الغذاء أم الحرب

الغذاء أم الحرب
Spread the love

تأليف: جوليان كريب – مراجعة: اليكس رينتون – ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو |

يعتبر جوليان كريب رجلاً مثابراً. يختص هذا المؤلف العلمي الأسترالي المحنك بالكتابة عن المواضيع التي “تهدد البشرية”. وربما يعتبره البعض نوعاً من الانقراضيين. إذ نشر منذ عام 2010 كتباً عدة بعناوين مثيرة “المجاعة القادمة” و”الكوكب المسموم” و”كيف تحيا في القرن الواحد والعشرين” والآن هذا الكتاب.
وربما في المرة القادمة ينشر دليلاً عميلاً لتجهيز مستودع غذائي على نمط كريب. وأكاد أجزم أن مستودعه المجهز ليوم الحسم سيحتوي على أكثر من علب النسكافيه وبعض علب اللفائف الجاهزة.
لا شك أن كتابه الأخير استعادة لأفكار يوم النهاية وأفكار غيره من المختصين في هذا الحقل الذين أخبرونا عن ذلك: أي الأنظمة الغذائية غير المستدامة المنتشرة اليوم والمهمة المستحيلة لإطعام 10 مليار إنسان المتوقع سكناهم لكوكبنا بحلول عام 2050 والتي تحيق بالأزمة المتعددة الرؤوس التي تواجه البشرية اليوم.
وإذا لم يتسنَ لك سماع ذلك من ذي قبل سيكون كتاب كريب بداية مشرقة وقوية في آن معاً.
يقول: ما هي أكثر الأدوات تدميراً على سطح الكوكب؟ ويجيب: عظم الفك البشري.
ويبرر ذلك بالقول: “يلتهم البشر (الفك البشري) كل عام 8.5 تريليون وجبة طعام ويزيحون عبرها أكثر من 75 مليار طن من التربة السطحية ويشربون 7 مليار طن من المياه العذبة ويولدون 30% من انبعاثات غاز الدفيئة ويوزعون 5 مليون طن من المبيدات الحيوية المركزة”. ولكنني أتوقع أن من قاموا بتجنب أي معرفة بمثالب الاستهلاك البشري لن يشتروا كتباً من هذه النوعية.
يجب أن يتوقع كريب نفسه بعد كل ما حدث أن الكتابة عن تلك المعضلة قد تكون توهم لحلها.
يبقى هذا الكتاب على أية حال طريقة مقبولة لتأطير النقاش. لست على قناعة بأن السلام العالمي سيحل علينا إذا قمنا بحل مشكلة الموارد والاستهلاك التي يبحثها كريب ولكنه قد يكون محقاً بأن تهديد الحرب والمجاعة قد يكون الطريقة الأمثل لحث الحكومات والأفراد على التصرف بشكل أفضل في استخدام تلك الموارد.
فالإثنان مترابطان إلى حد كبير: لطالما كان الجوع أحد أسباب الحروب وسلاح خلالها ورعبها الأساسي بعد انتهائها منذ فجر التاريخ. كما أن الخوف من الجوع يشل العقول، ويقتبس كريب قول أحد علماء النفس الذي لاحظ الأطفال الألمان المصابين بالكساح يخفون حصصهم من الخبز المقنن بدلاً من تناوله خلال المجاعة في عشرينات القرن الماضي وقال إن الخوف من الجوع أسوأ من الجوع نفسه.
يجب أن نتذكر أن البشر الجوعى يقومون بأشياء لا تخطر على البال. وضعت السلطات السوفياتية ملصقات إعلانية خلال الهولدومور وهي المجاعة التي قتلت الملايين في أوكرانيا في ثلاثينات القرن المنصرم تقول: “إن تناول لحم أطفالكم عمل بربري”.
وهذا يذكرنا نحن البريطانيين الذين لم نمر بمجاعة أو صراع بنعمة الحياة التي نحياها اليوم. ولكن معظم أسلافنا الأباعد والأقارب ذاقوا مهانة الجوع عن كثب كما هو حال 800 مليون إنسان اليوم.
يختتم كريب كتابه ببعض الحلول وهو ما يتعين على كتاب من هذا القبيل أن يفعل. وبعضها يبدو ساذجاً والبعض الآخر مثيراً للاهتمام.
يقول مثلاً يمكننا توليد 340 مليار دولار سنوياً إذا قمنا بتخفيض الإنفاق العسكري العالمي السنوي بمقدار 20% واستخدام تلك الأموال في الزراعة الإيكولوجية وإعادة الحياة البرية وتعليم الأطفال تقنيات الزراعة الحضرية ويا لها من فكرة طيبة. كما يدعو كريب إلى تأسيس جيليد معكوس “حيث تتولى النسوة مسؤولية الأعمال والسياسة والحكم والدين والمجتمع فداءً للحضارة البشرية وبقائها”. نعم فكرة طيبة ولكن. ماذا نقول عن تيريسا فيليز وزيرة الزراعة والغذاء والبيئة البريطانية التي تمتلك سجلاً طويلاً في التصويت ضد المعايير المؤيدة للبيئة في مجلس العموم؟
ولكن إذا تراءى لنا أن حلول كريب كانت خيالية فإن ذلك يبقى انعكاساً للحالة المستحيلة التي أوقعنا فيها أنفسنا على هذا الكوكب المستنفذ. تستحضر قراءة مثل هذا الكتاب وأمثاله التفكير المرعب بأن الحرب والمجاعة قد تؤديان إلى القضاء على أعداد مهولة من البشر ويقع الأمل الوحيد في ذلك المنظور بالنسبة لواحد منا-إما الجنس البشري أو الكوكب-النجاة من عصر الأنثروبوسين(عصر الإنسان).
لذا أحيي كريب على هذا الجهد وآمل ممن يمتلك حلولاً أفضل أن يجهر بصوته.

المصدر: صحيفة الغارديان

Optimized by Optimole