“قضية الإيغور”.. الدعاية الكاذبة للولايات المتحدة ضد الصين

الباحث السياسي طارق عبود
Spread the love

 

شجون عربية _ بقلم: د. طارق عبود، باحث وأستاذ جامعي لبناني.

إقليم شينجيانغ: لمحة عامة

يقع إقليم “شينجيانغ” في أقصى شمال غرب الصين، وعاصمة شينجيانغ هي مدينة “أورومُتشي”، وتبلغ مساحة شينجيانغ 1/6 مساحة الصين أي حوالي (1,664,900) مليونًا وستمئة ألف واربعةً وستين ألفًا وتسعمئة كيلو متر مربع. ويُعدّ هذا الإقليم من أكثر المناطق الحيويّة لدى الصين حيث إنّ له حُدودًا مع دُول مُختلفة: فيحُده من الغرب كُلّ من: طاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأفغانستان وباكستان، ومن الشمال روسيا، ومن الشمال الشرقي منطقة مُنغوليا الصينية، ومن الجنوب منطقة التِبتْ الصِينية، ومن الجنوب الغربي دولة الهند؛ ويمُر بالإقليم “طريق الحرير القديم” والذي يحسبُ أحد الأسباب التي أدّت إلي انتشار الإسلام في المنطقة.
وتسعى الحكومة الصينية إلى الإسراع في إنجاز مشروع إحياء طريق الحرير القديم وذلك تحت مُسمّى جديد وهو “مبادرة الحِزام والطريق”، وتَرى السُلطات الصِينية أن هذا المشروع سيُنشط الإقليم تجاريًا.

  إقليم شينجيانغ منطقة غنيّة بالموارد الطبيعية كالبترول -حيث يُحسب ثاني أكبر إقليم مُنتِج للنفط في الصين- وهو غنيّ أيضًا بالغاز الطبيعي والفحم والرصاص والنحاس والزنك وخامات اليورانيوم، وتعتمد الصين على هذا الإقليم بشكل مُباشر في مدّها بمصادر الطاقة، ومن بين الصناعات المُنتشرة في الإقليم تكرير النفط وصناعة السكر والصلب والكيماويات والإسمنت والمنسوجات.

 ومن بين الأسباب التي تزيد من أهمية الإقليم إستراتيجِيًا إنشاء أول خط سكة حديد يربُط بين العاصمة “بكين” وبين عاصمة الإقليم “أورومُتشي” في العام 1968.

الخريطة الديمغرافية في الإقليم

   يسكُن إقليم “شينجيانغ” أبناء قومية “الأويغور” ويُمثلون ما يقرُب من 70% من سُكانه، بالإضافة إلي قوميات أخرى مثل: الهان والقازاق والهِوي والقيرغيز وغيرهم من القوميات والأقليات. ووفقًا للإحصائيات الصينية فإن عدد مُسلمي هذا الإقليم يبلغ أحد عشر مليون نسمة – وذلك حسب ما أفاد به تقرير مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة بجمهورية الصين الشعبية.

 الولايات المتحدة تقود الدعاية السلبية على الصين

منذ أن أعلنت الولايات المتحدة قبل سنوات عديدة عزمها على التوجه نحو آسيا، بدأت الحملة الإعلامية الأميركية خصوصًا، والغربية عمومًا، عملها الدؤوب ضد الجمهورية الشيوعية. هكذا، بدأت تبرز أكثر فأكثر العديد من الأخبار المتعلقة بالشؤون الصينية كالصراعات في بحر الصين الجنوبي، والخلاف مع تايوان، والتظاهرات في هونغ كونغ (نالت حصة وافرة من التغطية الإعلامية المستفيضة، ففتحت أمامها ساعات البث المباشر أيامًا متواصلة). هذا التركيز جعل الصين مادة يومية على القنوات التلفزيونية، وفي الصحف والمواقع الإلكترونية الأميركية والغربية لانتقاد سياسات الصين الداخلية والخارجية، ولتوجيه اهتمام الرأي العام المحلي والعالمي نحو قضايا بعينها، تمامًا كما تقترح نظرية ترتيب الأولويات. إذ يختار القائمون على وسائل الإعلام بعض الموضوعات التي يتم التركيز عليها بشدة والتحكم في طبيعتها ومحتواها.

إذن تتعرض الصين إلى حملة إعلامية شرسة تصل إلى حد مقاطعتها والدعوة إلى كراهيتها، تحت مزاعم كاذبة بأنها تقمع المسلمين الإيغور في اقليم شينجيانغ وتضطهدهم. ليس غريبًا ومستغربًا أن تلجأ الدول الغربية إلى هذا الأسلوب لثني الصين عن تقدمها وتطورها. فهي ليست المرة الأولى التي تستغل فيها هذه الدول قضية مسلمي الإيغور للضغط على الصين لتغيير مواقفها إزاء قضية معينة.

ومن ناحية أخرى تحاول الولايات المتحدة الأميركية إلهاء الصين بمشاكل داخلية كمحاولتها زعزعة الاستقرار في هونغ كونغ.

الاستثمار في الإرهاب

لقد شكّل الاستثمار في الحركات المتطرفة الإسلامية من قبل الولايات المتحدة الأميركية مساحة مهمة في المعركة التي تخوضها واشنطن ضد خصومها السياسيين أو في مقابل أعدائها، كان ذلك جليًا منذ العام 1979 عندما وظّفت واشنطن الحركات الأصولية الإسلامية ودعمتها وموّلتها لمحاربة الاتحاد السوفياتي عند احتلاله أفغانستان أواخر سبيعينات القرن العشرين. وسلكت واشنطن وحلفاؤها المسار نفسه في مرحلة ما سُمّي بـ”الربيع العربي”، عندما دعمت هذه الحركات من أجل إسقاط الأنظمة العربية التي لم تعمل تحت جناحها، فعملت على تجميع الأفراد من عدد كبير من الدول الأوروبية والآسيوية وحتى الإفريقية، ووظفتهم لخدمة مشروعها في سوريا وليبيا والصومال واليمن، وفي العراق وبخاصة بعد الغزو الأميركي – الغربي له وتدمير بنية الدولة فيه في العام 2003، وزرع نبتة الفتنة السنّية الشيعية فيه، ومنها توسّعت نحو المنطقة بأكملها.

السلوك نفسه تتبعه اليوم واشنطن لمعاقبة الصين والحد من تقدّمها وازدهارها الذي يهدّد التفوق الأميركي، عبر استخدام ورقة المسلمين الإيغور في إقليم شينجيانغ، وادعائها مناصرة حقوقهم، والدفاع عنهم، وهي تقود منذ أكثر من عامين حملة شعواء تشهّر بجمهورية الصين الشعبية، وتتهمها بالتمييز العنصري، ومحاربة الأقليات، ويتماشى معها الإعلام الغربي في أوروبا وبريطانيا. وهي المجموعة نفسها التي دمّرت الدول الإسلامية وعملت على خرابها، في العراق وسوريا وليبيا والصومال ولبنان واليمن، وحاصرت إيران، وهي اليوم تدّعي أنها تناصر المسلمين في الصين، على خلفية خطاب فئوي طائفي تحريضي وعنصري، متناسية أن المسلمين في الصين لديهم الحرية الكاملة في ممارسة طقوسهم الدينية، وفي بناء المساجد ودور العبادة. ولكنّ الصين تعمل على حماية نفسها من الحركات الإرهابية التي غذّتها واشنطن نفسها في سوريا وغيرها.

المنظمات الإرهابية، القاعدة وداعش وأخواتهما

ومن المنظمات التي سطع نجمها في السنوات العشر الأخيرة، ما سُمّي بحركة شرق تركستان الإسلامية التي ينضوي فيها إيغوريون وتدعو إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في شينجيانغ أو “تركستان الشرقية كما يسميها هؤلاء. بايعت هذه الحركة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، وتم تصنيفها من قبل الأمم المتحدة في العام 2002 على أنها منظمة إرهابية. وقامت هذه المنظمة بأعمال إرهابية في العديد من المناطق الصينية بلغت منذ العام 1990 حتى 2014 أكثر من 200 عملية إرهابية، وأدت إلى مقتل وجرح العديد من السكان الصينيين.

انضمت الحركة التركسانية إلى تنظيم داعش في سوريا وبدأت بتهديد الصين. ففي أواخر العام 2012 ، بدأت طلائع من الجهاديين الإيغور تصل إلى سوريا، وتنضم إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة. وبعد ذلك أسس الإيغور في سوريا العام 2014 الحزب الاسلامي التركستاني، وبقي قسم من الإيغور في تنظم داعش ووجهوا في العام 2017 عبر شريط فيديو بعنوان “أولئك هم الصادقون” تهديدًا إلى الصين “بسفك الدماء كالأنهار”. فكان السؤال الواضح هو: هل تقف الصين مكتوفة الأيدي، بعد التهديد الواضح من قبل هذه الجماعة الإرهابية، بانتظار أن يعود الإيغور من سوريا إلى الصين لتنفيذ هجمات إرهابية ونشر التطرف في اقليم شينجيانغ؟

تقول الباحثة المصرية الدكتورة ناديا حلمي، وهي أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بكلية السياسة والإقتصاد/ جامعة بنى سويف- وهي خبيرة في الشؤون السياسية الصينية- وهي محاضرة وباحثة وزائرة بمركز دراسات الشرق الأوسط: إنّ تنظيم داعش الإرهابي كان قد أصدر  فى سوريا في نهاية شهر (فبراير2017)، مقطع فيديو حقيقيًا – يمكن الإطلاع عليه بكل سهولة عبر اليوتيوب – مدته (28 دقيقة) بعنوان “أولئك هم الصادقون”، حيث هدّد فيه أحد مسلمي الإيغور الصينَ بتنفيذ عمليات إرهابية غير مسبوقة، حيث قال: “أيها الصينيون الذين لا يفهمون لسان الناس، نحن جنود الخلافة، وسنأتي إليكم لنوضح لكم بلسان السلاح، ونسفك الدماء كالأنهار ثأرًا للمسلمين”.

وما أدهش الباحثة المصرية هو أنه قد ظهر بالإصدار في الفيديو الموثق عددٌ من أطفال الإيغور المسلمين الصينيين أثناء تدريبهم في صفوف “داعش” فى سوريا، فيما أبدتْ السلطات الصينية إثر ذلك قلقها الشديد، مشيرة إلى أنّ ما يقرب من خمسة آلاف من مسلمي الإيغور في مقاطعة “شينجيانغ” قد إنضموا إلى التنظيم الإرهابي، فى حين ذكرت مصادر سورية أنّ عدد المقاتلين الإيغور هناك وصل إلى ما نحو عشرة آلاف مقاتل فى الوقت الحالي، مع وجود تهديدات حقيقية لمصالح الصين والخوف من عودتهم لزعزعة إستقرار البلاد، أو استهداف مصالح الصين فى الخارج، وفق تهديدات حقيقية وصلت (فعليًا) لحكومة بكين من طرفهم موثقة عبر فيديوهات وصور.

ومن هنا، جاء الرد الصيني الرسمي بإقامة مراكز “لإعادة تأهيل بعض سكان شينجيانغ مع إنشاء برامج متكاملة لهم، الأمر الذي نجحت فيه حكومة بكين بشدّة، حيث أننا لم نعد نسمع خلال السنوات الثلاث الأخيرة عن وقوع أي عملية إرهابية فى إقليم شينجيانغ الصيني مع اعتراف واشنطن والغرب رسميًا بنجاح الصين في القضاء على الإرهاب داخل الإقليم. ولكن توالت الإتهامات الغربية والأميركية للصين من خلال مزاعم واشنطن والغرب بتوصيف تلك المراكز بأنها “معسكرات اعتقال” بينما تسميها الصين بأنها “مراكز للتدريب والتأهيل وإعادة دمج مواطني إقليم شينجيانغ وسكانه” في حضن الوطن الأم.

ويتنامى القلق الصيني من تزايد إحتمالات وقوع أعمال إرهابية في شينجيانغ أو غيرها على يد الإيغور المتطرفين، حتى إنّ السلطات المحلية في الإقليم رصدت أخيرًا مكافآت تصل إلى مائة مليون يوان صيني (14.5 مليون دولار) لمن يقدم أي معلومات عن الأنشطة الإرهابية المحتملة، وتتدرج المكافآت بحسب نوع المعلومات المقدمة، لتصل إلى خمسة  ملايين يوان صيني (725 ألف دولار) لمن يبلغ عن عمل إرهابي مقبل.

