853 ، تاريخ الدخول 17/7/2020.

* مراجع باللغة الانجليزية:
1. Abdullah Ahmad, “Tengku Abdul Rahman and Malaysia’s Foreign Policy 1963-1970″,,Berita Publishing, Kuala Lumpur, 1985.
2. Ahmad Faisal Muhamad,” The Struggle for Recognition in Foreign Policy: Malaysia under Mahathir 1981-2003″. A thesis submitted for the degree of Doctor of Philosophy in International Relations, London School Of Economics And Political Science, 2008
3. Hng Hung Yong, CEO Malaysia Strategy In Nation Building, Subang Jaya, Pelanduk Publications, 1998.
4. John Hilley, Malaysia Mahathirism, Hegemony and the New Opposition, Zed Books, 7 cynthia street, London, 2001.
5. Khadijah Mohamad Khalid, ‘Malaysia’s Growing Economic Relations with the Muslim World’, Kyoto Review of Southeast Asia, 2004.
6. Kohei Hashimoto, Mahathir Mohamad Achieving True Globalisation, Pelanduk Publications, Chapter 7, 2004.
7. Mahathir Mohamad, Hashim Makaruddin,Islam & the Muslim Ummah: Selected Speeches of Dr. Mahathir Mohamad, Prime Minister of Malaysia, Pelanduk Publications, 2001.
8. Shanti Nair, Islam in Malaysian Foreign Policy, Issued under the auspices of the Institute of Southeast Asian Studies, Singapore, 1997.
9. William Case, ‘Semi-Democracy in Mahathir’s Malaysia’ in Reflections: The Mahathir Years, Bridget Welsh (ed.), Washington D.C: SAIS, Johns Hopkins University, 2004.

Optimized by Optimole