سِلمٌ بارد بين اليابان والصين في الذكرى الـ50 لتطبيع العلاقات

سِلمٌ بارد بين اليابان والصين في الذكرى الـ50 لتطبيع العلاقات
Spread the love

شؤون آسيوية- تحيي اليابان والصين الذكرى الخمسين لتطبيع علاقاتهما الدبلوماسية، في 29 سبتمبر. وشهدت العقود الخمسة الماضية علاقة ديناميّة، بدفع من آرائهما واستراتيجياتهما المتبدّلة والمتباينة في أحيان كثيرة.

وتدخل الدولتان الآن عصر “سلم بارد”، إذ أن صدامهما البارد لن يكون شبيهاً بالمواجهة التي خاضتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. كما لن يشهد فترة نزاع مسلّح، كما حدث في أواخر ثلاثينات القرن العشرين حتى عام 1945، بل سيكون مرحلة تحاول فيه الصين واليابان التعايش بسلام أثناء تعاملهما مع توترات متصاعدة ومواجهة محتملة، كما أوردت مجلة “نيكاي آسيا” اليابانية.

العلاقات بين الجانبين توترت بسبب ملفَي جزر “سينكاكو” وتايوان، ولكن يبدو أنهما مستعدان لمواصلة الحوار من أجل تجنّب تدهور روابطهما.

في 18 مايو الماضي، عقد وزيرا خارجية البلدين اجتماعاً افتراضياً، تلته محادثات هاتفية في 7 يونيو بين مستشار الأمن القومي الياباني تاكيو أكيبا وأبرز الدبلوماسيين الصينيين يانج جيتشي. واستجابة لطلب قدّمته بكين، زار أكيبا الصين والتقى يانج، في تيانجين في 17 أغسطس.
محادثات الرجلين دامت 7 ساعات، حتى الـ11 مساءً. وبما أن أياً من الجانبين لم يكشف عن تفاصيل المحادثات، فقد تكهّن مراقبون بأنهما تبادلا اتهامات خلال اجتماع محتدم. لكن مصادر دبلوماسية نفت الأمر.

وفي حين أن البلدين لم يعلنا سوى مواقفهما الرسمية بشأن ملفات، مثل تايوان، و”سينكاكو” التي تديرها طوكيو وتطالب بها بكين وتسمّيها “دياويو”، تركّزت المناقشات على مستقبل علاقاتهما الثنائية، بحسب “نيكاي آسيا”.

“منافع متبادلة”
تعهد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بالسعي إلى إقامة علاقات “بنّاءة ومستقرة” بين اليابان والصين. وخلال اجتماعهما الماراثوني، سأل يانج أكيبا عمّا يعنيه كيشيدا بتصريحه.

وتبادل الدبلوماسيان الآراء بشأن ملفات أساسية، وسعيا إلى إعادة تقييم وضع العلاقات بين البلدين وإيجاد سبل لإبقائها مستقرة، في ظلّ توترات متزايدة في شرق آسيا.

ويشير ذلك إلى أن الدولتين تدركان أن علاقاتهما باتت الآن محفوفة بالأخطار، نتيجة تحوّلات دبلوماسية وجيوسياسية شهدها نصف القرن الماضي.
منذ عام 1972 حتى انهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991، انتهزت طوكيو وبكين كل فرصة لتأكيد علاقاتهما “الودية”. وخلال الحرب الباردة، واجه كلاهما تهديدات أمنية من موسكو. ومع إعطائهما الأولوية للتعاون من أجل مواجهة الاتحاد السوفيتي، ركّزت اليابان والصين على مصالحهما الاستراتيجية المشتركة، وحاولتا تجنّب الملفات التاريخية الحسّاسة.

بعد تفكّك الاتحاد السوفيتي، بدأت اليابان والصين بتأكيد “المنافع المتبادلة” في سردية سياستيهما الخارجية. وحققت بكين تنمية اقتصادية مذهلة، مستفيدة من الاستثمار والتكنولوجيا اليابانية، فيما استفادت طوكيو بشكل كبير من روابطها الاقتصادية مع الصين.

بكين تتحدى واشنطن
وبدأت ديناميّات القوة بين البلدين تتبدّل، في نحو عام 2010، بعدما تفوّقت الصين على اليابان لتصبح ثاني أضخم اقتصاد في العالم. ولم تعُد بكين تعتبر طوكيو مساوية لها، وبدأت بالتنافس مع واشنطن على قيادة العالم.

واعتبرت المجلة أن الرئيس الصيني شي جين بينج، يريد أن تضاهي بلاده الولايات المتحدة بوصفها قوة عظمى عالمية بكل الطرق، بحلول عام 2050. ولتحقيق ذلك، قاد شي جهوداً لتحدّي التفوّق البحري والتكنولوجي لواشنطن.

وإن لم يتخلَّ شي عن طموحاته، ستبقى الصين حبيسة تنافس مرير مع الولايات المتحدة، ممّا يفاقم التوتر مستقبلاً. وتعتمد اليابان دفاعياً بشكل كبير على الولايات المتحدة، وبالتالي لديها مصلحة قوية في تعزيز تحالفها مع واشنطن، ممّا سيؤجّج الاحتكاك بين طوكيو وبكين.

يكمن النهج الأكثر واقعية للمضيّ قدماً، بالنسبة إلى اليابان والصين، في ضمان عدم تصاعد أي نزاع إلى صراع شامل بينهما، وتعايشهما في نوع من “سلم بارد”.

وواضحٌ أن هذا النهج يفيد بكين. فعلى رغم أن الاقتصاد الصيني أكبر بثلاث مرات من الاقتصاد الياباني، إلا أن بكين تواجه مشكلات كثيرة في الداخل، قد تعرقل الأهداف السياسية لشي جين بينج. وأدت سياسة “صفر كوفيد” إلى كبح النموّ، فيما تواجه الصين آفاقاً قاتمة لمجتمع يعاني من شيخوخة سريعة، في ظلّ معدل خصوبة منخفض، بحسب “نيكاي آسيا”.

ترابط الأمن والاقتصاد
لا يمكن للصين أن تتحمّل تكاليف تقويض تعاونها الاقتصادي مع اليابان. كما أن تصعيداً حاداً في التوتر مع اليابان، قد يؤدي إلى تحالف أقوى بين طوكيو وواشنطن، ممّا يقلّص هامش المناورة الدبلوماسية بالنسبة إلى بكين.

لذلك لا تريد بكين تدمير علاقاتها بطوكيو. وفي 22 أغسطس الماضي، أرسل شي جين بينج ورئيس الوزراء الصيني لي كيكيانج، برقيتين تمنّيا فيهما لكيشيدا شفاءً عاجلاً، بعد إصابته بفيروس كورونا المستجد. ويعكس ذلك رغبة بكين في الحفاظ على علاقات مستقرة مع طوكيو.
في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وُصفت العلاقات اليابانية – الصينية غالباً بأنها “باردة سياسياً لكنها ساخنة اقتصادياً”. في ذلك الوقت، أدت زيارات متكررة لرئيس الوزراء الياباني السابق جونيتشيرو كويزومي إلى ضريح “ياسوكوني”، الذي يكرّم ضحايا الحرب اليابانيين، بينهم “مجرمو حرب” مدانون بعد الحرب العالمية الثانية، إلى تدهور العلاقات السياسية بين طوكيو وبكين، وإن بقيت علاقاتهما الاقتصادية دافئة.

يتوق ساسة ورجال أعمال يابانيون إلى عودة العلاقات إلى حالتها السابقة، لكن ذلك مستبعد، إذ أن الأمن والاقتصاد مرتبطان بشكل وثيق الآن: فاليابان تريد تقليص عمليات نقل التكنولوجيا إلى الصين وأن تصبح أقلّ اعتماداً على سلاسل التوريد الصينية، فيما تجهد بكين لإبقاء البيانات والمعادن النادرة وأصول اقتصادية أخرى في داخل البلاد.

3 ضرورات دبلوماسية
واستندت “نيكاي آسيا” إلى هذه العوامل، معتبرة أن الطريقة الأكثر براجماتية التي تمكّن الحكومتين من إدارة علاقاتهما، تتمثل في بناء أساس لـ”سلم بارد” وتوسيع تعاونهما تدريجاً.

وأشارت إلى 3 ضرورات دبلوماسية أساسية لازمة في هذا الصدد، هي إنشاء قنوات متعددة المستويات للحوار بين الزعماء السياسيين والقادة العسكريين وصنّاع قرار آخرين، كوسيلة لمنع صدامات عرضية.

كذلك على الجانبين تعزيز تعاونهما الاقتصادي في مجالات يُمكن أن تفيد كليهما، مثل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وحماية البيئة.

ويجب أيضاً إحياء توازن عسكري مستقرّ بين التحالف الياباني – الأميركي والصين، والحفاظ عليه. واعتبرت المجلة أن أيّ انحراف حاد في هذا التوازن، بأيّ من الاتجاهين، سيعزز فرص حصول نزاع مسلح.

ونقلت عن مسؤول بارز سابق في وزارة الدفاع الأميركية، إن لدى الصين الآن تفوّقاً واضحاً على الجيش الياباني والقوات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ويعني ذلك أن على طوكيو وواشنطن زيادة إنفاقهما الدفاعي من أجل استعادة التكافؤ العسكري مع بكين، لضمان السلام الإقليمي.
المصدر: وكالات

Optimized by Optimole