“علاقات حسن جوار” على الحدود الشمالية؟ سياسة إسرائيل حيال الوضع الراهن في الجولان السوري

Spread the love

netenyaho-golan-300x200

بقلم: نير بومس – باحث إسرائيلي في معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا —

•في أيار/مايو الفائت جاءت بشرى إنشاء إدارة “علاقات حسن جوار”، وحدة اتصال عسكرية جديدة مهمتها المحافظة على علاقة مع سكان الجولان السوري، وتنسيق نقل مساعدة إنسانية واستيعاب جرحى. بالإضافة إلى الجهاز اللوجستي، أفاد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بأن الوحدة ستضم خبراء تخصصوا في استخدام منظومات طبية وإنسانية وإدارة علاقات مع جهات مدنية. إن هذه الإدارة التي أقامتها الهيئة العسكرية المسؤولة عن السكان المدنيين في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] (منسق الأنشطة في يهودا والسامرة) هي بمثابة تطور مهم في بلورة السياسة الإسرائيلية حيال الأزمة في سورية، التي مرت بثلاث مراحل حتى الآن. المرحلة الأولى (2011- 2012) تميزت بالوقوف على الحياد؛ الثانية (2013 وما بعد) امتازت برسم الخطوط الحمراء؛ الثالثة (2014- 2016) بلورة سياسة حسن جوار في الجنوب ووضع إطار لها.

•لدى نشوب الحرب الأهلية، فضلت إسرائيل التعاطي مع الأحداث في سورية بوصفها مواجهة داخلية لا تتعلق بها ومن الأفضل أن تراقبها من بعيد وألاّ تأخذ موقفاً منها. وتطلعت سياسة “الوقوف على الحياد” إلى عدم توريط إسرائيل في النزاع بصورة مباشرة انطلاقاً من نظرة مفادها أن الأحداث في شمال سورية وفي وسطها لن تؤثر بصورة كبيرة على شبكة المصالح الإسرائيلية. لكن استمرار القتال “وتمدّده” إلى جنوب سورية وإلى مناطق مجاورة، أجبرا إسرائيل على إعادة النظر في درس توجّهها. وعلى سبيل المثال أعلن وزير الدفاع في أيلول/سبتمبر 2013 أنه “في نظرتنا إلى الحرب الأهلية في سورية، أعلنا وعملنا منذ البداية كما لو أننا لا نتدخل ولن نتدخل إلاّ إذا جرى المساس بمصالحنا. لذلك وضعنا خطوطاً حمراء – نقل سلاح كيميائي إلى حزب الله أو المس بسيادتنا”. وقد حددت إسرائيل ثلاثة خطوط حمراء واضحة تستوجب رداً: الأول؛ نقل سلاح، وخاصة سلاح متطور إلى يد تنظيم حزب الله في لبنان؛ الثاني؛ انزلاق الصراع نحو إسرائيل، والثالث؛ تمركز أطراف راديكالية في منطقة الحدود. وكانت إسرائيل أمام خيارين أساسيين: الأول: تفضيل “الشيطان الذي تعرفه”، أي نظام الأسد، على الفوضى والسيطرة الجهادية المحتملة؛ والثاني: القيام بعملية ضد “المحور الموالي لإيران” الذي يضم نظام الأسد والتنظيمات المدعومة من إيران وعلى رأسها حزب الله، بهدف إضعاف نفوذه في سورية ولبنان ومنع تمركزه في جنوب سورية. وفي ضوء غياب الحسم بين الخيارين، ركزت إسرائيل في الأساس على المحافظة على الأمن الجاري وصدّ التهديدات التي وضعتها الحرب السورية في مواجهتها، وقللت من بحثها عن الفرص الكامنة في الانضمام إلى لاعبين معتدلين نسبياً في المنطقة.

البعد المدني – الإنساني
•في مقابل سياسة حكومة إسرائيل “الوقوف على الحياد”، قاد المجتمع المدني الإسرائيلي من خلال عدد من المنظمات مثل “يد بيد من أجل سورية”، “Israel Flying Aid”، “الجوينت” ولجنة توزيع المساعدات الأميركية – اليهودية المشتركة، جهداً إنسانياً في عدد من الساحات، بما في ذلك في الأردن وتركيا وأوروبا وفي سورية نفسها. وخاض عدد من منظمات المجتمع الأهلي حملات علنية من أجل التأثير في حكومة إسرائيل لاتخاذ موقف واضح من النظام [السوري] وإنشاء قناة إنسانية فاعلة. وتدريجياً أخذت جهود المساعدة المدنية تبذل بصورة أكثر تنسيقاً مع جهود المساعدة الرسمية، وأدّت إلى بلورة سياسة أكثر تماسكاً ولا سيما رداً على الأحداث في خط الحدود الشمالية.

•بدأ الجهد الإنساني الإسرائيلي في 2011 بقيادة نشطاء ومنظمات مساعدة إسرائيلية وتركز في البداية على مساعدة اللاجئين الذين تدفقوا إلى الأردن وتركيا. وبموازاة ذلك تواصلت الاتصالات مع مجموعات من المعارضة السورية المنتمية إلى الكتلة المعتدلة في الائتلاف السوري ومجموعات من الجيش السوري الحر من أجل فحص قنوات عمل أخرى يتعدّى المساعدة الإنسانية. وقد شملت المساعدة شحنات من الغذاء الجاف وتوزيعه، وتقديم مواد طبية، وإقامة مستشفيات ومستوصفات (سواء في سورية أو في أوروبا أو الأردن من أجل اللاجئين)، وإنشاء أطر يومية للأولاد كبديل عن المدارس، وتوزيع عدة وافية من الغازات السامة، وماكينات طباعة ثلاثية الأبعاد، وأدوات للحماية من السلاح الكيميائي للطواقم الطبية؛ تأهيل وحدتين لإطفاء النار والإنقاذ وإزالة الأنقاض والعثور على عالقين بين الأنقاض، وحتى نقل الجرحى عن طريق مطار بن – غوريون من أجل الخضوع لعمليات تنقذ حياتهم في وسط البلد بموافقة الوزارات المعنية. ويدل حجم أعمال المساعدة بحد ذاته على عمق شبكة العلاقات التي نشأت من خلال هذه القنوات. وبصفتي أحد الذين شاركوا في إقامة بعض هذه الشراكات أستطيع أن أشهد على أهميتها في عملية تغيير تدريجي للوعي الذي نشأ حيال صورة إسرائيل ودورها المحتمل كلاعب إيجابي في المنطقة. لقد ساهمت سياسة “الدبلوماسية الإنسانية” في تمهيد الطرق إلى جيران ما وراء الحدود.

بلورة السياسة في الجنوب وإنشاء إطار حسن الجوار
•بالإضافة إلى القنوات المدنية بدأ بالعمل أيضاً جهاز المساعدة الإنسانية الرسمي التابع لدولة إسرائيل. وهذا الجهاز بدأ سنة 2013 بمبادرة محلية من ضابط في الجيش أنقذ جريحاً سورياً على الحدود، وتواصل من خلال إقامة مستشفى ميداني في هضبة الجولان. ومع مرور الوقت تمأسست هذه المبادرة، وحتى الآن حصل أكثر من 3000 جريح سوري، بينهم مقاتلون ومدنيون وأولاد على العلاج الطبي في مستشفيات إسرائيل، وجرى نقل شحنات أغذية بينها غذاء للأطفال وأدوية وأغطية إلى القرى في الجولان السوري. وبلور الجيش وحدة مكرسة للعمل في منطقة الحدود السورية تعاونت مع المنظمات الإسرائيلية الأهلية. وتضافر هنا البعد الإنساني مع البعد العسكري، كما ساعد تسارع الأحداث في القطاع الجنوبي وانزلاقها نحو الحدود مع إسرائيل في توثيق الترابط بينهما.

•منذ سنة 2013 بدأ القتال يتقدم جنوباً، وفي نهاية تلك السنة انسحبت أغلبية قوات النظام من منطقة الحدود مع إسرائيل وتركت وراءها فراغاً ملأته بسرعة قوات مختلفة بينها ميليشيات ومجموعات جهادية مثل جبهة النصرة وشهداء اليرموك. واستمر هذا التوجه في سنة 2014، ووقعت أحداث استثنائية أخرى مثل مهاجمة قوة المراقبين الدوليين، واحتلال قوات النصرة معبر القنيطرة واعتراض طائرة سورية تخطت الحدود الجوية [الإسرائيلية]. وفي المقابل ازداد التدخل الإيراني، وفي كانون الثاني/يناير 2015 هاجمت إسرائيل قافلة الجنرال الهادي، وهو قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني. ومع بداية 2016 وجد الجيش الإسرائيلي نفسه يواصل المواجهة ويرد على “انزلاق” قذائف تقع في هضبة الجولان، مع استمرار المعارك بين الأطراف المتقاتلة التي واصلت تقدمها – هذه المرة بحماية الروس – نحو الحدود مع إسرائيل. لكن هذه المرة لم يفاجأ الجيش الإسرائيلي كثيراً في ضوء علاقات التعارف التي بناها مع جزء من اللاعبين في الطرف الثاني من الحدود.

•بدأت الاتصالات مع الجانب السوري من أجل تأسيس قناة تواصل وتعارف وثيقة مع لاعبين معتدلين ينشطون في هضبة الجولان، وبخاصة مع المجموعات التي تنتمي إلى دائرة الجيش السوري الحر ومجموعات مستقلة أخرى، وذلك على أساس قاعدة من المصلحة المشتركة التي تقضي بإضعاف قوات الإسلام الراديكالي، ومقاتلي حزب الله وفيلق القدس الإيراني في المنطقة. وبموازاة ذلك تطور الوعي بأهمية شبكة العلاقات التي بدأت تنشأ مع السكان المدنيين السوريين ومع قوات المتمردين التي تقاتل في المنطقة الجنوبية. ظاهرياً بدت إسرائيل في الأساس وكأنها “الطرف الذي يعطي” والذي يعمل على المساعدة الإنسانية والطبية، لكن نتيجة هذا النشاط حظيت إسرائيل بمنطقة حدود هادئة نسبياً، وبذلك حققت هدفها المركزي في إبعاد الحرب السورية عن حدودها الشمالية.

نير بومس – باحث في معهد دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا
•يسعى اللاعبون الذين يتحركون في جنوب سورية بما في ذلك في هضبة الجولان، وهم ميليشيات ومجموعات سكانية محلية (بينهم الدروز)، إلى تمثيل السكان البالغ عددهم وفق إحصاءات غير رسمية أكثر من مليون نسمة. ولا تلتزم هذه المجموعات بخط إيديولوجي متجانس، ويمكن أن تغير انتماءاتها التنظيمية وولاءاتها بناء على اعتبارات براغماتية محلية وتغير موازين القوى على الأرض.
•وفي الواقع، فإن موازين القوى بين مختلف اللاعبين استمرت في التغير مع تقدم المعارك نحو الجبهة الجنوبية وتمركز مجموعات راديكالية مثل “جبهة النصرة” التي كانت تعتبر فرعاً للقاعدة حتى تموز/يوليو 2015، حين أعلنت انفصالها عنها. وعلى الرغم من عقيدتها الراديكالية في ما يتعلق باليهود وبإسرائيل، فقد كان كلاهما هدفين مؤجلين إلى مرحلة لاحقة في نضالها من أجل ترسيخ تمركزها، لذلك لم تتردد في البدء بالاتصال مع إسرائيل. وثمة شركاء محتملون لإسرائيل في الجانب السوري من الذين لديهم أهداف ومصالح متطابقة معها، وأحياناً قيم ليبرالية متشابهة، ولكن في الأساس خصوم مشتركون. ومن بين هؤلاء مجموعات معتدلة تنتمي إلى الجيش السوري الحر، وعدد من المجموعات المحلية المستقلة، مثل مجالس القرى المتاخمة لإسرائيل، التي تنتهج خطاً أيديولوجياً معتدلاً وأكثر براغماتية.
•تأثرت العلاقات المتبادلة بين الجيش السوري الحر وإسرائيل بعوامل جيو – سياسية مختلفة. وبدءاً من العام 2012 نشطت مجموعات تابعة له في جنوب سورية بالقرب من خط وقف إطلاق النار مع إسرائيل. وفي بداية 2014 أعلن الجيش السوري الحر إنشاء “جبهة جنوبية” تبدأ من حدود الأردن وتمر بدمشق وصولاً إلى هضبة الجولان، ويبلغ تعدادها نحو عشرين ألف مقاتل وتضم نحو 54 مجموعة متمردين تنشط بتنسيق جزئي. في آب/أغسطس 2014، شاركت “الجبهة الجنوبية” “جبهة النصرة” بالسيطرة على معظم منطقة الحدود الإسرائيلية –السورية في الجولان، لكنها خسرت جزءاً منها خلال العام 2016 من جراء تعاظم التدخل الروسي.
•إن الدروز الذين يشكلون نحو أربعة في المئة من سكان سورية (نحو 700 ألف نسمة) والذين تتمركز أغلبيتهم في منطقة جبل الدروز جنوبي سورية وفي قرية الخضر في هضبة الجولان السورية التي تعتبر موالية للأسد، هم عنصر مهم آخر وله أهميته في السياسة الإسرائيلية. إن لإسرائيل والدروز في سورية تاريخ طويل من الاتصالات التي بدأت في ثلاثينيات القرن العشرين، ومن التعاون الاستخباراتي بعد “الثورة العربية الكبرى”، وقد استمرت هذه الاتصالات في الخمسينيات ووصلت إلى ذروتها في “مشروع يغآل آلون” بعد حرب الأيام الستة [حرب حزيران/يونيو 1967] من أجل توسيع سيطرة إسرائيل على القرى الدرزية ابتداءً من هضبة الجولان وحتى جبل الدروز. لكن منذ احتلال إسرائيل للجولان انتهج الدروز السوريون خطاً موالياً للنظام [السوري] ومعادياً لإسرائيل. وخلال الحرب الأهلية، مع أن الدروز سعوا إلى البقاء خارج مرمى النيران، إلاّ إنهم استمروا في الاعتماد على النظام والتعاون معه، على الرغم من أن كثيرين منهم اختاروا التهرب من الخدمة في جيش الأسد، وبدلاً من ذلك رفضوا الخدمة في الوحدات التي تقاتل خارج مناطق سكنهم. وقد شاركت الطائفة الدرزية في القتال مع الميليشيات الموالية للأسد وضحى أربعة منهم بحياتهم في نيسان/أبريل 2015 في عملية فاشلة “للمقاومة الشعبية” نظمها حزب الله على حدود الجولان ضد إسرائيل. وحافظت أغلبية الدروز الذين يسكنون في الجانب الإسرائيلي من هضبة الجولان، هي أيضاً، على ولائها لنظام الأسد.
•جرت اتصالات بين مجموعات من جنوب سورية وإسرائيل من خلال عدة قنوات، رسمية وغير رسمية. واتسعت هذه القنوات مع توثق العلاقات المحلية بين الجيش الإسرائيلي وسكان الجولان السوري. وكانت قد جرت اتصالات محلية في النصف الثاني من 2014 خلال محاولة الترويج بمساعدة أعضاء من المعارضة السورية في المنفى، لخطة تقضي بإنشاء منطقة آمنة (Safe Zone) في جنوب سورية بدعم إقليمي دولي يمنع سيطرة شيعية أو سلفية – جهادية على المنطقة. وقد طُلب من المجتمع الدولي بقيادة الأمم المتحدة حماية ترتيبات أمنية تشمل فرض حظر جوي على جنوب سورية وإقامة منطقة أمنية بعمق 25 كيلومتراً تمتد على طول الحدود بين إسرائيل سورية ولبنان والأردن. وهذه المنطقة الفاصلة والآمنة، هي مثل تلك التي كانت الولايات المتحدة وتركيا تفكران في إنشائها على جزء من الحدود الشمالية لسورية، كان الهدف منها إتاحة إعادة ترميم البنى التحتية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية للشريط الجنوبي من الدولة، وتحويل المناطق المحصنة إلى مكان يجذب مدنيين ولاجئين. وكان من شأن التطبيق الناجح لهذه الرؤية منع استمرار انزلاق الدعم الشعبي نحو المجموعات السلفية الراديكالية انطلاقاً من حاجات مادية أو أمنية، والقضاء على هذه المجموعات تدريجياً، والتخفيف من الأزمة الإنسانية التي يعانيها السكان في سورية. ونجاح الخطة من المحتمل في نظرهم أن يحوّل منطقة جنوب سورية إلى حلقة أولى في الكيان السوري الجديد الآمن والمزدهر، وأن يشكل نموذجاً للمحاكاة يتمدد تدريجياً نحو مناطق أخرى. وقُسم تطبيق الرؤيا إلى ثلاث مراحل: في المدى القصير – تعبئة ومساعدة دولية مالية وإنسانية تسمح بالتزود بالغذاء، والكساء، والدواء، وبالخيم والغاز؛ في المدى المتوسط – إقامة مستشفيات ميدانية، ومحاكم، ومدارس، وشرطة؛ وفي المدى البعيد – تشجيع التعاون الإقليمي بما في ذلك تعاون سوري – إسرائيلي في موضوعات التكنولوجيا والمياه.
•ومن أجل الترويج للخطة اعتقد اللاعبون المحليون أن هناك حاجة إلى التنسيق مع إسرائيل والحصول على دعم من جانبها. وانسجاماً مع ذلك، قام قادة ميليشيات وزعامات أهلية ورجال دين وزعماء عشائر من منطقة الجنوب السوري (الذي يشمل أيضاً ريف دمشق، والقنيطرة وحوران) بالمبادرة إلى التحاور مع أطراف مدنية، وأمنية، وسياسية في إسرائيل بهدف نقل رسالة مفادها أن لديهم مصالح مشتركة مع إسرائيل وأعداء مشتركين – المحور الموالي لإيران والجهاديون.
•سعى المندوبون السوريون في المرحلة الأولى إلى الحصول على دعم مبدئي من إسرائيل للخطة، وفي مراحل لاحقة على مساعدة من أجل وضعها حيز التنفيذ. وعُزيت إلى إسرائيل أهمية ثلاثية: فمن ناحية عسكرية هناك حاجة للحصول على موافقة إسرائيل ودعمها ومشاركتها من أجل إنشاء منطقة أمنية في الجولان السوري، ومنع تحرك سلاح الجو السوري في مجالها الجوي؛ ومن ناحية سياسية فإن الدعم الإسرائيلي من شأنه تسهيل تجنيد الأردن لتأييد الخطة وكذلك مشاركة المجتمع الدولي؛ ومن ناحية اقتصادية اعتبرت إسرائيل نموذجاً سياسياً، وثقافياً وعلمياً ليبرالياً متطوراً يمكن التعلم منه والاستفادة العملية من التعاون معه في المستقبل. ووفقاً لوجهة نظر بعض المجموعات المحلية في جنوب سورية، فإن العلاقات المتبادلة مع إسرائيل ليست خياراً تكتيكياً طارئاً بل تهدف إلى أن تتحول مع مرور الزمن إلى تحالف استراتيجي يمكن أن يؤدي إلى سلام حار بين الطرفين.
•وفي وقت سابق، في حزيران/يونيو 2014، بادر ممثلو ميليشيات تعمل جزئياً في إطار “الجبهة الجنوبية” إلى وضع خطة محلية محدودة أكثر. أراد هؤلاء تنسيق خطة مع إسرائيل تقضي بالسيطرة على إقليم هضبة الجولان وطرد قوات النظام السوري منها وكذلك الحركات الإسلامية – الجهادية، وإقامة جيب محلي يقيم علاقات سلام وتطبيع مع إسرائيل. ويكون هذا الجيب منفصلاً عن سائر سورية في المدى القريب، لكنه يمكن أن يكون منطلقاً إلى الدولة كلها عندما يحين الوقت المناسب. وقد قُسِّمت الخطة التي تقف وراءها ميليشيات تعمل في القنيطرة إلى مرحلتين: في المدى المباشر، يجري التركيز على الجانب العسكري التكتيكي – توحيد المجموعات المقاتلة على الأرض تحت قيادة مشتركة، تدريب مقاتلين محليين ومنفيين في الأردن، التزود بوسائل قتال وبلورة استراتيجية عسكرية. في المدى البعيد – تطبيق خطة مدنية تشمل مبادرات وإصلاحات في مجالات التعليم والدين والاقتصاد والقضاء والمجتمع والعمل والثقافة ووضع المرأة. وكمرحلة تسبق تحقيق الخطة التقى المبادرون إليها في عدة مناسبات ممثلين إسرائيليين غير رسميين من خلال قناة فرعية في عمان، وبدأوا في عملية التمهيد لجعل السكان يتقبلون فكرة التعاون مع إسرائيل. وفي الحقيقة، فإن هذه الخطط لم تدخل حيز التنفيذ بسبب الصعوبات في بلورة تفاهمات بين الطرفين بشأن تغيير الوضع القائم، لكن عملياً بدأت إسرائيل في القيام بدور معيّن في القطاع الجنوبي من خلال توسيع دائرة المساعدة الإنسانية، وتدخل عسكري ضد لاعبين جهاديين، وحماية معسكر اللاجئين الذي أقيم في المنطقة منزوعة السلاح، وردع خدم أكثر من مرة المجموعات المعتدلة في القطاع الجنوبي.
سياسة في اختبار الواقع
•بينما تستمر الحرب السورية في تكبيد ثمن هائل من الدماء، أكثر من نصف مليون قتيل، وتدفق لا يتوقف للاجئين يغرق تركيا والأردن ولبنان، ظلت الحدود الشمالية في هضبة الجولان هادئة نسبياً ومفتوحة أمام السياح والإسرائيليين الذين كانوا قادرين على الانضمام إلى مراقبي قوة الأندوف ومشاهدة الحرب التي تدور أمامهم وسماع دويّها. وعلى الرغم من وجود “جبهة النصرة” وحزب الله وإيران وداعش وأطراف معادية أخرى، ظل انزلاق المعارك إلى أراضي إسرائيل في حده الأدنى، ويبدو أن الجيش الإسرائيلي نجح في السيطرة على الحدود وعلى خطوط المنطقة من دون صعوبات خاصة ومن دون تكثيف قواته بصورة كبيرة. وبخلاف الوضع في الأردن وتركيا ولبنان، التي انجرّت رغماً عنها إلى المرجل السوري، يبدو أن إسرائيل نجحت في الحد من مجال تدخلها في النزاع السوري وأدارته بصورة تخدم المصلحة الإسرائيلية ومصلحة حلفائها الجدد في الشمال.

•بعد السنوات الأولى ومرحلة سياسة “الوقوف على الحياد” التي اتسمت بإرسال رسائل متناقضة وبسياسة “قررنا ألا نقرر”، تميزت السنتان الأخيرتان بسياسة إسرائيلية أكثر تماسكاً تحدد بوضوح المصلحة الإسرائيلية، على الأقل في ما يتعلق بما يحدث في جنوب سورية، وبتقديم مساعدة إنسانية وبناء شراكة محلية ما وراء السياج الحدودي. إن إنشاء إدارة “حسن الجوار” هي مؤشر مشجع يدل على استعداد إسرائيل لإعلان سياستها واللعب “بأوراق أقل علنية”. وبالإضافة إلى المعقولية التي تكمن في إقامة تحالفات من أجل المحافظة على المصلحة الأمنية، تنطوي هذه الخطوة الأخيرة على فرص إضافية ليس فقط من أجل القيام بعمل إنساني إنقاذي، بل وأيضاً من أجل بناء شبكة علاقات نموذجية لعلاقات مع دول مجاورة مستقبلاً.

_________
“وحدة الاتصال بسورية”، “يديعوت أحرونوت” ، 29/5/2016 http://www.yediot.co.il/articles/0,7340,L4808991,00.html
للمزيد من المعلومات أنظر: “הגדר הטובה 2.0 פעולה ישראלית לנוכח המשבר בסוריה”

في آب/أغسطس 2012 نجح متمردون سوريون في طرد قوات الجيش السوري من “جبهة الخشب” في منطقة هضبة الجولان، وأعلنوا استقلال المنطقة. وفي شباط/فبراير 2013 أنشئ المجلس العسكري الأول في منطقة الجولان، وخلال تلك السنة رد الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى على الجيش السوري بعد تساقط قذائف من جهته على الجنود الإسرائيليين في هضبة الجولان.

أحيكام موشيه ديفيد، “يعلون: حتى عدم التدخل في سورية له تأثير علينا”، موقع “يديعوت أحرونوت” الإلكتروني، 8/9/2013.
انظر التقرير المفصل في “سورية خريطة جديدة ولاعبون جدد: تحديات وفرص بالنسبة لإسرائيل”، نير بومس وأودي ديكل وأوفير وينتر، مذكرة 161، معهد دراسات الأمن القومي، آب/أغسطس 2016، تل أبيب.

هناك تقارير كثيرة عن اتصالات وحتى عن مساعدة إسرائيلية لجبهة النصرة. انظر “إسرائيل تساعد جبهة النصرة على مهاجمة دروز سورية”، “هآرتس” 11/9/2016.
– ترجمه عن العبرية: رندة حيدر.
– راجع الترجمة: أحمد خليفة.

-هناك تقديرات مختلفة بشأن عدد مقاتلي الجيش السوري الحر أو عدد المقاتلين المنتسبين إلى الجبهة الجنوبية. انظر:
http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2016/09/syria-north-south-opposition-groups.html; https://rfsmediaoffice.com/en/2014/12/13/free-syrian-army-factions-of-the-southern-front-unite-their-forces-against-the-regime-and-extremists/#.V_YRdYVOKM8
يوسي ألفر، سياسة معزولة، بحث إسرائيل السري عن حلفاء في المنطقة (تل أبيب: منشورات مطر، 2015)، صص 74- 76.
أيال زيسر، سورية: احتجاج، ثورة، حرب أهلية (تل أبيب: مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، 2014) صص 250-251؛ إليزابث تسوركس،” منطقة أمنية إسرائيلية للدروز في سورية ستعقد الوضع فقط”، منتدى الفكر الإقليمي 21 تموز/يوليو 2015، http://tinyurl.com/odk68x2, سمير حلبي، “النظام السوري وحزب الله يستخدمان الدروز ضد إسرائيل” بوابة الكرمل، 27 نيسان/أبريل 2015. www.karmel.co.il/index.php?option=com_content&task=view&id=34283، حسن شعلان، روعي قيس وألياؤر ليفي، “المخربون الذين قتلوا بالأمس أولاد مجدل شمس”، ynet 27/4/2015 www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4651130,00.html,
شهادات شخصية للكاتب الذي شارك في هذه اللقاءات.

المصدر: مجلة “تسوميت همزراح هتيخون”، المجلد 6، العدد 11، 3/11/2016 عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole