ترامب وظاهرة صعود اليمين الظلامي

Spread the love

بقلم: آري شافيط – محلل سياسي إسرائيلي —

•حتى لو كان نايث سيلفر خبير الإحصاءات محقاً وانهزم دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، فإن الظلاميين أصبحوا هنا. إن مجرد نجاح شخص عنيف يكره الأجانب ويحتقر النساء ويريد طرد المهاجرين في الحصول على دعم ثلث الأميركيين يؤكد أن الظلاميين هنا. كما أن وصول شخص يتباهى بقدرته على لمس الأعضاء الحميمة للنساء إلى ما وصل إليه، يؤكد أن الظلاميين هنا. وفشل الحزب الجمهوري في التخلص من هذا المهرج السياسي، والصعوبة التي واجهتها هيلاري كلينتون في الانتصار على شخص ديماغوجي- قذر، يثبتان أن الظلاميين هنا. وحتى لو فاز المتنورون بقوة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر القادم، فإن الظلاميين سيظلون أقوياء. لقد أثبتت المعركة الانتخابية الأسوأ والأكثر جنوناً في ما شهدته الولايات المتحدة خلال 150 عاماً لنا جميعاً أن الظلاميين تحولوا إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا.

•وليست أميركا وحدها هنا. ففي الانتخابات المقبلة التي ستجري في هولنده الليبرالية، ثمة حظوظ بأن يحصل اليمين المتطرف على ربع وحتى نصف الأصوات. وفي الانتخابات المقبلة في فرنسا المستنيرة ثمة فرصة كبيرة لأن يحصل اليمين المتطرف على دعم لم يسبق له مثيل. بينما عادت بولنده إلى عهدة المحافظين الرجعيين، وعادت هنغاريا إلى حضن القومية الراديكالية. وفي روسيا يحكم طاغية يتمتع بهالة رجولية شبه فاشية. وحتى في بريطانيا العظمى تأخذ الشعبوية ألواناً سوداء وشكل كراهية الآخر، وتشهد اسكندينافيا المثالية صعود قوى جديدة – قديمة تبعث على القشعريرة.

•فالظاهرة هي ظاهرة عالمية، إذ تعاني الديمقراطية الليبرالية أزمة عميقة، والعالم المتمدن يتعرض لهجوم. وبسبب عجز الحكومات المنتخبة عن التصرف بطريقة مقبولة، يشعر كثيرون بالإحباط. وبسبب عجز الرأسمالية الجديدة عن توفير القليل من العدالة الاجتماعية يشعر كثيرون بالغضب. وبسبب عدم قدرة العولمة على الدفاع عن الهوية الوطنية والثقافية، يشعر كثيرون بالخوف.

•يتوجه الإحباط والغضب والخوف نحو الساحة الشعبية التي خضعت لعمليات ابتذال واستغباء. وهكذا نشأ واقع سياسي نيو – بدائي تنمو وتزدهر في ظلاله قوى بربرية جديدة. أما الإنجازات الكبرى التي حققها العالم المستنير بعد الحرب العالمية الثانية فقد بدأت تتآكل. والضوء الذي ساد العالم في السبعين عاماً الأخيرة صار محاطاً أكثر وأكثر بالظلام.

•إن السؤال الذي يتعيّن على اليهود في إسرائيل والعالم أن يطرحوه على أنفسهم اليوم هو: هل سيقفون في وجه الظلام؟ في الماضي كان جوابنا واضحاً: فقد اخترنا الضوء. وباستثناء مجموعات هامشية متطرفة، وقف اليهود دائماً إلى جانب العالم المستنير وحاربوا الرجعية. هذا ما حدث في قضية درايفوس، وأثناء نضال مارتين لوثر كينغ في أميركا، وفي الحرب ضد الفاشية. وهذا ما حدث أيضاً مع الأغلبية في دولة إسرائيل. سواء كنا مع اليمين أو اليسار أو الوسط، كنا دائماً نعرف كيهود أن واجبنا الوقوف ضد قوى الظلام التي تشكل خطراً على النسيج الهش للديمقراطية الليبرالية.

•حالياً تبدو الأمور مختلفة قليلاً. بنيامين نتنياهو محبوب من فلاديمير بوتين. وصحيفة [رجل الأعمال] شلدون أدلسون [“يسرائيل هَيوم”] معجبة بدونالد ترامب. وتغازل أطراف من اليمين المتطرف في القدس أحزاباً يمينية متطرفة في أوروبا. ونظراً إلى أن كراهية الآخرين في سنة 2016 لا تتوجه نحو اليهود بل نحو غيرهم (من المسلمين والأفارقة وغيرهم)- أضاع يهود معينون ضميرهم وأضاعوا البوصلة، فأصبح من السهل لهؤلاء التسكع مع طغاة ولصوص تخلوا موقتاً عن عدائهم للسامية، والتمتع برفقة أشخاص أقوياء يسحقون كرامة الإنسان لكنهم يتصرفون (موقتاً) باحترام مع اليهود ومع الدولة اليهودية. وبهذا التصرف يتخلى هؤلاء عن الأخلاق اليهودية، ويخونون المصلحة اليهودية ويساعدون من دون قصد الأشخاص الذين يخرجون من داخل الإنسان هذا الظلام الذي حاربه اليهود على الدوام.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole