ما هو مصير السوريين الذين شوّهتهم الحرب نفسياً واجتماعياً، وكيف تتم إعادة تأهليهم؟

Spread the love

خاص بمجلة “شجون عربية ” – دمشق – تحقيق: بيان عزالدين، تصوير: هيا الباشا |

يعاني أغلب السوريّون اليوم من مشاكل نفسيّة واضطرابات سلوكيّة مزمنة، جاءت نتيجة تأثيرات الحرب الدولية عليهم، والتي لا تزال عالقة في نفوسهم لدرجة تعيقهم عن الاندماج بمجتمعهم المختلف وأداء أدوارهم الحياتية الجديدة. وترجح إحصائيات المنظمات الانسانية أن واحداً من كل 11 (9%) يعد مصاباً باضطرابات نفسية معتدلة أو شديدة. لذلك تقدّم جمعيات المجتمع الأهلي المعنية بقطاع الدعم النفسي مبادرات للأفراد، من أجل المساعدة في حلّ هذه المشاكلات، تعمل خلالها على إعادة تشكيل ذواتهم، وتطويرها عبر برامج عدة تقوم بها، على أمل بناء مجتمع سوري سليم ومعافى.

*التأهيل المجتمعي أحد آليات عمل جمعيات التنمية *
تبدأ الأستاذة غزل سبيناتي أخصائية الدعم النفسي والاجتماعي في “جمعية الندى التنموية الكائنة بالعاصمة دمشق وريفها” حديثها حول المصطلح الذي بات يطرح بكثرة، ألا هو الدعم النفسي والمجتمعي في حياتنا بعد الحروب، معرّفةً إياه بالقول: “مفهوم الدعم النفسي الاجتماعي هو تقديم التثقيف والتوعية الفكرية التي تساعد على تسكين المشاعر، التي تنعكس على السلوك والتصرفات، مما يجعل الفرد أكثر تكيّفاً وتقبلاً للواقع”. وتضيف موضحةً ضرورة تطبيقه عن طريق الاستعانة بمختصين: “يقدم قسم الدعم النفسي الاجتماعي في جميع المراكز المجتمعية، جلسات توعية وأنشطة ترفيهية هادفة يشارك بها جميع المستفيدين من السيدات والرجال وكبار السن، يدير الجلسات والأنشطة ميسرين مختصون بهذا المجال”.
حول كيفية تعاطي الأفراد مع هذا النوع الاستثنائي من الدعم، بيّنت سبيناتي سيرورة العمل المتبعة قائلةً: “يطبق الدعم عبر أكثر من تخصص، حيث يكون بشكل فردي بين المستفيد والأخصائي النفسي ليتمحور حول المشكلات التي تتعلق بالفرد ومحيطه وأطفاله مثل مايسمى بضعف الشهية، وقلة في النوم وآلام جسدية”. وتابعت: “يقدم هذه الخدمة مدراء الحالة الموجودون في جميع المراكز”.
أما عن مدى إقبال الأشخاص المتضررين للمشاركة فيها فأكدت سبيناتي: “لدينا إقبال شديد على المراكز، لاسيما عن طريق تجرؤهم تقديم طلب حضور الجلسات والأنشطة بشكل شخصي”.
ونوّهت قائلة: “نلاحظ أنها تساهم في تعديل وتغيير بعض آليات التفكير، وتحسين المزاج، وتساعد على الرعاية الذاتية في هذا الوقت”.

*حلول واقعية ونتائج مرضية *
منذ اندلاع الحرب السوريّة وحتى بعد المشارفة على الانتهاء من تبعاتها، لا تزال دراسات منظمات الصحة العالمية تشير إلى أن هناك ملايين من السوريين، بحاجة إلى أنواع مختلفة من الدعم النفسي، ولاسيما في ظل الضغوط التي يتعرض لها المواطن نتيجة الأزمة الحالية، لكن يبقى الأهم من نشر الأرقام هو طرح التساؤلات التي تراودنا فيما اذا تواجدت حلول طبقت على أرض الواقع؟ أم هل لا تزال لدينا صعوبات أمام مشاريع الدعم النفسي والمجتمعي العائدة بنتائج فعلية؟
الأخصائية سبيناتي طمأنتنا بوجود نشاطات تخص هذا الشأن قائلة: “من ضمن الأمور التي وضعت في خطة الدعم النفسي هو الاهتمام بتأمين الاحتياجات الأساسية، ذلك حسب هرم الاحتياجات حيث كانت معظم الأنشطة مقدمة لفاقدات المعيل، وكبار السن الفئة الأشد ضعفاً بالمجتمع”. ووضّحت سبيناتي أنها “أتت على شكل جلسات توعية وأنشطة وحملات، تسعى للمساعدة في إيجاد فكر واعي”.

