أزمة منتصف الحياة

أزمة منتصف الحياة
Spread the love

بقلم: فاطمة الموسى | صدر كتاب “أزمة منتصف الحياة” (فرصة حظ ثانية) الذي كتيته المؤلفة فرانسواز ميليه بارتولي بالفرنسية ، حيث جاء الكتاب في سبعة فصول ونتيجة أو خاتمة، وترجمه الدكتور غسان السيد وعرّفه بقوله “يمثل الكتاب مرجعاً مهماً في مجال التحليل النفسي الخاص بمنتصف العمر للمختصين” ، وصدر ضمن سلسلة الأدب العلمي عن جامعة دمشق، فماذا تقول هذه الدراسة؟ وماذا يمكن أن نتعلم منها؟
بداية كتاب “أزمة منتصف الحياة” تعني مرحلة عمرية من حياة الإنسان غير مدروسة جيداً، وهذه هي المرحلة التي يعالجها هذا الكتاب، مع التغييرات النفسية والجسدية التي تصيب الإنسان بين الأربعين والخمسين والتي تسميها المؤلفة “أزمة منتصف الحياة” ، كما تعرض عدداً من الحالات السريرية، والاضطرابات النفسية التي أثرت في حياتهم، وحياة المحيطين بهم ، بسبب التغييرات الكبيرة التي قد تكون إيجابية عندما يستفيد منها الإنسان ليخرج أكثر قوة، كما أنها توصف بسن اليأس . أرادت الكاتبة أن تحلل نفسياً وجسديأ ما يمر به الإنسان بهذه المرحلة، كما يمثل هذا الكتاب مرجعاً نفسياً مهماً , تضمن تقسيمات تفصيلية وصفها بعدة مصطلحات كمرحلة النضج أو مرحلة المراهقة الثانية .
ونستعرض يعض ماجاء فيه ….
المرحلة العمرية التي يمر بها الإنسان تقسم بحسب العمر , ويقصد بمنتصف العمر أي مرحلة الأربعين التي يمر بها كل إنسان وماتسببه من اضطرابات نفسية وفيزيولوجية ، فهي مرحلة مثل غيرها من العمر كما جاء في الكتاب الصيني أن الحياة تجري بتتابع العقود.
أما بالنسبة للتقسيم العشري الذي يقصد به كل مرحلة تمتد عشر سنوات وتنتقل من طور إلى آخر من المراهقة إلى مرحلة الاندماج الاجتماعي إلى مرحلة الحساب الختامي وحتى الكهولة.
بحسب الطب الصيني ، تكون أعضاء الإنسان في العاشرة من عمره صلة وتتركز طاقته في القسم الأسفل من جسده , ولهذا يحب الأطفال الركض دائماً حيث أن الطاقة الكامنة لديهم في نشاطها الصارخ.
في العشرين يكون الدم والطاقة في تصاعد , ويحس الإنسان بالنشاط والحيوية وفي الثلاثين تكون الحواس الخمس في ذروة نشاطها
وفي الأربعين تبدأ العضلات والجلد بالترهل والشعر بالسقوط ويحدث توازن بين الطاقة والدم فيحب الإنسان الجلوس للراحة وفي السبعين تضعف قوة الطحال ويصاب الجلد بالجفاف .
تضعف طاقة الرئتين في الثمانين ويبدأ الفكر بالاضطراب وتضعف الذاكرة ويتلعثم الإنسان في الكلام وفي التسعين تضعف طاقة الرئتين ويصاب الإنسان بالتعب الشديد وأخيراً في عمر المئة تنتهي طاقة الأعضاء ويذهب الفكر ولا يبقى إلا الجسد المادي المتهاوي.

رمز مارس وجوبيتر:
يقسم العمر إلى سبع مراحل :
ارتبط العمر بالكواكب السبعة : الطفولة : ارتبط بالقمر ( ىبسبب نداوتها ورطوبتها ) ثم بعطارد ( لأن الإنسان يبدأ بالكلام المتزن في هذا العمر مع استخدام العقل .. ويتفرغ لتعلم الفنون والآداب ) أما للمراهقة رمز بفينوس ( لأن الإنسان يبدأ , بالإحساس بإثارة الجسد ويكون قادراً على إنجاب شبيهه )
أما في المرحلة الرابعة، الشمس، الشباب ( يظهر جمال الإنسان الكامل ) ترتبط بالرجولة .
في المرحلة الخامسة ترتبط بمارس (لأن الإنسان يكون بكامل قوته وأكثر اطمئناناً , وتصميماً , وشجاعة وقدرة على الانضباط والنظام )
المرحلة السادسة والسابعة : الشيخوخة الأولى وهي سن النضج الكامل والتجربة والمشورة الجيدة , وهذا العمر هو عمر الخطورة ويرتبط بجوبتير أما الشيخوخة الثانية فهي سن زحل بسبب برودتها وضعفها المطلقين .
كما تشير المؤلفة إلى ما قاله شكسبير:
إنه أولاً الطفل الوليد الذي يصرخ ويسيل لعابه بين يدي المرضعة ثم التلميذ الباكي مع حقيبته الذي يجبر على الذهاب إلى المدرسة ثم العاشق الذي يردد بحرقة كبيرة أغنية حزينة مهداة لعيني عشيقته والجندي الذي يطلق الشتائم الغريبة ، والغيور في قضايا الشرف والمستعد للشجار دائماً والمتابع لهدفه حتى فوهة المدفع ثم القاضي بكرشه المستدير الجميل وعينه الدقيقة واللحية المشذبة بعناية والممتلئ بالأقوال المأثورة والأشياء الثانوية ويقوم بدوره كاملاً .
تقدم لنا المرحلة السادسة شخصاً نحيلاً بحذائه ونظارته على أنفه , ومحفظته على جنبه : يحتفظ بصورة جيدة , بالقسم الأ ول من شبابه , ولكنه يبدو ثقيلاً , إلى حد كبير , على ركبتيه المتصلبتين , وصوته , الذي كان مفعماً بالرجولة , يعود إلى صوت طفولي , يطلق صفيراً حاداً .
المشهد الأخير الذي يختم هذه المأساة التاريخية الغريبة والمضطربة , هو طفولة ثانية , وحالة من فقدان الذاكرة : (دون أسنان وعينين , وتذوق ودون أي شيء )
وتشير فرانسواز في الفصل الثاني مفهوم الأزمة وهل هي حقاً أزمة وتصفها بالتغير المأساوي حتى تصل إلى مفهوم أزمة منتصف الحياة ، أي نزوات منتصف العمر والصورة النمطية التي تلتصق بها ، وهي صورة الأربعيني الذي يترك زوجته وأطفاله من أجل رفيقة جديدة ربما يبدأ معها حياته الجديدة , ولا يفترض من هنا بحدوث كارثة في النهاية قد يكون المستقبل مختلفاً قد تكون نحو الأفضل أو نحو الأسوأ ومن هنا يشكل منتصف الحياة مرحلة حرجة .
فكلمة أزمة , اشتقاقياً هي من الكلمة اليونانية التي تتضمن دلالة قانونية وتعني الانفصال والحكم والقرار وهي تطرح فكرة الانقطاع الذي يأتي بعد استمرارية أخذت تعريفات القواميس هذه الفكرة , وأشارت إلى ( اشتداد حالة نفسية أو شعورية ) , (وفترة صعبة نجد أنفسنا فيها مضطرين لحل عدد من الإشكاليات ) , أو أيضاً ( لحظة صعبة وحاسمة , بصورة عامة , في تطور مجتمع أو مؤسسة ) ومثلما نرى فإن الأزمة تتضمن , في الأصل , معنى مزدوجاً . الأول نكوصي وتدميري وحامل للقوى التدميرية , والآخر تطوري , ومصدر للتطور وقابل لأن يؤدي إلى حالة جديدة أو وضع جديد , إن أزمة منتصف الحياة لا تشذ عن القاعدة .
تتمثل أهمية بعث الماضي في أنه يسهم في البعد الوجودي لأزمة منتصف الحياة , مثل أزمة المراهقة , إن الاضطراب الداخلي , والشك ,. ومراجعة الخيارات الشخصية , هذا كله يرافق الأزمة , على كل حال , إن المراهقة لا تحتاج إلى عامل خارجي مثير لكي تحدث , في حين أن أزمة منتصف الحياة تبدو في بعض الحالات , ناتجة عن حادث من نوع الفقدان الحقيقي , أو الانفعال العاطفي , إن منتصف الحياة حسابياً هو في الواقع مرحلة غنية بالانكسارات , خاصة , سواء من حيث الأحزان , أم حالات الطلاق , أم البطالة عن العمل , أم المرض , ولهذه الأحداث دائماً تأثير نفسي يدفع إلى الاضطراب ,ويجب , بحسب الأوضاع , الانفصال عن شخص عزيز , وعن المحيط والتخلي عن بعض العادات , أو التخلي عن ممارسة بعض النشاطات , والسلطات أو الوظائف , إن الرجل أو المرأة اللذين يفقدان عملهما يفقدان , في الوقت نفسه , وضعهما الاجتماعي , وزملاءهما في العمل , وعاداتهما اليومية , وجزءاً من قدرتهما الشرائية , وأخيراً يفقدان جزءاً من صورتهما ذاتها .
وفي البحث عن الذات تتحدث الكاتبة :
تتمحور أزمة منتصف الحياة , عامة , حول خيط يقود إلى البحث عن الهوية الشخصية , أو تأكيد هذه الهوية , بصورة واعية أو غير واعية , ويبدأ البحث عما هو أكثر وضوحاً في الذات , مثل : ( من أنا بصورة عميقة ؟ ) ونتساءل ( هل أنا منسجم مع الصورة التي أقدمها عن ذاتي لمحيطي , وعن الصورة التي يقدمها لي هذا المحيط ؟) يطرح كل واحد منا هذه الأسئلة مع التقدم في السن بشيء من الوضوح إلى حد ما , حتى أولئك الذين يحظون بالنجاح , يطرحون هذه الأسئلة التي تزداد حدة مع أزمة منتصف الحياة , وتحتل الساحة الأولى في لحظة من اللحظات .
ومن حيث زمن أزمة منتصف الحياة فهو مفهوم حديث نسبياً ظهر بين عامي 1960- 1970 في الأدب الأنغلو – ساكسون النفسي , وتعرف بأنها مرحلة غير مستقرة , وتتميز بالوعي المؤلم بالشيخوخة , وحتمية الموت , وتصبح بذلك مرحلة جديدة ضمن سيرورة الشخصية الراشدة الخاصة بالمجتمعات الصناعية , على كل حال , قليلة هي الدراسات التي سمحت , حتى يومنا هذا , بتحديد الأفراد الذين يتجاوزون أزمة منتصف الحياة بدقة , في الواقع , تقدم أكثر الأعمال ملاحظات أو أمثلة معزولة .
مع ذلك , إذا كانت أزمة منتصف الحياة لا تشكل بعد , في الوقت الراهن , مجالاً واضحاً مثل أزمة المراهقة , مثلاً , إلا أنه يبدو أن بعض النتائج المثمرة بدأت بالظهور .
كالديرون : الحياة كذبة
ماهي الحياة ؟ جنون . ماهي , خيال , كذبة , الكبير هو , في الحقيقة , صغير , والحياة كلها حلم , والأحلام تبقى أحلام .)
انتظم الوجود حتى الآن , حول النشاطات المتعددة في مجالات مختلفة , مهنية , وزوجية , وعائلية , وصداقات , تتوجه نحو المستقبل , ثم يأتي منتصف العمر , ومعه يبرز الوعي بالوقت الذي يمضي , وبحدود الوجود , والمستقبل المحدود , ونبدأ بالنظر إلى الماضي والحكم عليه , وتأتي ساعة المراجعة , وساعة التأمل , وتميل كفة ميزان الرضى أو الأسف مع نوع من التوازن , إلى حد ما .
حاول فريق سويسري , منذ نحو عشر سنوات دراسة أزمة منتصف الحياة , وتقديم بعض المعطيات الرقمية , تألف جمهور الدراسة من (821 ) فرداً من سكان جنيف تتراوح أعمار هم بين 40-65
كان الهدف الإحاطة , بصورة جيدة , بمفهوم أزمة منتصف الحياة , واستخلاص بعض الخصائص هذه اللحظة الحرجة , وإليكم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة :
على سؤال : ( إننا نتحدث كثيراً عن أزمة منتصف الحياة بين 40 -65 سنة , فهل تشعرون أن هذا يخصكم ؟ أجاب 72 من الرجال المستجوبين ( أي7,7 1 % من الذكور في الدراسة ) , و 86 امرأة , ( أي 20,7 % ) بالإيجاب يظهر تحليل الإجابات المأخوذة على أساس تقسيم المستجوبين إلى مجموعات بفارق خمس سنوات , أن القلق يسيطر بين 46-60 : أجاب شخص من أربعة أشخاص بالإيجاب , مقابل شخص من ثمانية أشخاص في مجموعة 40 – 45 سنة .
بالنسبة إلى محددات أزمة منتصف الحياة , طرحت ستة مجالات : الاهتمامات العائلية , والاهتمامات المهنية , ومشكلات الأجيال , وسن اليأس , والصحة الجسدية , والكهولة , والتغيرات الفردية . وهنا أيضاً كانت الاهتمامات المجدولة هي الأكثر قوة بين 46-60 سنة . وجاءت في المقدمة الاهتمامات المرتبطة بالصحة الجسدية , والكهولة مع ظهور الصعوبات النفسية الفردية .
هناك دراسات أخرى قام بها أطباء نفسانيون , وتركزت على نماذج مهمة من الجمهور , وحاولت تحديد الصفات الخاصة بأزمة منتصف الحياة .
استخدم باحثون من أمريكا الشمالية , مقياس تقويم الاهتمامات المتعلقة بالموت , وقاسوا شدة الأزمة عبر ربطها بنماذج الطباع الانطوائية , هناك فريق بولوني آخر , شرع في جدولة الشروط الضرورية والكافية لظهور الأزمة الذكورية في منتصف الحياة .
وهكذا أمكن تحديد أربعة شروط رئيسية : الصعوبات في تحديد الأولويات ضمن القيم , والتوجه نحو الماضي المتفوق على المستقبل , وغياب الأهداف في المستقبل , والإحساس بضغط الزمن , وفقدان الرغبة في الانفتاح على التجارب الجديدة , يمكننا , بالاعتماد على ما وصلت إليه البحوث حول الموضوع حالياً , أن نقول , دون أي مخاطرة إن مفهوم أزمة منتصف الحياة , يمتلك , دون تعميم , تأثيراً كبيراً في خيال المتقدمين في السن الغربيين الذين يتجاوزون هذه المرحلة .
وفي سؤاله : هل سنشاهد قريباً مختصين بمرحلة منتصف الحياة ؟
يمكن استشارة الأطباء النفسانيين بطريقتين في حالة أزمة منتصف الحياة , إما بالذهاب إلى العيادة أو بالدخول إلى المشفى , في العيادة , يأتي العديد من المراجعين بين الأربعين والخمسين , وذلك بسبب ظهور أعراض مرضية , أو بسبب اضطراب نفسي يعود إلى أزمة منتصف الحياة , ويوجد بعض الاضطرابات الواضحة والتي تحتاج إلى دخول المشفى , مثلما يحصل في حالة الاكتئاب , ويمكن إرجاع هذه الاضطرابات إلى أزمة منتصف الحياة , في الوقت الراهن , لا يوجد أي طبيب نفسي في فرنسا مختص بهذه الفترة من العمر , وذلك على خلاف مانجده بالنسبة إلى الطفولة والمراهقة , في المقابل , هذا النوع من الدراسة ينشط في أمريكا الشمالية.
جهز فريق كندي , منذ سنوات عديدة , وحدة متخصصة تحت اسم ( وحدة أزمة منتصف الحياة ) , وذلك ضمن قسم الطب النفسي العام .
وفي ناحية أخرى لا يقتصر مفهوم الإبداع على الموهبة فقط , بل يمكن أن يمتد ليصبح حركة داخلية تشمل البحث عن طرق تعبير الذات أكثر تميزاً , وتشكيل خيارات جديدة تتناسب مع الطموحات العميقة , والعميقة , والقيام بمشروعات جديدة أكثر وضوحاً , ومثلما يقول يونغ : ( إن مايجده الشباب في الخارج , وعليهم إيجاده , على الإنسان في منتصف عمره , أن يجده في داخله )
يمكن لأزمة منتصف الحياة إذا نظر إليها من هذه الزاوية أن تحل ضمن اتجاهين كبيرين : الأول يقود إلى التجديد , حيث يتم تغيير الحياة , وإعادة تنظيمها عبر التخلي عن جزء من الذات , أو عبر القيام بتعديلات جزئية ضمن خليط منسجم , إلى حد ما ومن حيث الاتجاه الآخر قد يبدو سلبياً نوعاً ما : حيث تسيطر الضبابية , واستحالة الانكفاء على الذات من أجل الانطلاق من جديد نحو المستقبل , إن الدخول في اضطرابات مرضية ونفسية , أو نفسية جسدية عند ذلك أمر لا مفر منه : فتتحول أزمة منتصف الحياة إلى أزمة مرضية .
في سؤال آخر : هل المعاناة ضرورية للإبداع ؟
في الواقع , يبدو أن هناك حالات معاناة تسبق الإبداع , ويشكل الألم , عامة , عامل الإبداع .
القائمة الطويلة وتضم فنانين كانوا مثلاً , قد فقدوا , في سن مبكرة , أحد الوالدين .
فقد طرحت الكاتبة عدد من الأسئلة للقارئ لتبين له أنه إن استطاع الإجابة عن أربعة أسئلة هذا يعطيه القدرة على أخذ مسافة كافية لتحلل الوضع , والتفكير بحلول أو الاعتماد على محيطه وقد يكون حذراً اتجاه المساعدة التي يمكن أن يقدمها الآخرون ، وأعطاه المجال أيضاً استخدام مصادر تعبير وإبداع شخصية أخرى في بعض المجالات ( إصلاح , قراءة , رياضة , رقص , جمع طوابع ) التي تحتاج فقط لأن تمارس …
ومن هذا الأسئلة :
– هل يمكنك تخصيص وقت للتفكير وحيداً في حياتك دون أن يوترك ذلك ؟
– هل لديك في محيطك القريب شخص , على الأقل , تستطيع الحديث معه بموضوعات شخصية دون الخوف من أن يحكم عليك أو تنتقد أو تلام ؟
– هل تعرضت سابقاً لمشكلات نفسية وتعتقد أنها ساعدتك على التقدم ؟
– هل تعتقد أن الإنسان يكتشف ذاته فعلاً في النصف الثاني من العمر ؟
ومن مفهوم الوعي بالموت :
تتحدث الكاتبة : عند الطفل إن فهم مفهوم الموت عملية متدرجة , ومن الصعب تحديد المرحلة اليت تبدأ فيها , لأنها تبدو معتمدة على التجارب المعيشة , ستكون هذه المرحلة سريعة , مثلا ً : عند الأطفال الذين واجهوا الموت في محيطهم , أو لديهم مرض خطير , وهي تتضمن جانباً مزدوجاً :
الجانب العقلي : ينظر إلى الموت , في البداية , على أنه حادثة دنيوية تشبه النعاس , ثم يستقر المفهوم , بصورة دائمة , بين الرابعة والخامسة .
وتأتي فكرة الشمولية بين الخامسة والسابعة : الموت يخص الجميع , بما في ذلك أنا نفسي , وتتطور فكرة جهل مابعد الموت بين التاسعة والعاشرة تقريباً .
الجانب العاطفي : بعتمد الطفل بشدة على ماينقله إليه الراشدون , مثل : الحزب المعبر عنه , والعقلانية .. يتطابق الموت على المستوى العاطفي مع التعرف على مفهوم الفقد النهائي .
عند المراهق : يتداول المراهق دائماً فكرة الموت .
عند الراشد : يوجد اختلافات متعددة في تصور الموت , واختلاف في التصرفات
التحدي مثل : المراهق , أو يميل إلى التعقل الشديد , أو التأمل , أو الإيمان بمعتقدات مختلفة , أو الضحك على الرغم من المزاج السيء , إن موت أحد الأقرباء , وحقيقة المواجهة الذاتية لمرض خطير , أو الاقتراب من الموت , وأخيراً الكهولة , هذا كله له تأثير جعل الموت أكثر حضوراً في الحياة الشخصية .
وهناك أيضاً مواجهة أخرى تبدأ , في الواقع , في منتصف الحياة , بتعكير إحساسنا باستمرارية الوجود : وهي مواجهة شيخوخة جسدنا .
ففي الأربعينيات , تبدأ بعض علامات الضعف الجسدية الخفيفة تتكرر في الحياة اليومية , وتحذرنا بأن الشباب مهدد بالزوال .
كتب جان لأفونتين في إحدى حكايته : ( يمكن ترميم حطام منزل , ولكن هذه الميزة ليست صالحة مع الآثار على الوجه )
الطب يتقدم , وعليه أن يسهم في التخفيف من هذه الآثار على الوجه اليوم , في الواقع تطورات الجراحة التجميلية كثيرا, في السنوات الأخيرة .
ونحن نعرف اليوم , بصورة أفضل , الأسباب الخارجية والداخلية للشيخوخة الجلدية : مثل : الشمس , الزمن , والاضطرابات الغذائية , والتلوث , والتدخين , والتبدلات الهرمونية , تسبب هذه العوامل المختلفة التي لا يستطيع إنسان الإفلات منها , إتلاف المكونات الرئيسية للجلد مثل الهولاجين والألياف المرنة , فتحرض هذه العوامل على ظهور التجاعيد , والتقليل من مرونة الجلد …
نحن جميعاً سنمر بهذه التجربة عاجلاً أم آجلاً ….
ومن مفهوم سن اليأس :
يأتي سن اليأس , وسطياً , بين الثامنة والأربعين والثانية والخمسين , يتلازم جسدياً مع التراجع التدريجي في إفراز الهرمونات الأنثوية , حتى يصل إلى التوقف التام مما يؤدي إلى الانقطاع الكامل للدورة الشهرية عند المرأة , السناء اليوم أكثر إطلاعاً , وتعرف أنه سحدث , عند عشرة بالمئة منهن على الأقل , اضطرابات في المزاج مثل : سرعة الغضب والعدوانية , والإفراط في الحساسية , والنعاس , والإحساس الزائد بالحرارة , وتغيرات في الوزن وأخيراً , اضطرابات في الرغبة )
إن النساء اللواتي يتعرضن لهذه الأعراض ماقبل سن اليأس لا يعضن عامة , هذه الحقبة بهدوء .
ومن هنا أتى السؤال برأي الكاتبة هل يوجد سن يأس ذكوري ؟؟؟
نادراً ماتأتي الاضطرابات الجنسية بكل منعزل , فهي تترافق , عادة باضطرابات يمكن أن تؤدي إلى شكل مواز من سن اليأس الذكوري , مثلً : التوتر , والانفعال السريع , الإرهاق , واضطرابات في النوم والذاكرة , هذا إذا ذكرنا الأكثر أهمية , وبنسبة تكرار متراجعة بين 45 – 30 %
وفي فصل آخر تسأل فرانسواز : لماذا منتصف الحياة ؟
تعود جذور تعبير ( شيطان منتصف الحياة ) إلى حقبة موغلة في القدم من التاريخ .
بمقدور الراشد , بين الأربعين والخمسين , أن يقيم إنجازاته في المجالات المختلفة : العائلة , والعمل , وشبكة العلاقات والصداقات , يظهر عند لحظة المراجعة , قلق النتيجة والأسئلة التي تطرحها بصورة إجبارية : ( هل أديت عملي المهني جيداً ؟) و ( هل حققت ما أريد ؟ ) و ( كم مشروعاً بقي أمامي لتنفيذها ؟) أو أيضاً ( أين فشلت ؟)
هل يوجد تكافؤ بين الرجل والمرأة ؟
هل يعيش الجنسان إشكالية منتصف الحياة بالحدة نفسها ؟ نميل إلى الإجابة السلبية , حتى وإن كان من الصعب تحديد طبيعة هذه الاختلافات مثلما نتمنى , بسبب غياب الدراسات المهمة التي تجري على الصعيد الاجتماعي – الثقافي .
يمكننا المعاناة بصمت .
نحن نتحدث , بصورة عامة , عن أزمة منتصف حياة خفية , عندما يكون التغيير داخلياً , ولا يؤثر في التصرفات الاجتماعية , ولا ينتبه إليه الأفراد المحيطون , باستثناء أفراد العائلة , لوسيان ميليه هو الذي اقترح هذه التسمية من أجل تجنب تقديم الصفات الاعتيادية مثل , ( أزمة ثانوية , أو بسيط )
تطرح الأشكال الخفية لأزمة منتصف الحياة السؤال القديم حول الحدود بين الصحة العقلية , وبين المرض , لقد اصطدم علماء النفس الحدود لفترة طويلة , بهذه المشكلة , ومن أجل حلها , توصلوا إلى تأسيس كوادر مرجعية محددة , من أجل تصنيف الشخصيات الطبيعية أو المريضة , بصورة أفضل , والأعراض التي تظهر عليها .
على كل حال , قد يكون من الصعب , أحياناً , ملاحظة الحدود الفاصلة , في الواقع , يمكن لبعض التغيرات في التصرفات , خلال أزمة منتصف الحياة , أن تقودنا إلى البلبلة .
في المقابل , قد يحدث أن يعاني بعض الأربعينيين من اضطرابات نفسية كبيرة , دون ترك أي أثر ظاهر , إلا إذا عبر الجسد عن ذلك عبر اضطرابات جسدية نفسية .
ماهي المساعدة التي يمكن أن يقدمها الطبيب النفسي ؟
متى تجب مراجعة الطبيب ؟
– عندما لا تجرؤ على البوح بما تشعر به للمحيطين بك
– إذا خفت أن تصبح مجنوناً , أو إذا كان لديك إحساس أن تشعر به غير طبيعي .
– إنه يستمع إليك , ويساعدك على تحديد ماتشعر به .
– يخفف من قلقك على مستوى صحتك العقلية .
– يربط بين بعض المشاعر التي تشعر بها ومظاهر محتملة للقلق .
– يضع القلق الذي به ضمن الظرف الحالي لحياتك , ويساعدك على تحديد بعض الأحداث التي يمكن قد مرت دون أإن تنتبه إليه .
