آثار سد اليسو التركي على مياه دجلة في العراق

نهر دجلة في الموصل - العراق
Spread the love

بقلم باسم عبدعون الحسناوي* —

تم تشغيل سد “اليسو” أو سد “حسن كيف” في مدينة “دياربكر” التركية ذات الغالبية الكردية ل يوم الجمعة المصادف 1/6/2018 ، وهو ثاني اكبر سد في تركيا على مياه نهر دجلة. وقال مدير مشروع سد الموصل رياض عز الدين: إن تشغيل السد سيحرم العراق من نصف حصته المائية من نهر دجلة. ايضا السيد أنور الحميري
الخبير الزراعي أنور الحميري صرح بأن سد اليسو يبعد قرابة 50 كيلومتراً عن الحدود العراقية وبدأت إنشائه الحكومة التركية على أرض قرية اليسو عام 2006 بارتفاع 140 متراً وبطول 1800 متر وسيوفر نحو 1200 ميغاواط من الكهرباء لتركيا وتكلفة السد تقدر بحدود مليار وسبعمئة مليون دولار. وختم قائلاً: ان الجفاف أصبح امراً واقعاً لتتأقلم عليه مدن الموصل وسامراء وتكريت مروراً ببغداد وصولاً إلى واسط وميسان والبصرة.
إذن هذا السد يبعد عن الحدود العراقية مسافة 50 الى 60 كيلومتراً في قرية اليسوا وقد بدأ العمل في مشروع السد منذ عام 2006 والحكومة العراقية على علم ببناء السد منذ وقت شروع العمل فيه.
كما أن مشروع السد شقان، شق لتخزين المياه لإنتاج الطاقة الكهربائية في الدرجة الأساس وبعدها شق لمشاريع زراعية.
وسيكون الجفاف أمراً طبيعاً في المدن والمناطق التي يمر بها نهر دجلة في العراق نتيجة السد.
ونلاحظ قدرة الدولة التركية في الوصول الى أبعد نقطة من جغرافيتها في تقديم الخدمة لمواطنيها حيث هذه القرية هي منطقة نائية في مدينة حدودية، وهنا يتضح كيف تحاول النخبة الحاكمة في هذا البلد في تقديم الخدمات الى مواطنيها، فالدولة التركية وقياداتها لم تكن دولة عاصمة ومدن فقط وانما دولة لكل شبر من أرض تركيا وهنا الكلام ليس تمجيد لدولة وحكومة تركيا بقدر ما هو بيان حقائق على الأرض .
والعمل بمشروع السد قد بدأ منذ 12عاماً، وهل يعقل أن الحكومة العراقية لا تعلم به، فإذا كان لا تعلم فتلك مصيبة واذا كانت تعلم فالمصيبة أعظم. فما هي الاسباب التي جعلتها لم تقم بدورها المطلوب للحيلولة دون إقامة هذا السد.
كما يلاحظ أن الحكومة التركية قد بررت أسباب إنشاء السد بالحاجة إلى انتاج الطاقة الكهربائية. وفي حال لجوء العراق الى المحاكم الدولية للمطالبة بحقوقه في مياه نهر دجلة تستطيع تركيا التملص من ذلك بذريعة أن مشروعها هو تخزيني وليس إروائياً وكما يمكن ان تحتج بعدم الاستثمار الأمثل لمياه دجلة من قبل العراق.
واضح أن هذا المشروع ليس سببه الأساس انتاج الطاقة الكهربائية فحسب. ففي كثير من البيانات الدولية للطاقة، تتمتع تركيا بفائض من الطاقة بمقدار 8-9% . وهنا يمكن وضع المشروع في خانة مشاريع التنمية الاقتصادية والزراعية في تلك المناطق .
وقد أثار تشغيل السد موجة غضب جماهيرية في العراق أخذت صداها واثرها على مختلف الشرائح المجتمعية. وكان الموقف الحكومي متناغماً مع هواجس وخوف المواطنين من أثر وتبعات تشغيل السد وما يمكن أن يؤثر على انخفاض نسبة المياه في دجلة.
وهناك تقصير حكومي تجلى في أن هناك مبادرات زراعية من تمويل وتسليف وأجهزة ومعدات زراعية قدمت للفلاحين لكن الأغلب من هؤلاء استثمرها في جوانب غير زراعية، مثلاً التسليف للفلاحين اغلب الفلاحين اقدموا على إنشاء مشاريع عقارية وتجارية بدل تطوير أراضيهم الزراعية. والسبب هو عدم تحمل المسؤولية وضعف الرقابة الحكومية. كما تحويل الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة والبساتين على ضفاف الأنهار الى مشاريع سكنية في حين أن هناك الكثير من الاراضي الأخرى التي يمكن استخدامها للسكن بدل منها. وهنا المسؤولية تقع على عاتق المجتمع والحكومة معاً.
لكن ما هي وسائل الضغط لدى العراق على تركيا التي يمكن من خلالها أن يحافظ على حصته المائية من نهر دجلة؟
وأبرز هذه الوسائل:
1- الاستقرار السياسي والمجتمعي والنظام السياسي الفعال والناجح. هذه الخصيصة اذا كانت دولة ما تتمتع بها يمكن أن تؤثر على دول أخرى وخاصة في حال تم التجاوز على حقوقها من قبل دولة أخرى. لكن العراق لديه ضعف في الاستقرار السياسي والمجتمعي والنظام السياسي وبالتالي قدرته محدود في هذا الباب .
2- القدرة الاقتصادية: في الوقت الراهن ليست لدى القدرة الاقتصادية الفائضة التي من خلالها يمكن كسب الآخرين للوقوف الى جانبه في خلافه مع تركيا حول المياه وليس لديه الاكتفاء الذاتي والصناعي الذي يجعله يقاطع تركيا.
3-القدرة العسكرية: ليست لدى العراق القدرة العسكرية التي يمكن من خلالها تهديد دولة كتركيا نتيجة لفارق التسليح والإعداد وغيرهما.
4-التحرك في المحافل الدولية على مستوى المنظمات والمحاكم الدولية: هذه الخصيصة الوحيدة التي يمكن ان يعول عليها العراق وهي خطوة مشكوك بنتائجها وآثارها والسبب واضح وهو ان العالم اليوم تحكمه الأحلاف والمصالح والقدرات العسكرية، وما المحاكم الدولية الا وسيلة تلجأ اليها الدول الضعيفة وتبقى شكواها تدور في دواليبها من دون أي نتائج تكسب. لكن مع هذا لنتوقف عند المعاهدات والقوانين الدولية التي يمكن للعراق الاستفادة منها في هذا الجانب وهي:
1- قانون الأنهار الدولية: يقوم قانون الأنهار على عدة مبادئ وردت في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تنظيم استخدام المجاري الدولية لغير أغراض الملاحة لعام 1997، منها مبدأ حسن الجوار ومبدأ الانتفاع والمشاركة المنصفين والعادلين الوارد في المادتين الخامسة والسادسة من الاتفاقية. وطبقاً لهذا المبدأ، يكون لكل دولة مطلة على نهر حق استخدامه استخداماً منصفاً ومعقولاً مع عدم الإضرار بباقي الدول المطلة على النهر. وهناك مبدأ الانتفاع البريء أو النظيف، أي الالتزام بعدم التسبب فى ضرر جسيم للدول الأخرى المطلة على النهر الوارد فى المادة السابعة من الاتفاقية، ومبدأ الألتزام بالتعاون بين دول المجرى المائي الدولي، الوارد في المادة الثامنة من الاتفاقية سالفة الذكر.

وقد ألزم قانون الأنهار الدولية الدولة المطلة على نهر دولي التي تريد اتخاذ أي إجراء يتعلق بالنهر بالإخطار المسبق لبقية الدول المطلة على النهر تبيّن فيه بوضوح تام ماهية الإجراء الذى تنوي اتخاذه ويجب أن يتضمن هذا الإخطار المسبق جميع البيانات والمعلومات عما تنوي عمله، مع ضرورة التشاور والتفاوض مع بقية الدول المطلة، وبيان مدى تأثير هذا الإجراء على مياه النهر الدولي. وفي حالة التأكد من عدم إضرار هذا الإجراء بإحدى الدولة المطلة يجب على الدول المطلة الموافقة على اتخاذ هذا الإجراء. ولكن في حال تبيّن وقوع ضرر من هذا الإجراء يجب على الدولة الامتناع عن اتخاذ أي خطوات للقيام بهذا الإجراء.
أما كيفية معالجة الأزمات الدولية بشأن المياه طبقاً للقانون الدولي وقانون الأنهار الدولية، فيلزم القانون الدولي وجميع المنظمات الدولية العالمية كالأمم المتحدة وكل المنظمات الإقليمية، الدول على فض جميع المنازعات الدولية بالطرق السلمية حفاظاً على السلم والأمن الدوليين. كما طالب ميثاق الأمم المتحدة فى الفصل السابع منه باللجوء إلى المنظمات الإقليمية لفض المنازعات الدولية. لذلك ينبغي بداية استخدام كل الوسائل السلمية المنصوص عليها في القانون الدولي، ومنها ما ورد في الفقرة الأولى من المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت علىأنه “يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق.
وهناك أيضا طريقة المساعي الحميدة عن طريق طرف ثالث سواء دولة أو منظمة دولية أو شخصية دولية معروفة، ومن قبل يمكن ذلك عن طريق المفاوضات المباشرة مع الدولة المطلة على النهر وهي تركيا .

* كاتب عراقي.