المصالح الصينية أهداف للإرهاب

أصبحت الصين بالفعل هدفاً في بلدان مثل باكستان، حيث هوجِمَت قنصليتها وكان مواطنون صينيون، من بينهم مسؤولون حكوميون ورجال أعمال بارزون، عرضة للهجمات والاختطاف من أجل الحصول على فدية. (فقد أعلنت جماعة انفصالية باكستانية تُعرف بإسم (جيش تحرير بلوشستان) عن مسؤوليتها عن الكثير من تلك الهجمات). كذلك كان المواطنون الصينيون ضحايا لأحداث إرهابية أخرى في أفريقيا أيضًا، حيث هاجمت جماعات مرتبطة بتنظيمَي “الدولة الإسلاميّة” (داعش) و”القاعدة” أهدافاً سهلة وضعيفة من بينها فنادق. وهي كلها حوادث إرهابية تعرضت لها الصين – مصالحها ومواطنوها – في أنحاء متفرقة عبر العالم، مع عدم تغطية وتسليط وسائل العربية والإسلامية لها نتيجة لأسباب عديدة بينها قصور المعلومات المتداولة عن الصين، وما تتكبده وتعانيه – داخليًا وخارجيًا – في مجال مكافحة الإرهاب، أو تعمد تجاهل هذه الأخبار لارتباط هذه الدول ووسائل إعلامها بالمشروع الأميركي.

العلاقات العربية الصينية

حققت العلاقات الصينية العربية تطورًا ملحوظًا وكبيراً خلال السنوات الأخيرة، وهذا ما أثار استياء بعض الدول التي تحاول زعزعة هذه العلاقات عبر قضية مسلمي الإيغور. والسؤال الذي يطرح هنا هل للصين مصلحة في اضطهاد مسلمي الإيغور، وتأليب الرأي العام الاسلامي عليها في ظل تطور علاقاتها بالدول الاسلامية والعربية؟

يقول السفير الصيني في الأردن بان ويفانغ: إنّ منطقة شينجيانغ الأويغورية الذاتية الحكم تُعدّ واحدة من المناطق الخمس الذاتية الحكم للأقليات القومية في الصين، إذ يعيش فيها بوئام خمسة وعشرون مليون نسمة من مختلف القوميات، ويعتنق معظم أبناء عشر قوميات في شينجيانغ مثل “ويغور” و”هوي”، الدين الإسلامي، كما يزداد عدد المسلمين باطراد حتى بات يقارب ستين في المئة 60% من إجمالي سكان شينجيانغ.

ولكن هناك خطورة لأجندات خارجيّة خبيثة تعمل على إشاعة البلبلة، وخلق الفتنة في الصين للتأثير على سمعتها عربيًا وعالميًا؛ خصوصًا بعد النمو الاقتصادي، والحضور الكبير للصين في المنطقة. وأوضح السفير بأنّ الصين تطبق نظام الحكم الذاتي الإقليمي في المناطق ذات الكثافة السكانية للأقليات القومية، وتلتزم بالمساواة بين كلّ القوميات وتنميتها المشتركة، وتضمن ممارسة سلطة الحكم الذاتي في المناطق الذاتية الحكم للأقليات القومية وفقًا للقانون، وتكفل الحقوق المشروعة للأقليات القومية.

وتابع السفير الصيني قائلاً إنّ أبناء شعب شينجيانغ يتضامنون بقومياتهم جميعًا، مدللاً بما قاله الرئيس شي جين بينغ، من أنهم تمامًا “كبذور الرمان، وكأفراد في عائلة واحدة”، إذ يكون جميع رؤساء مجلس النواب والحكومة والمؤتمر الاستشاري السياسي المتعاقبين في المنطقة من أبناء الأقليات القومية. وأكّد أنّ شينجيانغ تنفذ سياسة حرية الاعتقاد الديني على نحو شامل، وتضمن كامل هذه الحرية لأبناء الشعب من كافة القوميات وفقًا للقانون، وتكفل تمتّع المواطنين المتدينين بنفس الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين غير المتدينين.

ولفت السفير الصيني إلى أنّ شينجيانغ يوجد فيها أكثر من أربعة وعشرين ألف مسجد، بمعنى أنّ هناك مسجداً لكل 530 مسلمًا، كما يوجد فيها معهد العلوم الإسلامية وغيره من عشرة معاهد دينية وأكثر من مائة جمعية دينية. وقال إنّه ومنذ تأسيس الصين الجديدة قبل سبعة عقود، ضخّت الحكومة المركزية الصينية استثمارات بنحو تريليونين ونصف ترليون يوان في شينجيانغ من أجل تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، فحققت قفزة تاريخية في التنمية الاقتصادية، إذ ارتفع حجم اقتصادها من 791 مليون يوان صيني في العام 1952 إلى تريليون ومئتي مليار يوان صيني في العام 2018، بزيادة مئتي ضعف. كما تضاعف نصيب الفرد من الدخل في شينجيانغ إلى أكثر من مئة مرة في الفترة من العام 1978 إلى العام 2018. ومع التطور السريع والمستمر للاقتصاد، شهد أبناء الشعب من كافة القوميات تحسنًا تاريخيًا لمستوى المعيشة، “فقد ولّت الأيام التي كان فيها الغذاء والكساء والكهرباء والمياه والمواصلات غير كافٍ”. 

عن حجم التنمية والتقدم في إقليم شينجيانغ

تعمل الحكومة الصينية بكل جهدها على محاربة الإرهاب والتطرف وحماية الشباب من خلال إقامة مشاريع كبيرة، وخاصة في القرى الفقيرة في الإقليم، حيث إشتركت الحكومات المحلية في تسع عشرة مقاطعة وبلدية صينية من بينها بكين، وشنغهاي، وقوانغدونغ، وتشينغ يانغ، ولياونينغ في التعهد “بتنسيق المساعدات” لدعم المشروعات الخاصة بتعزيز تنمية الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والتعليم والخدمات الصحية في المنطقة.

وعلى سبيل المثال، ففي قرية “بيغ أواتي”، عملت حكومة بكين على إقامة مشروع بكلفة ملايين اليوانات الصينية لتوفير أكثر من أربعمئة ألف فرصة عمل، إضافة إلى مشاريع أخرى.

ووفقًا لما ذكره موقع إدارة إقليم شينجيانغ، فقد تم تخصيص إستثمارات ضخمة في الإقليم تتراوح قيمتها بين مئة وعشرين مليارًا ومئةٍ وأربعين مليار يوان في بناء طرق عامة بطول 68 ألف كيلومتر، تم الإنتهاء منها فعليًا في فترة الخطة الخمسية الثانية عشرة (2011-2015). كما عملت حكومة إدارة إقليم شينجيانغ على بناء ستة مطارات أخرى في الإقليم خلال فترة الخطة الخمسية الثانية عشرة فى الفترة من (2011-2015) ليصل مجموع المطارات هناك إلى 22 مطارًا.

وقال الموقع إنّ الإنجازات التنموية التي حققتها شينجيانغ اليوم ترجع إلى الإجراءات المتخذة في السنوات الأخيرة لمكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار، فقد كانت شينجيانغ تعاني كثيرًا من ويلات الإرهاب والتطرف الديني والانفصال، منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ خلقت القوى الإرهابية والقوات الانفصالية العرقية والقوى الدينية المتطرفة الآلاف من الحوادث العنيفة والإرهابية في شينجيانغ وغيرها من الأماكن، ممّا تسبّب في خسائر في الأرواح وممتلكات عدد كبير من الأبرياء. فعلى وجه الخصوص، أسفر حادث “5 يوليو” الذي هز العالم في العام 2009 عن مقتل 197 شخصًا وجرح أكثر من 1700 شخص. وهو ما يظهر أنّ قضية شينجيانغ ليست قضية دين أو حقوق إنسان أو قومية، بل هي قضية مكافحة الإرهاب والتطرف والانفصال.

وفي سبيل مواجهة هذا الوضع الغاشم، اتخذت حكومة منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم حملة صارمة على الأنشطة الإرهابية العنيفة وفقًا للقانون، وأولت اهتمامًا كبيراً للسيطرة على منابع الإرهاب، وعملت بنشاط للقضاء على التطرف من خلال إنشاء مراكز لتعليم وتدريب المهارات المهنية، وعملت باستمرار على تعزيز التنمية الاقتصادية والوحدة الوطنية والوئام الاجتماعي والاستقرار. وقد كفلت هذه التدابير عدم وقوع هجمات إرهابية في شينجيانغ في السنوات الثلاث الماضية، وحصلت على دعم شامل من 25 مليون شخص من جميع المجموعات العرقية في شينجيانغ، وقدمت إسهامات إيجابية في القضية العالمية لمكافحة الإرهاب.

الانحياز الإعلامي

لقد تقصّدت الكثير من وسائل الإعلام الغربية نظرة متحاملة، وغضّ النظر عن الحقائق الأساسية وافتعلت أكاذيب مختلفة لتشويه الإجراءات التي تتخذها شينجيانغ في مكافحة الإرهاب ونزع التطرف، حتى تزرع بذور الشقاق في علاقات الصداقة بين الصين والدول الإسلامية بنية خبيثة. فتلك المعلومات والادعاءات التي صدرت مؤخرًا في عدد من وسائل التواصل الاجتماعي ضد الصين على وسائط التواصل الاجتماعي، الفيسبوك واليوتيوب والتويتر، هي مجانبة للواقع وخالية من المصداقية.

في هذا السياق، أكّد السفير الصيني في عمان أن “المجتمع الدولي قوّم بشكل إيجابي سياسة الحكومة الصينية في حكم شينجيانغ. فمنذ نهاية العام 2018 قام أكثر من ألف شخص وأكثر من سبعين مسؤولًا وطنيًا وإقليميًا، ومنظمات دولية، ووسائل إخبارية، وجماعات دينية، وخبراء وعلماء، بزيارة شينجيانغ، وأشادوا بتجربة الإقليم في مكافحة الإرهاب والجهود المبذولة في القضاء على التطرف. وأصدر مجلس وزراء خارجية لمنظمة التعاون الإسلامي قرارًا يشيد بجهود الحكومة الصينية في رعاية السكان المسلمين. وفي يوليو، أرسلت أكثر من خمسين دولةً خطابًا مشتركًا إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمفوض السامي لحقوق الإنسان من أجل الإشادة والتقييم الإيجابي لاحترام الصين لحقوق الإنسان وحمايتها في الحرب على الإرهاب والقضاء عل التطرف. وفي أكتوبر، تحدثت أكثر من ستين دولة بحماس خلال اللجنة الثالثة للدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أجرت تقويمًا إيجابيًا لتدابير الصين لمكافحة الإرهاب والقضاء على التطرف في شينجيانغ، بما فيهم معظم الدول العربية والإسلامية.

وكل هذا يثبت بقوة أن مزاعم الولايات المتحدة والغرب اللذين كالا الاتهامات للصين باستخدام القضايا المتعلقة بشينجيانغ، تتعارض تمامًا مع الحقائق، وكذلك مع الرأي العام السائد في المجتمع الدولي. فخلال السنة الماضية، ظل بعض الأشخاص من الساسة الأميركيين يتصرفون باحتيال في قضية شينجيانغ بنية خفية، وقد أدلوا بتصريحات لا أساس لها من الصحة، الأمر الذي كشف السياسة المنحازة والمتغطرسة التي يتمسك بها بعض الأشخاص الأميركيين ومؤامرتهم السياسية لكبح نمو الصين بحجة “حقوق الإنسان”. وسبب ذلك هو أنهم وضعوا الصين كمنافس صلب يناشد دائما المنفعة العامة والكسب المشترك لجميع دول العالم ويصر دائمًا على دعم حقوق البلدان النامية، الأمر الذي يشكل تهديدًا للقوة المهيمنة على العالم.

عن معسكرات التأهيل في إقليم شينجيانغ

دأبت الولايات المتحدة على توجيه اتهامات إلى حكومة بكين بأنها تحتجز ما يصل إلى مليون من المسلمين الأويغور في معسكرات في إقليم شينجيانغ، لكن السلطات الصينية تنفي هذا العدد وتؤكد أن هذه المعسكرات ليست سوى مراكز للتأهيل المهني لمكافحة التطرف. والشيء العجيب هو أن مشروع قانون مجلس الشيوخ الأميركي سيستحدث مناصب داخل وزارة الخارجية الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات الاستخبارات الأميركية لدراسة القضايا المتعلقة ببرنامج الاعتقال المستمر، ما يزيد الضغط الذي تمارسه واشنطن على الصين بسبب الاتهامات الأميركية باحتجاز الصين ما يصل إلى مليون شخص، معظمهم من أقلية الإيغور العرقية المسلمة، فى معسكرات تثقيف سياسي غير قانونية.

وتصف بكين هذه المجمعات بأنها “مراكز تدريب تعليمية” للمساعدة في القضاء على التطرف وإكساب الناس مهارات جديدة. ومن هنا، فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي  السابق مايك بومبيو يوم 6 سبتمبر 2019، أن واشنطن ستعبىء المجتمع الدولي دفاعًا عن “المسلمين الأيغور” وذلك خلال إنعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، معتبرًا أن كيفية تعامل “بكين” مع هؤلاء تشكل “وصمة” فى سجل حقوق الإنسان في العالم.
وفي هذا السياق، كتب الصحافي الأسترالي المستقل جون ستون على موقع “روسيا اليوم”: “يجب على العالم بأسره أن يضحك على الولايات المتحدة لتظاهرها بالاهتمام بالأويغور. لقد سمعنا الولايات المتحدة تتحدث عما يسمى بـ”محنة الأويغور الصينية” مرة أخرى. لكن يجب أن نسأل أي دولة إسلامية تعرضت إلى القصف من قبل الولايات المتحدة. سياسة الحكومة الأميركية الثابتة هي تسليح قضية حقوق الإنسان بطريقة غير شريفة. إنها لا تهتم بالأويغور الصينيين، ولا تهتم أن تكون اتهاماتها مليئة بالثغرات الواضحة في الحبكة، إنها تهتم بإضعاف الخصوم الإستراتيجيين الرئيسيين على المسرح العالمي فقط”. 

ضغوط سياسية

في 12 سبتمبر 2019، أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي قانون سياسة حقوق الإيغور الذي يدعو إلى فرض عقوبات على المسؤولين الصينيين بشأن معسكرات شينجيانغ، إضافة إلى طرح مشروع قانون يحثّ إدارة الرئيس دونالد ترامب على حظر تصدير السلع والخدمات لوكلاء الدولة الصينيّة في مناطق الإيغور، فيما وصفته بكين بـ«تدخّل متمادٍ في الشؤون الداخلية للصين». ولعلّ أقلّ ما يقال في ما يسمى بقانون الحقوق هذا، إنّه ممارسة مخجلة في النفاق والترهيب.

والجدير بالذكر أنّ غالبية الأيغور هم من المسلمين، موطنهم إقليم شينجيانغ شمال غرب الصين، ولديهم ثقافتهم المتميّزة والعريقة، ومعظمهم – بالطبع – بشر لطيفون ومحترمون جدًا. “مسألة الإيغور”، ببساطة، هي أنّ أورومتشي عاصمة شينجيانغ، تقع على الفرع الرئيسي لمبادرة الحزام وطريق الحرير الجديد – وهو مشروع بنية تحتية عملاق لتواصل اقتصادي وثقافي دولي متفائل للغاية يمكّن من ربط مليارات الناس من جميع القارّات على نحو سيكون من شأنه أن يُخرج مئات ملايين البشر من الفقر والتخلّف.
تشعر واشنطن بقلق شديد من أن تأخذ الصين زمام المبادرة في بناء مستقبل أكثر إشرقًا للبشرية، لأنّ نجاح مشروع طريق الحرير قد يكون بداية النهاية للإمبريالية الغربية والاستعمار الجديد، الأمر الذي سيؤدي إلى تحسين شروط الحرية والاستقلال الحقيقيين لدول عديدة، تنوء تحت جبروت الإمبراطوريّة الأميركية.
لذلك، كان لا بدّ للإمبراطورية من أن تتحرّك للحفاظ على الوضع الراهن، وتمديد هيمنتها على العالم بتبنّي سياسات استعداء وتهديد واستفزاز للصين، وتشويه سمعتها بكل الوسائل، وإثارة المصاعب السياسية والأمنيّة لها في أماكن عديدة في وقت واحد: هونغ كونغ، تايوان، بحر الصين الجنوبي، وبالطبع “مسألة الإيغور” أيضًا، حيث تعمل الولايات المتحدة باجتهاد على تحويل جزء من الأقلية القومية الصينية المعترف بها دستوريًا – الأيغور – إلى “مجموعة أشقياء”، أو بعبارة أدق، إلى إرهابيين إسلاميين متطرّفين.

الاتحاد الأوروبي يماطل في زيارة إقليم شينجيانغ

في اجواء الضغوط على الصين، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن الصين ترحب بزيارة الأجانب من جميع مناحي الحياة لشينجيانغ وإلقاء نظرة عليها.

وفي السنوات القليلة الماضية، زار أكثر من 1200 من الدبلوماسيين والصحافيين والرموز الدينية من أكثر من 100مئة دولة إقليم شينجيانغ، ومن خلال هذه الزيارات الميدانية، تعرفوا إلى الوضع الحقيقي هناك، وأقروا بأنّ ما شاهدوه مختلف تمامًا عن تقارير وسائل الإعلام الغربية.

وقالت الصين على لسان أحد المسؤولين إنها ترحب بزيارة الدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء  لـشينجيانغ، وهي أرسلت العديد من الدعوات لهم، وأن الصين بذلت أقصى ما في وسعها للقيام بترتيبات مدروسة للوفد بما يتوافق مع رغباتهم، وهو ما أظهر أكبر قدر من الإخلاص والمرونة من جانبها.

ومع ذلك، كان من المؤسف تأجيل الجانب الأوروبي لهذه الزيارات وتقديمه بعض الطلبات غير المعقولة، ومن بينها الاجتماع مع المجرمين الذين حكم عليهم لاشتراكهم في أنشطة انفصالية، بحسب المسؤول الصيني. 

علاقة الصين بدول الشرق الأوسط

 وأخيراً، لقد سعت الصين دائماً للحفاظ على علاقات مستقرة مع دول الشرق الأوسط من دون التطرق إلى الجانب الديني أو الأيديولوجيا السياسية، وتتجنب أيضاً إتخاذ موقف حازم تجاه الإتجاهات السياسية في هذه المنطقة متعددة الإنتماءات، وركَّزت بدلاً من ذلك على ما يمكن الوصول إليه من تعاون إقتصادي، خاصة في إطار مبادرة “الحزام والطريق”. لذا فإن هذه الدول الإسلامية في الشرق الأوسط ترحب بالتجارة والاستثمار مع الصين، التي لا تفرض أية أيديولوجية كما يفعل الشركاء الآخرون، وخاصة الولايات المتحدة.

خاتمة

لقد تبيّن لنا من خلال هذا البحث أنّ المسلمين في إقليم شينجيانغ يعيشون بأمان في بلدهم الصين، وهم يمارسون طقوسهم الدينية بحرية كاملة من دون تضييق من الدولة الصينية، وليس هناك ضغوطات تتعلق بممارسة  أسلوب القهر العقائدي بهدف تغيير المعتقدات الدينية. ولكنّ الدولة الصينية، مثلها كمثل دول عديدة، تحاول حماية أمنها، وحماية مواطنيها من الإرهاب الذي تحاول الولايات المتحدة والدول الغربية تصديره للصين، وتغذية عناصر الفتنة والشقاق بين مكونات المجتمع الصيني المتنوّع. كل ذلك لأغراض واضحة ومحددة، ولممارسة الضغوط السياسية، لتحصيل مكتسبات اقتصادية، ومن أجل إعاقة التقدّم المضّطرد والواضح لجمهورية الصين الشعبية على مستوى الاقتصاد العالمي، وبهدف تسميم الأجواء بين الصين والدول العربية والإسلامية، بحجة الدفاع عن حقوق المسلمين التي منع الرئيس السابق دونالد ترامب دخولهم إلى الولايات المتحدة، والتي قتلت إدارة المحافظين الجدد في العام 2003 أكثر من مليون عراقي، وذلك بذرائع واهية عن وجود لأسلحة الدمار الشامل، وبعد حصار دام 11 سنة للعراق، إضافة إلى مقتل عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان بحجة محاربة تنظيم القاعدة وحركة طالبان.

 

Optimized by Optimole