ماذا يعني أن تُفلس دولة؟!

ماذا يعني أن تُفلس دولة؟!
Spread the love

ماذا يعني أن تفلس دولة؟..سؤال قد يبدو غريباً للوهلة الأولى عند سماعه لأن المتعارف عليه لدى عامة الناس هو أن تفلس شركة أو مؤسسة تجارية أو صناعية، فماذا يعني إفلاس دولة؟

يعرَّف إفلاس الدولة بعدم قدرتها على الوفاء بديونها أو الحصول على أموال من جهات خارجية لدفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع، وتلجأ الدولة في هذه الحالة إلى جهات تستطيع إقراضها.

هذه الحالة لم تأت من فراغ، إذ إن فساد الهيكل الإداري للدولة هو أحد أهم الأسباب التي قد تودي بدولة مهما كانت قوتها إلى منحدر الإفلاس. وكذلك انهيار النظام القائم وظهور نظام جديد لا يلتزم بديون النظام السابق، كحال الاتحاد السوفيتي، والعراق عقب الاحتلال الأمريكي، وسوريا في حال نجح الثوار السوريون في إسقاط نظام الأسد.

-ماذا بعد الإفلاس؟

يمثل إعلان الدولة إفلاسَها فرصة جيدة لها للإفلات من قبضة الدائنين، حيث تأخذ بعض الدول خطوات جريئة لإنقاذ اقتصادها من الممكن أن تكون عن طريق تأميم بعض الشركات والمصارف.

كذلك قد تلجأ بعض الدول إلى جهات رسمية كصندوق النقد الدولي، الذي يتولى مهمة تقييم الأوضاع الاقتصادية للدولة، ويقوم بمنحها تسهيلات اقتصادية على قروضه على أن تسير على الخطة الاقتصادية التي وضعها لها للخروج من أزمتها.

فاليونان على سبيل المثال إذا ما وصلت، كما يرجح البعض، لجدول زمني جديد مع الصندوق، سواء بقيت أو خرجت من اليورو، ستظل تدفع ديونها على الأرجح حتى 2030، بل ربما 2057، ولكن لن تعلن إفلاسها بنفس الطريقة التقليدية التي تعلن بها الشركات إفلاسها، لا سيما أنها بلد مهم للسوق الأوروبية، أما إن وصلت إليه بالفعل، فستكون تلك سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ النظام المالي العالمي الحديث.

-على شفا الإفلاس

وليس ببعيد عن اليونان يوجد العديد من الدول العربية على شفا الوقوع في السيناريو اليوناني بسبب سوء الإدارة الحكومية، وترهل مؤسسات أغلب تلك الدول من جراء نخر الفساد لها.

فمصر الآن تكاد تكون نسخة مكررة من روسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق بين الدولتين في الحجم والتقدم العلمي والتقني والمساحة وعدد السكان ومستوى التعليم.
وارتفع الدين الخارجي لمصر بنسبة 8.8% خلال العام الماضي، ليصل إلى 47 مليار دولار أمريكي، وأرجع البنك المركزي تلك الزيادة إلى زيادة صافي الاستخدام من القروض والتسهيلات والودائع بآجالها كافة ليبلغ 3.3 مليارات دولار، وزيادة رصيد الدين بما يعادل نحو 460 مليون دولار نتيجة لارتفاع أسعار صرف معظم العملات المقترض بها مقابل الدولار الأمريكي.

ويرى مراقبون اقتصاديون أنه لولا الدعم الإقليمي لمصر وخاصة من المملكة العربية السعودية والإمارات، لكانت مصر أعلنت عجزها عن دفع أقساط ديونها منذ يناير/كانون الثاني من العام 2014.

وليست سوريا الجارة الشمالية لمصر بأفضل حال؛ إذ أنهكت الحرب الدائرة في البلاد الاقتصاد السوري بشكل غير مسبوق ليرتفع العجز في الميزانية إلى 800 مليار دولار بحسب صندوق النقد الدولي.

ولولا الدعم الإيراني الاقتصادي لنظام الأسد الذي قدرته أوساط حكومية إيرانية بنحو 5 مليارات دولار شهرياً، لكان نظام الأسد انهار ومعه كامل الاقتصاد الذي كان الفساد ينخر مفاصله أساساً طلية العقود الثلاثة الماضية.
العراق كذلك على شفا الإفلاس بسبب الحرب الأهلية التي تعصف به منذ العام 2003، فقد أكد تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية، ومقره العاصمة البريطانية لندن، أن عجز الموازنة العراقية بات يهدد قطاع النفط العراقي بشكل واضح.

وبحسب التقرير، فإن تجاوز العجز مبلغ الـ50 مليار دولار فإن العراق سيكون عرضة لخطر الإفلاس في العام 2017، وسيكون العراق عاجزاً عن دفع رواتب موظفيه.

ويبدو أن مؤشرات الإفلاس باتت تلوح في الأفق، خاصة أن الحكومة العراقية تدفع رواتب موظفيها، بما فيها رواتب موظفي إقليم كردستان، على شكل شهري، حيث خصصت 4.5 مليارات دولار لشهر فبراير/شباط، ولم يتم إرسال رواتب شهر مارس/آذار المقبل؛ لأن المبلغ المتوفر لا يكفي إلا لثلث موظفي العراق.

الأردن ورغم استقرارها ليست ببعيدة عن شبح الكابوس اليوناني، حيث أن العجز فيها في ارتفاع بشكل مطرد سنوياً، فضلاً عن كون اقتصادها “هشاً”، يسير على المساعدات والمنح الأوروبية والأمريكية والخليجية؛ لافتقارها إلى أي مقومات اقتصادية وطنية؛ وبسبب الفساد الذي له نصيب الأسد داخل المؤسسات الاقتصادية الأردنية.

فمشكلة الحكومة الأردنية وفق مراقبين مزدوجة؛ فهي تريد حل عجز الموازنة وارتفاع المديونية من جيب المواطن، في حين يعتقد المواطن أن بإمكان الحكومة حل مشكلة العجز عن طريق محاربة الفساد.

وأعلنت وزارة المالية الأردنية تسجيل عجز مالي بنحو نصف مليار دولار في الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي، ويسبب العجز التجاري المزمن وعجز الميزانية المتضخم قلقاً كبيراً منذ أعوام لصناع السياسة الاقتصادية في الأردن.

– دول أفلست

واللافت أن ما يحدث اليوم في اليونان ليس سابقة تاريخية إذ سبق أن أعلنت دول عدة إفلاسها عقب الحرب العالمية الثانية؛ وكذلك فروسيا من أبرز الدول هي روسيا التي أعلنت إفلاسها عام 1998 بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تحولها من دولة شيوعية إلى دولة رأسمالية، حين أعلن الرئيس الروسي الأسبق، بوريس يلتسن، عجز بلاده عن سداد الديون الخارجية المتراكمة جراء إصدارات سندات حكومية قصيرة الأجل.

وجاء ذلك إثر انهيار أسواق المال الآسيوية كأحد أبرز العوامل الخارجية، أما داخلياً فقد تراكمت لدى الحكومة الروسية وقتها ديون خارجية ضخمة، وانهارت أسعار النفط والخامات الأخرى، وازداد عجز عام 1998 بانخفاض سعر صرف الروبل أمام العملات الأجنبية 3 مرات وبشلل النظام المصرفي وإفلاس العديد من المصارف والشركات، وبالتراجع الحاد في دخل ومستوى حياة المواطنين الروس وفقدان ثقتهم في النظام المالي الوطني.

وبعد ثلاث سنوات أعلنت الأرجنتين إفلاسها عام 2001 بسبب الأزمة المالية وتعاظم الديون، وقال الرئيس الأرجنتيني، أدولفو رودريغز، إنه قرر وقف سداد الديون الأجنبية الهائلة المترتبة على بلاده، حيث كانت البلاد غارقة في كساد منذ أربع سنوات، كما أنه إعلان يمثل أكبر عجز عن سداد ديون في التاريخ وتبلغ ديون الأرجنتين 132 مليار دولار.

Protestors from opposition parties and labour unions carry a symbolic coffin as they shout anti-government slogans outside the parliament in Amman January 16, 2011. The protest was against the government economic policy, which the protestors blame for worsening economic conditions. The demonstration, which included around 1000 people, was spearheaded by the Islamist movement and left-leaning political parties. REUTERS/Muhammad Hamed (JORDAN – Tags: POLITICS CIVIL UNREST)

وامتنع صندوق النقد الدولي عن تقديم أي قروض للبلاد لمساعدتها على سداد ديونها؛ لأن نظام التقشف الذي تبناه الرئيس يقلص في المعاشات ورواتب العاملين في الدولة والإنفاق العام دون أن يفي بشروط الصندوق.

وفي العام ذاته أيضاً لم يسمح الكبرياء التركي للأتراك بأن يعلنوا إفلاس بلادهم، لكن ما جرى في ذلك العام هو إفلاس بكل معنى الكمة، حيث تسبب عدم الاستقرار المالي والسياسي في تركيا بانهيار الاقتصاد التركي بشكل تام.

صرح رئيس الوزراء التركي، بولنت أجاويد، بعد اجتماع مع رئيس الجمهورية التركية آنذاك، أحمد نجدت سيزر، بأن “تركيا تواجه أزمة اقتصادية خطيرة”، وقد أدى اختياره غير الموفق للكلمات؛ نتيجة للنقاش المحتدم في الاجتماع، إلى جعل الوضع أسوأ.

إذ انخفضت الأسهم ووصلت أسعار الفائدة إلى 3000%، وتم تغيير كميات كبيرة من الليرة إلى الدولار أو اليورو؛ ممّا تسبب في خسارة البنك المركزي التركي لمبلغ 5 مليارات دولار من احتياطياته.

وأدى الانهيار إلى مزيد من الاضطراب الاقتصادي، وفي الأشهر الثمانية الأولى لعام 2001 فُقدت 14875 وظيفة، وعجزت تركيا عن سداد ديونها للدائنين الأوروبيين.