*كورونا وباء يفتك بنفسية الأفراد والسوشل ميديا خير منقذ *
في ظل جائحة كورونا العالمية وآثارها النفسية المتفشية نتيجة الإجراءات الوقائية الصارمة التي طبقت على الأفراد، وصعوبة تكييف الانسان مع هذا النوع من الكرب النفسي الاستثنائي، حاولنا معرفة كيفية استمرار تيسير الجمعيات لأنشطتها التي تخفف عبرها العبء المذكور. وشرحت سبيناتي قائلة: “خلال فترة جائحة كورونا وحفاظاً على السلامة العامة للمستفيدين، قام كل ميسر أنشطة في المركز المجتمعي بعمل مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وضمت كل مجموعة عدداً من المستفيدات، وقدمت فيها الجلسات والأنشطة للأمهات على شكل فقرات توعية تتم من خلال المجموعة المشاركة في الحوار والمناقشة. ثم تبين لدينا أن التواجد بين مشاركات المجموعة هو مقياس التفاعل والأثر الايجابي والاستفادة من التثقيف النفسي والاجتماعي”.
وأضافت: “طرحت أساليب وطرق الوقاية من فيروس كورونا عبر مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي”.

*النساء والأطفال ضحايا اضطرابات الحرب الأكثر تضرراً ً*
لا يمكننا الحديث عن الجانب النفسي، من دون التطرق لما خلفته لعنة عشر سنوات دمار على نفوس أطفال ونساء بلدنا من صدمات بسبب غياب دور الرجل من حياتهم سواء كان أباً أم شريكاً عائلياً، لابّد من البحث للوصول إلى أي درجة تمكنت مراكز التأهيل النفسي والتمكين المجتمعي من تحصين نفسية الجيل الذي شبّ على جميع أنواع الأزمات سواء الحربيّة منها في السابق أو المعيشية الآن. وفي الإطار ذاته أخبرتنا الأخصائية سبيناتي أن من أولويات الجمعية مواجهة الحالة المذكورة قائلة: “يقدم البرنامج التنموي الدعم لفئات عمرية فوق سن 18 بالنسبة للسيدات، ويبقى للأطفال نصيب أيضاً. وقالت: “اخترنا معظمهن ممن تعرضن لصدمة نفسية، إذ تتم متابعتهن من قبل مدراء الحالة الأكاديميين، وسرعان ما لاقين تحسناً كبيراً في صحتهن”.
لا يمكننا نسيان وجود نشاطات استثنائية، هدفها تعزيز دور المرأة في تقوية ذاتها لتصبح قادرة على تحمل مسؤولية أسرتها. وأيدت سبيناتي الفكرة، مشيرة إلى واحدة من أهم قصص النجاح التي كانت ثمرة هكذا نوع من النشاطات ذاكرة: “انضمت لبرنامج التأهيل المنزلي الذي يدرب أمهات أطفال الاحتياجات الخاصة سيدة، وتدربت على المهارات لمدة عام كامل، من ضمنها تطوير مهارات ابنتها”. وتابعت سبيناتي القول: “بعد إتمامها الدورة حظيت بمساعدة وتشبيك مع قسم المبادرات، ونجحت في افتتاح مركز لتدريب الأمهات في مجتمعها المحلي اللواتي يرعَين أطفالهن من ذوي الاحتياجات الخاصة في منطقتها الريفية البعيدة عن خدمات العاصمة”.

Optimized by Optimole