وفي كيفية اكتشاف الإشارات الأولى للاكتئاب عند قريب دخل أزمة منتصف الحياة يتحدث المؤلف :
كفقدان النشاط والحيوية : يفعل المريض الأشياء بالقوة , أو من باب الالتزام .
فقدان الاهتمام , كلياً أو شبه كلي , بالأعمال اليومية : ولا يعود بالمتعة بأي شيء.
فيصبح لا ينام جيداً , أو ينام كثيراً , ويشعر بتعب دائم , يتوقف عن الطعام , أو يصبح منهماً .
التغبير عن الذات بكلمات الفشل , والحنين, وخيبة الأمل , أو أيضاً عدم الجدوى : مالجدوى ؟ هو التعبير الدائم على لسانه .
يجب أن تستمر هذه العلامات خمسة عشر يوماً , على الأقل لكي نستطيع الحديث عن اكتئاب .
إن الاكتئاب , الذي يعقد أزمة منتصف الحياة , هو اكتئاب خاص يحتاج , مثل حالات الاكتئاب الأخرى ’ علاجاً مضاداً للاكتئاب , وشدة الاضطرابات , عامة , هي التي تقود إلى وضع تعليمات هذا العلاج .
وقد فرقت الكاتبة بين الحزين والمكتئب فتقول :
يتعلق الحزن يموضوع خاص , مثل فقدان صديق , أو الفل في مشروع , إنه إحساس دقيق نسبياً , حتى وإن كان يأتي بطريقة متكررة خلال فترة معينة , مع مشاعر , أو نشاطات نفسية أخرى , من وقت لآخر , الاكتئاب لا يتعلق بموضوع خاص , فهو يجتاح , بدرجات مختلفة , وجود الشخص كله , ويتغلغل في حياته بطريقة دائمة ومستمرة : المشكلة في الاكتئاب : ليست موضوعاً خارجياً , على الرغم من وجود حادث يطلق الشرارة ولكنها الوجود ذاته …
متى ولماذا نستشير المعالج النفسي ؟
إن التوجه إلى المعالجة النفسية ليس سهلاً دائماً , هناك أفكار مسبقة عديدة ثابتة بهذا الخصوص : الخوف من استمرار الوضع لسنوات طويلة , والخوف من التعود على هذا العلاج , أو الخوف من الخروج من مرحلة العلاج أكثر تشوشاً , يمكن تفهم هذه المخاوف التي تتطلب , لتجاوزها إقامة علاقة وثيقة , لا يمكن بدونها الحصول على أي نتيجة قوية .
لقد قمنا بمقارنة بين أزمة منتصف الحياة والمراهقة , في مناسبات عديدة , عندما عرضنا بعض الشهادات , من أين جاءت هذه الفكرة ؟ أول من قام بالمقارنة , بصورة عفوية , هم الذين اجتازوا أزمة منتصف الحياة , أو الذين يعيشونها , حيث تظهر المراهقة على شكل تمرد متأخر ضد الأهل , وبحث طائش , أحياناً , عن الهوية , إليكم مايقوله هؤلاء :
( لدي إحساس أنني أمر بأزمة المراهقة ولكن بوقت متأخر ) , هذا مايقوله هذا المدرس بعمر الخامسة وأربعين , والذي كان طفلاً عاقلاً سابقاً , ومسؤولاً منظماً عن عائلة تركها لأشهر عديدة , قبل أن يعود إلى المنزل …
من بين أولئك الذين التقيناهم بوصفهم مرضى أو خارج الإطار العلاجي , كثير , هذا إذا لم يكن الأكثرية منهم , كان لديهم مراهقة تتميز بغياب الأزمة , أو التعرض , في هذه اللحظة , لنوع من الحالة الاكتئابية .
هل تؤدي أزمة منتصف الحياة , بوصفها مراهقة ثانية , إلى أن يصبح الشخص راشداً ؟ الجواب , في بعض الحالات , نعم , وفي بعضها الآخر , لا ….