“حزب الله” بين الهويّة اللبنانيّة والدور الإقليميّ

“حزب الله” بين الهويّة اللبنانيّة والدور الإقليميّ
Spread the love

بقلم: د. هيثم مزاحم: في 17 كانون الثاني/يناير من عام 2017، عقدت “كتلة الوفاء للمقاومة”، الكتلة النيابيّة لـ”حزب الله” اللبنانيّ، إجتماعها الدوريّ، وأشارت في بيانها إلى أنّها خصّصت القسم الأكبر منه لدراسة مشاريع قوانين، من بينها قانون الإنتخاب، ولكن ما لفتني في بيان الكتلة هو موقفها من أربع مسائل إقليميّة هي: التعزية بوفاة الرئيس الإيرانيّ الأسبق الشيخ هاشمي رفسنجاني، إدانة إعدام السلطات البحرينيّة لثلاثة شبّان وتجديد التأييد لانتفاضة شعب البحرين، استهجان صمت منظّمات حقوق الإنسان الدوليّة تجاه منع “الإرهابيّين” في وادي بردى مياه الشرب عن ملايين السوريّين في دمشق، وإدانة “العدوان الأميركيّ – السعوديّ” على الشعب اليمنيّ.

مواقف الكتلة ليست جديدة في شأن هذه القضايا الإقليميّة، والأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصر الله لا يترك مناسبة، إلاّ ويكون له فيها موقف من قضايا عربيّة وإسلاميّة، لكنّ هذه المواقف تغري بطرح سؤال قديم – جديد هو: هل حزب الله تنظيم لبناني فقط أم أنّه أصبح منظّمة إقليميّة لها مواقفها السياسيّة من كلّ القضايا الإقليميّة والدوليّة، ودورها العسكريّ واللوجستيّ والاستشاريّ والتدريبيّ في عدد من الدول، وبخاصّة فلسطين وسوريا والعراق واليمن؟ وكيف يمكن التوفيق بين الدورين، الدور المحليّ السياسيّ والمقاوم ضدّ الإحتلال الإسرائيليّ، والدور الإقليميّ المتعاظم والذي يثير قلق إسرائيل والغرب ودول عربيّة مجاورة؟

للإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن نعود إلى بداية تأسيس الحزب في عام 1982 كحركة إسلاميّة مقاومة للإحتلال الإسرائيليّ للبنان، تتلقّى تسليحاً وتمويلاً من إيران عبر سوريا، وتؤمن بطاعة الوليّ الفقيه المتمثّل بمرشد الجمهوريّة الإسلاميّة الإمام الخميني، ثمّ خليفته علي الخامنئي.

وفي هذا السياق، قال مسؤول في “حزب الله”، طلب عدم كشف اسمه، لـ”المونيتور”: إنّ حزب الله هو في الأساس يجمع بين الدورين اللبنانيّ والإقليميّ، وذلك لسببين الأوّل هو أنّه يتبنّى قضيّة إقليميّة هي قضيّة فلسطين والصراع مع الإحتلال الإسرائيليّ، والسبب الآخر هو أنّ الإيديولوجيا الإسلاميّة لـ”حزب الله” ذات بعد عالميّ، بمعنى الاهتمام بأمور المسلمين في العالم كلّه.

أضاف: إنّ الصراع مع إسرائيل قد دفع بـ”حزب الله” إلى نسج تحالفات إقليميّة مع سوريا وإيران وحركات المقاومة الفلسطينيّة والأحزاب والدول العربيّة المناهضة للإحتلال والإمبرياليّة. كما أنّ تمدّد التهديد التكفيريّ والإرهابيّ إلى العراق وسوريا وخطر تمدّده إلى لبنان قد فرض على الحزب التدخّل في سوريا من منطلق دفاعيّ وقائيّ لمنع وصول الجماعات المسلّحة التكفيريّة (داعش، جبهة النصرة وأخواتهما) إلى لبنان من جهة، وحماية المراقد الدينيّة ومنع سقوط الدولة السوريّة في أيدي هؤلاء التكفيريّين من جهة أخرى.

وأشار المسؤول في “حزب الله” إلى قول حسن نصر الله: “حيث يجب أن نكون سنكون”، في إشارة إلى مشاركة قوّات “حزب الله” بالمعارك في عدد من جبهات سوريا ضدّ الجماعات المسلّحة “التكفيريّة”، ومشاركة عدد من كوادره في تدريب قوّات الحشد الشعبيّ في العراق، بعد سقوط مدينة الموصل وغيرها من المدن والمحافظات في يدّ “داعش” منذ صيف 2014.

وكان نصر الله قد قال: “دخولنا إلى سوريا كان واجباً من أجل حماية لبنان، ولن تسبى زينب مرّتين”، في إشارة إلى حماية مرقد زينب بنت الإمام عليّ في ريف دمشق.

أضاف: “في العراق نقول: انتهى الزمن الذي يسمح فيه لأيّ أحد في العالم بأن يهدم أو يدنّس مقدّساتنا الدينيّة في النجف وكربلاء وسامراء”.

وكان “المونيتور” أوّل من كشف عن إرسال “حزب الله” كوادره كمستشارين لتوجيه قوّات الحشد الشعبيّ وتدريبها في العراق في مواجهة “داعش” في حزيران/يونيو من عام 2014.

ولاحقاً، في 6 آذار/مارس من عام 2016، كشف نصر الله عن تدخّل حزبه في العراق عبر إرسال مستشارين ومدرّبين لمساعدة العراقيّين في حربهم ضدّ “داعش”، وعن مشاركة بعض كوادر الحزب في معارك المسلمين في البوسنة ضدّ الصرب في تسعينيّات القرن العشرين.

لكنّ المسؤول في “حزب الله” أكّد أنّه رغم الدور الإقليميّ المفروض على الحزب، إلاّ أنّ الحزب يؤمن بضرورة استعادة الدولة قوّتها وسيادتها في لبنان، معتبراً أنّه لو كانت الدولة تقوم بمسؤوليّاتها في مواجهة الإحتلال الإسرائيليّ لما كانت هناك ضرورة لنشأة المقاومة في لبنان.

وفي هذا السياق، أشار مؤلّف كتاب “حزب الله وسياسات التذكّر” الباحث بشير سعادة لـ”المونيتور” إلى أنّه من الصعب التنبّؤ كيف سيدير “حزب الله” أدواره المحليّة والإقليميّة، ولكنّه لا يرى تناقضاً بين اللبننة والفكر الإسلاميّ، وهو يعتقد أنّ إيديولوجيّة “حزب الله” الإسلاميّة تنبىء عن فهمه لكونه جزءاً من بيئة محليّة هي لبنان، وأنّ مشاركته الإقليميّة تغذّي مصلحته المحليّة.

وأشار إلى أنّ “حزب الله” لن يقوم بأيّ شيء على المستوى الإقليميّ من شأنه أن يعرّض للخطر موقفه على المستوى المحليّ، لأنّ الدول أو الكيانات بمعظمها تعمل بالطريقة نفسها أيّ أنّ التورّط “بعيداً” عن الوطن يقوّي الدفاع الوطنيّ.

أمّا الباحث في الحركات الإسلاميّة قاسم قصير، والذي نشر أخيراً كتاباً بعنوان “حزب الله بين 1982 و2016 الثابت والمتغيّر” فقال لـ”المونيتور”: “إنّ دور حزب الله المتعاظم إقليميّاً يتعاظم في ظلّ الصراعات في المنطقة ويستفيد من التوتّرات الحاصلة والفراغ السياسيّ الذي كان قائماً، ومن انخراط بعض الأطراف اللبنانيّين في هذه الصراعات، لكنّ هذا الدور لا يمكن أن يستمرّ بعد استعادة الدولة موقعها ومؤسّساتها وتراجع انخراط الأطراف المحليّة في الصراعات الإقليميّة، والبحث عن تسويات لهذه الأزمات”.

أضاف: “هذا ما جرى سابقاً بعد إتّفاق الطائف، وغداً سيجد الحزب نفسه أمام تحدّيات عديدة تفرض عليه إعادة النظر في موقفه ودوره، لا سيّما إذا توصّلت الأطراف الإقليميّة الى تسوية في سوريا. كما أنّ لبنان لا يتحمّل استمرار تعاظم دور الحزب الإقليميّ”.

والجدير بالذكر أن تحالف 14 آذار اتهم حزب الله مرارا وتكرارا من تقويض الدولة اللبنانية من خلال الاحتفاظ بسلاحه، لا الصواريخ البعيدة المدى، مما يزيد التهديدات الإسرائيلية المحتملة على لبنان. وأيضاً قال التحالف أن تدخل حزب الله في سوريا ومواقفها تجاه دول الخليج قد أدت بعض هذه الدول إلى فرض عقوبات اقتصاديّة على لبنان.

وكان نصر الله قد أكّد أنّ “حزب الله” انتقل من قوّة محليّة إلى قوّة إقليميّة بالفعل الميدانيّ العسكريّ، بينما قال نائبه الشيخ نعيم قاسم في 16 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016 إنّ التنظيم بات “أكبر من مقاومة وأصغر من جيش”، إذ أضحى أكثر تسلّحاً وتدريباً ويمتلك خبرات متطوّرة، واصفاً العرض العسكريّ في منطقة القصير السوريّة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر بأنّه رسالة واضحة إلى الجميع.”، في إشارة إلى إسرائيل والدول الإقليمية الداعمة للجماعات المسلحة في سوريا.

وقال مصدر قريب من تيار المستقبل للمونيتور، شرط عدم الكشف عن هويته، إن رسالة حزب الله من عرض القصير كانت موجهة إلى الرئيس اللبناني ورئيس الحكومة الجديدين.

تقوم مقاربة حزب الله لدوره الإقليمي على أن لبنان جزء من المنطقة العربية ولا يمكنه النأي عن صراعاتها، حتى لو اتخذ موقف الحياد، فإسرائيل في نظره “كيان غاصب وعدواني” ولن يتوانى عن إعادة احتلال أجزاء من لبنان عندما يُتاح له ذلك، بينما الحركات “الجهادية التكفيرية” حركات أممية تتمدد حيث يمكنها ذلك، ولو لم يتدخل الحزب لمواجهتها على الحدود مع سوريا وفي داخلها، لوصلت إلى قلب البلاد. وقال نصرالله في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2013: “لو لم نذهب الى سوريا لتحوّل لبنان عراقاً ثانياً”.

للقراءة أكثر:

Read more: http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2017/02/lebanon-hezbollah-resistance-military-regional-role.html#ixzz4ZDlQd2rE

Optimized by Optimole