بين بعبدا والقصير.. جولة انتصار حزب الله

Spread the love

بقلم: عومر عيناف — ترجمة: مرعي حطيني — العرض يشكل سابقة. فهذه هي المرة الأولى التي يقوم بها حزب الله بالتباهي بقوته العسكرية خارج الأراضي اللبنانية، وفي غير ميدان المعركة. وحدث كهذا، من جانب تنظيم ليس بدولة على أرض دولة أخرى هو أمر ليس عادياً. فبالإضافة إلى المدلول الرمزي للقصير فإن التطورات الأخيرة في سوريا، وعلى الساحة الدولية، تقتضي من حزب الله الحفاظ على دوره وموقعه في الحرب السورية.
هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها حزب الله بالتباهي بقوته العسكرية خارج لبنان
هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها حزب الله بالتباهي بقوته العسكرية خارج لبنان
بعد أزمة سياسية مديدة شلت الساحة السياسية اللبنانية تم انتخاب الجنرال ميشال عون لمنصب رئيس الدولة ودخل إلى القصر الرئاسي في بعبدا. وجاء هذا بعد أن تم التوصل إلى اتفاق هو في مجمله انتصار لحزب الله ولحلفائه في 8 آذار على حساب خصومهم من معسكر 14 آذار بقيادة تيار المستقبل. وبعد حوالى أسبوعين من ذلك، في 13 تشرين الثاني / نوفمبر، أقام حزب الله عرضاً عسكرياً في بلدة القصير السورية، غير بعيد عن الحدود مع لبنان. والزمان والمكان لم يكونا بمحض الصدفة. فالقصير، الموجودة عند عقدة الطرق بين مدينة حمص السورية ومدينة طرابلس اللبنانية، هي نقطة رئيسية ورمز للنجاح العسكري للحزب في سوريا، وذلك بعد أن حقق فيها انتصاره المهم في عام 2013 – وهو الانتصار الذي رسخ تدخله العلني في الحرب إلى جانب نظام الأسد وموقعه كـ “حامٍ للبنان”، والذي يمسك بالغلاف الخارجي على امتداد الحدود مع سوريا. وقد أقيم العرض العسكري في “يوم الشهيد” الخاص بالحزب، وذلك بعد أسبوع من عيد الاستقلال اللبناني. وعلى خلفية انتهاء الأزمة السياسية، إلى جانب تطورات الأحداث في سوريا، جاء استعراض القوة هذا من جانب حزب الله ليمرر، بعلم أو من دون علم، رسالة مزدوجة باتجاه الداخل للمواطنين اللبنانيين، وباتجاه الخارج للاعبين الإقليميين والدوليين.
على الصعيد الداخلي اللبناني نجح حزب الله في تجاوز صراع سياسي طويل. فمنذ عام 2014، وعلى مدى حوالى عامين ونصف، لم يكن هناك رئيس في لبنان وذلك بعد أن فشل البرلمان في تعيين بديل للرئيس المنتهية ولايته ميشيل سليمان. وقد أيد حزب الله على طول الطريق مرشحه ميشال عون، زعيم التيار الوطني الحر، والحليف الأهم في معسكر 8 آذار. أما المعسكر المنافس، 14 آذار بزعامة سعد الحريري، فقد رشح في مقابله زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وقام بعد ذلك بنقل تأييده لسليمان فرنجية، وخضع أخيراً لضغوط حزب الله بعد أن أدرك أن الزمن يعمل لمصلحة الأخير، الذي يرسخ موقعه المسيطر في لبنان. وبذلك وافق معسكر 14 آذار على دعم عون في مقابل تعيين الحريري (للمرة الثانية) رئيساً للحكومة. ويشير الصمود الصلب لحزب الله على امتداد فترة طويلة، إلى هذه الدرجة، مع إخضاع خصومه، يشير إلى مناعته، وإلى نفسه الطويل، وهما الأمران اللذان أفضيا إلى تحقيق النتيجة المرجوة منذ البداية. وحتى أن إنجاز حزب الله يشكل ضربة أخرى للمملكة العربية السعودية في صراعها على النفوذ في لبنان في مواجهة إيران، التي تؤدي زيادة قوة “وكيلها الشيعي في بلاد الشام” إلى تعزيز قبضتها على المنطقة.

ومن المهم التذكير بأن حزب الله لم يقم، طيلة فترة الأزمة، باستخدام الوسائل العسكرية وفضل الحل السياسي الذي لا يشمل خطر التدهور إلى حرب أهلية. وأكسب تحول الحزب عملياً إلى “حام للبنان” وسيطرته على الحدود اللبنانية – السورية، كرد على نشاطات التنظيمات السلفية – الجهادية، أكسبه موقعاً غير مسبوق والذي كان بوسعه أن يستغله للسيطرة بشكل علني على مؤسسات الحكم وفرض القانون. إلا أنه فضل الانتظار وتحقيق النصر في الميدان السياسي، وذلك كتعبير عن (النهج) الحذِر الذي اتبعه في استخدام أدوات النفوذ داخل الدولة وعدم رغبته في الانزلاق إلى مواجهة داخلية عنيفة. والآن وبعد أن أثبت قوته على الصعيد السياسي الداخلي فإنه يُنظر إلى العرض العسكري في القصير، بمفهوم معين، على أنه تعبير عن قوته العسكرية وتفوقه على القوات الأمنية التابعة للدولة اللبنانية (وربما من أجل ذلك تم اختيار أسلحة غربية للمشاركة في العرض)، وكذلك كتبرير آخر، من وجهة نظره، للتدخل في الحرب السورية كحام للبنان في وجه انزلاق الحرب إلى أراضيه. وهذا التبرير حيوي بالنسبة له وذلك بسبب الانتقاد الشديد الذي يتعرض له في لبنان بسبب تدخله في سوريا: إذ يدعي “خصومه السنة والمسيحيون” أن تدخل الحزب في الحرب السورية يستجلب الحرب إلى بلدهم ويجر لبنان إلى حمام من الدم. وأكثر من ذلك أيضاً فإنه لا يوجد توافق في الآراء داخل الطائفة الشيعية. فالأثمان الباهظة في الأرواح تؤدي إلى تآكل التعاطف مع حزب الله ومع سياسته (على الرغم من أن هذه الانتقادات لا تخرج من جدران الطائفة الشيعية التي تحافظ على التضامن باتجاه الخارج). وفي هذا السياق فإن استعراض القوة، من النمط الذي جرى في القصير، هو بمثابة “جرعة تشجيع للجمهور الشيعي”.

وعلى المستويين الإقليمي والدولي، فإن العرض يشكل سابقة أيضاً. فهذه هي المرة الأولى التي يقوم بها حزب الله بالتباهي بقوته العسكرية خارج الأراضي اللبنانية، وفي غير ميدان المعركة. وحدث كهذا، من جانب تنظيم ليس بدولة على أرض دولة أخرى هو أمر ليس عادياً. فبالإضافة إلى المدلول الرمزي للقصير فإن التطورات الأخيرة في سوريا، وعلى الساحة الدولية، تقتضي من حزب الله الحفاظ على دوره وموقعه في الحرب السورية. والمعارك العنيفة في حلب تتواصل وهي تتطلب اهتماماً كبيراً من التحالف الداعم للأسد، المؤلف من روسيا وإيران وحزب الله. وستؤدي سيطرة التحالف الموالي للأسد على حلب إلى تحصين موقع الأسد بوصفه الخيار السلطوي الوحيد. فالعمود الفقري لسوريا من حلب إلى دمشق – والذي تقع القصير في منتصفة – هو المنطقة الأكثر استقراراً بالنسبة للأسد والتي تتم فيها المحافظة على التفوق الذي تم تحقيقه، إلى درجة كبيرة، بدعم حزب الله. وعلى خلفية ذلك، يرسل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتخب دونالد ترامب بإشارات بأنه معني بتسليم “الملف السوري” إلى روسيا، وعليه فإنه من المحتمل أن يكون استعراض القوة هذا من قبل حزب الله موجهاً أيضاً إلى روسيا وذلك تحسباً لليوم الذي يلي سيطرة الأسد، من جديد، على سوريا.

لقد أثارت قضية استخدام العتاد الأميركي في العرض العسكري، أثارت معظم الردود في الجدل اللبناني والذي طُرحت في إطاره تساؤلات حول مدلولات ذلك. فمشهد مقاتلي حزب الله على ظهر حاملة الجنود المدرعة من طراز M113 قاد هذا الجدل إلى نتيجة مفادها أن السلاح الذي تزود به الولايات المتحدة الأميركية الجيش اللبناني يصل إلى أيدي حزب الله. ولا توجد في هذا الأمر أية مفاجأة لأي من الأطراف، إلا أنه تكون هناك، في بعض الأحيان، حاجة “للرؤية من أجل أن نصدق”. والهيمنة العسكرية لحزب الله، ليس فقط باتجاه الخارج بل أيضاً باتجاه الحفاظ على النظام في لبنان، أضعفت مكانة قوات الأمن التابعة للدولة وشوشت الحدود بينها وبين “المنظمة الشيعية”، إلى درجة أن هناك من يرون بأن حزب الله يسيطر على الجيش اللبناني. وهذا الأمر يشكل تحدياً للفكرة الأمريكية، ودول أوروبية أخرى مثل فرنسا وإيطاليا، التي ترى بأنه يجب تعزيز قوة الجيش اللبناني من أجل إحداث تغيير في ميزان القوى الداخلي في لبنان وإضعاف نفوذ حزب الله. واستيعاب هذا الوضع – أي أن دعم الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية يعني تعزيز قوة حزب الله ـ دفع بالمملكة العربية السعودية في بداية عام 2016 إلى تجميد مساعدتها للبنان. والجيش اللبناني الذي أدرك مدلولات ذلك، ويسعى للحفاظ على الدعم الأميركي، حاول تهدئة الولايات المتحدة الأميركية وقال إن العتاد الذي عُرض في القصير لا يعود له. وحسب بعض التقارير فإن ناقلات الجنود المدرعة التي تباهى بها حزب الله إنما هي غنائم قد حصل عليها الحزب من جيش جنوب لبنان الذي كانت تدعمه إسرائيل قبل أن يصل إلى نهاية طريقه في عام 2000. ويمكن لعدم الوضوح في ما يتعلق بالشكل الذي يتم فيه استخدام الأسلحة المقدمة للبنان، والخوف من أن تجد طريقها في نهاية المطاف إلى حزب الله، يمكن له أن يضع أمام الغرب، وبخاصة أمام رئيس الولايات المتحدة الأميركية الجديد، دونالد ترامب، معضلة حقيقية في ما يتعلق باستمرار الدعم العسكري للبنان.

وفي النهاية، فإن حزب الله موجود الآن في موقع متفوق أمام خصومه اللبنانيين. فليس هناك أدنى شك في قوته وفي سيطرته – المباشرة وغير المباشرة ـ على ما يجري في الدولة. وفي الزمن الراهن، ليس هناك أية قوة سياسية أو عسكرية يمكن لها أن تشكل تحدياً له في لبنان. إلا أنه يمكن لقوته هذه أن تكون نقطة ضعفه. فإدراك الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية بأن المساعدة العسكرية المقدمة إلى لبنان – على الرغم من أن هذا الإدراك لم ينضج بعد في هذه المرحلة – يمكن أن يؤدي إلى إعادة النظر في المساعدة الاقتصادية والعسكرية للبنان وذلك على الرغم من انتهاء الأزمة السياسية في البلد. وعندها، من المتوقع أن يكون لذلك أثر سلبي على اقتصاد الدولة واستقرار مؤسساتها، بشكل قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات واسعة ضد حزب الله وتعاظم المعارضة له – مع التركيز على “العامل السني المتطرف”. والمسافة التي تفصلنا عن واقع كهذا هي كبيرة إلى الآن، إلا أن التطورات بهذا الاتجاه قد تؤدي أيضاً إلى مواجهة بين حزب الله وبين إسرائيل، إذا ما رأى الحزب أن في ذلك مكسباً له على الساحة اللبنانية. وفي الوقت الراهن فإن حزب الله حذِر جداً وليس مستعداً للمخاطرة بحصول تصعيد مع إسرائيل، أو بتقويض استقرار لبنان وجره إلى حرب أهلية. وهو يرى أن المصلحة العليا اليوم هي إعادة تحصين نظام الأسد في سوريا من جديد، وتقوية المحور الإيراني من طهران عبر بغداد، وإلى دمشق وبيروت.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي نقلاً عن الميادين نت
لبنانإسرائيلحزب اللهالقصيرسوريا

Optimized by Optimole