الأردن وإسرائيل: تطبيع في ظل جمود سياسي

Spread the love

بقلم: عوديد عيران —

•تثبت الاتفاقيات مع الأردن بشأن قضايا الماء والغاز الطبيعي، كما الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن قضية الكهرباء (أيلول/ سبتمبر 2016، أن في مقدور الأطراف التوصل إلى تفاهمات بل إلى اتفاقيات كاملة في مجالات عديدة، وأن من شأن هذه الاتفاقيات أن توفر بيئة إيجابية، حتى وإن لم تشكل بديلاً للتوصل إلى اتفاقيات في المجالات السياسية. التقدم الذي حصل في تنفيذ كلا المشروعين في مجالات البنى التحتية وخاصة في مجالي الماء والطاقة بين إسرائيل والأردن، يدل على المنحى الإيجابي الكامن في فضّ العلاقة ما بين التقدم في مجالات الاقتصاد والبنى التحتية في المثلث الأردني ـ الإسرائيلي ـ الفلسطيني والتقدم نحو حل سياسي للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
•أعلنت شركة نوبل إنيرجي، الشريك الأميركي في ائتلاف الشركات (كونسورتيوم) صاحب امتياز استخراج الغاز الطبيعي من حقل “لفيَتان” الواقع ضمن المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية الخالصة (Exclusive Economic Zone)، يوم 26 أيلول/ سبتمبر 2016، أنها وقّعت على عقد مع شركة الكهرباء الأردنية. ضخ الغاز بواقع ثلاثة مليارات متر مكعب في السنة سيبدأ في نهاية العام 2019 ويستمر 15 سنة. وتبلغ قيمة هذه الصفقة عشرة مليارات دولار، فيما تم ربط تسعيرة المتر المكعب الواحد بسعر برميل النفط من نوع برنت وبسعر حد أدنى ثابت. لهذه الصفقة أهمية بالغة بالنسبة للأردن الذي تعرّض لضائقة في أعقاب وقف تزويده بالغاز المصري من جراء تفجير “داعش” خط الأنابيب في شبه جزيرة سيناء ومن جراء الصعوبات التي واجهتها مصر في تنفيذ مقتضيات اتفاقيات البيع للأردن (ولإسرائيل). كما أن لهذه الصفقة أهمية بالغة أيضاً للكونسورتيوم الذي يضم إضافة إلى الشريك الأميركي، ثلاث شركات إسرائيلية، ذلك أن أي عقد بيع جديد سيتيح تجنيد موارد مالية لازمة لتطوير حقل الغاز “لفيتان”. وبالفعل، أعلنت الشركات الشريكة في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أنها وقعت مع اثنين من المصارف العالمية الكبرى على كتابي تعهد يلتزم المصرفان بموجبهما بوضع مبلغ 1,5 – 1,75 مليار دولار تحت تصرف الكونسورتيوم لتمويل تكاليف المرحلة الأولى من العمل في حقل “لفيتان”.
•ومنذ إعلان الاتفاقية بشأن تزويد الأردن بالغاز، لم تتوقف المظاهرات فيه ولا تزال المعركة الجماهيرية ضد الصفقة مستمرة. وفي إطارها، نوشد المواطنون في الأردن مثلاً بالامتناع عن إضاءة الأنوار في منازلهم في ساعات محددة نشرتها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، كجزء من حملة الاحتجاج.
•وفي الرابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نالت الحكومة الأردنية برئاسة هاني الملقي، ثقة البرلمان. في سنوات خلت كان مثل هذا الحدث يحظى بعناوين جانبية فقط في الصحافة الأردنية على خلفية افتراض أن البرلمان كان يشكل ختماً مطاطياً بيد القصر الملكي، ليس إلا. غير أن اتفاقية السلام مع الأردن التي تم التوقيع عليها في العام 1994، غيّرت هذا الواقع، ولو بشكل طفيف. بعض البرلمانيين الأردنيين من أصل فلسطيني وجهوا انتقادات للحكومة وطالبوا بطرد السفير الإسرائيلي من عمّان وبتجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، لكن هذا كله لم يشكل سوى مصدر إزعاج، وليس تحدياً حقيقياً للنظام. ومع ذلك، فحتى التعبير المتواضع الذي شهده الأردن لـ”الربيع العربي”، دفع الملك إلى المبادرة لإجراء تعديلات في الدستور، وبرغم أنها لم تكن عميقة وبعيدة الأثر إلا أنها قرّبت الأردن قليلاً نحو عملية ديمقراطية حقيقية. وفوق هذا، فتحت تلك التعديلات الباب أمام انطلاق أحزاب تتبنى برامج قُطرية لا محلية – قبلية فقط. فحركة “الإخوان المسلمون” مثلاً، وبعد الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته بمقاطعة الانتخابات الأولى التي جرت إثر تعديل الدستور، تعقّلت وأدرجت مرشحين عنها في تحالفات مع مرشحين مسيحيين وآخرين، برغم شطب حزبها من جانب السلطات، ونجحت خلال الانتخابات الأخيرة في تشكيل كتلة وازنة في البرلمان.
•وفي أعقاب عرض رئيس الحكومة برنامج حكومته على البرلمان وطلب ثقته، دار نقاش مطول استمر ثلاثة أيام (22- 24 نوفمبر) بين أعضائه الـ130 الذين طلب قسم كبير منهم حق الكلام وإلقاء الخطابات. وبرغم أن الجزء الأكبر من برنامج الحكومة ركّز على قضايا الاقتصاد والإصلاحات الداخلية، إلا أن بعض المتحدثين وجد من المناسب توجيه النقد للحكومة على تعاقد شركة الكهرباء الأردنية مع شركة نوبل إنيرجي الأميركية بشأن شراء الغاز الطبيعي من حقل الغاز الإسرائيلي “لفيتان”. فقد طالبت النائبة العريقة المحامية وفاء يعقوب بني مصطفى، بإلغاء الاتفاقية بحجة أنها تتعارض مع المادة رقم 33 من الدستور الأردني الذي برغم كونه يخوّل الملك صلاحية التوقيع على مواثيق، إلا أنه ينص أيضاً على أن “المواثيق والاتفاقيات التي تقتضي صرف مبالغ من خزينة الدولة أو التي لها انعكاسات على حقوق المواطنين الأردنيين، سواء كانت حقوقاً شخصية أو جماهيرية عامة، لا تصبح سارية المفعول إلا إذا تمت المصادقة عليها في البرلمان”. وقالت النائبة ديمه طهبوب من عمّان، إن سعر الغاز من إسرائيل أعلى من سعره في الأسواق العالمية. وبالتزامن مع النقاش الذي جرى في البرلمان، عقد في عمّان لقاء خبراء في مجال الغاز شارك فيه الوزير السابق إبراهيم بدران والنائب جمال قموه. وخلال اللقاء الذي عقد بمبادرة من الفرع الأردني لحركة “المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات” (BDS)، عبّر جميع المتحدثين عن معارضتهم للصفقة مع “الكيان الصهيوني” بادّعاء أنه من بين كل ثلاثة دولارات سوف يدفعها المواطن الأردني لشركة الكهرباء الأردنية، سيصل دولار واحد إلى المالية الإسرائيلية، وأن الحكومة الأردنية تشتري الغاز بكميات كبيرة جداً أكثر بكثير من حاجتها. وادعى بدران أن غالبية بنود الاتفاقية محاطة بالسرية. وقال النائب قموه إن الهدف من هذه الاتفاقية هو توثيق التطبيع مع إسرائيل وإن أغلبية زملائه في البرلمان يعارضون هذه الصفقة. وأوضح أنه توجه إلى السفير القطري في عمّان متسائلاً عن سبب عدم مساعدة بلاده الأردن بتزويده بالغاز، فردّ السفير بأن حكومة الأردن لم تطلب مثل هذه المساعدة.
•وفي تلخيصه للنقاش وردّه على مداخلات نواب البرلمان، ألمح رئيس الحكومة هاني الملقي، إلى أن البدائل المتوفرة للأردن ليست أفضل من الغاز الذي سيحصل عليه من نوبل إنيرجي (متجنّباً ذكر إسرائيل بالاسم). وقال إن الأردن يجري مداولات مع العراق والجزائر ومصر وفلسطين (هكذا في الأصل، بالعربية)، لكنه أشار أيضاً إلى المشكلة الأمنية في العراق التي من شأنها إعاقة نقل الغاز في الأنبوب من البصرة في جنوب العراق إلى العقبة في جنوب الأردن. وأضاف الملقي أن قطر لم تقدم عرضاً يمكنه منافسة السعر الذي حددته الاتفاقية مع الشركة الأميركية، مؤكداً أن التعاقد بين شركة الكهرباء الأردنية والشركة الأميركية سيوفّر 300 مليون دولار في السنة خلال فترة التزود المتفق عليها، في إشارة إلى أن السعر الذي تم الاتفاق عليه سيكون أقلّ من أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق العالمية. وفي ختام النقاش، حازت الحكومة على ثقة 84 نائباً من أعضاء البرلمان (تحتاج إلى ثقة 66 عضواً فقط بمقتضى أحكام الدستور)، وصوّت 40 عضواً ضد منحها الثقة.
•لم يكن قد جفّ الحبر عن قرار البرلمان الأردني بعد، حين أعلنت وزارة المياه والري الأردنية (27 نوفمبر) أن خمس مجموعات من شركات دولية انتقلت إلى المرحلة الثانية من عملية اختيار الفائز بامتياز تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت. قد يكون الاسم مضللاً بعض الشيء، لأن المرحلة الأولى من المشروع هي بناء منشأة في العقبة تجري فيها تحلية 80 – 100 مليون متر مكعب من الماء. ولا يشير البيان إلى تفصيل آخر مهم هو أن الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وقعت كلها على اتفاقية تقضي بحصول إسرائيل على نحو نصف كمية المياه المحلّاة في العقبة من أجل استخدامها في منطقة إيلات، مقابل ضخ كمية مماثلة إلى الأردن في المنطقة الشمالية وزيادة كمية المياه التي تضخها إلى السلطة الفلسطينية.
•يُفترض أن يبدأ تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع خلال الربع الأول من العام 2018 على أن ينتهي في الربع الأخير من العام 2020. وفي مرحلة لاحقة، يُفترض أن تتحقق أهداف المشروع الأخرى، وفي مركزها ضخ المحلول الملحي الذي تم عزله عن المياه المحلّاة مع مياه أخرى من البحر الأحمر إلى البحر الميت، من أجل تخزينها وإنتاج الكهرباء تالياً. هذا ما أفاد به البيان الأردني. ويشار إلى أنه لم يتم ضمان التمويل الكامل لهذا المشروع حتى الآن، وباستثناء تعهد أميركي بدفع مبلغ 100 مليون دولار (من أصل الكلفة التي تبلغ وفق تقديرات الحد الأدنى نصف مليار دولار)، فليس هناك أي تعهد مالي آخر. كما يشار أيضاً، إلى أنه بينما يُجمع الخبراء على صواب المنطق في تحلية المياه في منطقة العقبة ـ إيلات وفي اتفاقية تبادل المياه بين إسرائيل والأردن، تثار شكوك كثيرة حول ما إذا كان ضخ المياه من البحر الأحمر هو الطريقة الأقل كلفة والأكثر نجاعة للمحافظة على البحر الميت.
•أياً يكن الأمر، فإن التقدم في تنفيذ المشروعين في مجالات البنى التحتية، وخاصة في مجالي المياه والطاقة بين إسرائيل والأردن، يدل على الفرص الإيجابية الكامنة في فصل العلاقة بين التقدم في مجالات الاقتصاد والبنى التحتية في المثلث الأردني- الإسرائيلي- الفلسطيني والتقدم نحو حل سياسي للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. ولا يقصد هذا القول التقليلَ من الضرورة الملحة للتوصل ولو إلى حل تدريجي للصراع على أساس فكرة دولتين لشعبين، وإنما يشير إلى واقع النقص في موارد الطاقة ومياه الشرب والموانئ، والحاجة إلى منع التلوث في مناطق سكنية ذات كثافة مرتفعة، إلى جانب انعدام المنطق في منع حل هذه المسائل واشتراط حلها ورهنه بتحقيق حل متزامن وشامل لجميع القضايا المركزية في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. فالاتفاقيات بين إسرائيل والأردن في قضيتي المياه والغاز الطبيعي، كما الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين إسرائيل والفلسطينيين في مجال الكهرباء (أيلول 2016)، تثبت أن الأطراف قادرة على التوصل إلى تفاهمات، بل إلى اتفاقيات كاملة في مجالات عديدة من شأنها توفير بيئة إيجابية، حتى وإن لم تشكل بديلاً عن التوصل إلى اتفاقيات في المجالات السياسية. ويمكن افتراض أن الجانب الإسرائيلي “دعم” الاتفاقيات وخفّض كلفتها للجانب الآخر، سواء كان أردنياً أو فلسطينياً. وهذا دعم مهم إذ تسهم إسرائيل بهذه الطريقة في إشاعة الاستقرار في البيئة الجيو – استراتيجية المحيطة بها.

_____________
ترجمة: سليم سلامة
راجع الترجمة: أحمد خليفة

المصدر: مجلة “مباط عال” الإسرائيلية، العدد 873، 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole