روسيا تُجهز انتدابها على سورية خطوة خطوة

روسيا تُجهز انتدابها على سورية خطوة خطوة
Spread the love

بقلم: جورج مالبرونو — اكتشف طريف عطورة، الذي يعمل في المجال الإنساني، مشروع اتفاق خروج المتمردين المحاصرين في حلب الشرقية أثناء وجوده في مكتبه بحلب الغربية، وقال: “إن الروس هم الذين أعدوا الوثيقة في مركز المصالحة التابع لهم في قاعدة حميميم العسكرية”. يمر طريف عطورة بشكل منتظم عبر خطوط الجبهة التي تقسم حلب من أجل الذهاب إلى طرف المتمردين ضد الأسد. قام بالتوقيع على هذه الوثيقة اللواء السوري زيد صالح ورئيس الأركان الروسي في سورية سيرغي أوستينوف Sergueï Ustinov.
اعترف طريف عطورة قائلاً: “يجب أن أذهب فوراً إلى مركز التنسيق الروسي ـ السوري” قبل الإجازة. حصل ذلك في بداية شهر تشرين الأول، أي في اليوم الأول للهدنة الإنسانية التي فشلت بإخراج المتمردين من حلب الشرقية. اعترف ضابط سوري يقف إلى جانب طريف عطورة قائلاً: “إن الروس هم الذين يقومون بالعمل كله. إنهم يتفاوضون مع أجهزة الاستخبارات التركية التي تنقل المعلومات إلى السعوديين الذين يقومون بدورهم بالتدخل لدى المتمردين في حلب، ثم يقوم الروس بإعلامنا”.

ـ إذا كان حرس الثورة الإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني يسيطرون على ريف حلب، فإن الروس هم الذين يضمنون الدفاع عن المدينة الثانية في سورية بفضل طائراتهم. إنه رهان هام في هذا النزاع، أكدت إحدى العاملات في المجال الإنساني قائلة: “إن المنتصر في حلب سيكسب الحرب”. يظهر الجنود الروس بشكل حذر في هذه المدينة. بالمقابل، يمكن مشاهدة قوافلهم بين عفريات Afriat وخناصر قبل الوصول إلى حلب، أي في الجزء الأكثر خطورة من الطريق الواصل بين العاصمة وحلب، ويبلغ طوله أربعمائة وخمسين كيلومتراً. يتسلل الجهاديون خلال الليل لكي يزرعوا الألغام على جانبي هذا الطريق الذي فتحه الإيرانيون ويحميه الأفغان الشيعة.

ـ بدأ الانتداب الروسي في سورية بالتشكل، لاحظ أحد المحللين الأجانب في دمشق قائلاً: “يضع الروس رجالهم في قنوات السلطة الرئيسية، ولكن مهمتهم ليست سهلة”، لا يريد هذا المحلل الإفصاح عن اسمه. يُركز الروس على الجيش وأجهزة المخابرات بشكل رئيسي، وقال هذا المحلل الأجنبي: “نجح الروس بفرض بعض القادة الجدد بعد تقييمهم من قبلهم، لكن الآخرون ما زالوا هنا”. جرى استبدال قائد الحرس الجمهوري بديع العلي بطلال مخلوف بعد إلحاح الروس لدى بشار الأسد. إن رجل روسيا في أجهزة المخابرات هو ديب زيتون، الذي ذهب إلى إيطاليا في مهمة سرية ثم ذهب إلى مصر رسمياً، وليس رئيس المجلس الأمني القومي علي مملوك. يشعر الروس بالريبة تجاه علي مملوك حتى لو استقبلوه بشكل منتظم. قال رجل أعمال مقرب من السلطة: “إن رجل الأسد يتصف بالمهنية والخبرة العالية، وهو أقل ليونة”.

ـ انتقد الروس في البداية الأسلوب الإيراني الذي يلجأ إلى الكثير من الميلشيات من أجل التعويض عن نقص عدد السوريين المستعدين للقتال، وأرادوا خلق هيكل جديد في الجيش لامتصاص جميع هذه الميليشيات، وتحويلها إلى جيش محترف. نجح الروس في النهاية بإعادة هيكلة جيش كان في “حالة سيئة جداً” عند وصولهم، وذلك بعد جهود استمرت أكثر من سنة. تم الإعلان يوم الثلاثاء 22 تشرين الثاني عن تشكيل الفيلق الخامس الذي يتألف من المتطوعين الذين يبلغ عددهم حوالي عشرة آلاف جندي، وسيحصلون على رواتبهم بالدولار. قال أحد المسؤولين في النظام: “كان الروس يريدون العمل مع الجيش فقط، ولكنهم لم ينجحوا”. يجب على الروس الآن الاستعانة بالقوات الرديفة، ولاسيما مع مجموعة لواء القدس في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في حندرات التي كانت تحصل على تمويلها وتسليحها من إيران. أصبح رجال هذه المجموعة تابعين إلى روسيا مالياً ولوجستياً. اعترف أحد المسؤولين في السلطة قائلاً: “حتى لو كان الروس متشددين معنا أحياناً، إن الذي يساعدهم بالمقارنة مع الإيرانيين هو عدم وجود غايات دينية، وهم أكثر حرفية”.

ـ تحدث مسؤول الأمن السياسي (أحمد) بعدة كلمات روسية في مكتبه تحت الأرض في وسط حلب، متذكراً الدورة التدريبية التي اتبعها لدى أجهزة المخابرات السوفييتية KGB. في الوقت نفسه، أظهر أحد عناصره بعض الصور في صفحة الفيسبوك التي أنشأها من أجل الاتصال مع بعض الجواسيس داخل المتمردين في حلب الشرقية. هل هي مساعدة تكنولوجية روسية؟ إنه سر خفي. تحرص روسيا على معرفة ردة فعل السكان على تدخلها العسكري، وأنشأت خلية مراقبة للأنترنت في قاعدتها الجوية في حميميم. قال أحد الضباط السوريين الذين يتواصلون مع الروس: “إنهم ينظرون إلى كل ما يقال على وسائل التواصل الاجتماعي داخل المناطق المتمردة، ثم يرسلون النتيجة إلينا لكي نعمل بانسجام”.

ـ تقاسم الروس والإيرانيون سورية إلى منطقتين: الجنوب الغربي لحرس الثورة وحزب الله، والشمال الغربي وتدمر إلى رجال الكرملين الذين يبنون قاعدة عسكرية روسية بالقرب من المدينة الأثرية من أجل نشر رادار للتنصت فيها. يمكن أن يتغير هذا التقسيم الجغرافي حسب الظروف. قام الضباط الروس بضمان خروج المتمردين من داريا، وإخلائهم إلى إدلب التي أصبحت تتعرض لقصف الطائرات الروسية. فيما يتعلق بقدسيا، قام الجيش السوري بمراقبة خروج المتمردين. بينما قام حزب الله بهذه المهمة في مضايا والزبداني على الحدود اللبنانية.

ـ لا يخفي المسؤولون السوريون خلافاتهم مع الروس. أسرّ أحد المقربين من بشار الأسد قائلاً: “نحن نريد استعادة سورية بأكملها، بينما يكتفي الروس بسورية المفيدة. هذا هو خلافنا الأساسي”. إن هدف موسكو هو استعادة المدن الكبرى والضواحي المحيطة وشبكة أنابيب النفط والغاز، وذلك من أجل إبعاد بقايا التمرد باتجاه الأرياف والصحراء. إنه تكتيك يشبه الطريقة الجزائرية في مكافحة المجموعات الإسلامية المسلحة. يعمل الجميع ضمن منطق الواقعية السياسية الباردة. اعترف هذا المستشار لدى بشار الأسد قائلاً: “ليس لدينا بديل”. إذا كان المحيطون بالزعيم السوري يشعرون بالامتنان تجاه روسيا بعد إنقاذهم في صيف عام 2015، فإن هذا المستشار لا يخفي قلقه، وقال: “نحن لسنا أسياد الوضع على طاولة المفاوضات” حول العملية الانتقالية السياسية حتى لو كانت المحادثات في طريق مسدود حالياً. يخشى هذا المستشار أن يتخلى الحليف الروسي عن زعيم دمشق في يوم من الأيام.

ـ يراهن الأسد على المنافسات بين حلفائه. اضطرت الأجهزة الروسية خلال فصل الربيع إلى التدخل لدى حزب الله ودمشق من أجل إيقاف بناء بعض البنى التحتية العسكرية تحت الأرض التي بدأت الميلشيا الشيعية بحفرها بالقرب من هضبة الجولان المحتلة من قبل إسرائيل. تحرص موسكو على الحفاظ على علاقات جيدة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وردعت حلفاءها عن بناء قاعدة خلفية من أجل نزاع مستقبلي مع الجيش الإسرائيلي. حصلت مواجهة بين الروس والإيرانيون أيضاً حول الحرس الشخصي للرئيس السوري الذي يضم السوريين والإيرانيين في وحدة المهدي. قال أحد الدبلوماسيين العرب في دمشق متذكراً: “في لحظة محددة، شاهدنا أن الروس حاولوا وضع الإيرانيين جانباً. لكن ذلك لم ينجح”.

ـ هل هو انتداب روسي؟ أم حكم ثنائي روسي ـ إيراني؟ بغض النظر عن الشكل، يعتبر هذا الدبلوماسي العربي أن “الهيمنة الروسية مقبولة، ولا يوجد هامش للمناورة أمام الأسد، إنه في حالة حرب. لكن إذا كان الروس قادرين على إدارة الجانب العسكري من انخراطهم، فإنهم لن يقدموا شيئأً كثيراً من أجل إعادة إعمار سورية. هذا هو الأمر المؤلم”. قامت موسكو بتسريع خططها خلال الأشهر الأخيرة، وذلك على أمل أن تضع دونالد ترامب أمام الأمر الواقع قبل استلامه للسلطة في الولايات المتحدة.

ـ أعدت روسيا مشروعاً للدستور الجديد بدون الإشارة إلى “الجمهورية العربية” والاكتفاء بـ “الجمهورية السورية”، وذلك لعدم إزعاج حلفائهم الأكراد. يقوم الجيش الروسي بتحويل منشآته في ميناء طرطوس إلى “قاعدة بحرية دائمة”، كما نشر صواريخ مضادة للطائرات S-300 لضمان الدفاع عن قاعدة حميميم بالإضافة إلى صواريخ S-400 الموجودة سابقاً.
يعتبر هذا الدبلوماسي العربي أن “بوتين يسعى إلى تحييد جيران سورية سياسياً”. انتزع بوتين ترحيب مصر وصمت الأردن وإسرائيل مقابل تحييد حزب الله، وذلك بعد أن تفاوض على انضمام تركيا خلال هذا الصيف.
أسرّ هذا الدبلوماسي قائلاً: “انطلاقاً من قاعدة حميميم، أعطت الأجهزة الروسية إلى الأتراك بعض المعلومات المفيدة جداً عن الانقلاب الفاشل ضد أردوغان”. لكن تحييد تركيا ما زال بعيداً عن أن يكون مضموناً.
قال المستشار المقرب من بشار الأسد: “كان الأتراك قد وعدوا الروس بعدم الدخول أكثر من اثني عشرة كيلومتراً داخل سورية. لقد خلفوا بوعدهم، وتقدم متمردوهم حتى مدينة الباب “التي يسيطر عليها داعش، وتريد دمشق وموسكو السيطرة عليها، وأعرب عن أمله بالقول: “بالتأكيد، إن انتخاب دونالد ترامب، وربما انتخاب فرانسوا فيون، سيساعد حلفاءنا الروس”.
المصدر: صحيفة لوفيغارو

Optimized by Optimole