“نيويورك تايمز”: بايدن يواجه ضغوطاً داخلية في سياسته تجاه إيران

Spread the love

شجون عربية_

تُظهر الغارات الأخيرة التي أمر بها بايدن على المجموعات الحليفة لإيران كيف يتعين عليه التنقل بين استخدام القوة ومتابعة الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي.

نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية عن مسؤولين في الإدارة الأميركية قولهم إن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بضرب المجموعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا في وقت مبكر من يوم الاثنين قد أظهر التوازن الدقيق لمقاربته لطهران: فهو يجب أن يثبت أنه مستعد لاستخدام القوة للدفاع عن المصالح الأميركية، مع الحفاظ على الخط الدبلوماسي الهش مفتوحاً، في الوقت الذي تحاول فيه الدولتان إحياء اتفاق 2015 الذي يحد من برنامج إيران النووي.

وأضافت الصحيفة أن مسؤولي الإدارة الأميركية أكدوا في العلن على أن المسألتين منفصلتان. وقالوا الاثنين إن الرئيس بايدن تصرف بموجب سلطته الدستورية للدفاع عن القوات الأميركية من خلال شن غارات جوية على المواقع المستخدمة لشن هجمات بطائرات بدون طيار على القوات الأميركية في العراق. وقالوا إن ذلك لا ينبغي أن يتعارض مع الجولة الأخيرة من محادثات فيينا لإعادة البلدين إلى الامتثال للاتفاق النووي.

ورأت الصحيفة أن القضيتين متشابكتان بشدة. فبالنسبة للإيرانيين، فإن المسيرة نحو القدرة على بناء سلاح نووي كانت جزئياً محاولة لإثبات أن طهران قوة لا يستهان بها في الشرق الأوسط وخارجه. والآن، تم تعزيز قوة البلاد من خلال ترسانة جديدة من الطائرات بدون طيار عالية الدقة والصواريخ بعيدة المدى والأسلحة الإلكترونية المتطورة بشكل متزايد، والتي يتضمن بعضها تقنيات بدت تتجاوز مهارات طهران عندما تم التفاوض على الاتفاق النووي في عام 2015.

الهدف من إحياء الاتفاق النووي

وقالت الصحيفة إن جزءاً من هدف بايدن في محاولة إحياء الاتفاق النووي هو استخدامه كخطوة أولى نحو الضغط على إيران لمعالجة قضايا أخرى، بما في ذلك “دعمها للجماعات الإرهابية في المنطقة وترسانتها الموسعة”. وأوضحت أنه لا يُتوقع أن تكون الضربات التي أمر بها بايدن يوم الأحد ونفذتها القاذفات المقاتلة التابعة للقوات الجوية الأميركية في وقت مبكر من يوم الاثنين أكثر من انتكاسة مؤقتة لإيران.

وأشارت “نيويورك تايمز” إلى وجود خطر التصعيد بين الدولتين. ففي وقت لاحق من يوم الاثنين، اشتبه في أن المجموعات المدعومة من إيران أطلقت صواريخ على القوات الأميركية في سوريا، بحسب المتحدث باسم الجيش الأميركي، الكولونيل واين ماروتو. وقالت وسائل إعلام كردية سورية إن الأهداف كانت للقوات الأميركية بالقرب من حقل نفط.

وقالت الصحيفة إنه حتى إذا نجحت الإدارة في إعادة إحياء الاتفاق النووي، فسيظل بايدن يواجه التحدي المتمثل في إيجاد طريقة لمزيد من كبح جماح الإيرانيين، وهي خطوة قال الرئيس الإيراني المنتخب، إبراهيم رئيسي، في اليوم التالي لانتخابه إنه لن يقبل بذلك.

أوضحت الصحيفة أنه بهذا المعنى، أكدت الغارات الجوية الأميركية فقط على عدد التيارات المتضاربة التي يواجهها بايدن وهو يحاول صياغة سياسة متماسكة تجاه إيران. فهو يواجه ضغوطاً في اتجاهات مختلفة من الكونغرس و”إسرائيل” والحلفاء العرب، بغض النظر عن حكومة طهران المتشددة القادمة، بقيادة رئيسي، الذي وضعته وزارة الخزانة الأميركية تحت العقوبات في عام 2019، بزعم أنه “شارك في ما يسمى “لجنة الموت” التي أمرت بإعدام آلاف السجناء السياسيين خارج نطاق القضاء” منذ أكثر من 30 عاماً.

وقالت “نيويورك تايمز” إن بعض الديمقراطيين في الكونغرس رأووا في الغارات العسكرية التي أمر بها بايدن استمراراً لنمط من التجاوزات الرئاسية في استخدام سلطات الحرب من دون استشارة الكونغرس أو موافقته. وتساءل السناتور الديمقراطي كريستوفر إس مورفي عما إذا كانت هجمات إيران المتكررة من خلال وكلائها في العراق ترقى إلى مستوى ما أسماه “حرباً منخفضة الحدة”. وقال: “لا يمكنك الاستمرار في إعلان سلطات المادة الثانية مراراً”، في إشارة إلى السلطة الدستورية للرئيس بصفتها القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي استشهد به بايدن لتبرير الغارات، “من دون إثارة سلطات الكونغرس في وقت ما” لإعلان الحرب.

تفويض الكونغرس للحرب

وقال مورفي في مقابلة الاثنين إن “الضربات الانتقامية المتكررة ضد القوات التي تعمل بالوكالة لإيران بدأت تبدو وكأنها نمط من الأعمال العدائية” التي تتطلب من الكونغرس مناقشة إعلان حرب، أو تفويض آخر للرئيس لاستخدام القوة العسكرية.  وأضاف: “يتطلب كل من الدستور وقانون سلطات الحرب أن يأتي الرئيس إلى الكونغرس لإعلان الحرب في ظل هذه الظروف”.

حجة بايدن هي أن الضربات المستهدفة وإعادة الدخول في الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل ثلاث سنوات، كلها تتعلق بتجنب الحرب. ويقول مسؤولو البيت الأبيض إنهم لا يعتزمون السعي لإعلان حرب ضد إيران أو وكلائها. ووصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين الغارات بأنها “إجراء ضروري ومناسب ومدروس يهدف إلى الحد من مخاطر التصعيد، ولكنه كذلك لإرسال رسالة ردع واضحة لا لبس فيها”.

وفي الوقت نفسه، تعد مثل هذه الغارات كذلك جزءاً من رد بايدن على الجمهوريين في الداخل، الذين عارضوا بأغلبية ساحقة الاتفاق النووي لعام 2015 ويتطلعون إلى تصوير الرئيس الديمقراطي على أنه ضعيف في مواجهة العدوان الإيراني.

وقالت السكرتير الصحافي للبيت الأبيض جين ساكي الاثنين إن المنطق كان بسيطاً: “الهجمات ضد قواتنا يجب أن تتوقف، ولهذا السبب أمر الرئيس بالعملية الليلة الماضية، دفاعاً عن النفس عن أفرادنا”. وزعمت أن حلفاء إيران قد شنوا خمس هجمات بطائرات مسيرة على القوات الأميركية منذ نيسان / أبريل الماضي، وقد حان الوقت لوضع حد لذلك.

الضغوط الإسرائيلية والسعودية

وقالت الصحيفة إنه بالنسبة لبايدن، فإن الكونغرس ليس سوى جزء من التعقيدات المحيطة بالتعامل مع إيران. إذ أعربت الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن تحفظاتها المستمرة والعميقة بشأن استعادة الاتفاق النووي، مثلما فعل رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو عندما ضغط ضد الاتفاق الأصلي لعام 2015، بما في ذلك في خطاب إلى الكونغرس أغضب الرئيس باراك أوباما وبايدن، نائبه أنذاك. ويوم الاثنين، عندما بدأت الإدارة في إحاطة الحلفاء والكونغرس بالهجوم، التقى بايدن بالرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته، رؤوفين ريفلين. وكانت جلسة وداع إلى حد كبير لشكره على سنوات الشراكة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك سبع سنوات كرئيس لـ”إسرائيل”، قبل أن يتنحى ريفلين. استغل بايدن هذه اللحظة في المكتب البيضاوي مع ريفلين ليكرر تعهده بأن “إيران لن تحصل أبداً على سلاح نووي في عهدي”.

ورأت الصحيفة أن بايدن قصد من كلامه أن يكون إشارة إلى أن “إسرائيل” والولايات المتحدة تشتركان في الهدف نفسه، حتى لو كانت لديهما مفاهيم مختلفة للغاية حول كيفية نزع سلاح الإيرانيين. لكن الاختلافات تدور حول مسألة نوع الاتفاق النووي المطلوب الآن، بعد ست سنوات من دخول الاتفاق الأصلي حيز التنفيذ. لقد تقدمت قدرات إيران، وتقدمت في أنظمة الأسلحة الأخرى، بشكل كبير منذ دخول الاتفاق الأصلي حيز التنفيذ. واعترف كبار المسؤولين في إدارة بايدن، من بلينكن وغيره، بأن من بين أوجه القصور في الاتفاق النووي القديم أنه يجب أن يكون “أطول وأقوى”، وأن يعالج برنامج تطوير الصواريخ الإيراني و”دعم الإرهاب”، بحسب زعمه.

وقالت “نيويورك تايمز” إنه من الواضح الآن أن أي اتفاق شامل يعالج شكاوى أميركا العديدة بشأن السلوك الإيراني يجب أن يغطي كذلك مجموعة واسعة من الأسلحة الجديدة التي كانت القوات الإيرانية تعمل عليها قبل ست سنوات فقط. فالقوات الإيرانية تستخدم اليوم بانتظام تلك الأسلحة – الطائرات بدون طيار التي يمكنها إطلاق سلاح تقليدي صغير بدقة مميتة ضد القوات الأميركية، والصواريخ التي يمكن أن تستهدف جميع أنحاء الشرق الأوسط وأطراف أوروبا، والأسلحة الإلكترونية التي تحولت لاستهداف المؤسسات المالية الأميركية.

الأسلحة الإيرانية الجديدة

وأشارت الصحيفة إلى أنه لم يتم شمول أي من هذه الأسلحة في اتفاق 2015، على الرغم من وجود اتفاقية صاروخية منفصلة ومتزامنة، أقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تجاهلتها إيران إلى حد كبير. فهناك اعتراف متزايد بأنه إذا أراد بلينكن أن يفي بتعهده باتفاق “أطول وأقوى”، فسيتعين عليه أن يشمل العديد من تلك الأسلحة، وليس الصواريخ فقط.

وقالت الصحيفة إن السؤال هو ما إذا كان يمكن جذب إيران إلى اتفاق يغطي تلك التقنيات بعد استعادة جوهر اتفاق 2015. إذ يقول مساعدو بايدن إن هذا هو هدفهم وإنه سيكون لديهم نفوذ، لأن إيران تريد وصولاً أكبر إلى الأنظمة المصرفية الغربية لمبيعاتها من النفط. لكن النظرية القائلة بأن واشنطن يمكن أن تتفاوض مع الحكومة المتشددة الجديدة لا تزال غير مختبرة. وهناك بعض العلامات المقلقة.

وأضافت أنه من دون أي تفسير لقرارها، رفضت إيران تمديد اتفاق مع المفتشين النوويين الدوليين الذي انتهى الخميس الماضي والذي أبقى الكاميرات الأمنية وأجهزة الاستشعار الأخرى مثبتة لمراقبة مخزون البلاد من الوقود النووي، برغم عدم السماح للمفتشين بدخول المنشآت الإيرانية خلال المفاوضات. فهذا أمر بالغ الأهمية للإدارة الأميركية، التي سيتعين عليها إقناع الكونغرس و”إسرائيل” والسعودية وآخرين بأنه لم يتم تحويل أي مواد نووية سراً إلى مشاريع تصنيع سلاح نووي خلال مسار المفاوضات.

وختمت الصحيفة بالقول إنه في حين قال المسؤولون الأميركيون إنه ليس لديهم سبب للاعتقاد بأن الكاميرات قد توقفت عن العمل، فمن الواضح أن المسؤولين الإيرانيين يحاولون زيادة الضغط، مما يشير إلى أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق وفقاً لشروطهم، يمكن للغرب أن يفقد فرصة إدراك ما يجري لمخزونات إيران النووية. وإذا أدى ذلك إلى أزمة كبيرة، فقد يعرّض ذلك الاتفاق النووي للخطر ويدفع الإدارة إلى دورة جديدة من التصعيد، الأمر الذي تريد تحديداً تجنّبه.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم

Optimized by Optimole