المرة الأولى التي التقيت فيها أبو مازن

Spread the love

بقلم: أوري أفنيري – رئيس سابق لحركة السلام الآن، محلل سياسي إسرائيلي —

•عندما التقيت أول مرة بياسر عرفات في بيروت المحاصرة، في صيف 1982، لم يكن أبو مازن حاضراً في الاجتماع. لكن بعد مرور بضعة أشهر عندما التقيت بعرفات في تونس، طلب مني الاجتماع بأبو مازن، القيادي في حركة “فتح” الذي يهتم بموضوعات إسرائيلية.

•كان الانطباع الأول الذي كونته عن أبو مازن، محمود عباس، هو أنه النقيض المطلق لعرفات، الذي كان رجلاً منفتحاً، يحب احتضان الناس وتقبيلهم، وإقامة علاقة قريبة معهم من اللقاء الأول. بدا أبو مازن مثل مدير مدرسة، منطوياً على نفسه وبعيداً أكثر. لكنني أحببت شخصيته.

•كان أبو مازن في ذلك الحين، أي منذ أكثر من 35 عاماً ينتمي إلى الصف الأول في قيادة “فتح” وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، إلى جانب أشخاص مثل أبو جهاد (الذي اغتالته إسرائيل)، وأبو إياد (الذي اغتاله متطرفون فلسطينيون)، وفاروق القدومي (الذي وقف ضد اتفاق أوسلو وجرى استبعاده).

•التقيت أبو مازن في كل مرة اجتمعت فيها بعرفات في تونس. ونشأت معه علاقة إضافية عندما سمعت أنه من مواليد صفد. فلقد كانت صفد هي البيت الثاني لزوجتي، راحيل، التي كانت في طفولتها تقضي أشهر الصيف هناك.

•بعد قتل عرفات (وهذا ما اعتقده على الرغم من عدم توفر إثباتات لدي على ذلك)، عُيّن أبو مازن رئيساً لحركة “فتح” (الحزب)، ولمنظمة التحرير الفلسطينية (عملياً الحكومة). هو ليس عرفات ثانٍ، وليس لديه شخصية بطولية، ولا المكانة الدولية للمؤسس. لكن الجميع قَبِل به رئيساً.

•كان عرفات، كزعيم لشعب صغير في مواجهة عدو قوي، أقوى منه كثيراً، وآمن بأن على الفلسطينيين استخدام جميع الوسائل القليلة المتوفرة لديهم: التنظيم، والدبلوماسية، والعنف، وكل شيء آخر. لكنه بدأ بعد حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973] السير على طريق أوسلو. ولقد شرح لي ذلك شخصياً، قائلاً: “رأيت أن العرب حققوا انتصاراً مفاجئاً ضخماً، وعلى الرغم من ذلك خسروا الحرب. واستنتجت أنه ليس هناك إمكان لاستعادة أرضنا بواسطة حرب”.

•أعتقد أن أبو مازن لم يؤمن بجدوى العنف. فهذا ليس من طبعه. وهو يؤمن بالسلاح العربي الأكثر نجاعة: الصبر، والصمود، والتمسك بالأرض، وعدم التنازل عن ميلليمتر واحد، ما يُسمى بالعربية “صمود”. وهذه سياسة ليست مشهورة، لكنها مفيدة مع مرور الزمن. لكن حتى رجل مثل أبو مازن يمكن في النهاية أن يفقد صبره. وخطاب “يخرب بيتك” هو دليل على هذه اللحظة.

•الرئيس ترامب قادر على دفع الجميع إلى الجنون. تتباهى الولايات المتحدة، منذ عشرات السنين، بدورها كوسيط حيادي بين الإسرائيليين والعرب. ولقد قدم الرؤساء الأميركيون، الواحد تلو الآخر، “خطط سلام” و”مبادرات سلام”، لم تؤد إلى شيء (مبادرة السلام الإسرائيلية – المصرية، ومبادرة أوسلو، وُلدتا من وراء ظهر الأميركيين). لكن ترامب شخص مميز. فقد عيّن صهيونياً يمينياً متطرفاً سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل. وعيّن صهره اليهودي وصهيونيين آخرين كوسطاء بين إسرائيل والفلسطينيين. واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووعد بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى هناك. لو تحدث ترامب عن “القدس الغربية”، لما أثار عاصفة كبيرة، فالقدس الشرقية هي، طبعاً، ساحة المعركة الحقيقية.

•عندما وضعت الأمم المتحدة خطة التقسيم في سنة 1947، قامت بتقسيم البلد بين دولة يهودية ودولة عربية، لكن القدس تحولت إلى وحدة منفصلة. لم يقبل الطرفان بذلك. وفوراً، بعد حرب 1948، قدم أصدقائي (يهود وعرب) خطة السلام الأولى التي تستند إلى مبدأ “دولتين لشعبين”. وتحدثوا في الخطة عن “القدس الموحدة عاصمة للدولتين”. واليوم أيضاً لا يزال هذا هو الحل الممكن الوحيد. لقد قبِل عرفات به، وأبو مازن أيضاً.

•بناء على ذلك، ماذا قال في خطابه الطويل أمام المجلس الوطني الفلسطيني، غير الشتيمة التي وصلت إلى عناوين الصحف الأولى؟ في الواقع لم يقل شيئاً جديداً. هو أعلن مجدداً موافقته على “خطة السلام العربية”، ورفض رفضاً مطلقاً الخطة التي تُسمى “حل الدولة الواحدة”. ووضع حداً للشعارات الخادعة بأن الولايات المتحدة يمكن أن تكون وسيطاً، وقال إن عملية السلام لا تزال موجودة، واتفاق أوسلو لا يزال حياً.

•لقد رفض المجلس الوطني في منظمة التحرير الفلسطينية، البرلمان الفلسطيني، رفضاً نهائياً فكرة أن تكون الولايات المتحدة وسيطاً بأي شكل من الأشكال. وقرر “تعليق الاعتراف بإسرائيل”، وهذه بادرة من دون مضمون.

•لكن المجلس قرر أيضاً الطلب من القيادة وقف “التنسيق الأمني (مع إسرائيل) بكل صوَره”، وهذا أمر أخطر بكثير. أشك في أن أبو مازن يستطيع فعل ذلك. لقد توقف المجلس بصورة خاصة أمام الفتاة عهد التميمي، التي سميتها “جان دارك الفلسطينية”، والتي مُدد اعتقالها فترة غير محددة. وطالب المجلس بمقاطعة المستوطنات، وأعلن تأييده لحركة الـBDS. ونظراً إلى عدم توفر وسائل أُخرى دعا المجلس إلى العمل الدبلوماسي داخل المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية. ليس في هذه التحركات شيء جديد حقيقي. لكنها تعبّر عن إصرار على المقاومة.

•لا يوجد من يحل محل أبو مازن، وهو، مثل العديد من القادة، يكره فكرة الوريث. لقد أصبح في الـ82 من عمره، لكنه يصغرني ببضع سنوات. ويبدو أنه قرر، مثلي، أن يعيش إلى الأبد.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية