كل شيء له علاقة بالاقتصاد: ترامب فقد اهتمامه بالشرق الأوسط

دونالد ترامب
Spread the love

بقلم رون بن يشاي – محلل عسكري إسرائيلي —

رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب قدّم معروفاً هذا الأسبوع إلى مواطني إسرائيل وسكان المنطقة بصورة عامة، عندما صرّح أن إيران “تستطيع أن تفعل في سورية ما تشاء”.
تدل الظروف التي قيل فيها هذا الكلام على أنه لم يكن زلة لسان أو نتيجة جهل، كما قدّر ذلك مسؤول كبير محبط في القدس، بل هو بمثابة ضوء أصفر متراقص – وإشارة إلى كل من يهمه الأمر أن الولايات المتحدة تفقد اهتمامها بالشرق الأوسط، ولم تعد ترى فيه مدماكاً مهماً في استراتيجيتها العالمية.
من سمع كلام ترامب كاملاً في يوم الأربعاء وخلال الأسابيع الأخيرة يفهم أمراً إضافياً مهماً: الاستراتيجيا العالمية للرئيس وللإدارة الحالية في الولايات المتحدة تتمحور وتُحدَّد في الأساس- وتقريباً فقط- وفق اعتبارات ومصالح اقتصادية. يتركز الجزء الأساسي من الاهتمام الأميركي اليوم على شرق آسيا: الصين التي تشكل حالياً التهديد الاقتصادي والاستراتيجي الأساسي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وكوريا الشمالية التي تهدد اليابان وكوريا الجنوبية، الشريكتان في التجارة، وأهم حليفتين للأميركيين في ساحة المحيط الهادىء المجاورتين أيضاً لشواطىء كاليفورنيا وألاسكا.
للأميركيين في الشرق الأوسط مصلحتان اقتصاديتان أساسيتان: ضمان تزود الاقتصاد العالمي النامي بالطاقة من الدول العربية المنتجة للنفط، كي يكون هناك سوق للتصدير الأميركي، وكي لا تستطيع روسيا السيطرة على أسعار النفط والغاز ومنافسة الولايات المتحدة. المصلحة الأُخرى هي بيع سلاح أميركي بمليارات الدولارات لدول المنطقة الحليفة للولايات المتحدة.
كل ما عدا ذلك هو ببساطة ليس مهماً. يتصرف ترامب مثل النكتة الأميركية القديمة التي تتحدث عن كلب خرج مع ابنه الجرو ليعلمه حقائق الحياة. في نهاية جولة في الطبيعة يقول الكلب للجرو” اسمع يا بني، كل ما لا تستطيع أن تأكله بوّل عليه”. ويمكننا تقريباً أن نسمع ترامب يروي هذه الحكاية ويضيف… إذا كانت روسيا، الدولة العظمى، وإيران، الدولة العظمى الإقليمية، تريدان التنافس فيما بينهما على النفوذ في سورية، هنيئاً لهما، أنا لست في الصفقة، وليس لدي اهتمام بتوظيف أشخاص ومال في مكان فيه فقط ” رمال وموت”.
فيما يتعلق بإسرائيل، قال الرئيس الأميركي هذا الأسبوع علناً إنه يعتبرنا قادرين على الدفاع عن أنفسنا، ونقوم بعمل جيد على كل الجبهات، بما في ذلك تقليص الوجود العسكري الإيراني في سورية. في هذا السياق أشار ترامب إلى أن الإيرانيين قلصوا مؤخراً عدد عناصرهم واستثماراتهم العسكرية في سورية وأيضاً على ما يبدو في اليمن.
ويسّجل لصالح ترامب حقيقة مهمة أُخرى: العقوبات الأميركية التي دخلت مؤخراً في حيز التنفيذ تلحق ضرراً كبيراً باقتصاد إيران، ونتيجة ذلك تفاقمت حدة الجدل الدائر حالياً وسط قيادة آيات الله في طهران (وخصوصاً بين الرئيس روحاني وعناصر الحرس الثوري) بشأن ضرورة مواصلة إنفاق الملايين الآن على مغامرات “فيلق القدس” والحاجة إليها في سورية ولبنان واليمن.
ترامب كعادته لا يستطيع الاكتفاء بالحقائق ومن أجل تقوية حججه نشر مزيجاً من المبالغة و”أخباراً ملفقة” عندما ادعى أن إيران اليوم “تغيرت” بعد العقوبات التي فرضها عليها، وهذا طبعاً غير صحيح. إيران ما زالت إيران: فهي تواصل تصدير النفط ولو بكميات أقل، وعلى الرغم من تفاقم الوضع الاقتصادي، فهي تنجح في تأمين الحاجات الأساسية لسكانها.
لم تتخل إيران عن مشروع السلاح النووي وهي تهدد بالعودة إليه من جديد. وتواصل تطوير صواريخ بعيدة المدى من كل الأنواع واختبارها بنجاح ، كما تواصل تمويل “وكلائها” (حزب الله وميليشيات شيعية) في إطار جهودها لتحقيق هيمنة إقليمية وتصدير الثورة الشيعية.
لكن مثل هذه التفاهات لا تزعج ترامب. بالتأكيد عندما يكون المقصود إسرائيل، تقريباً كل الرؤساء الأميركيين في الماضي منحوا إسرائيل دعماً سياسياً ومساعدة عسكرية عندما اضطررنا إلى مواجهة تهديدات استراتيجية للأمن القومي. لم يجرِ قط إرسال الأميركيين للقتال من أجلنا، باستثناء حرب الخليج الأولى في سنة 1991، عندما أرسل الرئيس بوش بطاريات صواريخ “باتريوت” للدفاع عن أجواء إسرائيل في وجه صواريخ السكود لصدام حسين.
لكن يبدو من الكلام الذي قاله الرئيس الأميركي الحالي إنه يرى نفسه ملزماً بأمرين: تقديم أسلحة ووسائل قتال لإسرائيل للدفاع عن أمنها بقواها الخاصة، ومظلة سياسية في الأمم المتحدة وعلى الساحة الدولية عموماً، تمنع فرض عقوبات على إسرائيل.
كل ما تبقى في نظر ترامب هو مهمة حكومة إسرائيل – بما فيها المواجهة مع الوجود العسكري الروسي في سورية ومع جهود روسيا لتقليص حرية عملنا العملاني في أجواء الساحة الشمالية.
لم يطلب أحد في إسرائيل من ترامب الدفاع عنا في وجه روسيا بل فقط أن يفرض شرطاً على بوتين: إذا كنت لا تريد وجوداً عسكرياً أميركياً في سورية احرص على ألاّ يكون وجود للإيرانيين أيضاً (من أجل إسرائيل)، ولا يكون للأتراك (من أجل الأكراد) وجود عسكري وقواعد في سورية. هذا كل شيء. لدى الروس قدرة ومصلحة في الاستجابة لمثل هذا الطلب الأميركي في إطار جهودهم الرامية إلى استقرار نظام الأسد. لكن ترامب النزق لم يجد أي ربح اقتصادي من البقاء في سورية (على الرغم من أن هذا لا ينطوي بالنسبة إليه على ميزانيات ضخمة أو خسائر في الأرواح). لذلك يتركنا ويترك الأكراد في المواجهة وحدهما.
في ضوء سلوك ترامب هذا وسلوكه حيال كوريا الشمالية يجب أن يستعدوا في القدس وفي الكرياه – على الأقل فكرياً – أيضاً لحدوث انعطافة مفاجئة (ليست نحو الأفضل) في سلوك رئيس الولايات المتحدة بشأن الموضوع النووي الإيراني.

المصدر: موقع ynet الإسرائيلي، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole