التشابه بين التطورات الحزبية في أميركا وإسرائيل

Spread the love

بقلم: تسيباه غرينفيلد – محللة سياسية إسرائيلية —

•لا يمكن عدم ملاحظة الشبه الكبير بين التطورات العميقة التي مرت بها الأحزاب الكبيرة في الولايات المتحدة في الأربعين عاماً الأخيرة، وما جرى في اليسار واليمين في إسرائيل. إلى جانب جمهور المؤيدين من المهاجرين والنساء الذين يأملون بتحسين نوعية حياتهم، يمثل الحزب الديمقراطي حالياً بصورة أساسية أبناء الطبقة الوسطى المتعلمة نسبياً من خريجي الكليات الذين يرتدون البذلات وكانوا حتى السبيعنيات يصوتون مع الجمهوريين، قبل أن ينتقل معظمهم إلى الديمقراطيين تاركين وراءهم المؤسسة النخبوية ونشطاءها. في المقابل انتقل رجال الأعمال الصغار وعمال الياقات الزرقاء وجمهور الناخبين الشعبي الذي كان القوة الأساسية للحزب الديمقراطي إلى تأييد الحزب الجمهوري.

•وهكذا نرى حالياً حزباً يمينياً جمهورياً “للأغنياء” يمثل في الأساس أبناء الطبقة الدنيا، وحزباً يسارياً – وسطياً ديمقراطياً يمثل بصورة أساسية الأقليات وسكان المدن من أبناء الطبقة المتوسطة والعليا.

•إن أسباب هذا الانقلاب المفاجئ وسط جمهور المؤيدين كثيرة؛ التعليم والهجرة والفرص الاقتصادية عوامل جوهرية من أجل فهم ما جرى. لكن على الرغم من الفارق الكبير في الظروف المادية، فإنه من المفاجئ أن نكتشف إلى أي مدى تشبه التطورات السياسية التي حدثت في الولايات المتحدة التطورات السياسية التي حدثت في إسرائيل. ففي إسرائيل أيضاً خسرت أحزاب اليسار دعم الطبقات الشعبية من الناس عندما انتقلت طبقة العمال المتوسطة والدنيا في أغلبيتها إلى تأييد أحزاب اليمين المحافظة. إن أحزاباً يمينية مثل الليكود والمفدال التي اعتمدت على البرجوازية المتعلمة مثل الدكتور يوحنان بدر [1901-1994، من كبار الشخصيات في حزب الليكود، شغل منصب وزير الاقتصاد في حكومة مناحيم بيغن]، ويوسف بورغ [الزعيم التاريخي لحزب المفدال ووالد أبراهام بورغ]، أو دان مريدور (وحتى بنيامين نتنياهو)، أصبحت تمثل اليوم بصورة خاصة توجهات ومزاج الطبقة الدنيا التي تشعر بالإقصاء والحرمان.

•إن مسألة سبب وجود تشابه كبير إلى هذا الحد بين التطورات السياسية على الرغم من الفوارق الهائلة بين الدولتين في جميع المجالات، مهمة للغاية، وهي تعزز فكرة الحاجة إلى فحص وفهم جذريين لهذه التطورات المرتبطة بالتغيرات. ونظراً إلى عدم وجود تفسيرات كافية في الوقت الحالي للظاهرة، يمكن اقتراح تفسيرين على الأقل.

•التفسير الأول للأميركيين: سواء فازت هيلاري كلينتون أم لم تفز، فما جرى لليكود سيجري للحزب الجمهوري. وكما يمر الليكود بمرحلة ترامبية متسارعة يجري خلالها ردم الهوات بين ناخبي الليكود وزعمائه، فإن الهوة بين المؤسسة الجمهورية وبسطاء الشعب والمؤيدين له – وهي الهوة التي اعتقد كثيرون أنها ستؤدي إلى انقسام الحزب – قد أغلقها ترامب في هذه الأيام، وسيغلقها كثيرون مثله سيأتون من بعده.

•التفسير الثاني يتعلق بنا: تعتمد أحزاب اليسار حالياً على الطبقة الوسطى والعليا المتعلمة والمستقرة نسبياً. وبغض النظر عن التفسير الفلسفي لهذا التطور الغريب الذي ينجذب فيه إلى أيديولوجيا اليسار أشخاص ليسوا بحاجة إليها، ويبتعد من هم بحاجة إليها عنها – يجب أن تكون هناك إمكانية للتوصل إلى خلاصات سياسية عملية. إن الانضواء الشعبي لأبناء الطبقات الدنيا إلى أحزاب اليمين في إسرائيل وفي الولايات المتحدة هو مسألة جدية لا يمكن تفسيرها بحجج واهية.

•إن واقع حاجة أحزاب اليسار في إسرائيل على التركيز قبل كل شيء على المسائل السياسية يعفيهم من الحاجة الملحة لمعالجة هذه المفارقة. لكن في نظرة شاملة وأكثر بعداً، من الواضح أن الفكر اليساري بحاجة إلى تجديد من أساسه. إن الذين يكتفون بتفكير اشتراكي ثابت من نوع تفكير بيرني ساندرز لن يبقوا عديمي الأهمية في نظر الجماهير التي يرغبون في تمثلها فحسب، بل سيستمرون في خسارة الانتخابات.

المصدر: صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole