شجون عربية _ بقلم: رينيه فيلدأنغِل
اكتسب أولريش تيلغنر شهرته من عمله صحفيًا تلفزيونيًا، ولا يزال كثير من الألمان يتذكرون تغطيته للغزو الأميركي للعراق في العام 2003 لصالح القناة الثانية في التلفزيون الألماني من فندق فلسطين سيء الصيت [فندق في بغداد كان يضم مكاتب لقنوات إخبارية عالمية، تعرض لقصف أميركي ما أدى لسقوط بعض الإعلاميين جرحى وقتلى].
ولم يكن تيلغنر صحفيًا من نوع المراسلين الحربيين ممن يرتدون سترات السفاري، كما لا ينتمي إلى زمرة المستشرقين النمطيين. وقد سعى دائمًا إلى اكتشاف ما يخفيه التضليل الإعلامي والكليشيهات الجاهزة، وهو ما ينطبق كذلك على كتبه بصورة أساسية.
وقد ألّف هذا الصحفي المتقاعد حاليًا، والذي لم يتقاعد عن النشاط عمليًا، كتابًا جديدًا، يحمل عنوان “حرب في المشرق – إخفاق الغرب”، يلقي من خلاله نظرة متأثرة بتجاربه الخاصة على المنطقة برمتها. فهل أضاف بذلك كتابًا آخر لقائمة الكتب التي تتناول السياسات الأميركية المضللة في منطقة الشرق الأوسط وإخفاقات أوروبا فيه؟ يجيب تيلغنر عن هذا السؤال بوضوح في افتتاحية كتابه سلفًا، عندما يذكر بأن سبب تأليف الكتاب هو مسألة تهمه شخصيًا قبل كل شيء.
فلعقود خلت، كان تيلغنر شاهدًا ميدانيًا على فرض الغرب لمصالحه الاقتصادية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر الوسائل العسكرية، وعلى تعاونه النفعي مع الديكتاتوريين والأنظمة الفاسدة، وعلى الآثار السلبية المترتبة عن تصدير الغرب السلاح لبعض دول المنطقة، وعلى عدم تحمله المسؤولية عن عواقب ذلك، لاسيما خلال أزمة اللاجئين؛ ولطالما عبّر تيلغنر عن استيائه حيال ذلك كله.
صحيح أن تيلغنر يواجه الغرب في كتابه بصرامة، ويقصد بنقده في المقام الأول الولايات المتحدة التي هيمنت على الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة عبر تدخلاتها ذات العواقب الكارثية في أفغانستان والعراق، إلا أنه يحرص على أن تبقى أحكامه موضوعية.
ويدّعي المؤلف بأنه لا يكتفي فقط بتسمية التجاوزات التي سبق وأن تم وصفها مرات عدة بالفعل، بل أيضًا بتحليل الأزمات في الشرق الأوسط بطريقة نموذجية، بما يقدم دلائل على المنعطف الكبير الذي تشهده السياسية العالمية الذي لطالما تمت مناقشته. بيد أن أجزاء كبيرة من الكتاب الذي يغطي جميع الصراعات في المنطقة تقريبًا لا ترقى إلى مستوى هذا الادعاء.
فالتصورات التي يقدمها للصراعات في اليمن وليبيا وسوريا والفصول التي تتناول الإرهاب والربيع العربي والخلاف الإيراني الأميركي تفيد في تقديم نظرة عامة موجزة لا أكثر. ونادراً ما تحولت نية المؤلف بتجاوز “مستوى الوصف المجرد” إلى أمر ملموس فعليًا. وكان من الممكن للقارئ أن يستفيد أكثر من تجربة تيلغنر الشخصية، لاسيما في الفصل الخاص بالبلد الذي يمتلك فيه أكبر رصيد من الخبرة، ألا وهو العراق.
تيلغنر يرى أن المنطقة مقبلة على التفاوض
ويتوصل تيلغنر في بعض الأحيان إلى تنبؤات تبدو اعتباطية حين يؤسسها على تحليلات موجزة، ومن ذلك رؤيته لحكم العائلة السعودية المالكة “في خطر”، ويشير لدعم لرأيه هذا إلى مشاكل اقتصادية وسياسية تواجهها هذه العائلة، في وقت لا يتعرض فيه للحديث عن الدستور الحالي للمملكة وعن دور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المثير للجدل إلا نادرًا.
أما فيما يخص سوريا، فيتعرض تيلغنر لدور روسيا وإيران بصورة مقتضبة، كما أن الحديث عن استراتيجية لإعادة الإعمار، ينتهجها الغرب في سوريا كطريقة لكسب النفوذ فيها مجددًا، لا يزال بعيدًا عن الواقع.
كما يصف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بأنها “مرجحة” على المدى الطويل. غير أن مثل هذا التقييم المتفائل يتطلب تحليلًا أكثر شمولًا من مجرد التأكيد على أن ” كلا الجانبين يخشيان الحرب ويريدان تجنبها”.
أما الفصل الأخير الذي يتناول التحولات السياسية العالمية -التي تتراءى في الشرق الأوسط أيضًا- ونهاية الهيمنة الأميركية وصعود الصين، والأسئلة الكبرى في عصرنا الراهن، مثل تغير المناخ وتآكل القانون الدولي أو وباء كوفيد -19، فقد كان حريًا به أن يكون مقدمةً للكتاب، بما يوفر سياقًا ممهدًا للتحليلات التالية التي تتناول الصراعات الإقليمية.
كما أن أفكار تيلغنر المتفائلة بأن “سكان النصف الجنوبي للكرة الأرضية سيجدون القوة لبناء مستقبل جديد لأنفسهم على أنقاض السياسات الغربية الفاشلة” كان لها أن تنال حيزًا أكبر من النقاش مما ظهرت عليه في الكتاب.
تحليلات متعمقة
أما غيدو شتاينبرغ، الخبير المتمرس في شؤون الشرق الأوسط في “المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية” في برلين، فقد ألّف كتابًا يحمل عنوانًا مشابهًا للغاية، وهو “حرب في الخليج”. وهو عنوان أكثر دقة بالفعل، إذ يتناول الكتاب “الصراع الأساسي” في الشرق الأوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران، والذي أصبح العامل الموجه لجميع الجهات الفاعلة في المنطقة تقريبًا وللصراعات فيها، وبذلك فقد حل هذا الصراع منذ مدة طويلة محل الصراع الممتد على مدى عقود من الزمن، أي محل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ ومن هذا المنطلق قام أولريش تيلغنر أيضًا بإغفال الحديث عن الصراع الأخير بصورة تامة.
ويبرز شتاينبرغ كذلك التحالفات الجديدة التي ظهرت في المنطقة، والتي تم التعبير عنها في أحدث الاتفاقيات التي عقدتها إسرائيل مع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين. أما القوى السابقة مثل مصر أو العراق، فقد خسرت نفوذها منذ فترة طويلة، وأصبحت جزءًا من تحالفات إيران أو المملكة العربية السعودية.
ويقدم شتاينبرغ في القسم الأول من كتابه تحليلات مفصلة للغاية عن تاريخ القوتين المهيمنتين المعاصر، وعن الأوضاع الداخلية فيهما؛ ويتيح هذا الوصف التفصيلي آلية لفهم الاضطرابات السياسية الداخلية المعقدة أحيانًا وسيناريوهات التهديد الإقليمي المتغيرة. كما تحتوي بعض الفقرات التي تناولت شخصيات رئيسة في كلا البلدين، مثل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وزعيم الثورة الإيرانية علي خامنئي، وكذلك تلك التي تناولت مؤسسات مثل الحرس الثوري الإيراني، معلومات مفيدة.