Ynet :المواجهة في الخليج تحت السيطرة، حتى الآن

Spread the love

رون بن شاي – محلل عسكري اسرائيلي

الأطراف الضالعة في أزمة الناقلات تصرفت، جميعها، حتى الآن، بمسؤولية ومن غير المتوقع اندلاع حرب خلال الفترة القريبة القادمة. تبين أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة هي ورقة رابحة ولذا فإن أي رد فعل من جانبها سيكون زائداً عن الحاجة. إيران، التي تريد مفاوضات جديدة بشأن الاتفاق النووي، تأمل بألّا يفوز ترامب بولاية ثانية وستقرر خطواتها المستقبلية بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

المواجهة في مضيق هرمز هي صراع أدمغة وإرادات أقل من كونها مواجهة فعلية بين إيران والولايات المتحدة، أوروبا ودول النفط العربية. حتى الآن، هي مواجهة تدار بصورة جيدة، منضبطة ومحسوبة، من جانب جميع الأطراف. لكن المواجهة هي مواجهة وقد تخرج عن السيطرة، جرّاء خطأ أو تطور غير مرغوب فيه، وقد تصبح قتالاً، إن لم تكن حرباً حقيقية.
لم يحدث هذا حتى الآن وجميع الأطراف، والإيرانيون بوجه أساسي، يتصرفون بمسؤولية عالية ويحاذرون ألّا يفاقموا الوضع. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى حقيقتين اثنتين يجب أن تثيرا القلق لدينا: الأولى، أن إيران تبدي حنكة عالية جداً في خطواتها السياسية، وكذلك في أدائها الإعلامي الدعائي، بل وحتى في إجراءاتها العسكرية التي تتخذها وسط تنسيق تام بين جميع الأذرع التنفيذية فيها. يمكن للولايات المتحدة وبريطانيا، مثلاً، أن تحسدا إيران فقط على قدرة المناورة التي تتمتع بها، وخصوصاً الطريقة التي تُحسن بواسطتها السير على حافة الهاوية من دون أن تسقط.
الحقيقة المقلقة الثانية هي أن الإيرانيين لا يجدون أية مشكلة في أن يكذبوا. إنهم يقولون الشيء وضدّه من دون أن يرمش لهم جفن، وأحياناً خلال أقل من ساعة واحدة. هذه الأكاذيب، عدا حقيقة أنها تثير الغضب، هي أداة قوية وفعالة جداً في تجنيد التأييد من أطراف دولية تستفيد من المواجهة ولا تحتاج سوى إلى ذرائع تبريرية لتقف إلى جانب الجمهورية الإسلامية، كما تفعل روسيا، تركيا، الصين والهند. فما الذي تريد الأطراف تحقيقه من خلال هذه المواجهة؟

الاستراتيجيا الإيرانية

تشير كل الدلائل إلى أن الاستراتيجيا الإيرانية تدار الآن بإجماع جميع عناصر النظام في طهران. القائد الأعلى، علي خامنئي، هو الذي يقودها بدعم شامل ومطلق من الملالي المحافظين ومن الحرس الثوري الجمهوري وبموافقة المعسكر البراغماتي، المسمى “المعسكر المعتدل”، بقيادة الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. هذه الاستراتيجيا ترمي إلى تحقيق ثلاثة أمور: مفاوضات متجددة بشأن الاتفاق النووي، ارتفاع أسعار النفط وتعظيم النظام.
تريد إيران الوصول إلى مفاوضات مع الولايات المتحدة ومع الدول العظمى الأخرى من موقع قوة بعد أن أظهرت قدرتها على تهديد الدول العربية في الخليج الفارسي وإمدادات الطاقة الدولية. وهذا، كي لا تضطر إلى التنازل عن مشروعها النووي وعن إنتاج الصواريخ البالستية للمدى الطويل.
وتريد إيران، أيضاً، خلق أجواء الخوف من حرب في منطقة الخليج ولدى الدول المستوردة للنفط، بغية رفع أسعار النفط الخام في السوق العالمية ومعها أسعار النقل ورسوم التأمينات البحرية. سوف يربح الإيرانيون من ارتفاع أسعار النفط الناجم عن تخوف من الحرب، وهو ما قد يعوضهم إلى حد ما عن خسارة المدخولات جراء الهبوط الحاد في كميات النفط التي يصدّرونها.
يصدّر الإيرانيون الآن، في واقع العقوبات الأميركية، أقل من 400 ألف برميل من النفط يومياً، بدلاً من 2,5 مليون برميل يومياً، كما كانت الحال قبل أن تصبح عقوبات دونالد ترامب سارية المفعول. وإضافة إلى هذا، من المفترض أن تثير التخوفات من حرب في منطقة الخليج مخاوف من نشوء أزمة اقتصادية تُدخل الاقتصاد العالمي في حالة من الركود على أن تؤدي هذه المخاوف، كما يؤمن الإيرانيون ويتوقعون، إلى دفع الصينيين واليابانيين، كما الألمان والفرنسيين أيضاً، إلى ممارسة الضغط على ترامب للتخفيف من العقوبات وتقديم التنازل للإيرانيين.
والإيرانيون معنيون، أيضاً، بحفظ وتعظيم هيبة النظام الإيراني في نظر أبناء شعبه. يرغب الملالي والحرس الثوري الجمهوري في إثبات أن القوة التي استحصلوا عليها على حساب الاقتصاد الإيراني وعائدات النفط لم تكن عبثاً وهباءً. والآن، بينما يعيش الشعب الإيراني ضائقة اقتصادية شديدة جرّاء العقوبات، في الإمكان حرف أنظاره بواسطة عرض العضلات المحسوب والمسّ المرئي جيداً بمصالح العرب ومصالح أسيادهم الأميركيين والبريطانيين.
لهذا، يستولي الإيرانيون على سفن صغيرة ليست بملكية بريطانية تماماً، بل بصورة غير مباشرة فقط، ولا ترفع العلم البريطاني إلا لدواعٍ رسمية فقط، بينما طاقهما ليس بريطانياً والسفينة ذاتها لا تحمل النفط لمصلحة بريطانيا. هكذا يُظهر النظام لشعبه أنه لا يمر مرور الكرام على احتجاز الناقلة الإيرانية في مضيق جبل طارق، علماً بأن هذه الناقلة كانت محملة بكمية كبيرة من النفط لنقلها إلى سورية، في خرق واضح للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي.
يشكل الحرص الرسمي على عدم فقدان الهيبة في نظر الرأي العام الإيراني مركّباً أساسياً لا يقل أهمية في اعتبارات النظام في طهران، يلي الاعتبار الاقتصادي. فالضائقة الاقتصادية و”فقدان الداخل”، أي الاحترام والهيبة، يهددان بقاء النظام واستقراره. ولذلك، يتصرف الإيرانيون في الخليج بعنف حذر كي لا يظهروا كأنهم يرضخون للضغط الغربي وكي يمنعوا، في الوقت نفسه، تدهور الأمور إلى مواجهة عسكرية كبيرة سيكونون هم الخاسرين الأساسيين فيها.
لكن الإيرانيين يفهمون الآن جيداً أن هذه الاستراتيجيا لن تصمد في امتحان الزمن. لأنه، إذا ما استمرت العقوبات الاقتصادية، فقد تُخرج الناس إلى الشوارع بأعداد كبيرة جداً، كما حدث في الماضي. ولهذا، “خفف” الإيرانيون مؤخراً من حدة موقفهم السياسي الرسمي: لئن كانوا قد “مثّلوا”، حتى ما قبل عشرة أيام، دور المتصلب الذي لا يُطال بسهولة وكان موقف إيران الرسمي أنها غير مستعدة للحديث مع الولايات المتحدة عن تعديلات وتغييرات في الاتفاق النووي، وعن تقييدات على مشروع الصواريخ البالستية الطويلة المدى القادرة على حمل رؤوس حربية نووية وعن التوقف عن ممارسة ودعم الإرهاب والتآمر، فإن وزير خارجية إيران، ظريف، يقول الآن بصورة رسمية، في نيويورك، إن إيران مستعدة للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة، شريطة أن ترفع هذه العقوبات عن إيران أولاً. هذا موقف افتتاحي كلاسيكي للتفاوض يحل محل التصريحات التي سبقته في إعلان رفض الدخول في أية مفاوضات.
قال ظريف إن إيران مستعدة للبحث في تمكين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إجراء زيارات أكثر تحرّياً وتواتراً في المنشآت النووية الإيرانية، بما فيها تلك التي لم تشملها الرقابة حتى الآن. أي أن إيران لا تصرح فقط، بل مستعدة لعقد صفقة أيضاً. غير أن ما يقترحه الإيرانيون حتى الآن لا يرضي الولايات المتحدة. لكن ترامب يتمتع بالقدرة على الصبر. وهو يدرك أن جميع ألاعيب الحرس الثوري الجمهوري وعمليات الاستيلاء على ناقلات النفط في مضيق هرمز لم تحقق ولا حتى ذرة واحدة مما كان الملالي يرجون تحقيقه. لم تنشأ حالة هلع من خطر نشوب حرب، أسعار النفط الخام لم ترتفع سوى بأقل من 1% في المعدل وثمة ما يكفي من النفط في العالم، حتى لو أغلق الإيرانيون مضيق هرمز تماماً.
في أعقاب ذلك، تصبح الإشارات الإيرانية يائسة أكثر فأكثر وإذا لم يطرأ تصعيد حربي نتيجة خطأ قد يرتكبه أحد الطرفين، فسوف يصلان إلى مائدة المفاوضات عاجلاً أم آجلاً. في هذه الأثناء، يعتمد الإيرانيون أقصى درجات الحذر في جميع تصرفاتهم، لأنهم يخشون إذا ما تحرشوا بالأميركيين، بالبريطانيين أو بالفرنسيين، أكثر مما يمكن تحمله، وإذا ما شكلوا تهديداً جدياً على ناقلات النفط في الخليج، فسيكون بمقدور الولايات المتحدة بناء تحالف من دول تقوم بإرسال سفنها الحربية لحماية وتأمين الملاحة الحرة في مضيق هرمز وفي مضيق باب المندب ـ بوابة البحر الأحمر وقناة السويس. ومن شأن تحالف كهذا، يضم دولاً أوروبية وآسيوية، أن يكون نذير شؤم على إيران التي ستجد نفسها معزولة في الحلبة الدولية وبدلاً من الضغط على الولايات المتحدة، سيصبح الضغط الدولي كله موجهاً نحو إيران نفسها وسيجري تصويرها بأنها تنتهك القانون الدولي.

ترامب يستطيع الانتظار حتى تؤتي العقوبات ثمارها

يدرك الرئيس الأميركي ومستشاروه ما ينساه الإعلام أحياناً: العقوبات الأميركية هي الورقة الرابحة الآن ويبدو أيضاً أنها الورقة التي ستقرر نتائج المواجهة في نهاية المطاف. لذلك، فإن أي عمل عسكري عنيف قد تقوم به الولايات المتحدة، أو حتى بريطانيا، رداً على التحرشات الإيرانية هو زائد عن الحاجة ولا لزوم له. يحتجز الإيرانيون ناقلتي نفط، إحداهما صغيرة جداً والأخرى بحجم أقل من المتوسط، حتى أن سوق النفط لا يشعر بأي نقص إطلاقاً. سيقوم الإيرانيون بالإفراج عن طواقم الملاحين والضباط في الناقلتين، وهم من جنسيات متعددة، عاجلاً أم آجلاً، لأنهم غير معنيين باحتجاز مواطنين ليتوانيين، فلبينيين، روس ونيجيريين لا دخل لدولهم في النزاع، لكن لديهم أصابع في الأمم المتحدة وفي الاتحاد الأوروبي. ولهذا، في إمكان الأميركيين إبداء قدر عال من ضبط النفس إلى أن يحقق الضغط الاقتصادي نتائجه المرجوة.
اتضح أن العقوبات الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة أكثر فاعلية مما كانوا يقدرون ويتوقعون في البداية وقد بدأت مفاعيلها تظهر بقوة ووضوح في الاقتصاد الإيراني. وقد تؤدي هذه العقوبات إلى إسقاط النظام أو إلى دفع الملالي إلى التنازل والتوصل إلى تسوية في إطار المفاوضات. وفي كلتا الحالتين، ستكون الولايات المتحدة وحليفاتها هي الرابحة. الاستعداد التظاهري الذي يبديه الإيرانيون للتفاوض مع الولايات المتحدة الآن يدل على المنحى الذي تتطور فيه الأمور. ثمة خط أحمر واحد من جانب الأميركيين: فقد أوضح ترامب وكبار مسؤولي إدارته أن الولايات المتحدة سترد بهجوم عسكري إذا ما أقدم الإيرانيون أو مبعوثوهم على قتل أي جندي أو مواطن أميركي. يتصرف الإيرانيون بحذر.

السعودية ودول الخليج الأخرى متخوفة، وبحق

دول النفط العربية في الخليج وناقلاتها على مرمى الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن. وقد طور الإيرانيون وينتجون، أيضاً، عدداً من الصواريخ البالستية الدقيقة القادرة على ضرب سفن على مسافة بعيدة في عرض البحر بواسطة نظام التموضع العالمي (GPS) ومجسات بصرية. ولهذا، تخشى السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، الكويت، قطر والبحرين، بحق، من أن تختار إيران، بدلاً من التورط في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، ضرب هذه الدول وإغلاق مضيق هرمز أمام تصدير النفط منها. ولهذا، تتوسل هذه الدول الولايات المتحدة طالبة مساعدتها. لكن الولايات المتحدة، كما أشرنا، غير معنية بتحمل خسائر وضحايا وتبذير ذخائر طالما أن العقوبات الاقتصادية تقوم بالمهمة. ولهذا أيضاً، لا يسارع ترامب إلى الرد على اختطاف الناقلتين البريطانيتين.
أوكل ترامب إلى وزير الخارجية البريطاني، جيرمي هانت، إدارة هذه الأزمة التي حلت ببريطانيا في ظروف غير مريحة لها على الإطلاق، حيث لا رئيس لحكومتها وتعيش حالة من الفوضى السياسية بسبب “البريكزيت” (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). لكن يبدو أن البريطانيين أنفسهم هم الذين أشاروا على الرئيس الأميركي بعدم التدخل. فهم يعلمون أنه على الرغم من وضعهم الحاد، ثمة أوراق جيدة بين أيديهم. لديهم الناقلة الإيرانية التي احتجزوها في مضيق جبل طارق وهم ينتظرون، بصبر وروية، عودة الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات.
يعرف الأميرالات البريطانيون والأميركيون أن الصواريخ الإيرانية ـ الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ البالستية الطويلة المدى ـ قادرة على ضرب ليس حقول النفط السعودية فقط، بل البوارج الحربية الأميركية، البريطانية والفرنسية وإغراقها، أيضاً. لكن ترامب ومستشاريه يدركون أن السعوديين مرعوبون ومحتاجون إليهم؛ كما يدركون أيضاً أن اقتصاد الولايات المتحدة بحاجة إلى المشتريات العسكرية بالمليارات، ليس من جانب السعوديين فقط، بل من الإمارات العربية المتحدة أيضاً. ولهذا، يبدي ترامب استعداداً لتلبية رغبة السعوديين وطلباتهم، على الرغم من عدم رضى الكونغرس عن ذلك. فأعضاء الكونغرس، من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، لم ينسوا بعد قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
لكن قرار الولايات المتحدة من يوم السبت الأخير إرسال 500 عسكري وبطاريات صواريخ باتريوت إلى السعودية لم يترك أي مجال للشك في أن السعودية، الإمارات العربية المتحدة والدول العربية الأخرى المشاركة في التحالف الذي أقامه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لم تستطع هزم المتمردين الحوثيين في اليمن. لا تزال الحرب في اليمن مستمرة منذ أربع سنوات ولا يزال الحوثيون، المموَّلون والمجهَّزون من الإيرانيين، يسيطرون على الجزء الأكبر من غرب اليمن، على الرغم من كل الغارات وعمليات القصف التي نفذها سلاح الجو السعودي، الجيش البري والمليشيات اليمنية التي تديرها الإمارات العربية المتحدة.
يعمل رجال “حزب الله”، أيضاً، بإيفاد من إيران، مستشارين عسكريين للحوثيين. وقد ساعدوهم في إطلاق 500 صاروخ نحو المدن السعودية وإطلاق 150 طائرة مسلحة من دون طيار قامت بقصف منشآت استراتيجية في السعودية. ومع أن الجزء الأكبر من الصواريخ قد أخطأ أهدافه والأضرار التي نجمت عن غارات هذه الطائرات كانت هامشية جداً وتكاد لا تذكر، إلا إن التهديد قد تحقق والإهانة التي يتعرض لها السعوديون يومياً تقض مضجع بن سلمان الذي لا يزال عاجزاً عن إخضاع المليشيات المسيطرة على العاصمة صنعاء، على الرغم من تفوقه الجوي المطلق. أمّا حكومة اليمن التي تدعمها السعودية ومقرها في عدن، فهي مجرد وهم، فعلياً.
إن كان هذا غير كاف، فقد حدث خلال الأسابيع الأخيرة تطور دراماتيكي في الحرب الدائرة في اليمن، لم يكن الإعلام والرأي العام العالميان واعيين ومتنبهين له: فقد أعلنت الإمارات العربية المتحدة انسحابها من اليمن. الجيش الإماراتي هو الجيش الأكثر جدية وفاعلية بين الجيوش المشاركة في الحرب في اليمن، وهو الوحيد الذي حقق إنجازات برية حقيقية وجدية خلال السنوات الأربع من الحرب هناك. وطبقاً لتقارير دبلوماسية، فقد توصل قادة دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الاستنتاج بأن لا أمل في الانتصار في هذه الحرب. وعليه، فقد قرروا عدم الاستمرار في هدر الموارد والانسحاب من مواقعها في اليمن، بالتدريج.
يشكل هذا القرار إنجازاً استراتيجياً ودعائياً مهماً لإيران التي تستطيع، منذ الآن، أن تهدد، وبسهولة لافتة، ليس فقط الملاحة في مضيق هرمز وإنما الملاحة في مضيق باب المندب أيضاً، وهو الذي يمر عبره النفط الخام والبضائع الأخرى من الخليج الفارسي إلى قناة السويس ومن هناك إلى البحر المتوسط وإلى أوروبا. وثمة لإسرائيل، أيضاً، مصلحة استراتيجية اقتصادية مهمة في ضمان حرية الملاحة في مضيق باب المندب ـ الذي يشكل بوابة إلى ميناء إيلات. الحوثيون و”حزب الله” الذين يهددون حرية الملاحة في هذا المضيق، يشكلون تهديداً مباشراً للتجارة بين إسرائيل والقارة الآسيوية وشرق أفريقيا.

لا يجدر بإسرائيل القفز إلى الرأس

لإسرائيل مصلحة واضحة في أن ينجح الإجراء الأميركي في دفع إيران إلى التفاوض بشأن تحسين شروط الاتفاق النووي. وفي الوقت نفسه، لا تريد إسرائيل الظهور كأنها هي التي تجر الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى حرب مع إيران في الخليج. فثمة، من دون هذا، مِن بين أعضاء الكونغرس واليهود الأميركيين مَن يلمح إلى أن إسرائيل هي التي تقف الآن وراء التوتر المتصاعد في الخليج الفارسي. إسرائيل تقدم مساعدة كبيرة للولايات المتحدة وحليفاتها العربية في منطقة الخليج بمعلومات استخباراتية تمنع إيران من تطوير مشروعها النووي بصورة سرية، التحرش بالأميركيين في العراق وفي الخليج وخرق العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام في طهران.
تبذل أذرع الاستخبارات الإسرائيلية جهوداً كبيرة ومخلصة في هذا المجال. لكن بسبب معركة الانتخابات الحالية في إسرائيل، نرى أن بعض السياسيين، وأحياناً بعض العسكريين السابقين والحاليين أيضاً، لا يستطيعون التحكم في غرائزهم وضبط اندفاعهم إلى التشدق بما يعلمون فيسقطون، مرة تلو أخرى، في تصريحات مستفزة للإيرانيين، من دون أي حاجة أو هدف. هذا ما حدث، مثلاً، حين أعلن الوزير تساحي هنغبي (هذا الصباح، في مقابلة إذاعية مع أرييه غولان) أن “إسرائيل هي الوحيدة التي تقتل إيرانيين”. هذا التصريح من سياسي من حزب “الليكود” يرمي إلى الفوز ببضعة أصوات أخرى في الانتخابات وهو ليس فظاً فقط ويصور إسرائيل ومواطنيها كأنهم دعاة حرب وسفاكو دماء، بل يشكل أيضاً استفزازاً غير ضروري ضد الإيرانيين.
يعلم الإيرانيون جيداً أن رجال الحرس الثوري الجمهوري قُتلوا حين تحركت إسرائيل بدافع من حقها في الدفاع عن نفسها. ونظراً إلى أن إسرائيل تعرف كيف تحافظ على الهدوء وعدم التشدق، عادة، فقد كان الإيرانيون يحتوون الأمر ولم يبادروا إلى عمليات رد في هضبة الجولان ولبنان سوى مرتين أو ثلاث فقط. لكن تصرف الوزير هنغبي على هذا النحو قد يضطر الإيرانيين، وبصورة خاصة الحرس الثوري الجمهوري، إلى الرد. وقد قلنا سابقاً إن النظام الإيراني يخشى من الظهور بصورة الضعيف في نظر شعبه، وهو ما يعني أن تصريح الوزير هنغبي غير الحكيم والاستفزازي قد يكلف الإسرائيليين ثمناً لا حاجة إليه.

يبدو الآن أن أزمة الناقلات في الخليج الفارسي لن تتصاعد أكثر وأنه ليس من المتوقع اندلاع حرب خلال الفترة القريبة القادمة. يبدو أن الإيرانيين سينتظرون حتى يروا، خلال الأشهر القريبة، ما إذا كان ثمة أمل بالتفاوض مع الولايات المتحدة بحيث تلغي العقوبات المفروضة عليهم من دون أن تطالبهم بتنازلات مبالغ فيها. إذا لم يحدث هذا، فسينتظرون حتى السنة القادمة، على أمل بألّا يعاد انتخاب دونالد ترامب لدورة رئاسية ثانية وأن يقوم الرئيس القادم في البيت الأبيض برفع العقوبات، بمبادرته هو. وحين يتضح هذا، سيقررون خطواتهم التالية. أمّا إسرائيل، فمن الأجدر بها، في كل الأحوال، عدم القفز إلى الرأس. فائض الثقة بالنفس لا يجلب لنا إلا المصائب. هل تذكرون حرب “يوم الغفران”؟
المصدر : موقع Ynet الاسرائيلي – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Optimized by Optimole