في انتخابات 2019 يتنافس خصمان: غانتس في دور نتنياهو القديم، ونتنياهو الجديد في دور سموتريتش

بيني غانتس
Spread the love

بقلم: ألوف بن – رئيس تحرير صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية —
في مركز المعركة الانتخابية الحالية يوجد موضوع الموقف تجاه مؤسسات الدولة – الخدمة العامة، الجيش الإسرائيلي، جهاز القضاء، وفرض القانون. تتفق أحزاب اليمين فيما بينها على عدم ثقتها بالهيئات والقادة الحاليين في إسرائيل وفي سعيها لتدميرها وتغييرها. هذه هي رسالة بنيامين نتنياهو، ونفتالي بينت، وأييليت شاكيد، وبتسليئل سموتريتش وموشيه فايغلين. يدّعي نتنياهو أن الشرطة والنيابة العامة عصابة يستخدمها “اليسار ووسائل الإعلام”، ويصوّر بينت الجيش كجيش انهزامي، وشاكيد تمقت استقلال القضاء، ويريد سموتريتش أن يكرس جهاز الدولة نفسه من أجل ضم الضفة الغربية، وفايغلين يقترح تفكيك كل شيء وإعادة بنائه من جديد.
حقيقة وجود أحزاب اليمين في السلطة منذ 42 عاماً، وتولّي نتنياهو نفسه رئاسة الحكومة على التوالي منذ 10 سنوات ، لا يمنع هذه الأحزاب من الإدعاء أن القوة الحقيقية في الدولة بقيت في يد خصومها السياسيين الذين يسيطرون على محكمة العدل العليا والجهاز الأكاديمي ووسائل الإعلام. حكومة اليمين الأخيرة أحدثت تغييرات كثيرة في الجو العام، وعملت على مأسسة التمييز ضد العرب، وتخويف المؤسسات الثقافية، وتعيين قضاة محافظين في محكمة العدل العليا. هذه التباشير التي تقبّلها الجمهور نسبياً بسهولة، وأثارت الشهية لمواصلة الانقلاب بخطوات أكثر تطرفاً – مثل إنقاذ نتنياهو من محاكمة جنائية، وتحويل جهاز القضاء إلى ذراع للائتلاف، وتقزيم “حرس البوابة” في الخدمة العامة وتحويلهم إلى جوقة مشجعين للسلطة.
يمثل خصوم نتنياهو، برئاسة بني غانتس، الدولة القديمة التي يريد اليمين القضاء عليها. نجد على رأس حزب أزرق أبيض ثلاثة رؤساء أركان لا يريدون تغيير أي شيء، لا في الجيش، ولا في جهاز القضاء، ولا في الخدمات العامة، ولا في التوزيع الطبقي الاجتماعي، وهم يتوجهون إلى الناخبين الذين يريدون إنقاذ ما تبقى من إسرائيل حاييم يفين (مقدم تلفزيوني)، وإريك أينشتاين (شاعر)، ونعومي شمير (موسيقية)، أو على الأقل إبطاء وتيرة التغيير كثمن للائتلاف الذي ينوي غانتس تشكيله مع الحريديم ومع فايغلين.

ضم في مقابل المحافظة على الوضع القائم

احتل “الموضوع السياسي”، الاسم المغسول للنزاع مع الفلسطينيين، مكاناً ثانوياً في الدعاية الانتخابية، مثلما جرى تهميشه في حملة 2015. لكن على الرغم من الإجماع الواسع وسط الجمهور الإسرائيلي على “عدم وجود شريك” في الجانب الفلسطيني، ولا يوجد من يمكن أن نتحدث معه، وعلى الرغم من الجهد الذي بذله غانتس وشركاؤه للابتعاد عن مخططات “يسارية”، يمكن الإشارة إلى مقاربتين متضادتين لمعالجة النزاع.
يسعى اليمين لضم المنطقة ج ومعظم أراضي الضفة الغربية التي تحتوي على مستوطنات وقواعد للجيش الإسرائيلي ومناطق التدرب على إطلاق النار والمحميات الطبيعية. حتى الفترة الأخيرة تحفّظ نتنياهو من ضم رسمي، وفضّل خطوات صغيرة تعزز ربط المستوطنات بإسرائيل. كما فضّل إبقاء مناطق مفتوحة في الضفة من أجل تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين. لكن تحت ضغط الحملة الانتخابية، ورغبة منه في سرقة أصوات من شركائه في اليمين المتطرف، واعتماده المتزايد عليهم قبيل قرار توجيه لوائح الاتهام ضده – غيّر نتنياهو توجهه، وهو يتحدث الآن عن تأييده الضم وعن أمله بأن يحظى ذلك باعتراف أميركي.
سياسة الاحتواء التي مارسها في غزة بررها برغبته في تعميق الانفصال بين الضفة والقطاع لمنع دولة فلسطينية تحيط بإسرائيل من جانبين. ويقترح نتنياهو تدمير الأمل الفلسطيني بدولة ذات تواصل في الضفة وتعزيز “حماس” كحاكمة في القطاع.
غانتس يقترح الاستمرار في الوضع القائم في الضفة، وتطوير كتل المستوطنات، والامتناع من الضم – نسخة عن السياسة التي طبّقها نتنياهو في العقد الأخير ونفّذها غانتس كرئيس للأركان. في غزة يقترح غانتس وحزب أزرق أبيض سياسة أكثر هجومية حيال “حماس” وقادتها ومقاتليها. أي هم يقترحون المحافظة على خيار تسوية جغرافية في الضفة، وإضعاف “حماس” في غزة من خلال ضربات عسكرية. تماماً على العكس من نتنياهو، حتى لو كان من الصعب أن نسمي هذه السياسة “يسارية”، وحتى لو كانت اقتراحات غانتس بعيدة جداً عن الحد الأدنى الفلسطيني.
جاذبية حزب “زهوت”

برنامج موشيه فايغلين الانتخابي يقسّم عملياً إسرائيل إلى دولتين، القدس وتل أبيب، ويقترح حلاً للتطلعات المتعددة التي يعزوها إلى سكانهما. للمتدينين في القدس يقترح فايغلين إبعاد العرب عن أعينهم من خلال تشجيع هجرة الفلسطينيين، وطرد الأوقاف من جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] وتسليمه إلى الحاخامية الرئيسية وبناء كنيس بالقرب من المساجد – كخطوة أولى على طريق استبدالها بالهيكل الثالث (الذي لم يظهر بعد في البرنامج الرسمي). بالنسبة إلى سكان تل أبيب العلمانيين، هو يقترح زواجاً حراً من دون رقابة الدولة، وتشريع الحشيش، ودولة أقل بيروقراطية، حيث المال هو الذي ينظم الأدوار ويؤمن الصحة والتعليم وليس الرعاية.
من السهل الاستخفاف بمؤيدي فايغلين وتصويرهم كمجموعة واهمة لا تفهم في الاقتصاد، ومتحمسة لترهات مثل ارتباط [زواج] قانوني وتتجاهل الخطر الفظيع الذي تنطوي عليه نظرة العالم الليبرالي. لكن زهوت هو الحزب الوحيد الذي يقترح حلاً راديكالياً للادعاءات الرائجة في الحديث الاقتصادي والاجتماعي: أن الجهاز الصحي ينهار، وجهاز التعليم متخلف، والشرطة تلاحق المواطنين الشرفاء، والتخطيط عقيم، والضرائب مبالَغ فيها والسياسيون فاسدون.
الذين يوجهون الانتقادات يقدمون حججاً مقنعة بصحة ادعاءاتهم، لكنهم يجدون صعوبة في الإقناع بالحل الذي يقترحونه: أن يتعلم المسؤولون عن السياسة الفاشلة من أخطائهم ويصلحون بأنفسهم الأجهزة المنهارة. أنه ذات يوم سيستيقظ نتنياهو ونائب وزير الصحة يعقوب ليتسمان ووزير المواصلات يسرائيل كاتس، ويعترفون بأخطائهم ويقولون إنهم من الآن فصاعداً سينسون ما فعلوه وسيستمعون فقط إلى نصائح الخبراء. حزب أزرق أبيض يقترح بديلاً آخر، زيادة الميزانية للنظام الصحي السيء، على أمل بأن يساعد المال في إنهاء الصفوف الطويلة التي تنتظر أن يحين دورها للعلاج. أيضاً من الصعب إقناع الناس بذلك، فبعد ضخ أموال مشابهة في جهاز التعليم وتعبيد الطرق لم يحل هذا الأمر مشكلات هذه الأجهزة، بل فقط زادها. يمثل أزرق أبيض النظام السائد وهو لا يعترض عليه.
يقترح فايغلين نفض الأجهزة الفاسدة من أساسها، واستخدام أساليب عمل مختلفة تماماً عن السياسات الاجتماعية الحالية، التي ولدت في أيام “مباي” البعيدة. يمكننا أن نناقش ما إذا كانت اقتراحاته مجدية أو عملية، أم أنها مجرد خيالات، لا تتلائم مع الظروف في إسرائيل. لكن يمكن أن نتفهم الذين اقتنعوا بأن النظام الحالي تشوبه العيوب، ويسيرون وراء من يعِدهم باستبداله من الجذور، وجباية ضرائب أقل، وملاحقة المواطنين أقل – باستثناء العائلات التي سيُقتل أحباؤها ويُجرَحون في حرب تهويد الحرم.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية