“الانحياز”.. خطة “داعش” بعد خسارة الموصل

Spread the love

بقلم: حسن حسن — في حال خسر داعش الموصل، فإن لدى التنظيم خطة طوارئ محددة، وهي الاستراتيجية التي بثها على مدى الأشهر الخمسة الماضية من خلال منصاته الإعلامية والتي تسمى “الانحياز” أو “الانسحاب المؤقت” باتجاه الصحراء، كما فعل بين 2007 و2013.

toyota

فيما تدفع القوات العراقية والكردية باتجاه استعادة مدينة الموصل من داعش، يجب ألا يكون هناك أي شك حول الخطط التالية للتنظيم. فالأخير سيقاتل حتى النهاية للدفاع عن أكبر معاقله وأكثرها رمزية. في النهاية، فإنه في الموصل أعلن أبو بكر البغدادي دولة الخلافة من على منبر أحد مساجد المدينة الشهيرة في القرن الثاني عشر.
في حال خسر داعش الموصل، فإن لدى التنظيم خطة طوارئ محددة، وهي الاستراتيجية التي بثها على مدى الأشهر الخمسة الماضية من خلال منصاته الإعلامية والتي تسمى “انحياز” أو “الانسحاب المؤقت” باتجاه الصحراء.
ظهرت كلمة “انحياز” في أيار/ مايو في الخطاب الأخير لأبو محمد العدناني، المتحدث باسم داعش الذي قتل بغارة أميركية في آب/ أغسطس. آنذاك أوضح العدناني أن خسارة الأراضي لا تعني العزيمة وأن المقاتلين سيقاتلون حتى النهاية ومن ثم ينسحبون باتجاه الصحراء استعداداً للعودة، تماماً كما فعلوا بين 2007 و2013.
العديد من وسائل إعلام داعش تناولت الموضوع. ففي “النبأ” النشرة الصادرة عن التنظيم نشر مقال عن الموضوع في آب/ أغسطس، يذكر بكيفية نجاة مقاتلي “الدولة الإسلامية في العراق” قبل نشوء داعش، بعد أن طردوا من المدن العراقية في أعقاب زيادة القوات الأميركية في 2007 وتمرد القبائل الذي عرف باسم “الصحوة”.
بحسب المقال فإنه في الوقت الذي انسحب فيه معظم المقاتلين، بقي بعض العملاء لتحريك حملة إرهابية. ويوضح المقال أن حملة الجهاديين على مدى ست سنوات لتجزئة واستنزاف الجماعات السنية جعل من سيطرة داعش على الأراضي السنية حين عاد في 2013 عملية أكثر سهولة.
يقول المقال “إن الأحداث التاريخية تظهر أن مجاهدي الدولة الإسلامية منعوا المرتدين من التمتع بيوم واحد من السلامة والأمن” في إنذار لما يمكن أن ينتظر العراق.
كذلك أطلق داعش في آب/ أغسطس فيديو جرى تصويره في “ولاية الفرات” إحدى ولايات دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم.
وبخلاف غالبية مقاطع الفيديو التي نشرها التنظيم والتي تظهر القتال في المناطق الحضرية، فإن هذا الفيديو تناول معركة في الصحراء مع مشاهد بالقرب من الرطبة، المدينة الاستراتجية في غرب العراق والواقعة على الطريق الرابط بين بغداد والعاصمة الأردنية عمّان.
في هذا الفيديو يهاجم مقاتلو داعش معسكراً يزعمون أنه يحظى بحماية القوات الأميركية والعراقية، ويستولون عليه.بدورها وزعت وكالة أعماق التابعة لداعش مقتطفات من فيديو مع ترجمة بالإنكليزية. بعد أسبوعين أعادت الوكالة نفسها إنتاج وتوزيع فيديو مشابه جرى تصويره أيضاً في الصحراء، وينتهي بمشهد سحب جثة أحد الجنود العراقيين في الشارع.
أشرطة الفيديو هذه كما خطاب العدناني والمقالات الأخرى حول “الانحياز” هدفها إعداد مقاتلي داعش لخسارة الأرض. لكن على الولايات المتحدة وحلفائها أن ينتبهوا أيضاً.

بالنسبة لداعش فإن “ولاية الفرات” لا تقل أهمية عن الموصل. من أجل البقاء على المدى البعيد، فإن الصحراء على نفس القدر من الأهمية التي لدى المدن. فولاية الفرات هي المحافظة الوحيدة التي تعبر الحدود العراقية السورية، والأراضي والمناطق النائية على شاكلتها هي مناطق اختباء محتملة لكبار أعضاء التنظيم هذا إذا لم يكونوا قد أصبحوا هناك بالفعل.
ولاحظ المسؤولون العراقيون بالفعل إشارات على انسحاب داعش باتجاه الصحراء. وقال مسؤولان أمنيان في صلاح الدين، المحافظة الواقعة شمال بغداد، في مقابلة تلفزيونية مؤخراً إن داعش بدأ يعود إلى المناطق التي تم تحريرها منذ كانون الأول/ ديسمبر 2014، ويجنّد عناصر جدد ويخطط لعمليات كرّ وفرّ وهجمات انتحارية في المناطق المأهولة. وكما في شبه جزيرة سيناء المصرية وشمال غرب باكستان فإن هذا الأمر يفوق قدرة القوات الأمنية.
كما يذكر قادة داعش فإن هذا الأمر حصل بعد 2007 حيث أصبحت الصحراء قاعدة، للمقاتلين الأجانب بغالبيتهم، فيما بقي المقاتلون العراقيون في الخلف.
وسمح وجود التنظيم في المناطق الريفية لإعادة ملء خزائنه من خلال قطاع الطرق وعمليات الابتزاز. وركّز المقاتلون في هجماتهم على القبائل والقوات العراقية، فزرعوا الخوف وانعدام الثقة، مما جعل الظروف مهيأة لعودتهم بعد ست سنوات.لكن الظروف الآن هي حتى أكثر ملاءمة من السابق لإعادة بناء داعش. فالعراق الآن مجزأ اجتماعياً وسياسياً أكثر مما كان عليه آنذاك. كذلك فإنه لا توجد جماعة سنية في العراق قادرة على ملء الفراغ الذي سيتركه داعش كما قال لي أحد العراقيين الذين شاركوا في مجالس الصحوات. الصراع في سوريا يزيد الوضع تعقيداً، بحيث أنه حتى في حال انسحاب داعش من المناطق السكانية في كلا البلدين، فإن الحدود الصحراوية المفتوحة ستجعل مطاردة التنظيم أصعب.
لا يمكن ربح الحرب ضد داعش بدون سد الفراغ السياسي والأمني الموجود الآن في معظم العراق. إن الانسحاب المحتمل لداعش من الموصل في نهاية المطاف هو الانتصار الذي يحتاجه العراق بشدة. لكن في حال لم تسمح الحكومة في بغداد للعراقيين السنة بسدّ هذا الفراغ، فإن داعش سيظهر مجدداً من الصحراء.

المصدر: “نيويورك تايمز” ترجمة: الميادين نت

Optimized by Optimole