خدعة “الوسيط النزيه”

خدعة “الوسيط النزيه”
Spread the love

بقلم: رفيف دروكر – محلل سياسي إسرائيلي —

•في مؤتمر واي بلانتيشن في تشرين الأول/أكتوبر 1998، الذي جمع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، قدّم الأميركيون مسودة اتفاق، للإسرائيليين فقط. أولاً نستمع إلى الملاحظات الإسرائيلية، وندخلها على المسودة فقط، وبعد ذلك نقدمها للفلسطينيين. لم يكن الوفد الإسرائيلي راضياً وجرت طوال ليلة كاملة مفاوضات عاصفة. سمع الفلسطينيون صراخ الجانب الإسرائيلي، لكنهم لم يفهموا سبب هذه الضجة. “هذا لأننا صارمون معهم”، كذّب الأميركيون من أجل شراء الوقت.

•في مؤتمر كامب ديفيد في تموز/يوليو 2000 حضرت إدارة بيل كلينتون مرغمة، إذ اعتقد كبار المسؤولين في الإدارة أن الطرفين ليسا مستعدين، ورفض الفلسطينيون المجيء، لكن رئيس الحكومة إيهود براك فرض إرادته على الولايات المتحدة لإجبار عرفات على الخضوع. في بداية المؤتمر عرض الأميركيون مسودة اتفاق فقط على الإسرائيليين، وطبعاً كانت مسودة متساهلة، بعيدة جداً عما اقترحه براك نفسه لاحقاً (ورفضه عرفات). اشتملت المسودة على أفكار إسرائيلية نُقلت إلى الأميركيين في إطار التنسيق الخاص الذي جرى من وراء ظهر الفلسطينيين. وعلى الرغم من ذلك، فإن براك رفض بغضب المسودة وطلب استبعادها من طاولة المفاوضات. وقد خضع الأميركيون لذلك. فيما بعد، عندما قدم براك اقتراحه للسلام، طلب من كلينتون أن يعرضه على الفلسطينيين كأفكار أميركية، وليس إسرائيلية، وقد وافق كلينتون.

•هناك نماذج أُخرى عن الطريقة التي عمل فيها “الوسيط النزيه” الأميركي في المفاوضات بين إسرائيل وجيرانها، بدءاً من مؤتمر جنيف، بين كلينتون والأسد في آذار/مارس 2000 (أقنع براك كلينتون بالانتظار حتى الليلة الأخيرة قبل الاجتماع ليوافق على إعطائه موافقته على خط الانسحاب الأكثر مرونة بالنسبة إليه. وعندما حان الوقت، لم يفِ براك بوعوده)، وحتى في مبادرة جون كيري في 2014، جرت تنقية الورقة الأميركية جيداً مع الإسرائيليين قبل تقديمها إلى الفلسطينيين.

•كانت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ بداية 1992 تقول لنفسها إن التكتيك الحكيم هو أن ما يقبله رئيس الحكومة الإسرائيلية هو وحده يمكن أن يُترجم إلى اتفاق، وقد غطوا ذلك بمبدأ أساسي، هو مبدأ الـ “لا مفاجآت”. ومعناه أن تنسق الولايات المتحدة وإسرائيل فيما بينهما كل خطوة تتعلق بالأمن قبل تقديمها إلى طرف خارجي، وطبعاً لم يطبّق هذا المبدأ على إسرائيل، التي تبني المستوطنات من دون أي تنسيق.

•كتب دنيس روس في مذكراته كيف طلب منه نتنياهو مرات عديدة إرسال توضيحات إلى وسائل الإعلام وإلى شركائه في الائتلافات الحكومية، فسأله المسؤول الأميركي : لماذا لا تفعل أنت هذا بنفسك؟ أجابه نتنياهو: لأنهم لا يصدقونني.

•لقد استخدمت الإدارات الأميركية هنا ممثلين ذوي نوايا حسنة، أصحاب معرفة، ملتزمين بالهدف، ويهوداً، بينهم من عمل سابقاً قبل عمله في الإدارة الأميركية ومن بعده في منظمات يهودية. أين المشكلة؟ لا توجد مشكلة؛ فقط لنتذكر الضوضاء التي أُثيرت هنا بشأن الإسم الأوسط لباراك أوباما (حسين)، والكلام الذي قيل في الغرف المغلقة عن جذور جورج ميتشيل اللبنانية، عندما كان موفداً من طرف الرئيس الأميركي في عملية السلام.

•في نهاية الأسبوع أعلن مسؤول كبير في البيت الأبيض، أنهم لا يستطيعون تخيّل اتفاق لا يكون فيه حائط المبكى [حائط البراق] تحت سيطرة إسرائيل. في جولات سابقة للمفاوضات وافق الفلسطينيون على بقاء الحائط ضمن السيادة الإسرائيلية. ورفض عرفات السيادة الإسرائيلية على جبل الهيكل/الحرم الشريف، لكن لم يكن هناك جدال بشأن حائط المبكى. الآن سيكون.

•إن الأمر الوحيد الجيد لتحركات إدارة ترامب هو أن ادعاء الوسيط النزيه لم يعد ممكناً. وحتى محمود عباس، لا يستطيع على ما يبدو الاستمرار في استقبال الثنائي الغريب، جايسون غرينبلات وجاريد كوشنير، كوسيطين نزيهين بين الطرفين.

•في نهاية الأمر، أضر “الوسيط النزيه” حتى بالمصلحة الإسرائيلية القاضية بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، ومن الأفضل من دونه.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole