هآرتس: “في الطريق إلى طاولة المفاوضات”

هآرتس: “في الطريق إلى طاولة المفاوضات”
Spread the love

تسفي برئيل – معلق سياسي اسرائيلي/
أثارت إقالة مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة جون بولتون موجة من التفاؤل، حتى إنها خفّضت سعر برميل النفط الخام 21 سنتاً. المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران لم تبدأ بعد، لكن المراهنين يفترضون أن إزاحة العقبة الأساسية التي وقفت في وجه الاتصالات بين واشنطن وطهران هو فقط البداية – واستمرارها سيكون تنازلات أميركية إضافية في مجال العقوبات قد تؤدي إلى عودة النفط الإيراني إلى السوق.
لكن إيران لا تسارع للوصول إلى أي مكان، وشروطها لم تتغير: “المفاوضات مع الولايات المتحدة ممكنة فقط في حال رفع كل العقوبات.” لكن إذا كانت إيران قد رفضت أي محاولة لاستئناف المفاوضات قبل بضعة أسابيع، فإن هذا الشرط الأساسي تحول الآن إلى موقف للمساومة. بعد قمة الدول الصناعية السبع صرح روحاني أن “المفتاح لتطورات إيجابية موجود الآن في يد واشنطن…. وإذا كان اللقاء مع مندوب (أميركي) رسمي يؤدي إلى انفتاح مصلحة على إيران، فنحن لن نرفضه.” مع ذلك، وبعد مرور أسبوع، أوضح في الجلسة الافتتاحية للبرلمان أن المفاوضات مع الولايات المتحدة ليست مطروحة على الطاولة.
امتنعت إيران أيضأً من إظهار تفاؤلها بعد طرد بولتون، وجرى التعبير عن ذلك في رد فعل وزارة الخارجية أول أمس، إذ قال الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية إن الإقالات هي مسألة داخلية أميركية، وإيران لا تعلق على المسائل الداخلية للولايات المتحدة.
لكن هذه اللامبالاة الإيرانية يجب ألاّ تضلّلنا، ذلك بأن إيران تُجري اتصالات سرية مع الولايات المتحدة بواسطة فرنسا، كما يحاول وزير خارجية عُمان، وولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، التوسط بين طهران وواشنطن. من المهم أيضاً الانتباه إلى تصريحات روحاني هذا الأسبوع التي قال فيها إن إيران ستواصل انتهاج سياسة تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي “كلما تدعو الحاجة”. بعد ثلاث جولات من “تقليص الالتزامات”- التي شملت زيادة كميات اليوارنيوم المخصب ورفع درجة التخصيب المسموح بها إلى أكثر من 4.5% (3.67% التي سمح بها الاتفاق) – لم تحدد إيران ما الذي ستتضمنه المرحلة المقبلة، كما لم تحدد موعداً لها.
هذه “الحاجة” التي يمكن أن تدفعها إلى مواصلة هذه العملية مرتبطة على ما يبدو بمبادرات طيبة أو تنازلات تقترحها الإدارة الأميركية، وفي الأساس بتقديم تسهيلات مهمة تتعلق بتصدير النفط. إقالة بولتون، وتصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو غير الجديدة بأن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء مفاوضات مع إيران من دون شروط مسبقة، لا يكفيان لدفع طهران إلى طاولة المحادثات، لكن يمكن أن يقودا إلى محادثات تمهيدية بشأن شروط قيام مفاوضات جوهرية.
إن رافعة الضعط الأساسية التي يمكن أن تدفع بالولايات المتحدة وإيران إلى طاولة المفاوضات هي غياب استراتيجيا إيرانية أو أميركية لوضع فيه رفض متبادل. صحيح أن إيران تستخدم الاتفاق النووي كي تقوم بـ”تصعيد إلى الوراء”، الذي يعني انسحاباً على مراحل من الاتفاق. وهذه استراتيجيا سياسية هدفها الضغط على دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتمسك بالاتفاق النووي، وليست خطة عسكرية لتطوير سلاح نووي، ولكنها يمكن أن تؤدي إلى وصول إيران إلى نقطة اللاعودة، والتي عندها سيُنظر إليها كتهديد مباشر يتطلب رداً حازماً، اقتصادياً أو عسكرياً.
حينها لا تستطيع إيران الاعتماد على الافتراض أن الولايات المتحدة ستواصل التمسك بسياسة معارضة لمواجهة عسكرية معها. في المقابل، إذا أوقفت إيران عملية “تخفيض الالتزامات” من دون تحقيق إنجازات، فإنها ستخسر أداة الضغط الوحيدة التي بقيت لديها. وهذه أيضاً معضلة ترامب الذي يجد نفسه أسير سياسة “الضغط الأقصى” التي فرضها على إيران، وأي تخل عنها من دون مقابل إيراني معناه إظهار ضعف سينعكس على موقف الولايات المتحدة في العالم كله.
تتأثر المعضلتان الإيرانية والأميركية أيضاً بضغوط سياسية داخلية، بينها المعركة الانتخابية للبرلمان الإيراني، والانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري السنة المقبلة، والانتخابات الرئاسية في إيران التي ستجري في سنة 2021.
لكن لمحور واشنطن – طهران والمفاوضات التي يمكن أن تحدث بينهما انعكاسات دراماتيكية على المنطقة كلها. إسرائيل تعتبر نفسها المتضررة الأساسية من مصالحة أميركية – إيرانية، وهي خطوة ستؤدي إلى انهيار سياسة المواجهة الإسرائيلية، ويمكن أن تحد من عملياتها العسكرية ضد إيران في مختلف الساحات، مثل سورية ولبنان والعراق. وليس المقصود المواجهة الثنائية بين إسرائيل وإيران فحسب، بل سيضطر أيضاً الائتلاف العربي الذي تقوده السعودية إلى استخلاص النتائج وتغيير استراتيجيته.
التصدعات في هذا التحالف بدأ بالظهور علناً من خلال الخلاف بين السعودية والإمارات بشأن استمرار القتال في اليمن. فالانسحاب الجزئي للإمارات من الساحة اليمنية، ودعمها الميليشيات الانفصالية الجنوبية التي احتلت لوقت قصير العاصمة عدن، وتطوير العلاقات التجارية مع إيران، كلها أمور أوضحت لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ولترامب أن مصطلح “ائتلاف” ومعركة كبح نفوذ إيران في الشرق الأوسط، بدآ يتبخران.
وثمة اعتبار سياسي لا يقل أهمية هو رغبة الإمارات في إبعاد نفسها عن التحالف مع السعودية، التي، ومنذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي، تعتبر دولة موبوءة، ولا سيما في الكونغرس الأميركي. وفي التخبط بين مواصلة التعاون مع السعودية في الحرب ضد الحوثيين في اليمن وبين مكانتها الدولية والاقتصادية، بالإضافة إلى ضغوط داخلية لإعادة الجنود إلى وطنهم، تغلّبت الاعتبارات الأخيرة. على السعودية التي تعاني جرّاء عزلة استراتيجية، أن تقرر الآن: هل تقبل الطلب الأميركي بإجراء مفاوضات مباشرة مع الحوثيين وإنهاء الحرب، أو تعمل لوحدها؟
الضغط الذي يمارسه بومبيو على بن سلمان لإيجاد حل سياسي في اليمن يفسَّر في السعودية كخطوة أميركية إضافية هدفها تمهيد الطريق لمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران. من حق السعودية التوصل إلى هذه الخلاصة، وخصوصاً بعد أن طمس الرئيس الأميركي، أو ألغى تماماً 9 من أصل 12 طلباً طرحتها الولايات المتحدة على إيران، بينها عدم التدخل في شؤون دول أجنبية كشرط للعودة إلى الاتفاق النووي.
استندت منظومة الأدوات المتشابكة، التي بنتها الولايات المتحدة والسعودية ضد إيران، إلى معادلة مفادها أن كل من يقف مع إيران هو ضد الولايات المتحدة، ولذا يجب العمل على تجنيد دول عربية أُخرى مع الائتلاف العربي – هذه المنظومة يمكن أن تنهار، وأن تسبب برودة في العلاقات، أو تؤدي إلى خلاف بين واشنطن والرياض. ومثل هذا التطور في حال حدوثه يخدم المصالح الإيرانية، وقد يزيد احتمالات إظهار إيران مرونة يمكن أن تشكل عنصراً مشجعاً لمفاوضات مع الولايات المتحدة.
لكن شبكة العلاقات بين السعودية وواشنطن، وبينهما وبين إيران ليست ثنائية. تملك السعودية نفوذاً كبيراً في دول عربية وإسلامية، بينها باكستان وأفغانستان وأيضاً الهند – والولايات المتحدة التي لم تثبت حتى الآن مهارتها الدبلوماسية، ستضطر إلى أن تكون حذرة جداً لمنع نشوب أزمة في العلاقات مع السعودية بسبب إيران. في الوقت عينه، ستضطر أيضاً إلى أن تقدم لإيران إغراء معقولاً يتيح إجراء مفاوضات بشأن اتفاق مركّز ومحدود، ولكن لا يمنعها من مواصلة سيطرتها على منطقة نفوذها في العراق وسورية ولبنان.
ثمة شك في أن يكون لإسرائيل دور مهم في العملية الدقيقة التي يتعين على واشنطن القيام بها الآن. ويبدو الآن أن ترامب مصر على التحاور مع العدو والتوصل معه إلى اتفاق مباشر، كما فعل مع كوريا الشمالية وطالبان. وستضطر إسرائيل إلى أن تبتلع ذلك كله، وأن تتبنى استراتيجية كبح كي لا تؤذي علاقاتها بترامب، ولا تظهرها كذراع عسكرية للولايات المتحدة، وفي الأساس كي لا تحبط ما يعتبره ترامب كذروة مهارته في عقد صفقات.

المصدر: صحيفة هآرتس الاسرائيلية _ عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole