عن مستقبل الإعلام والمعلومة

لميس جديد
Spread the love

بقلم: لميس جديد* | الإعلام هو السلطة الرابعة بعد (الحكومة، البرلمان، والقضاء). في أوروبا الديمقراطية تحتاج أي قضية الى كسب الرأي العام حتى يتبناها السياسيون.

هناك الكثير من الأفكار الرائعين، من الأشخاص الرائعين الذين لا نعرفهم لأن الإعلام لم يتبنّهم.

اهمية الإعلام في احداث التغييرات، اليوم مثلاً، لنقوم بثورة في أي بلد، لم نعد بحاجة الى إرسال الدبابات والعسكر، او لاغتيال المفكرين والشعراء، ببساطة نسيطر على مراكز البث الإذاعي والتلفزيوني والجرائد. إما بالتواجد على أرض الواقع، أو افتراضياً، وهو ما يحدث اليوم، من خلال التلاعب أو استمالة هذه المحطات ومن ثم تحريك الرأي العام لتبني أجنداتنا الخاصة.

أهمية الإعلام في تشكيل رؤية واضحة عن الواقع لم تكن أكثر اهمية مما هي عليه اليوم، الإعلام كأهم وسيلة للتعليم، للأغلبية العظمى منا. منذ انتهاء دراساتنا، المصدر الوحيد للتعلم هو من خلال الصحف والمجلات، ومحطات التلفزيونات والراديو. من هنا تأتي أهمية إخراج الإعلام من ضحالته، ومحاولة التعاون بينه وبين وزارات التعليم، في تحديد توجهات الأجيال القادمة، والانفتاح.

الإعلام الغربي بدأ رويداً رويداً يأخذ دور الدين حتى في: تحديد الصواب، والمهم، وإعطاء معنى للحياة.
وكما قال هيغل: لن تتقدم أمة حتى تغير منحاها من الدين الى الأخبار.

وهنا يجب عرض بعض النقاط المهمة كتساؤلات فيما يخص الإعلام اليوم:
1. هل إغراق الشعب بالمعلومات (كما يحدث اليوم في أوروبا) له تأثير مشابه للحجب النهائي للمعلومات (كما يحدث في كوريا الشمالية مثلاً) من حيث تجريد المتلقي من قدرته على فهم صحيح للواقع في عملية محاولة تغييره…؟

2. هل عناوين الأخبار تركز على ما هو مهم بالفعل؟ قضايا كالاحتباس الحراري التي لا تأخذ الحيز الذي تستحقه في نشرات الأخبار.

3. كيف نستطيع تحويل الاهتمام الشعبي أو (الرأي العام ) إلى قضايا ليست على تماس مباشر معها عوضاً عن متابعة أخبار المشاهير مثلاً.. [ وهنا أود التنويه الى أن الانتقاء المغلوط لنوع المشاهير اليوم هو نتاج لنظام مالي بدأ يسحب إعلاناته ودعمه للصحف المكتوبة والتي أنذر الكثير منها بالإغلاق تماماً، بينما ذهبت هذه الشركات الى وسائل التواصل الاجتماعي، انستغرام، ويوتيوب].

الصحف التي اعتادت على التحليل والعمق في الطرح وفي توضيح الوقائع بدأت بالانحسار في وجه أخبار تنتشر كالهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت ذاته الذي يخرج فيه رؤساء دول كدونالد ترامب وبوريس جونسون، وفيكتور أوربان ليشككوا على العلن في مصداقية الأخبار.

بالإضافة الى موضوع الحيادية التي مهما ادعت قنوات كبرى ك الـ”بي بي سي” مثلاً على أنها تتحلى بها، فالجميع يعلم مقدار صعوبة الحيادية في عالم تختلف فيه الأقطاب والرؤى والانتماءات…

مصداقية الأخبار على المحك كما لم تكن يوماً، وهذا يفتح الباب لمرحلة خطرة، تستطيع أن تقودها الغوغائية، والتلاعب وعدم الوضوح.

البناء والتعلم في حاجة الى الهدوء والصمت. بينما كي تدفع الناس الى شراء أو تبني سلعتك(حتى السياسية منها) التي لا يحتاجونها ربما ليس عليك إلا بالضجيج.

الصحافة الفرنسية تحاول تغطية الأحزاب والتوجهات السياسية الفرنسية، مثلاً: Nouvel OBS, Le Monde من أكثر الصحف جدية ومحتوى، تمثل الوسط واليسار، تيملكها شخصان فقط هما
‏Xavier Neil , Mathieu Pigasse

بالإضافة لهما هناك مجلة le canard enchaîné وهي مجلة أسبوعية تتهكم بالسياسيين، يملكها الصحافيون الذين يعملون فيها، وهي من أخرجت فضائح أغلب السياسيين الفرنسيين الى العلن.
مجلة l’humanité يمتلكها الحزب الاشتراكي الفرنسي ومجلة le Figaro يملكها داسو Dassault وهو رجل أعمال وتاجر أسلحة ومصنع للطائرات الحربية.

الصحف البريطانية في أغلبها صحافة صفراء، كانت مسؤولة عن تشجيع الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست) Brexit.

أما صحيفة نيويورك تايمز NYT فهي تبقى صحيفة نيويوركية، يهودية ليبرالية، ورأي أي صحافي فيها مختلف بالمجمل عن قراءة صحافي مصري تحت حكم السيسي مثلاً…

الاختلاف الوحيد بين الصحف الفرنسية والإنكلو سكسونية هي في تحييد رأي الصحافي، الذي نراه واضحاً في الأميركي والإنكليزي الذي يميز بين الرأي والوقائع، بينما الفرنسي يعتمد على المزج.

المحطات العربية ذات أغلبية التمويل الخليجي السعودي، تعلم الكثير عن متلقيها العربي:
فهو متلقٍ عاطفي، علاقته مع السلطة الأبوية، السياسية والدينية تختلف كثيراً عن نظيره الأوروبي والغربي، وأخيراً هو متلقٍ محافظ، لا يزال مكبلاً بالكثير من العادات والتقاليد، وعلاقته بالمرأة وتحررها فيها الكثير من المفارقات التي تظهر بشكل غير اعتيادي على محطات التلفزة العربية، وعلى وسائل تواصلهم.

الصحافة مهنة راقية ولكنها اليوم مسؤولية كبيرة، في رسم واقع لعالم متغير باستمرار، في توضيح الحقائق حتى لو كانت تعاكس الطرف الذي تقف بجانبه أو معه، الصحافة اليوم مطالبة بالبناء اكثر منها بالمحاسبة، بالتعاطف أكثر منها بإطلاق الأحكام.

*كاتبة سورية.

Optimized by Optimole